الابتكار الثقافي: ما السر وراء تأسيس شركات تجارية مبتكرة؟

18 دقيقة
نموذج الابتكار الثقافي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لطالما كان الابتكار الثقافي أحد أساليب المناورة التي يتبعها رجال الأعمال. وغالباً ما تفشل الشركات القائمة عندما تواجه فرصاً ثقافية غير عادية يسهل تحديدها وتنفيذها بشكل مباشر. ما الذي يجب على الشركات فعله في حال رغبت في التوصل إلى ابتكار ثقافي؟

 

تُعتبر مهمة التوصل إلى ابتكار بقيمة مليار دولار هدفاً لا يقاوم. وتقتدي العديد من الشركات اليوم بنموذج الابتكار الذي أتقنت الشركات في قطاع التكنولوجيا استخدامه كانطلاقة في هذا الصدد. على سبيل المثال، تسعى شركة “بروكتر آند غامبل” إلى تحقيق ما تُطلق عليه الزعزعة البنّاءة، حيث اتبعت الشركة نهج الشركات الناشئة في تصميم عملياتها الابتكارية، مع إعداد مشروع مختبر يجذب روّاد الأعمال في مجال التكنولوجيا واتباع عملية نمذجة أولية رشيقة وقائمة على الاكتشاف والتعلم.

لكن لم يُثبت ذلك النهج فاعليته. والحقيقة هي أن الابتكار في معظم الأسواق الاستهلاكية هو عملية بطيئة تدريجية وتنطوي على توسيع العلامات التجارية الرئيسة أو إضافة ميزات جديدة أو تغيير صيغة معينة. ولا يمثّل ابتكار شركة “بروكتر آند غامبل” الرائدة مثل حفاضات “بامبرز” الذكية التي تُظهر إشارة تدل على موعد تغيير الحفاضة تهديداً بأن يصبح أحد الابتكارات الخارقة التي قد تبلغ قيمتها مليار دولار.

فكرة المقالة باختصار

السياق

تتبع معظم الشركات نهج تقديم “منتج قديم بجودة أفضل” على سبيل الابتكار، بمعنى تحسين القدرة الوظيفية للمنتج وكسب نتائج متوسطة فقط.

النهج المختلف

يتّبع عدد قليل من الشركات فقط نهج الابتكار الثقافي بدلاً من ذلك من خلال تحديد نقاط الضعف في الفئة الحالية للمنتج أولاً، ومن ثم إعادة ابتكار أيديولوجية الفئة ورمزيتها.

النتيجة

على سبيل المثال، حلّت سيارة فورد “إكسبلورر” محل سيارات “الميني فان” المملة التي كانت ترمز إلى حياة “الأم المتنقلة” بصفتها السيارة العائلية المفضلة مع وعد بالإثارة والمغامرة والسحر، على الرغم من أن هذه السيارة الرياضية متعددة الأغراض لم تكن سيارة متفوقة من الناحية التقنية.

ونادراً ما تحقق الشركات نتائج جيدة عندما تبذل قصارى جهدها في ذلك الصدد. تأمّل مثال شركة “كوكاكولا” التي لطالما أعطت الأولوية لفكرة تأسيس مشروع تجاري في مجال القهوة. إذ بعد سنوات من البحث والاختبار، راهنت الشركة بمبلغ كبير من المال على ابتكارين اثنين، وهما “فار كوست كوفي” (Far Coast Coffee)، الذي يمثّل سلسلة بيع بالتجزئة قائمة على مبدأ الاستدامة و “كوكاكولا بلاك” (Coca-Cola BlãK)، وهي عبارة عن مياه غازية ممزوجة بالقهوة. إلا أن الفكرتين فشلتا فشلاً ذريعاً، وهو ما دفع الشركة في النهاية إلى شراء “كوستا كوفي” (Costa Coffee)، وهي سلسلة مقاهي بريطانية بسعر باهظ بلغ 5 مليار دولار.

نماذج متعددة الأسطح
نبذة عن العمل الفني: قام يوهانس ماكس بروكنر، وهو عالم رياضيات ألماني مختص في الهندسة، بإنشاء نماذج متعددة الأسطح وجمعها. ألهم بحثه الذي نُشر عام 1900 الباحثين والفنانين، بمن فيهم الفنان موريتس كورنيليس إيشر.

لم تكن المشكلة التي واجهتها الشركات تنظيمية، بل كان سبب الصعوبات التي اعترضت سبيلها هو أنها عقدت كل آمالها على نموذج ابتكار واحد، وهو ما أدعوه باستراتيجية تقديم منتج قديم بجودة أفضل. وكما قال رالف والدو إمرسون منذ فترة طويلة، “قدّم منتجاً قديماً بجودة أفضل وسيتزاحم الزبائن على باب شركتك”. هذا هو تعريف الابتكار في نظر المهندسين والاقتصاديين، والذي يمثل سباقاً لخلق عرض القيمة الأمثل، فينجح في تحسين القدرة الوظيفية أو توفير مزيد من وسائل الراحة أو كسب ثقة الزبائن أو تقديم سعر أفضل أو تجربة أمثل للمستخدم. وغالباً ما يكون طرح منتج قديم بجودة أفضل هو الخيار الصحيح في حال كانت شركتك متخصصة في مجال التكنولوجيا. ويقدّم آلاف الخبراء والندوات والمعسكرات التدريبية العديد من النصائح لمساعدتك في هذا السعي. ولكن ماذا عن الشركات التي تعمل في أسواق تكون التكنولوجيا الجديدة فيها أقل أهمية أو يستحيل تطبيق التكنولوجيا فيها؟ بالنسبة للكثير من تلك الشركات التي تفشل في تحقيق مبلغ كبير من العائد على الاستثمار، تُبدو مهمة السعي وراء استراتيجية تقديم منتج قديم بجودة أفضل عملية مرهقة ومكلفة وعديمة الجدوى.

ولحسن الحظ، لا تمثّل استراتيجية تقديم منتج قديم بجودة أفضل الطريقة الوحيدة للابتكار، بل غالباً ما يتحقق الابتكار في الأسواق الاستهلاكية استناداً إلى منطق أدعوه الابتكار الثقافي. تأمّل شركات “ستاربكس” و”باتاغونيا” (Patagonia) و”جاك دانيالز” (Jack Daniel’s) و”بن آند جيريز” (Ben & Jerry’s) و”فيتامين ووتر” (Vitaminwater). وتذكر أن الابتكار يكمن في عينيّ المستهلك. فعندما توصّلت تلك العلامات التجارية إلى ابتكاراتها، نظر إليها المستهلكون على أنها ابتكارات عظيمة، على الرغم من أنها قد لا تحظى بالتقييم نفسه استناداً إلى استراتيجية “تقديم منتج قديم بجودة أفضل”. حيث تفاعل الأفراد في كل حالة مع أيديولوجية العلامة التجارية، والتي تمثّلت في إعادة تصور الفئة التي غيّرت عرض القيمة. من المتعارف عليه أن الابتكارات الثقافية تتجسّد في تقديم منتجات أو خدمات مميزة، لكنها تتمثّل أيضاً في خطابات المؤسسين وأساليب تغليف المنتجات ومكوناتها وأساليب تصميم متاجر البيع بالتجزئة والتغطية الإعلامية وحتى الأعمال الخيرية.

والنتيجة؟ لا تتنافس تلك العلامات التجارية في سباق عرض القيمة وتحاول أن تكون رائدة في الفئة التي تعمل فيها استناداً إلى مبادئ تلك الفئة، وإنما تتبع خطة مختلفة. فما يوجّه ابتكار تقديم منتج قديم بجودة أفضل هو الطموحات الكمية، بمعنى التفوق على المنافسين استناداً إلى المفاهيم الحالية للقيمة. أما ما يوجه الابتكار الثقافي فهو الطموحات النوعية، بمعنى تغيير فهم ما يعتبر ذا قيمة.

لقد أمضيت العشرين عاماً الماضية في إجراء البحوث وتقديم المشورة للمؤسسات حول العديد من الابتكارات الثقافية. ويكشف عملي عن المبادئ الاستراتيجية التي تتيح للشركات السعي وراء تلك الابتكارات، وهي مبادئ مختلفة تماماً عن المبادئ المستخدمة في استراتيجية تقديم منتج قديم بجودة أفضل.

“فورد” تعيد ابتكار السيارة العائلية

كان شراء سيارة رياضية متعددة الأغراض فكرة غريبة لدى الأسر الأميركية من الطبقة المتوسطة حتى أواخر عام 1989، ولكن بحلول عام 1995 أصبحت السيارة الرياضية متعددة الأغراض هي السيارة المفضلة دون جدال، وذلك بفضل سيارة “إكسبلورر” (Explorer)، السيارة الرائدة التي كسبت شركة “فورد” منها ما يقرب من 30 مليار دولار من أرباحها التشغيلية خلال عقدها الأول. فبعد أن وُصفت أنها شاحنة مغلقة تعوزها مظاهر الرفاهية، غيّرت شركة “فورد” دور سيارة “إكسبلورر” التقليدي بصفتها وسيلة نقل متعددة الوظائف في المزارع والحظائر لتصبح الخيار الطموح لعائلات الضواحي التي تساعدهم في التنقل وإيصال الطلاب إلى المدارس والتوجه إلى المراكز التجارية. ونجحت على نطاق واسع على الرغم من انتهاكها قواعد استراتيجية تقديم منتج قديم بجودة أفضل بشكل متكرر. وكانت ابتكاراً ثقافياً كلاسيكياً استهدف عيباً فادحاً في ثقافة السيارة العائلية في تلك الحقبة.

كانت سيارة “ستيشن واغن” الحديثة عنصراً أساسياً من احتياجات الأسر في حقبة ما بعد الحرب النووية. وتنافست جميع الشركات والموديلات الرئيسة ضمن ثقافة النموذج متعدد الوظائف هذا في الضواحي. وفي الثمانينيات من القرن العشرين، حلّت سيارات “الميني فان” بسرعة محلّ سيارات “ستيشن واغن” لامتلاكها مزايا مهمة أتاحت للأسر اصطحاب الأطفال وأصدقائهم في جولات في جميع أنحاء المدينة وإلى الرحلات الصيفية، وتمثّلت تلك المزايا في وجود مقاعد أكثر، وقدرة تخزين أكبر، وإمكانية الدخول والخروج بشكل أسهل.

لقد حققت سيارة “إكسبلورر” نجاحاً كبيراً، مقارنة بابتكارات وادي السيليكون الشهيرة من حيث تأثيرها في السوق وربحيتها. ومع ذلك، لا يزال ذلك الابتكار غير مفهوم عند دراسته من منظور نموذج تقديم منتج قديم بجودة أفضل.

على الرغم من ذلك، خلق التصميم العملي لسيارات “الميني فان” وانتشارها على نطاق واسع مشكلة رمزية كبيرة. إذ عادة ما تُقيّم السيارات على أساس الشركة المصنعة إضافة إلى الوظائف التي تؤديها، حيث تحتل سمعة الشركة ومدى تطورها وقوتها دوراً في إنتاج سيارات تعتبر “مثالية”، والتي غالباً ما كانت مستوردة آنذاك. وكانت سيارات “الميني فان” تمثّل الحياة اليومية لأهالي الضواحي آنذاك، وأصبحت محط سخرية باعتبارها محور الحياة الذي يدور حول الروتين الممل “للأم المتنقلة”. وبدأ الأهالي يتوقون إلى شراء سيارة من شأنها أن تلغي تلك الوصمة من شركة طموحة.

وكان إحياء أيديولوجية “الغرب الأميركي القديم” في عهد ريغان في الثمانينيات من القرن العشرين الذي ناصر الأفراد المتعصبين للطبيعة البرية مصدر إلهام لمجموعة كبيرة من سكان المدن والضواحي دفعهم إلى إعادة تصور السيارة العائلية باعتبارها سيارة مغامرات أتاحت لهم القيادة على الطرق الوعرة. إلا أن العروض آنذاك كانت غير مناسبة للعائلات، حيث وصفت سيارتا “شيروكي” من شركة “جيب” و”سوبربان” الضخمة من شركة “شيفروليه” أنهما شاحنتان تمتازان بقدرتهما على القيادة على الأرض الوعرة وتفتقران إلى وسائل الراحة التي توفرها سيارات الركاب العادية. أما سيارة “فورد” موديل “برونكو” وسيارة “شيفروليه” موديل “إس 10 بليزر” (S-10 Blazer) فاحتوتا على بابين فقط. ومع ذلك، كانت العديد من الأسر على استعداد للتخلي عن وسائل الراحة التي تقدمها سيارات “الميني فان” مقابل القيمة الرمزية التي تمنحها شاحنات العلامات التجارية الكبرى. واستغرق الأمر من شركات السيارات القائمة حوالي نصف عقد لإدراك تلك الفرصة. في الوقت نفسه، كانت تلك الشركات محظوظة للعمل في قطاع يضم حواجز أمام الدخول إلى السوق، وإلا لكانت اضطرت إلى الخوض في سباق مع علامة تجارية منافسة.

في نهاية المطاف، تسابقت أكبر ثلاث جهات فاعلة محلية لصنع الشاحنات، ألا وهي “فورد” و”جنرال موتورز” و”كرايسلر جيب”، لإنتاج سيارة رياضية متعددة الأغراض مريحة وفاخرة ومجهزة بأربعة أبواب في السوق. والعلامة التجارية الناجحة ستكون تلك الشركة التي تمكنت من إغواء الأهالي للتفكير في السيارات العائلية بطريقة جديدة. تمتّعت سيارة “جيب” بالميزة الأولية، وذلك نظراً لشهرتها في إمكانية القيادة على الطرق الوعرة، ونالت سيارتها “غراند شيروكي” الجديدة التي طُرحت في السوق بعد سيارة “إكسبلورر” بفترة وجيزة كثيراً من الاستحسان. ومع ذلك، كانت نظرة شركة “جيب” للسيارات الرياضية متعددة الأغراض العائلية تدور حول أسطورة الغرب الأميركي القديم القائمة على المغامرة، وذلك باستعراض قوة أدائها في النزهات البرية، وهي أسطورة تستهدف الرجال العازبين بدلاً من استهداف العائلات الراقية.

في المقابل، جرى طرح سيارة “إكسبلورر” مترافقة بإعلانات عرضت هدفاً جديداً أسمى للحياة الأسرية، متغلّبة بذلك على سيارات “الميني فان” المملة والمرتبطة بالضواحي. حيث أجرت شركة “فورد” تغييرين حاسمين على أسطورة الغرب الأميركي القديم القائمة على المغامرة، وكان الهدف من كلا التغييرين هو جذب الأمهات والآباء. فبدلاً من الرحلات الاستكشافية لسيارات “جيب” القائمة على المفهوم الذكوري، قدّمت الشركة نموذجاً جديداً للأسر التي تتنقّل في البرية. وعرضت الإعلانات صوراً لأسر تسافر إلى أماكن بعيدة بسيارة “إكسبلورر” لخلق ذكريات لا تُنسى تحت النجوم، كما أظهرت أطفالاً يختارون ركوب السيارة بدلاً من اللعب كإشارة إلى الرضا الروحي. ولا بدّ على الآباء والأمهات الذين يمتلكون سيارة “إكسبلورر” أن يحظوا بفرصة الاستمتاع بحياتهم أيضاً. لذلك، عرضت إعلانات أخرى صوراً لآباء وأمهات هاربين لخوض مغامرات في المناطق الحضرية أو تناول الطعام في مطاعم تقدّم خدمات متميزة أو التوجه إلى المسارح. صحيح أنهم يعيشون في الضواحي، لكن لا يزال بإمكانهم الاستمتاع بالحياة خارج تلك الضواحي.

وتوافدت الأسر على شراء سيارة “إكسبلورر”. كانوا لا يزالون ينقلون البقالة ويصطحبون الأطفال إلى تمارين كرة القدم، تماماً كما يفعلون مع سيارات “الميني فان”، لكن ما اختلف هو أنهم كانوا يشترون سيارة صنعتها علامة تجارية متميزة. وأتاحت لهم قيادة سيارة “إكسبلورر” الشعور أنهم هربوا أخيراً من عالم الأمومة المتنقل إلى حياة أكثر مغامرة.

لم تشكل السلامة أي مصدر قلق في حقبة ما بعد الحرب، على الرغم من جهود رالف نادر. حتى أن جعل الناس يعتادون على وضع أحزمة الأمان كان يمثل تحدياً. على الرغم من ذلك، استحوذت فكرة السلامة في السيارات على مخيلة الناس نتيجة ابتكارين رئيسين قائمين على نموذج تقديم منتج قديم بجودة أفضل بحلول أوائل التسعينيات من القرن العشرين، ألا وهما الوسائد الهوائية والمكابح المانعة للانزلاق، وجرى الترويج لهما بشكل كبير في إعلانات السيارات ووسائل الإعلام.

واكتشفت شركة “فورد” في وقت مبكر أن الناس يعتقدون أن الحجم والوزن الضخمين للسيارات الرياضية متعددة الأغراض يجعلها آمنة بشكل فريد وأن قدراتها على القيادة على الطرق الوعرة تعني أنها مقاومة للانزلاق، لا سيما في ظلّ الأحوال الجوية السيئة. لذلك، قدمت الشركة عرض مبيعات ترويجي لتعزيز تلك الفكرة، حيث وفرت المقاعد المرتفعة في السيارة شعوراً بالقوة والمتانة، خاصة بالنسبة للنساء. وكان كلما حضر الأزواج إلى وكالة بيع، طلب مندوبو المبيعات من النساء اختبار قيادة سيارة “إكسبلورر” لتعزيز شعورهن بالأمان أثناء القيادة في مكان مرتفع. وتمكنت شركة “فورد” من إقناع الزبائن بأن يشتروا أكثر السيارات أماناً على الطريق.

لقد حققت سيارة “إكسبلورر” نجاحاً كبيراً، مقارنة بابتكارات وادي السيليكون الشهيرة من حيث تأثيرها في السوق وربحيتها. ومع ذلك، لا يزال ذلك الابتكار غير مفهوم عند دراسته من منظور نموذج تقديم منتج قديم بجودة أفضل، إذ لم تقدّم السيارة أي تطور في المجال الهندسي، بل على العكس تماماً اعتمدت الشركة على تكنولوجيا قديمة. بمعنى آخر، لم تعزز سيارة “إكسبلورر” كثيراً من مشاعر الحماس، فقد كانت ثقيلة الوزن وزواياها سيئة. كما أنها كانت باهظة الثمن وصيانتها أغلى بكثير من صيانة سيارات “الميني فان”. وكانت تستهلك كميات كبيرة من الغاز، مولّدة بذلك زيادات هائلة في غاز ثاني أكسيد الكربون. لكن العائلات كانت على استعداد لدفع أسعار باهظة لأن السيارات الرياضية متعددة الأغراض عالجت المشكلة المرتبطة بالسمعة بشكل مثالي في ظل الوضع الراهن للسوق آنذاك.

نموذج الابتكار الثقافي

لنلق نظرة على الحالة الثانية، ألا وهي منتجات أطعمة الكلاب من شركة “بلو بفالو” (Blue Buffalo)، للتعرف على الخطوات الرئيسة في الابتكار الثقافي وشرح سبب فشل الشركات القائمة في الابتكار.

لقد سيطرت شركات “نستله بورينا” (Nestlé Purina) و”مارس” (Mars) و”بروكتر آند غامبل” على فئة أطعمة الكلاب المربحة في الولايات المتحدة على مدى عقود، وذلك نتيجة اعتمادها على علامات تجارية قوية وقوة التوزيع وإجراء عمليات بحث وتطوير جدية وميزانيات تسويق كبيرة. ومع ذلك، تعرضت كل من الشركات الثلاثة للهزيمة الشديدة من قبل شركة “بلو بفالو”، وهي شركة صغيرة ناشئة كانت ناجحة جداً لدرجة أن شركة “جنرال ميلز” (General Mills) اشترتها في النهاية مقابل 8 مليار دولار، في حين تخلت شركة “بروكتر آند غامبل” عن قسم أغذية الحيوانات الأليفة وباعته بالكامل إلى شركة “مارس” لقاء أقل من 3 مليار دولار. وتفوقت شركة “بلو بفالو” على العلامات التجارية القائمة من خلال إعادة ابتكار ثقافة أطعمة الكلاب، وإليكم الطريقة.

الخطوة 1: إجراء تحليل على ثقافة الفئة

تُعتبر الأسواق أنظمة قائمة على مبادئ يتبناها المشاركون في فئة ما، بمن فيهم الشركات والمستهلكين ووسائل الإعلام. ولفهم ثقافة فئتك، يجب عليك التفكير من منظور عالم الاجتماع، بمعنى أن تخطو خطوة إلى الوراء وأن تجعل المألوف يبدو غريباً. ما هي المبادئ التنظيمية البديهية للفئة؟ ما هي الأيديولوجية السائدة؟

قبل أن تُطلق شركة “بورينا” فئة أطعمة الكلاب الصناعية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي، كانت معظم الأسر الأميركية تطعم كلابها بقايا الوجبات. وحققت الأطعمة الخاضعة للمواصفات المصنّعة آلياً من قبل شركة “بورينا” نجاحاً كبيراً مع المستهلكين. وبحلول حقبة ما بعد الحرب، اعتمدت الشركة تقنيات التسويق الشامل التي ابتكرتها شركات تصنيع المواد الغذائية مثل شركتي “كرافت” (Kraft) و”جنرال ميلز” (General Mills)، وعرضت إعلاناتها صوراً تأسر القلوب لكلاب لطيفة ومالكيها المحبين. وتمثّلت الرسالة الضمنية لشركة “بورينا” في أنها “أكبر الشركات التي تُنتج أطعمة الكلاب وأشهرها، وأكثر شركة يمكن الوثوق بها في صنع أطعمة تحافظ على صحة الكلاب ونشاطهم”، ونادراً ما كانت المكونات تُذكر على العبوة.

وتمثّل أول ابتكار ثقافي لتلك الفئة في السبعينيات من القرن العشرين، وذلك في أعقاب الضجة الإعلامية حول النتائج العلمية التي أفادت أن بعض الفيتامينات والأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية قد تحافظ على صحة الإنسان، (وكانت الألياف ومضادات الأكسدة من الموضوعات الرائجة)، حيث دافع المبتكرون الثقافيون، بقيادة شركتي “هيلز ساينس دايت” (Hill’s Science Diet) وشركة “آيمز” (Iams) عن أيديولوجية جديدة وعلمية بخصوص أطعمة الكلاب. وأنتجت الشركات منتجات منفصلة للمراحل العمرية المختلفة من حياة الكلاب. وتمثّلت آلية التسويق في عرض إعلانات عن أطباء بيطريين تحدثوا عن المنتجات المتطورة المستندة إلى أفضل العلوم الغذائية. وجرى بيع تلك المنتجات في مكاتب الأطباء البيطريين، كإشارة إلى المصداقية الطبية. كما طرحت شركة “بورينا” علامة أغذية تحاكي ابتكارات منافسيها بسرعة وأطلقت عليها اسم “بورينا وان” (Purina ONE)، مع ظهور إعلانات عرضت العلماء في مختبرات معقمة وعبوات كُتب عليها أسماء العديد من المصطلحات الطبية.

وعلّمت تلك العلامات التجارية الجديدة مالكي الكلاب تقدير قيمة أطعمة الكلاب لفوائدها الغذائية في المقام الأول وقدمت لهم نشرة علمية “أثبتت” الجودة الغذائية. وشجعت المالكين على النظر إلى آلية صنع أطعمة الحيوانات الأليفة على أنه مسعى علمي معقد. ومع ذلك، بقيت المكونات مطبوعة بحروف صغيرة.

الخطوة 2: تحديد نقاط الضعف

من الطبيعي أن ينتج عن ثقافات الفئات في النهاية عيباً فادحاً، وهو ما يدفع المبتكرين الثقافيين إلى تحديد نقاط الضعف البارزة. خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعرضت الثقافة الغذائية الصناعية والعلمية في أميركا لانتقادات شديدة في وسائل الإعلام والعشرات من حركات الغذاء المناهضة للصناعة. وبدأ مالكو الكلاب يشعرون بمخاوف مماثلة وتساءلوا عما إذا كانت أكياس الطعام الجاف والمطحون التي تصنعها الشركات الكبرى مفيدة بالفعل لحيواناتهم الأليفة. وفي عام 2007، لقي الآلاف من الكلاب والقطط حتفهم بعد تناول طعام حيوانات أليفة ملوث. وذكرت وسائل الإعلام أن أحد المكونات، وهو غلوتين القمح، كان ملوثاً بمادة الميلامين، وكانت الشركة قد استوردته من الصين بكميات كبيرة. لم يكن لدى مالكي الحيوانات أي فكرة أنهم كانوا يُطعمون كلابهم غلوتين القمح أو أن الأطعمة قد جرى استيرادها من الصين، وهو ما دفعهم إلى الاهتمام بالمكونات الفعلية لأطعمة الكلاب.

الخطوة 3: البحث عن الفكرة الثقافية الرائدة

عادة ما تكون التحولات في الفئات مخططاً لها مسبقاً من خلال عمليات توليد الأفكار واستناداً إلى الممارسات التي نجحت في ظروف ثانوية. وعندما يبرز عيب ما في ثقافة فئة ما، تظهر الفكرة الثقافية الرائدة قبل ظهور الشركات الكبرى. حيث يدرس المبتكرون الفكرة عن كثب، ويشاركون فيها حتى، بهدف إيجاد توجه استراتيجي لفكرهم المنافس والرموز المطلوبة لتحقيق ذلك الابتكار بالفعل.

وتطورت ثقافة فرعية صغيرة لأطعمة الكلاب “الطبيعية” منفصلة عن العلامات التجارية الوطنية التي اشتُهرت في العقود السابقة. اعتقدت شركات الصحة البديلة وزبائنها المتحمسون أن طعام الكلاب الصحي يجب أن يحاكي ما تأكله الكلاب قبل ترويضها للعيش في المنازل. وكانت العلامات التجارية للثقافة الفرعية هي تلك التي جرى بيعها في محال ومتاجر الأطعمة الطبيعية المخصصة باهظة الثمن وتم تسويقها لشريحة زبائن محددة. ولم تبذل تلك الشركات إلا قليلاً من الجهد لكسب ثقة الزبائن الذين اختاروا التخلي عن الشراء من العلامات التجارية الصناعية العلمية الكبرى.

وافتخرت العلامات التجارية بمكوناتها الكاملة وسلاسل التوريد الشفافة. وشملت المكونات اللحوم والدواجن والأسماك الحقيقية، إضافة إلى الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات، مثل البطاطا الحلوة والأرز، مع تجنب إضافة أي مكونات صناعية. وشجعت الثقافة الفرعية الزبائن على الحذر من “الحشو”، أي (النشويات المصنعة مثل الذرة والقمح والصويا) ومنتجات اللحوم الثانوية. وسلطت عبواتها الضوء على المكونات بدلاً من الكلاب السعيدة ومالكيها المحبين.

إطار عمل الابتكار الثقافي

قلبت شركة “بلو بفالو” الموازين لدى عمالقة القطاع، مثل شركتي “بورينا” و”بروكتر آند غامبل” من خلال إعادة تشكيل أيديولوجية الفئة باستخدام رموز قوية، وهو ما مكّنها من تحويل عرض قيمة أطعمة الكلاب.

إطار عمل نموذج الابتكار الثقافي

الخطوة 4: وضع أيديولوجية تتحدى نقاط الضعف

يُجري المبتكرون الثقافيون دراسة على الفكرة الرائدة لخلق مفهوم جديد للعلامة التجارية. لقد جرى إخفاء أيديولوجية ثقافة الأطعمة الطبيعية الفرعية: حيث تحدث متعصبو الصحة البديلة مع بعضهم البعض واستخدموا الخطابات التي تستهدف المتحولين بالفعل. وكانت شركة “بلو بفالو” التي تأسست عام 2002 هي من بشّر بالثقافة الفرعية، فقد جرى تأسيسها من قبل أسرة من ولاية كونيتيكت كانت مهووسة بالعلاقة بين النظام الغذائي للحيوانات الأليفة وصحتهم بعد وفاة كلبهم من فصيلة “آريدال ترير” (والمسمى بلو) بسبب مرض السرطان. تحدّت العلامة التجارية الافتراض الضعيف الذي استندت إليه الأيديولوجية العلمية الصناعية، وهو أن طعام الكلاب الجاف والمطحون كان مغذياً بحق، على الرغم من أن المالكين لم يكن لديهم أي فكرة عن المكونات التي صُنعت منها تلك الكريات البنية المضغوطة. وأنشأت بذلك اختباراً حقيقياً حول مدى تحمل مالكي الكلاب المسؤولية.

ودفعت شركة “بلو بافالو” مالكي الكلاب إلى تقييم أطعمة الكلاب بوصفها غذاء. كانت تلك العلامات التجارية الأخرى تطرح منتجات صناعية لن يأكلها مالكو الحيوانات الأليفة مطلقاً. وكان الناس بحاجة إلى تولي زمام السيطرة والتأكد من أن أطعمة كلابهم تحتوي على مكونات صحية لا تختلف عن المكونات التي يطعمونها لأسرهم. وصُنعت أطعمة الحيوانات الأليفة في شركة “بلو بفالو” من مكونات النظام الغذائي الجيد للإنسان نفسها، وبالتالي، يمكن للمالكين التخلص من عبء المشكلة المكتشفة حديثاً من خلال التبديل بين العلامات التجارية والتباهي بشخصيتهم المستنيرة، ذلك أنهم قدموا لكلابهم أطعمة مغذية بالفعل.

الخطوة 5: عرض الرموز التي تمثّل الأيديولوجية

عادة ما يجري تحقيق الابتكارات الثقافية عبر مجموعة من الرموز التي تمثّل تلك الابتكارات بأكثر الطرق إقناعاً، بمعنى اختيار الرموز المتوائمة من المزيج التسويقي ومهاجمة نقاط الضعف وخلق تباين واضح مع الثقافة السائدة في الفئة.

وقد استفادت شركة “بلو بفالو” من الرموز الرائدة للثقافة الفرعية للأطعمة الطبيعية وخلقت رموزاً إضافية لتوضيح فكرة أن شركة “بلو بفالو” تُنتج في الواقع نفس الطعام الصحي الذي يأكله مالكو الكلاب أنفسهم وتحويله إلى شكل مضغوط ومريح وغير قابل للتلف. وأعادت الشركة توجيه الادعاءات الأساسية الأربعة للثقافة الفرعية، وهي أن اللحوم الحقيقية هي المكون الأول، وأن الشركة لا تستخدم منتجات ثانوية للحوم، ولا تستخدم مواد حشو، ولا تضيف أي مكونات صناعية، واستخدمتها في عشرات الإعلانات منخفضة الميزانية التي عرضتها بأسلوب وثائقي: حيث أظهرت مالكي كلاب مجتمعين في غرفة المعيشة ويجرون مقارنة على أطعمة الكلاب المفضلة لديهم. فوجئ البعض بقراءة أن علامتهم التجارية المفضلة تحتوي على “منتج ثانوي للدجاج”، في حين أعلن مستخدمو شركة “بلو بفالو” بفخر أن المكون الأول في منتجاتهم هو الدجاج منزوع العظام. لقد علّمت الشركة مالكي الحيوانات الأليفة كيفية قراءة الملصقات على المنتجات في كل مرة يفكرون فيها في شراء كيس طعام.

وطوّرت شركة “بلو بفالو” منتجها من أطعمة الكلاب المطحونة في عبوات صغيرة، وأطلقت عليه اسم “لايف سورس بيتس” (Life-Source Bits) (أو كرات طعام لها قيمة غذائية) وهو عبارة عن كرات صغيرة أرجوانية داكنة (بدلاً من البني) مصنوعة من مكونات تحتوي على قيمة غذائية عالية مثل العنب البري وبذور الكتان والتوت البري وأعشاب البحر. ودفعت الشركة مالكي الكلاب إلى الربط بين ما تأكله أسرهم لتجنب الأمراض المزمنة وما يمكن أن يمنح كلابهم نوع الحماية نفسها.

ونظراً لأن تحدي “بلو بفالو” حقق مبتغاه، قرر الملايين من مالكي الكلاب إنفاق مزيد من الأموال على أطعمة الكلاب لتجنب الشعور بالذنب. ودعموا عرضاً جديداً تماماً للقيمة تمثّل في حصولهم على فائدة غذائية جديدة (طعام كلاب صحي يحتوي على نفس المكونات التي يحتوي عليها طعام البشر الصحي) وميزة هوية جديدة (ذلك أن تحول مالكي الحيوانات الأليفة إلى شركة “بلو بفالو” أتاح لهم الإحساس بقدرتهم على تحمل المسؤولية).

لماذا فشلت الهجمات المضادة التي نفذتها الشركات القائمة

على الرغم من تألق الشركة الاستراتيجي، لم تتوقع الشركات القائمة أن تتمكن شركة “بلو بفالو” من تنمية عمل تجاري تبلغ قيمته 8 مليار دولار، حيث كانت تلك الشركات الثلاثة القائمة تسيطر على السوق بالكامل، وهو ما دفعها إلى محاولة التغلب على الشركة التي أظهرت تفوقها عليها. واستثمرت الشركات الثلاثة كثيراً من الأموال في طرح علامات تجارية جديدة وتطوير خطوط الإنتاج، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً لأنها أساءت فهم طبيعة الابتكار الثقافي لشركة “بلو بفالو” التي تبنت عقلية تقديم منتج قديم بجودة أفضل.

ألهم إعادة إحياء أيديولوجية الغرب الأميركي القديم في حقبة ريغان الشعب لإعادة تصور سيارة العائلة على أنها سيارة مغامرات.

شركة “آيمز” ومشكلة انعدام الترابط الثقافي

اعتقدت شركة “بروكتر آند غامبل” أن شركة “بلو بفالو” كانت تحقق نجاحاً هائلاً من خلال المبالغة في دعم ادعاء طرحها منتجاً يحتوي على مكونات “جديدة ومحسنة”. وافترضت الشركة أنها إذا أضافت تلك المكونات في خط إنتاج ممتد، سيختار مالكو الحيوانات الأليفة العلامة التجارية الموثوق بها بدلاً من شركة “بلو بفالو”. لذلك، طرحت شركة “بروكتر آند غامبل” منتجات “آيمز هيلثي ناتشورالز” (Iams Healthy Naturals) التي تضم اثنين من المكونات التي ادعت شركة “بلو بفالو” فائدتهما الغذائية (دون إضافة مواد حشو أو مكونات صناعية)، وأطلقت حملة إعلانية كبيرة وعروض ترويجية. وعندما فشلت تلك المحاولة، لجأت الشركة إلى حل أكثر تكلفة، وهو طرح منتج “آيمز ناتشورالز” (Iams Naturals) الذي ضمّ اللحم باعتباره المكون الأول، لكن دون جدوى.

ما الخطأ الذي ارتكبته الشركة؟ اعتمد كلا المنتجين على العلامات التجارية التي حاولت التوفيق بين الأيديولوجية الصناعية العلمية السائدة (التي دافعت عنها شركة “آيمز” لعقود) وبين الثقافة الفرعية لأطعمة الكلاب الطبيعية، وهو ما أسفر عن تبنيها ثقافة غير مترابطة. وبدت شركة “آيمز” بمظهر المخادع. لم يكن من الصائب أن تعتمد الحملات الإعلانية للشركة على العبارات المجازية المعروفة (المالك المحب الذي يلعب بالحيوان الأليف النشيط) التي اعتمدت عليها العلامات التجارية الصناعية والعلمية مدة 40 عاماً بدلاً من عرض المكونات التي كانت تمثّل مصدر قلق رئيس في الثقافة الفرعية للأطعمة الطبيعية للحيوانات الأليفة. بمعنى آخر، قامت شركة “بروكتر آند غامبل” عن غير قصد بدحض ادعاءاتها برمزيتها المضطربة.

شركة “بورينا”: انحراف الهدف

وسّعت شركة “بورينا” أيضاً خطوط الإنتاج، وطرحت منتج “بورينا وان بيوند” (Purina ONE Beyond) في معركتها ضد شركة “بلو بفالو”. ولم ينطو ذلك الجهد على علامة صناعية علمية واحدة وإنما على علامتين تجاريتين هما “بورينا” و”وان”، وهو ما أشار دون قصد للمستهلكين أن المنتج لم يكن يحتوي على طعام طبيعي يمكن الوثوق به للكلاب.

إضافة إلى ذلك، قررت الشركة التي كانت تدعم عمليات الترويج الموجهة لغرض معين آنذاك ربط منتج “بيوند” بهدف، فقد علمت من خلال بحوث اتجاهات السوق أن مالكي الكلاب الأثرياء يفضلون المنتجات الخضراء، لذلك، قررت أن يكون منتج “بيوند” طعام الكلاب الذي يساعد في الحفاظ على الكوكب. وطرحت إعلاناً في شكل نشيد يصور حقلاً متوهجاً ذكرت فيه: “نحن نؤمن بقدرتنا على جعل العالم مكاناً أفضل للحيوانات الأليفة حتى وإن كانت جهودنا فردية”. كانت المشكلة هي أن الاستدامة البيئية لا علاقة لها بتحدي شركة “بلو بفالو” الذي يركز على التغذية والصحة. وتجاهل مالكو الكلاب ببساطة منتج “بيوند”.

شركة “مارس”: عملية استحواذ سيئة الإدارة

تتمثل الاستجابة القياسية للشركات القائمة عندما يهددها ابتكار ثقافي ما في شراء الشركة المُهددة أو منافس قريب. وقد اتبعت شركة “مارس” الاستراتيجية ذاتها في عام 2007 من خلال الاستحواذ على شركة “نوترو” (Nutro)، وهي علامة تجارية قوية في الثقافة الفرعية لأطعمة الحيوانات الأليفة الطبيعية ومنافِسة ذات مصداقية لشركة “بلو بفالو”. وكانت تلك الخطوة واعدة. على الرغم من ذلك، تطلب تنفيذها على أكمل وجه أن تغيّر شركة “مارس” العمليات التسويقية المتبعة في شركة “نوترو” لمهاجمة أغذية الكلاب الصناعية، وتقليد شركة “بلو بفالو”. لكن كان من غير المحتمل أن تفكر شركة “مارس” في تنفيذ خطوة كتلك، ذلك أنها كانت تعني مهاجمة أكبر علاماتها التجارية، “بيديغري” (Pedigree)، وبدلاً من ذلك اتخذ المدراء خطوة معاكسة تماماً، حيث لجأوا إلى تحويل شركة “نوترو” إلى نهج التسويق الشامل باستخدام إعلانات مختلفة قليلاً عن إعلانات شركة “آيمز”.

لم تدرك شركات “بروكتر آند غامبل” و”بورينا” و”مارس” قط أنها كانت تخوض معركة وجودية للحفاظ على نفوذ علاماتها التجارية بصفتها شركات خبيرة في أطعمة الكلاب الصحية والمغذية، وأن المعركة لم تكن مجرد سباق لعرض نشرات مكونات صحية. نتيجة لذلك، أقنعت شركة “بلو بفالو” الملايين من مالكي الكلاب أن المنتج الذي كان يُنظر إليه أنه تبذير كان في الواقع ضرورة للأشخاص الذين أحبوا كلابهم بحق.

عالق في عقلية تقديم منتج قديم بجودة أفضل

لطالما كان الابتكار الثقافي أحد أساليب المناورة التي يتبعها رجال الأعمال. وغالباً ما تفشل الشركات القائمة عندما تواجه فرصاً ثقافية غير عادية يسهل تحديدها وتنفيذها بشكل مباشر. لذلك، في حال رغبت الشركات في أن تنجح في التوصل إلى ابتكار ثقافي، فيجب عليها تجنب ثلاثة مزالق كالتالي.

الانشغال في التركيز على الوقت الحاضر

حتى لو لم تفكر الشركات القائمة في مثل تلك الشروط، فإنها لا تزال تُعتبر خبيرة في الثقافة الحالية لفئتها، ولا بدّ لها أن تتفوق في أعمالها الحالية، ولا بدّ لها أن تركز مقاييسها وخططها على تلك الأعمال. نتيجة لذلك، أصبح المدراء ينظرون إلى الفئة على أنها حقيقة غير قابلة للتغيير، على الرغم من أنها مبنية بالفعل على توافق هش في الآراء. فإذا كنت دائم التركيز على الحاضر، سيكون من الصعب عليك للغاية تقييم الفئة من وجهة نظر المستهلك وتحديد عيوبها الناشئة. وتفسر تلك العوائق الأيديولوجية سبب قيام المئات من المهنيين المدربين تدريباً عالياً في أكبر شركات أطعمة الحيوانات الأليفة على الرد بطريقة غير ملائمة على هجوم شركة “بلو بافلو” من أجل حماية أعمالهم التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.

التمسك بميزات المنتج

يفترض نموذج تقديم منتج قديم بجودة أفضل أن ميزات المنتج هي خصائص موضوعية يقدرها المستهلكون. نتيجة لذلك، تُفسّر المنتجات وفق مفهوم “احتياجات العمل”، وذلك باعتبارها مجموعات من الميزات التي تنجح مجتمعة في خلق عرض للقيمة. يتطلب الابتكار إذن إجراء تحسينات على ميزات معينة يقدّرها المستهلكون. لكن الميزات لا تمثّل احتياجات العمل فقط، بل تمثّل رموزاً ثقافية مرنة لأيديولوجية ما. افترضت شركات أطعمة الكلاب القائمة أن شركة “بلو بفالو” كان تُدلي بادعاءات تُفيد بطرحها مكونات جديدة وعصرية. لكن في الواقع، مثّلت تلك الادعاءات “دليلاً” في مشروع شركة “بلو بفالو” للإبلاغ عن المخالفات، والتي كشفت فيه أن مالكي الكلاب قد تعرضوا للخداع من قبل العلامات التجارية الصناعية العلمية.

تجاهل قيمة الهوية

ينظر نموذج تقديم منتج قديم بجودة أفضل إلى الابتكارات باعتبارها إنجازات وظيفية عظيمة، لكنه يتجاهل عنصراً حاسماً في العديد من الابتكارات، ألا وهو تعزيز جوانب هوية المستهلكين. وكما رأينا، أقنعت شركة “فورد” الزبائن أن بإمكانهم استبدال أسلوب الحياة الكئيب في الضواحي القائم على استخدام سيارات “الميني فان” بسيارات تتيح لهم المغامرة في الهواء الطلق والخروج في رحلات إلى المدينة المتطورة. واختار مستهلكو “بلو بفالو” إجراء المقايضة ذاتها لكسب سمة مالكي الكلاب المستنيرين.

لقد قدم كلايتون كريستنسن في عام 1995 إحدى أكثر الأفكار تأثيراً في مجال الأعمال، ألا وهو الابتكار المزعزع. وتساءل عن سبب فشل الشركات الكبرى على الرغم من اتباعها الخطوات كلها على أكمل وجه. وتمثّلت إجابة كريستنسن في أن الشركات القائمة تركز على خدمة أكثر الزبائن طلباً عبر تقديمها أفضل المنتجات التي تكون هوامش أرباحها عالية. في حين يقدم المنافسون حلولاً بسيطة ورخيصة و”منخفضة الأداء” لمجالات تسويق محددة ومنخفضة التكلفة. في المقابل، تميل الشركات القائمة إلى تجاهل القطاعات السوقية ذات هوامش الأرباح الضعيفة والمنتجات “الأقل جودة” إلى حين فوات الأوان. وفي حال رغبنا في تحويل نصيحة كريستنسن إلى شعار، يمكن أن نقول: “فكر من وجهة نظر رجل بخيل”.

لكن هذه ليست المعضلة الوحيدة التي تعترض سبيل المبتكر، إذ تتزعزع الشركات الكبرى أيضاً نتيجة الابتكارات التي لا تتضمن تقنيات جديدة أو التي تقدم منتجاً رخيصاً ومنخفض الأداء أو أسعاراً مغرية. وعادة ما تكون الشركات القائمة عازمة على النجاح في الفئة استناداً إلى مبادئ تلك الفئة المحددة لدرجة أن تفشل في تحديد الثغرات البارزة. وهو ما يجعل المبتكرون الثقافيون الذين يسعون إلى تحقيق الابتكار الثقافي يتفوقون عليها لأنهم يبحثون عن فرص لزعزعة الأيديولوجية المهيمنة لصالح فرض نظام جديد. لذلك، لكي تتمكن الشركات القائمة من الابتكار، فإنها تحتاج إلى تبني شعار ثانٍ، ألا وهو “التفكير من وجهة نظر رائد أعمال ثقافي”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .