ملخص: تستند القيادة المثالية إلى منظومة من المبادئ التي توازن بين الرؤية الواضحة، والثقة، والتمكين، والشمولية، والرفاهة؛ لتصنع بيئة عمل محفّزة للابتكار ومسؤولة عن النتائج.
الرؤية المشتركة: اربط أهداف الفريق برؤية أوسع تعكس الاستدامة والابتكار، وحوّل الأهداف من شعارات إلى ممارسات يومية تخلق انتماءً حقيقياً.
الثقة التنظيمية: استبدل ثقافة التخويف بثقافة الثقة؛ شجع الصراحة، واعتبر الأخطاء فرصاً للتعلّم، فذلك يضاعف الطاقة والإنتاجية.
التمكين الواعي: امنح الحرية ضمن أطر واضحة ومساءلة مشتركة، فالموظف الممكّن المبادر أكثر قدرة على الإبداع واتخاذ القرار.
الشمولية والتنوع: استمع لكل صوت داخل الفريق؛ فالأفكار الجديدة، مهما بدت صغيرة، قد تقود لتحولات كبيرة في أسلوب العمل وزيادة تفاعل العملاء.
رفاهة الموظفين: اجعل الصحة النفسية والبدنية أولوية استراتيجية، من خلال بيئة داعمة ومتابعة منتظمة دون تدخل مفرط، لتقليل الاحتراق الوظيفي وتعزيز الالتزام.
بهذه المبادئ، تتحول القيادة من إدارة للأداء إلى شراكة إنسانية تصنع فرقاً متماسكة، تبتكر وتحقق نتائج مستدامة.
يزداد زخم قطاع العقارات السعودي مدفوعاً برؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الحضرية وتنويع روافد الاقتصاد. وفي سبيل تحقيق ذلك، تبنت المملكة عدة إصلاحات تنظيمية جوهرية ونفذت مشاريع كبرى لتوفير بيئة حيوية جاذبة للاستثمارات. وقد تجاوز دعمها للبنية التحتية تريليون دولار أميركي، ما عزز فرص الاستثمار في العقارات المستدامة. وأحدث نقلة نوعية في القطاع العقاري والسكني والتجاري والضيافة. وسجلت المملكة صفقات بقيمة 320 مليار دولار خلال عامين فقط. في حين أسهم القطاع بـ 14% في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2024.
انطلاقاً من هذا الزخم، اهتممنا في مجموعة روشن بمواكبة التحولات المتسارعة من خلال استحداث أنماط إدارية مرنة، إذ تتطلب هذه السوق فهماً عميقاً لمتغيراتها وتوجهات المستثمرين فيها. لذا، كان لا بد من تبني نهج إداري جديد يتخلى عن السيطرة، ويعتمد على التطوير الذي لا يقتصر على الكفاءة التشغيلية فقط، بل يشمل تنمية القدرات البشرية أيضاً. من هنا، عملت وفقاً لنهج القيادة المثالية في قسم المبيعات للمجموعة، الذي يستند إلى مصطلح "المدينة الفاضلة" التي صاغها الفيلسوف اليوناني أفلاطون لإنشاء مجتمع عادل ومتوازن تسوده الحكمة والتناغم.
أساليب قيادية متعددة في مفهوم واحد
يطرح التصور الفلسفي للمدينة الفاضلة مثالية تفوق حد الخيال، وإذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار، فلا وجود لما يسمى بالقيادة المثالية بالمعنى الحرفي، لكن هناك صفات يمكن أن يتبناها القادة مثل النزاهة والتواصل الفعال والتعاطف والقدرة على التكيف. وبدلاً من الكمال، يمكن للقائد الفاضل التركيز على كيفية تحقيق النمو المستدام، من خلال تمكين فريق العمل وترسيخ بيئة من الاحترام المتبادل. وقد أشار روبن شارما في كتابه "القائد الذي لا يحمل لقباً" إلى أهمية القيادة الذاتية من خلال الالتزام بالمبادئ والوعي الذاتي والتحسين المستمر؛ لذا تخطى مفهومنا عن القيادة المثالية الوجه الحالم للأيديولوجيا وتبنى نهجا إدارياً لتحويل الأحلام إلى واقع ملموس، بإنتاجية متزايدة ومواكبة نمو السوق العقارية في المملكة.
وقد ألهمتني التجارب الشخصية للانتقال من ثقافة إدارية قائمة على الالتزام الصارم إلى نظام تقوده الغاية، إذ عملت في بيئات صارمة ومرنة على حد سواء، ورأيت عن قرب أن الأداء حين يخلو من غاية أو معنى أسمى، يفقد قدرته على الاستمرار. وتعلمت أن الثقافة تتغير من خلال سلوك قيادي متسق وغاية واضحة ومساحة للنمو. لذا، تجمع القيادة المثالية في مفهوم واحد عدة أنماط قيادية، بدءاً من القيادة المرتكزة على الإنسان، التي تتطلب نية صادقة لمساعدة الموظفين على النجاح، وصولاً إلى القيادة التشاركية لتحسين روحهم المعنوية، وخلق بيئة تتسم بالثقة تشجعهم على تطوير مهاراتهم، إضافة إلى القيادة التحويلية لتحفيزهم على الابتكار من خلال الأساليب القائمة على الدعم والتوجيه والتدريب.
ويعتمد النجاح في هذا الأسلوب على بصمة القيادة ومعرفة غايتها وتأثيرها. فازدهار الأداء يتعلق بشعور أعضاء فريق العمل بالأمان، وبأنهم مرئيون، وبأن لهم قيمة حقيقية. وهذا ما أكدته أيضاً دراسة بعنوان "القيادة الفاضلة: مصدر لرفاهة الموظفين وثقتهم"، إذ أظهرت التأثير الإيجابي لهذا النهج القيادي على تحسين كفاءة الموظفين وأدائهم الفردي والمؤسسي بالمحصلة.
ما هي الأسس التي تعتمدها القيادة المثالية؟
مع تشكيل مجموعة روشن لنحو 200 مليون متر مربع من الوجهات التي تقوم على الابتكار والاستدامة في أنحاء المملكة، فإن الفلسفة القيادية لفريق المبيعات وضعت أطراً واضحة لخلق نظام عمل يعكس هذا الالتزام. وكان أكبر تحول شهده الفريق هو تجاوز مؤشرات الأداء الثابتة والهيكل الهرمي التقليدي، وتبني أسلوب عمل قائم على الثقة والتمكين والرؤية المشتركة. فما هي المبادئ أو الفضائل الأساسية التي اعتمدناها أو التي يمكن الاستناد إليها إن كنت تريد معرفة المزيد حول هذا النهج القيادي؟
1. الرؤية: بوصلة نحو آفاق أوسع
تلهم الرؤية المؤسسية الموظفين وأصحاب المصلحة والعملاء، وتسهم في استقراء المستقبل. وتعزز الرؤية المؤسسية الواضحة احتمالية تحقيق أهدافها وتفوقها على منافسيها بنسبة 30%. لكن يظل التحدي الذي قد يواجه القادة في تنفيذ الأهداف الجوهرية، تلك المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية وتجسيدها في قراراتهم وثقافة الشركة لتتفادى اعتبارها شعارات على ورق وتدخل حيز التنفيذ، لا سيما أن الرؤية تكتسب قوة عند تطبيقها وتصبح مصدراً للمرونة وعادة مؤسسية تتجاوز الاستجابة المؤقتة وتعزز المشاركة الفاعلة للموظفين؛ لذا يمكن بناء القيادة المثالية على رؤية واسعة تتوافق مع مبادئ الاستدامة، وتحفز الابتكار لدى فريق العمل، وتحسن عملية اتخاذ القرارات.
ومع سعي المجموعة إلى مواكبة رؤية 2030 من خلال تطوير مجتمعات حيوية وزيادة المعروض السكني، خاصة مع إمكانية جذب هذه السوق لنحو 1.2 تريليون دولار أميركي، أصبح نهجنا القيادي انعكاساً للرؤية الوطنية؛ بالتركيز على تنمية الإنسان والابتكار. ومع النمو الذي يشهده القطاع، برزت الحاجة إلى مواءمة الفريق مع الرؤية؛ لذا تحول فريق المبيعات للعمل بمسؤولية. ونتيجة لذلك، لم يعد الفريق ينظر إلى العملاء باعتبارهم صفقات يجب إتمامها، بل شركاء في بناء مستقبل المجتمعات. وانتقلنا من نهج البيع القائم على المعاملات إلى نهج التفاعل القائم على العلاقات، لضمان تجربة متكاملة تعتمد على عقلية تفضل العلاقات الطويلة الأمد. والنتيجة هي أداء أقوى وولاء أعمق من العملاء وفريق موحد برؤية مشتركة.
2. الثقة: أساس السرعة والابتكار
يتبنى القادة الثقة لا التخويف؛ فالثقة تحول الأخطاء إلى دروس نتعلمها من خلال مكافأة الشفافية والاستماع قبل المساءلة. وقد أظهرت أبحاث بول زاك أن الموظفين في المؤسسات العالية الثقة أبلغوا عن طاقة أكثر بنسبة 106% وإنتاجية أكبر بنسبة 50% مقارنة بغيرهم.
لذا، ترتكز فلسفة القيادة المثالية على خلق بيئة حاضنة يشعر فيها الفريق بالثقة والارتباط بالأهداف العامة. وعندما يشعر فريق المبيعات بالثقة في اتخاذ القرارات وإدارة قنوات البيع ضمن إطار منظم، فإنهم يتحملون مسؤولية النتائج بصفة أكبر ويحققون أداءً أفضل.
3. التمكين: محرك الإبداع
عندما تمكن الشركات موظفيها، فإن أدوارهم تتجاوز حدود التنفيذ لتزيد معدلات الابتكار واتخاذ المبادرة بنسبة تصل إلى 85%. إذ يضع التمكين أساساً للإبداع في أي شركة تطمح إلى التكيف والنمو. وقد أفادت دراسة بعنوان "تمكين الموظفين وأهميته للثقة والابتكار والأداء التنظيمي" بأن التمكين يدفع عجلة الابتكار ويحسن أداء الموظفين في 248 شركة شملتهم الدراسة. لكن يخلط البعض بين التمكين وانعدام وجود الهياكل التنظيمية؛ لذا تعد المساءلة ضرورة قصوى إلى جانب التمكين حتى لا تخلق خللاً في الشركة. وهناك خطأين رئيسيين يجب الحذر منهما في هذه الحالة:
أولاً: الخلط بين الحرية وفقدان الهيكل؛ فالتمكين يتطلب أطراً واضحة ومنظمة حتى لا يتحول إلى فوضى.
ثانياً: لا تغفل الغاية؛ فتمكين الأفراد لن يكون مجدياً ما لم يكن مرتبطاً بهدف مشترك.
ولتبسيط هذه المعادلة الصعبة لتحقيق التوازن بين التمكين والمساءلة، سأعرض عليكم مثالاً: كل عضو في فريق المبيعات لدينا يعد مسؤولاً عن رحلة العميل. لذا، نقرن هذه المسؤولية بأهداف ومؤشرات أداء متفق عليها جماعياً وتتماشى مع رؤيتنا لضمان رضا العملاء. وهذا يتفق مع مبادئ القيادة القائمة على التواصل الإنساني التي تشجع على مشاركة الموظفين بدلاً من شعورهم بروتين تلقي التعليمات فقط.
4. الشمولية: شرارة للذكاء الجماعي
قدمت إحدى الموظفات الجدد في فريق المبيعات لدينا ملاحظة حول تزايد رغبة العملاء المحتملين في الحصول على المساحات المعيشية التي تعزز روح المجتمع. لذا، كان لزاماً علينا التعامل مع هذه الملاحظة بطريقة غير تقليدية دون رفعها من خلال القنوات المعهودة. فماذا فعلنا؟
الأمر ببساطة أننا شكلنا مجموعة عمل متعددة التخصصات لدراسة هذه الفكرة. ومن خلال التوجيه والثقة، أصبحت رؤية الموظفة الجديدة سبباً في تغيير الأسلوب التسويقي بأكمله من التركيز على الخصائص إلى التركيز على أسلوب الحياة. وأسهمت ملاحظتها الصائبة في رفع مؤشرات التفاعل مع العملاء بنسبة 15%.
لذا، يمكنني القول إن ذلك هو مبدأ الشمولية التي أصبحت دافعاً للابتكار والتعلم المستمر وتعزيز الترابط والذكاء الجماعي. إذ يرتبط مستوى التنوع داخل الشركات بأدائها المالي، ويزيد احتمالية تفوقها على منافسيها بنسبة 35 % وتعزيز الأداء الجماعي للموظفين.
5. الرفاهة: أساس للتميز المستدام
تنعكس رفاهة الموظفين على مستويات التزامهم، فهي ليست ميزة إضافية تمنحهم إياها الشركات. إذ ينعكس دعم القادة على صحة الموظفين النفسية والجسدية. وقد كشفت دراسة تابعة لمنظمة الصحة العالمية عن تأثير تعزيز رفاهة الموظفين من خلال التدخلات المؤسسية المدروسة، سواء بإعادة هيكلة بيئة العمل أو تزويد القادة بمهارات داعمة، ما يخفض مستويات التوتر والقلق لديهم، ويقلل معدلات الاحتراق الوظيفي. ويؤكد هذا الاتجاه أن الاستثمار في صحة الموظف الذهنية يمثل رافعة استراتيجية طويلة المدى للتميز المستدام.
ومن خلال الاستماع إلى الموظفين والجلوس معهم لتحديد الأهداف الاستراتيجية بوضوح، تحدد القيادة المثالية أولى خطوات تعزيز انتمائهم للعمل. وفي إطار هذه العملية البسيطة، أتأكد من فهمهم لأدوارهم، ثم أترك لهم المساحة لتنفيذ مهامهم، حتى إن استغرق الأمر وقتاً أطول من المتوقع. واتابعهم أسبوعياً للتأكد من سير العمل، وتقديم الدعم عند الحاجة، دون التدخل في حريتهم. كما طورنا هيكلاً تنظيمياً يضمن لأي عضو في الفريق التواصل مع أي قائد من أجل التوجيه أو الدعم أو حتى مجرد محادثة، ما يخلق مساحة للنمو والتعاون.
ختاماً، تعد القيادة ضرباً من الشجاعة. ونموذج القيادة المثالية للإدارة لا يدعي الكمال، بل يتبنى ما هو أكثر إنسانية واستدامة. ويركز على ضرورة تحقيق التوازن بين الإنجازات قصيرة المدى والاستثمار في المستقبل، فالانتصارات السريعة قد تخلق زخماً، لكن الصمود ينتج من قرارات بعيدة النظر والقدرة على التكيف والنمو الاستراتيجي.
وفي القطاع العقاري، يعد الوضوح والتواصل والشجاعة عناصر أساسية. ويحرص القادة الملهمون على تأسيس مجتمعات قائمة على الثقة والتوجيه والمسؤولية، ويضعون المعايير من خلال الشفافية والثبات. هكذا يترسخ التحول الحقيقي داخل الشركات.
 
                 
                             
                             
                                
                            