عندما قرر موقع "أمازون" دخول سوق التجارة الإلكترونية في الهند، كان واضحاً منذ البداية أن عليه التخلي عن أمر بالغ الحيوية، وهو نموذج أعماله الذي أنجحه وجعله من أقوى شركات الإنترنت في الولايات المتحدة.
بدأ موقع "أمازون" عام 1994 كمكتبة عبر الإنترنت، حيث كان نموذج الأعمال الأساسي لمؤسس الموقع جيف بيزوس بسيطاً إلى حد ما: بيع منتج واحد فقط من تجار الجملة والناشرين مباشرة إلى المستهلكين عبر الإنترنت حديثة العهد. إذ أصبح "أمازون" عام 1997 أول موقع يصل إلى مليون عميل، وذلك بفضل رؤية بيزوس لموقعه وجعله الموقع ناجحاً للغاية وسهل التصفح. حيث أضافت الشركة كتباً أكثر ووسعت خط إنتاجها وطورت نظاماً لشراء السلع من الموردين بكميات ضخمة وأنشأت مراكز ومستودعات ضخمة وصاغت عقوداً مع شركات نقل وطنية وإقليمية لشحن منتجاتها إلى جميع الولايات الأميركية والبلدان حول العالم.
وفي عام 2010، بدأت الهند التي تضم مليار شخص وسوق تجارة إلكترونية غير مستغلة إلى حد كبير، بطلب الاستثمارات، إذ قدمت أخباراً جيدة وأُخرى سيئة للمستثمرين. وشملت الأخبار الجيدة وجود شريحة شابة جداً، تتألف من 65% وأكثر من السكان تحت سن 35، وارتفاع في مستويات الدخل وامتلاك شريحة كبيرة من السكان للهاتف المحمول (80%، وفق أحد التقديرات).
أما الأخبار السيئة، فكانت معيشة 67% من السكان في مناطق ريفية ذات بنية تحتية متخلفة، وحقيقة أن 35% من سكان الهند فقط متصلون بالإنترنت. كما أن التعامل التجاري لا يزال نقداً وليس عبر بطاقات الائتمان أو الحسابات المصرفية. إلى جانب ذلك، عملت الهند، وبهدف حماية نفسها، على وضع سياسة صعبة للاستثمار الأجنبي المباشر تمنع من خلالها المستثمرين الأجانب من بيع منتجات أجنبية للمستهلكين عبر الإنترنت. بمعنى آخر، يجب أن يبيع أي مشروع على الإنترنت منتجات هندية الصنع.
كانت تحديات كبيرة، وعقبات حتى لمؤسسة كـ "أمازون"، لكن في الإمكان التغلب عليها. فهي تحتاج فقط إلى نموذج أعمال مبتكر من ناحية، ومن ناحية أُخرى إيجاد منتجات هندية لبيعها عبر الإنترنت.
لم يكن هناك أي نقص في السلع المنتجة في الهند، لكن معظم البائعين في البلاد كانوا صغيري الحجم. وقبل ثلاث سنوات، قام عدد قليل نسبياً من تجار التجزئة ببيع منتجاتهم عبر الإنترنت نظراً لاقتناع الكثيرين أن التجارة الإلكترونية معقدة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً. كما لم يقدم الاقتصاد النقدي في الهند أي إجراءات تسهل التعامل عبر الإنترنت.
لمواجهة هذه التحديات، وبعيد إطلاق موقعها الهندي عام 2013، وضعت "أمازون" برنامجاً لحشد جيش من الموردين وإقناعهم بأنها شريك جدير بالثقة يمكن أن يساعدهم على زيادة سوق منتجاتهم.
إذ أطلقت "أمازون" برنامجاً دُعي "عربة شاي أمازون" (Amazon Chai Cart): وهي عربات شاي متنقلة تطوف شوارع المدينة، وتقدم خدمات المرطبات لأصحاب الأعمال الصغيرة مع تدريسهم في نفس الوقت مزايا التجارة الإلكترونية. حيث أشارت تقارير إلى قطع فريق "عربة الشاي" أكثر من 1,600 كلم عبر 31 مدينة وتواصله مع أكثر من 10 آلاف بائع. ولمساعدة هؤلاء البائعين في الحصول على الإنترنت بسرعة ومعالجة اعتراضاتهم بشأن التجارة الإلكترونية، أنشأت "أمازون"في العام الماضي "أمازون تاتكال" (Amazon Tatkal)، وهو استديو متنقل يوفر مجموعة من خدمات إطلاق المنتجات على الإنترنت مثل التدريب على التسجيل والتصوير والفهرسة والمبيعات.
كان على "أمازون" أيضاً التكيف مع قضيتي تسليم وتعبئة البضائع. ففي الولايات المتحدة، يستخدم "أمازون" منصة مركزية يدعوها "تعبئة المنتجات من قبل أمازون". وتقوم العملية على تخزين "أمازون" المنتجات ثم تقديمها للمستهلكين عند طلبها من الموقع. إذ يرسل البائعون بضائعهم إلى مستودعات "أمازون" ويدفعون رسوماً للشركة لتخزينها وتوضيبها وشحنها للزبائن. وطبقت "أمازون" نفس البرنامج في الهند أيضاً، حيث بنت مستودعين أكبرهما في كوثور والآخر في تيلانجانا.
إلى جانب ذلك، عملت الشركة في الهند على جعل مركز تعبئة المنتجات ذي صبغة محلية من خلال برنامجي "إيزي شيب" (Easy Ship) و"سلر فليكس" (Seller Flex). ويقوم البرنامجان بالتقاط البضائع من مكان وجود البائع وتسليمها إلى مكان وجود المشتري. لاحقاً، عمل بعض البائعين على تخصيص قسم من مستودعاتهم للمنتجات التي سيتم بيعها على (Amazon.in)، وينسق "أمازون" بدوره الأمور اللوجستية المتصلة بالتسليم. وكان هذا النهج القريب من متاجر البائعين مريحاً واستفاد منه "أمازون" بتسريع تسليم بعض المنتجات.
كما أنشأ "أمازون" عقوداً مع عدد من خدمات توصيل الطرود الرئيسية في البلاد، مثل البريد الهندي وشركة شحن البضائع "بلو دارت" (Blue Dart). وأنشأ العام الماضي شركة تابعة له هي "شركة أمازون للنقل الخاصة محدودة المسؤولية" (Amazon Transportation Services Private Limited) لتطوير عملية التسليم. وتستخدم "أمازون" أيضاً سائقي دراجات نارية وهوائية لتسليم منتجاتها في المناطق الريفية والمدنية، لكن تشكل المناطق الريفية، التي غالباً ما تكون بعيدة عن الطرق الرئيسية، تحدياً خاصاً بحد ذاته.
تمتلئ الهند بالمتاجر الصغيرة (يبلغ عددها 14 مليون تقريباً)، غالبيتها الساحقة بمساحة أقل من 600 قدم مربع. وتتميز هذه المتاجر الصغيرة في العادة بأسعار مرتفعة ومخزونات محدودة، لكنها المكان الوحيد الموجود في العديد من المجتمعات الريفية. إذ صُممت القيود التي فرضتها الحكومة على الاستثمار الأجنبي المباشر جزئياً لحماية مالكي هذه المتاجر. وعندما ظهر موقع "أمازون" لأول مرة، خشي العديد منهم خسارة أعمالهم وإفلاسهم.
بدلاً من ذلك، قامت "أمازون" بمشاركة أولئك الناس معها في عملية التسليم. إذ يمكن للمقيمين في القرى الصغيرة والمناطق النائية التي فيها قلة من الناس متصلين بالإنترنت، الذهاب إلى متجرهم المحلي واستخدام اتصال الإنترنت لصاحب المحل لتصفح واختيار السلع من (Amazon.in). ثم يقوم صاحب المتجر بتسجيل طلباتهم وتنبيههم لوصول طلبهم إلى المتجر، وتلقي الدفعات نقداً، وتسليم تلك المبالغ إلى "أمازون" مع خصم حصتهم. حيث أسهم هذا الإجراء في الالتفاف على مشكلة إجراء التجارة الإلكترونية في الاقتصاد النقدي من ناحية، كما أدى إلى زيادة مبيعات أصحاب المتاجر مع الحصص التي يتلقوها من عمليات البيع تلك.
من المنتج إلى المستهلك، أعادت "أمازون" هيكلة عملياتها لمواجهة التحديات الخاصة بالتجارة الإلكترونية في الهند. وفي يونيو/حزيران الماضي، أضافت "أمازون" 3 مليارات دولار أُخرى لعملياتها في الهند، الأمر الذي يدل على استمرار إيمانها في "الإمكانيات الهائلة للسوق الهندي". إذ يفوق تمويلها وجهودها ما لدى منافسيها، بما في ذلك "فليبكارت" (Flipkart) و"سنابديل" (Snapdeal) وذلك لأن هنالك الكثير على المحك. كما توقعت أحدث دراسة لشركتي "جوجل" و"أيه تي كيرني" (A.T. Kearney) نمو تجارة التجزئة عبر الإنترنت في الهند ووصولها إلى 175 مليون متسوق بزيادة 3 أضعاف عن العدد الحالي وذلك بحلول عام 2020. ومن المتوقع أن يتجاوز حجم التجارة الإلكترونية 100 مليار دولار بحلول العام نفسه. إذ تشير تقديرات "مورغان ستانلي" إلى أن إمكانية ارتفاع المبلغ إلى 137 مليار دولار. وبالنظر إلى أن استخدام الهاتف المحمول في الدفع يفوق حالياً بطاقات الائتمان ويزداد شعبية، من المحتمل أن يرتفع المبلغ أكثر مستقبلاً.