ملخص: يمكن القول إن وظيفة المبيعات أقل قدرة على التكيّف مقارنة بغيرها من وظائف (أو أقسام) الشركة، إذ تظل عملية البيع كما هي دون تغيير يُذكَر لفترات طويلة من الزمن في الكثير من الشركات. لكن الرقمنة أدت الآن إلى تغيُّر الطريقة التي يشتري بها الكثير من العملاء، وبالتالي بات لزاماً على فرق المبيعات أن تتطور باستمرار. وهناك 4 ممارسات يمكن أن تساعد على تحقيق التحول إلى نموذج المبيعات المرن: توقُّع اتجاهات العملاء، وإعادة توزيع الموارد بطريقة تتناسب مع سلوك العميل، وتحويل التركيز من إتمام صفقات البيع إلى مساعدة العملاء على إدراك القيمة، واعتماد أسلوب صناعة القرار بطريقة مرنة.
لا يتميز مندوبو المبيعات بقدرتهم على التواؤم مع التغيرات المتلاحقة. ولطالما كان تطور أدائهم أمراً نادر الحدوث، حتى إنه يكاد يصل إلى حد الجمود ويشكل في الواقع سمة أساسية في طريقة عمل فرق المبيعات وهياكلها.
وتحدث التغيُّرات في نماذج المبيعات في معظم الشركات عادةً بسبب وقوع حدث جَلَل، مثل حدوث تغيُّرات جذرية في مجموعة المنتجات أو تعرُّض السوق للزعزعة. ويعتبر الاستقرار هو القاعدة الأساسية في غياب هذه الأحداث. قد يعمل مندوبو المبيعات على تكييف منهجياتهم وعروضهم وفقاً لاحتياجات كل عميل، ولكن تظل العناصر الأساسية لنموذج المبيعات أقرب إلى الثبات على المستوى الكلي دون أن يطولها التغيير. ويعتمد مندوبو المبيعات على عمليات البيع القابلة للتكرار التي أثبتت نجاحها من قبل، حيث يتم توزيع مندوبي المبيعات وفق المناطق الجغرافية التي يتم على أساسها تحديد العملاء والمنتجات والمهمات، بداعي أن هذا يسمح لمندوبي المبيعات بتطوير الخبرة وبناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء. كما يعمل مدراء المبيعات وفق تسلسل هرمي تقليدي، ويبذلون كل جهدهم للحفاظ على مستوى الأداء، دون الخروج عن المسار الصحيح وفق هذه الأعراف. وتسعى أهداف مبيعات المناطق الجغرافية المرتبطة بالحوافز إلى تنشيط جهود المبيعات وتوجيهها.
ومع ذلك، فإن تلبية احتياجات المشترين اليوم تتطلب المزيد من التغيير بصورة متكررة. إذ يتنقّل المشترون في العصر الرقمي بشكل غير خطي بين خطوات الشراء، ويختارون وقت التواصل مع مندوبي المبيعات. ويتوقع العملاء أن تكون تفاعلات المبيعات مصممة وفقاً لاحتياجاتهم ومعرفتهم المتطورة. علاوة على ذلك، فإن مندوبي المبيعات يشكّلون جزءاً من بيئة عمل تحفل بالقنوات الرقمية (مثل روبوتات الدردشة ومحتوى الويب ووسائل التواصل الاجتماعي) وأدوار المبيعات (مثل المبيعات والنجاح والدعم). ولا تتوافق عمليات البيع وهياكل المبيعات الثابتة التي يفرضها البائع مع المستويات الهائلة لمرونة الشراء في العالم الرقمي. في الواقع، يؤدي الجمود إلى ضياع الفرص.
وقد حرص بالفعل الكثير من فرق المبيعات الداخلية (أي الفرق التي تستخدم تقنيات الفيديو والهاتف والاتصالات الرقمية للتواصل مع العملاء بدلاً من إجراء زيارات شخصية) على تحدي نماذج المبيعات المستقرة. يحرص أحد هذه الفرق التي عملنا معها في إطار خدماتنا الاستشارية على إجراء مكالمات هاتفية مع مسؤولي الشركات الصغيرة لبيع المنتجات المالية. واكتشف الفريق أن ترحيل توقيت المكالمات إلى الوقت المناسب خلال اليوم ضاعف احتمالية المبيعات بمقدار 3 مرات وزاد الأرباح بنسبة 20%. يشكّل هذا النوع من المرونة جزءاً أساسياً من تركيبة فرق المبيعات الداخلية. إذ يمكنها تتبع تفاعلات العملاء رقمياً والتنبؤ باتجاهات الطلب ومعرفة ما يمكن أن ينجح. ومن ثم يمكنها توسيع نطاق الأدوار أو إعادة هيكلتها أو تحسينها دون القلق بشأن وقت السفر أو تنقلات مندوبي المبيعات. بالإضافة إلى ذلك، فإن مندوبي المبيعات الداخليين معتادون على أخذ التوجيهات من الأوامر النصية التي تظهر على الشاشات وتكييف المحادثات مع احتياجات العملاء بصورة فورية.
وبالنسبة للمبيعات الميدانية، فإن الانتقال إلى نموذج المبيعات المرن يتطلب تحولاً في العقلية. وبدلاً من الإدارة بأسلوب "القيادة والسيطرة" الذي تمليه الأولويات التنظيمية، فإن النموذج الجديد يقوم على احتياجات العملاء. وتستخدم المؤسسات بشكل روتيني المحتوى المخصص بعد إضفاء طابع شخصي عليه، علاوة على استخدام المراسلات وقنوات التواصل المناسبة لكل عميل. لكن تطبيق المرونة على المستوى الكلي أمر صعب. حيث تصطدم الحاجة إلى المرونة مع الجمود الحالي في عمليات المبيعات والتوزيع الجغرافي وهياكل الإدارة والحوافز.
4 أولويات تساعد المؤسسات على التطور:
1. تتبع مكان وجود العملاء مركزياً وتوقّع اتجاهاتهم
يمتلك معظم المؤسسات بصفة عامة القدرة على فهم طبيعة رحلات شراء العملاء النموذجية. لكن لا تزال هناك تحديات تقف حجر عثرة أمام دمج البيانات من مصادر متعددة وصياغة رؤى ثاقبة حول مكان وجود كل عميل في رحلته وتوقُّع احتياجات العملاء بصورة مسبّقة. ويتطلب سد الفجوة إضفاء الطابع الرقمي على تفاعلات العملاء وتحويل المعلومات غير المربوطة بشبكة الإنترنت إلى معرفة مؤسساتية وبناء قدرات رقمية ذكية دائمة التشغيل للحصول على رؤى ثاقبة في الوقت الحقيقي. وقد عملت مؤسسات، مثل مايكروسوفت وإنتويت (Intuit)، على تركيز هذه القدرات في مراكز الطلب التي تحدّد مؤشرات الشراء وتُمكّنها من رؤية مسارات رحلة الشراء في الوقت الحقيقي ومعرفة مدى التقدم الذي يحرزه كل عميل وتنظيم آلية التواصل الرقمي والشخصي مع العملاء.
2. إعادة توزيع الموارد باستمرار لتلائم احتياجات العملاء
تتطلب المرونة التي يريدها العملاء من المؤسسات إنشاء أدوار جديدة بشكل متكرر وتكييف الأدوار الحالية وتغيير طريقة تخصيص الموارد. وعلى الرغم من أن المؤسسات توزّع مواردها بشكل روتيني وبطرق متباينة اعتماداً على الظروف المحلية، فلا يزال من الصعب تكييف الأدوار بشكل مستمر وإعادة توزيع الموارد دون إحداث فوضى. وغالباً ما يصمّم مصنع المنتجات الزراعية مسؤوليات مندوبي المبيعات وفقاً لمستوى تغلغل الشركة في المنطقة. ولكن من الصعب الانتقال بالمرونة إلى المستوى التالي، من خلال تغيير الأدوار في الوقت الحقيقي إذا أدى تغيُّر توقعات الطقس، مثلاً، إلى التأثير على دورات المحاصيل الزراعية ومعدلات الطلب المتوقعة على المُنتَج.
وتوازن المؤسسات المرنة بين الاستمرارية والقدرة على التكيف من خلال تصميم أدوار المبيعات التي تتصف بالاستقرار في بعض المحاور، ولكنها تتصف بالمرونة في البعض الآخر. قد يتضمن هذا الهيكل مزيجاً من الأدوار التي تركز على العملاء والأدوار المتخصصة. وتخدم الأدوار التي تركز على العملاء مجموعة ثابتة من العملاء مع تكييف المهمات التي يتم تنفيذها وفقاً لاحتياجات العميل. وتتمتع الأدوار المتخصصة بقدرة أكبر على المواءمة مع عملاء محددين، ولكنها تؤدي المهمة نفسها باستمرار، مثل التأهيل أو العروض التوضيحية للمنتجات أو التسعير. بالإضافة إلى ذلك، يتم تنفيذ تغيير الأدوار بأقل قدر من الاضطراب من خلال زيادة معدل دوران موظفي المبيعات (الذي يتراوح عادةً ما بين 10% إلى 20% سنوياً). وبدلاً من شغل الوظائف الشاغرة بسرعة، يمكن للمؤسسات إعادة توزيع الموارد في المجالات ذات التأثير الأكبر.
3. تغيير عقلية فريق المبيعات من التفكير في "إتمام عملية البيع" إلى التركيز على "البحث عن القيمة"
اعتاد مندوبو المبيعات على العمل بشكل مستقل، وغالباً ما يكون دافعهم الفخر بإتمام الصفقة. في المقابل، تتطلب المرونة في أدوار المبيعات أن يعمل مندوبو المبيعات كجزء من مجموعة. ويستلزم هذا التغيير إعادة التفكير في خطط حوافز المبيعات التي يتم تقديمها وفقاً لمستوى الأداء الفردي وتأثيره على إجمالي الإيرادات، مع تقليل دور الحوافز المالية وتحفيز فرق المبيعات وتوجيهها.
وقد أدى تفاعل العملاء مع المزيد من القنوات والأدوار إلى ازدياد تعقيد عملية قياس أثر كل مندوب مبيعات على النتائج. وبالتالي، يتحول التركيز من تحفيز النتائج الفردية إلى تقديم مكافآت جوهريّة وخلق بيئة تعزز العمل الجماعي والعمل التعاوني وخلق القيمة للعملاء. وتستجيب إحدى كبرى شركات الأدوية لتطور مشاركة العملاء من خلال تبني البيع القائم على الفريق مع تقليل الاعتماد على الحوافز المرتبطة بالإنجاز المالي الفردي. وبدلاً من ذلك، تتم مكافأة مندوبي المبيعات على تحقيق مجموعة من أهداف الفريق والأهداف الفردية (كالإدارة بالأهداف ومقاييس تقدُّم عملية المبيعات والعمل التعاوني ومستوى رضا العملاء).
4. دعم المرونة في صناعة القرار لدفع عجلة النمو
من الصعب على القادة إجراء تغييرات في الوقت المناسب مع ضمان الإجابة الصحيحة أيضاً. ويؤدي التجريب المستمر إلى خلق رؤى ثاقبة لتحقيق التوازن بين سرعة وجودة صناعة القرار. ويمكن للمؤسسات معرفة الإجراءات القابلة للنجاح قبل إجراء تغييرات واسعة، من خلال تجربة المفاهيم الجديدة على نطاق صغير. فقد عيّنت إحدى شركات التكنولوجيا أنواعاً مختلفة من متخصصي المبيعات التقنيين في مناطق جغرافية محددة، ثم راقبت مؤشرات الأداء الرئيسية لقياس التأثير على سرعة المبيعات. وينظر الكثير من المؤسسات بعين الحذر إلى إجراء التجارب، خاصةً عندما تؤثر التغيُّرات بشكل مباشر على العملاء. وقد تغلبت شركة التكنولوجيا على هذا التردد من خلال إنشاء دور جديد يركّز على التجريب والتعلم.
تشجع هذه الأولويات الأربع كلاً من الشفافية والعمل التعاوني والتعلم المستمر على مستوى المؤسسة من أجل إنجاح نموذج المبيعات المرن. وتتميز فرق المبيعات في هذه الحالة بأنها على أتم استعداد لمشاركة المعلومات ليس فقط للفوز بصفقة أو اغتنام فرصة معينة، ولكن أيضاً لإفادة المؤسسة بشكل أوسع. ويُقاس النجاح من خلال مستوى الأداء وتأثيره على معدلات إجمالي المبيعات والقيمة التي يتم خلقها للعميل والعمل الجماعي.