كيف لرواد الأعمال في الدول العربية أن يستفيدوا من نموذج التمويل الجماعي؟

5 دقائق
التمويل الجماعي
shutterstock.com/venimo

أصبح "التمويل الجماعي" (Crowdfunding) وسيلة يلجأ إليها رواد الأعمال الصغار من أجل خلق ريادة أعمال أو تطوير نشاط اقتصادي معين، كما بيّن ذلك روينغ مينغ وزملاؤه في مقال لهم حول "فهم دور الالتزام في شرح الرغبة في الاستثمار في التمويل الجماعي". إذ ما زالت وسائل التمويل التقليدية من قروض بنكية أو"مستثمرين ملائكة"(مستثمرين رعاة) طرقاً تطرح تحديات بالنسبة لرائد الأعمال الصغير أو بالنسبة لأصحاب المشاريع الريادية. بينما يمكن لمن يستعمل التمويل الجماعي أن يصل إلى التمويل بطريقة سهلة ومبسطة، يقتضي التمويل الجماعي استعداد رائد الأعمال لقبول التشارك والمساهمة من أشخاص لا يعرفهم. ويقتضي كذلك استراتيجية محكمة وناجعة للتواصل والتسويق، وشفافية في التعامل مع المساهمين وتحضير التقارير الأدبية والمالية.

أنواع التمويل الجماعي

هناك أربعة أنواع للتمويل الجماعي يمكننا التعرف عليها هنا وهي:

أولاً، التمويل الذي يعتمد على مساهمة مؤمنة للشركاء في الرسملة  التي تترتب عنها أرباح محددة.

ثانياً، التمويل المرتكز على المكافأة والتي بموجبها يكافيء رائد الأعمال الناشئ المساهمين بالمنتج المتفق على صناعته.

ثالثاً، التمويل المعتمد على القروض غير المؤمَّنة.

وأخيراً، التمويل المعتمد على المنح والهبات التي لا تقتضي أي التزامات ربحية أو عينية أو قرضية تجاه المساهمين (انظر مقال شونغان روي ويونغ غول كيم "نموذج لرعاة التمويل الجماعي").

ويعتمد اختيار نوع التمويل الجماعي على طبيعة النشاط الاقتصادي وطبيعة مناخ الأعمال ومدى دينامية النشاط الاقتصادي وثقافة ريادة الأعمال الموجودة في دولة معينة. على سبيل المثال، يعتبر التمويل الجماعي المبني على القروض هو الأهم في فرنسا، متبوعاً بالتمويل الجماعي المبني على المنح والهِبات، كما بينت ذلك دراسة "الجمعية الفرنسية للتمويل الجماعي".

إن من ميزات التمويل الجماعي أنها تخوّل إمكانية التمويل من طرف شريحة عريضة من المساهمين، وتشكل فرصة للقيام بتسويق قوي للمشروع ومنتجاته وطريقة عمله. إلا أنّ من مساوئه أنه إن فشل أضرّ بسمعة المنتجات وبسمعة من ساهموا في تمويله.

ويميل الشباب الرواد الذين يستعملون تكنولوجيا التواصل  إلى استعمال التمويل الجماعي معتمدين على قدراتهم في حشد التأييد لأفكارهم والتفاعل عن بعد عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ولأن لهم القدرة على الإقناع وجمع التمويلات عبر هذه الوسائل.

وقد بدأ الاهتمام بالتمويل الجماعي في الدول العربية يتطور شيئاً فشيئاً. وتوجد في دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن ولبنان وغيرها منصات لحشد التمويلات لفائدة مشاريع صغرى وضمان الاقتراض بين النظراء أو للقاء "مستثمرين رعاة" قادرين على تمويل مشاريع تابعة لريادة أعمال متوسطة أو صاعدة.

وتختلف نسبة نجاح المشاريع من بلد إلى آخر، وتعتمد على مدى وعي الجمهور بتقنيات التمويل الجماعي ووجود جالية في الخارج منخرطة في تمويل المبادرات ضمن بلد الأصل، إلى جانب وجود بيئة قانونية مسهّلة (أو عدم وجودها)، بحسب فاطمة كاروت، التي قامت بدراسة حول "التمويل الجماعي  في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: منصة ذومال نموذجاً"، حيث بينت في دراستها أن نسبة نجاح الحملات التي يتم تنظيمها على محطة التمويل الجماعي "ذومال" تصل إلى 37% في لبنان و17% في الأردن و6% في مصر و4% في المغرب. وهذا شيء طبيعي لأن المنصة لبنانية في الأصل ولها القدرة على التفاعل أكثر مع الجمهور القريب منها في لبنان والأردن.

أما في دول شمال أفريقيا، وحسب الدراسة التي قامت بها صالحة تكفي من جامعة سيدي بلعباس بالجزائر، يحتل المغرب الصدارة من حيث عدد الحملات لحشد التمويل (274) مشروعاً، من ثم تونس (70) مشروعاً، ثم الجزائر(57) مشروعاً، ولكن نسبة النجاح تبقى متدنية: إذ إنّ أحدى عشر مشروعاً فقط تم تمويله في المغرب (من طرف منصة "سمالا & كو") بينما لم يتسن النجاح في تمويل أي مشروع في الجزائر من طرف منصة "شريكي" التي يرجع تاريخ إنشائها إلى العام 2013. ويذكر أنّ المشاريع التي تم تمويلها من طرف منصتي "كوفاندي" و"أفركيويتي" التونسيتين  ضمت أكثر من 17 مشروعاً، جزء منها يسير بدول أفريقيا جنوب الصحراء.

ظهرت في الإمارات العربية المتحدة العديد من المنصات منذ العام 2012، والبعض منها يقدم خدمات متطورة ويقوم بتسويق جيد ولكنها تُركّز أكثر على الشركات الناشئة وتمويل القروض بين النظراء والمبادرات الاستثمارية. يقول وليد الصبيطة مدير منصة "دورايز" والتي أقفلت أبوابها مؤخراً بعد حوالي خمس سنوات من العمل: "إن تغيير قطاع الخدمات المالية سيأخذ كثيراً من الوقت والجهد والمثابرة والابتكار من الأجيال الصاعدة". وهو ما يعني أنه حتى في بيئة متطورة على مستوى مناخ الأعمال مثل الإمارات فإن آلية التمويل الجماعي ما زالت تواجه تحديات كبرى.

والتحديات التي تواجه قطاع التمويل الجماعي في الدول العربية تكمن فيما يلي:

  • الجدوى الاقتصادية لمنصات البحث عن التمويلات في حد ذاتها.
  • غياب التشريعات الملائمة؟
  • مدى معرفة ودراية رواد الأعمال الشباب بتقنيات التمويل الجماعي.
  • تدني نسبة نجاح حملات التمويل.
  • ضعف التمكن من تكنولوجيا التدبير والأداء عبر الإنترنت.

وتتقاضى أغلب منصات التمويل الجماعي عمولة من 5 إلى 12% من قيمة المشاريع وهي مبالغ زهيدة مقارنة مع المواكبة التي تقوم بها منذ بداية الحملة إلى آخرها، وبعد الانتهاء من عملية تعبئة الموارد المالية. ولكن هذه العمولة قد تجعلها أقل تنافسية مع عمولات البنوك ومؤسسات التمويل التقليدية، خصوصاً أن منصات التمويل الجماعي تعاني من ضعف السيولة وقلة عدد المشاريع وتدني نسبة نجاح حملات الاكتتاب. لهذا يجب على الحكومات دعم هذه المنصات عبر صناديق ريادة الأعمال الصغرى التي تركز على دعم التنافسية وعبر تسهيلات ضريبية وقانونية خاصة.

ويعد أكبر تحد يواجهه قطاع التمويل الجماعي هو غياب القوانين المؤطّرة، وحتى في حال وجودها فإنها لا توفر البيئة الملائمة لتبسيط وتشجيع عمل منصات التمويل الجماعي. وقد سنت الإمارات العربية المتحدة قانوناً خاصاً بالتمويل الجماعي سنة 2018 سمته "نظام التمويل الجماعي القائم على القروض"، وهو تشريع يركز فقط على عمليات القرض بين النظراء والاقتراض الجماعي ولكنه لا يهتم بالتمويلات المبنية على المنح أو التمويل المبني على الردود العينية في شكل بضائع ومنتجات. كما أن القانون يضع سقفاً لقيمة القروض ويؤكد على وجوب وجود هيئة تدبير ذات كفاءة عالية لتسيير المنصة وضرورة اللجوء إلى محاسب معتمد للتأكد من مصداقية المعطيات والتقارير، وهو ما يتطلب استثماراً مهماً في البداية، إذ يتعامل القانون الإماراتي مع منصات التمويل الجماعي وكأنها هيئات للقرض والاقتراض لا تختلف كثيراً عن المؤسسات المالية الأخرى.

وفي دولة عربية أخرى، فإن مشروع القانون الخاص بالتمويل الجماعي الذي قدمته الحكومة المغربية للبرلمان يترك الباب مفتوحاً لكل أشكال التمويل الجماعي استثمارية كانت أو قرضية أو ذات توجه مبني على المنح أو التمويلات المشروطة بالحصول على جزء من المنتج بعينه. في المقابل، يشترط مشروع القانون اعتماد محاسب لتدقيق المعطيات المالية مهما كان حجم المنصة أو قيمة المشاريع التي تهتم بها. وهذا من شأنه أن يضع تحديات أمام المنصات الصغيرة ذات البعد الاجتماعي والمهتمة بالقروض الصغرى التي لا تتعدى قيمتها ألف أو ألفي دولار.

أضف إلى هذه التحديات الانتشار المحدود لهذه التقنيات والتي تقتضي قدرات تواصل عبر الإنترنت لا يملكها الكثير من شباب المناطق الريفية والهامشية. بعض المنصات في بلدان شمال أفريقيا لا تعمل إلا باللغة الفرنسية، وهو ما يشكل عائقاً أمام الكثير من رواد الأعمال الاجتماعيين الذين لا يتقنون التواصل بالفرنسية. وربما سيسهل اعتماد قوانين في الإمارات وتونس والأردن والمغرب ولبنان على التواصل أكثر بشأن آلية التمويل الجماعي، ومن المنتظر أن يرافق ذلك تنظيم ورشات ومنتديات وحملات توعية عبر أفلام اليوتيوب للتعريف بإيجابيات التمويل الجماعي.

من جهة أخرى، على الحكومات وأصحاب المشاريع ومسيري المنصات أن يبتكروا سُبُلاً جديدة لإنجاح عمليات الاكتتاب وفرص نجاحها. وقد أثبتت الدراسات أن بداية ونهاية عملية الاكتتاب حاسمة (انظر مقال فينكات كوبوسوامي وباري بايوس،"أفكار مبتكرة حول التمويل الجماعي: ديناميات مدعمي المشاريع على منصة كيكستارتر")، حيث تبين الدراسات أن بعض الممولين لديهم سلوك "قطيعي"، (كما بينت ذلك فاطمة كروت المشار إليها أعلاه) أي أنهم يهُبّون جميعاً لتمويل مشروع أو عدم تمويله حسب ديناميات لا يزال الباحثون لم يدركوها بشكل دقيق.

يمكن للدعم الحكومي للتمويل الجماعي  أن يأخذ شكل إعفاءات ضريبية ومِنح لدعم وضع منصات فعالة تعتمد على مقومات تكنولوجية قوية. من دون تكنولوجيا ناجعة ورقمنة واسعة وتغلغل كبير لوسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن لآلية التمويل الجماعي أن تشتغل بشكل ناجح، لا غبار عليه.

ولا بدّ إدراك أن التمويل الجماعي هو نموذج صاعد لولوج الشباب وحاملي  الأفكار ورواد المشاريع الصغرى للتمويل، حيث يتنبأ البنك الدولي بأن رقم معاملات التمويل الجماعي قد يصل إلى 95 مليار دولار في عام 2025، أي أنه سيتضاعف عدة مرات بالمقارنة مع مستواه الحالي.

على الدول العربية أن تستغل هذه الفرصة وتهيئ الشروط للاستفادة من هذه التقنية الجديدة وذلك لدعم تمويل الاقتصاد، خصوصاً المبادرات الصغيرة والمتوسطة، ولدعم سياساتها الهادفة إلى تشغيل الشباب ومحاربة الفقر وإدماج شرائح واسعة من المجتمع في الدورة الاقتصادية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي