عندما ظهر جهاز "مايكروسوفت سيرفس" لأول مرة، قال عنه كثير من النقاد إنه نقلة خرقاء إلى عالم الحواسيب: جهاز عالق في المنتصف، إذ يتأخر بمقدار نصف خطوة عن السوق الرائجة للأجهزة اللوحية ويتقدم نصف خطوة لا غير على سوق الحواسيب الشخصية المحتضرة. لكن حين انطلق "سيرفس" وجدّد حياة "مايكروسوفت" وقدرتها على التطور، حيث بدا أنه يعزز مبدأ الشركة في التحول الرقمي الذي يقلب الأمور رأساً على عقب. لكن ما لم يدركه إلا عدد قليل من الأشخاص هو أن "مايكروسوفت" استفادت من أداة قديمة، لكنها منسية، لها قوة معتبرة لإدارة مثل هذه التحولات.
على مر القرون، لجأت الشركات إلى المنتجات الهجينة لإدارة فترات الانتقال العصيبة. في مقال حديث، عرّفنا المنتجات الهجينة بأنها مجموعات من العناصر المتنافسة أو الأجيال الفنية. على سبيل المثال، تجمع سيارة "تويوتا بريوس" بين عناصر محركات الاحتراق الداخلي والسيارات الكهربائية. تتميز المنتجات الهجينة بأنها نصف خطوة يمكن أن تساعد مطوريها على إدارة التحولات الطويلة والصعبة، كالتحولات بين أجيالالتكنولوجيا أو الانتقال بين مهنتين. تكمن صعوبة المنتجات الهجينة في أنها خطوات ناقصة ومؤقتة، ولذلك تبدو خرقاء من منظور الحاضر. فلو التفتنا إلى التاريخ، لاستطعنا تحديد المنتجات الهجينة التي جسدت الهوة في العديد من التحولات التكنولوجية الكبرى: السفن البخارية/ الشراعية الهجينة، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية/ البخارية الهجينة، والآلات الكاتبة/ أجهزة الحاسب الهجينة، ومحركات الأقراص الصلبة/ الفلاش الهجينة، والحوسبة السحابية/ حوسبة الشركات، وأجهزة الحاسب المحمولة/ اللوحية الهجينة في شكل "مايكروسوفت سيرفس".
يبرز الآن تحول من نوع آخر، وهو بدوره يتطلب تهجيناً من نوع آخر. تُعد منصات العالم الرقمي مثل "أمازون" و"جوجل" و"نيست" الآمر الناهي. فكيف للشركات أن تنشئ منصات جديدة، بل، كيف تحول منتَجاتها الحالية إلى منصات؟ فكما أوضحنا، أنا وفينغ جو، المؤلف المشارك معي في تأليف مقالتنا الجديدة التي نشرت في هارفارد بزنس ريفيو، هذا الانتقال الكبير من المنتجات إلى المنصات قد يكون محفوفاً بالمخاطر.
في صميم القفزات الناجحة، لاحظنا وجود نوع جديد من التهجين: نماذج أعمال المنتَج/ المنصة الهجينة. صحيح أن نماذج الأعمال القائمة على المنتجات تخلق القيمة من خلال بيع المنتجات المتميزة للأسواق المتخصصة، لكن نماذج الأعمال القائمة على المنصة تخلق القيمة من خلال تسهيل المعاملات في الأسواق الكبيرة والعامة. ولأن النماذج القائمة على المنتَجات والمنصات تعاني من تجاذبات راسخة – أهداف السوق الخاصة مقابل السوق الشاملة، ونموذج إيرادات الأصول مقابل المعاملات، والتمايز مقابل الميزة التنافسية القائمة على الشبكة، وما إلى ذلك – تؤكد الأبحاث السابقة أنه يجب على الشركات الاختيار بين إنتاج المنتجات أو المنصات لكن عليها ألا تخلط بين الاثنين.
لكننا في بحثنا اكتشفنا أن العكس هو الصحيح: إن الشركات التي نجحت في الانتقال من المنتج إلى المنصة استخدمت نماذج عمل تجمع بين العنصرين. وعلى وجه الخصوص، استخدمت الشركات عائدات منتجاتها لدعم ظهور المنصة، بينما راحت تتخلى ببطء عن عقلية المنتج وهي تتحول إلى عقلية المنصة.
تجمع بعض الشركات بين نماذج أعمال المنتج والمنصة باستخدام نموذج أعمال قائم على المنتج لاستكمال ظهور نموذج أعمال المنصة. على سبيل المثال، ركزت شركة "فالف سوفت وير" (Valve Software) على صنع ألعابفيديو إلى أن اكتشفت أن المخترقين (هاكرز) يُجرون تعديلات على تلك الألعاب بطريقة غير قانونية. وبدلاً من اتخاذ إجراءات صارمة ضد هؤلاء المخترقين، وظفتهم شركة "فالف" لتطوير لعبة ثانية لصالحها. لكن ازدياد أعداد المخترقين خلق مشكلة ثانية: كيفية التسهيل على اللاعبين إذا أرادوا اللعب ضد بعضهم بعضاً لكن لديهم إصدار مختلف من المنتَج.
استجابة لذلك، صممت "فالف" منصة تسمى "ستيم" (Steam) لتحديث ألعابها تلقائياً وجعلها متوافقة. ثم أدركت "فالف" أنه يمكنها استخدام "ستيم" لتوزيع أي لعبة كمبيوتر، وبعد أن اجتذبت قاعدة كبيرة من المستخدمين لألعابها الرائجة، صممت "فالف" المنصة الأكثر رواجاً في العالم الآن لتوزيع ألعاب الكمبيوتر. لم تتوقف "فالف" عن صنع منتجاتها – وهي الألعاب – أو بيعها، لكنها استخدمتها لإكمال تطوير منصتها التي تستخدم نموذج أعمال قائم على المنصة للحصول على حصة من العائد من كل لعبة مباعة.
بدلاً من ذلك، تجمع بعض الشركات بين نماذج أعمال المنتج والمنصة باستخدام نموذج أعمال قائم على المنتجات لدعم تطوير نموذج أعمال المنصة. على سبيل المثال، بدأت شركة "كيهو" (Qihoo)، وهي واحدة من أنجح شركات الإنترنت في الصين، في إنتاج برنامج أمان. لكن حين أدرك الرئيس التنفيذي لشركة "كيهو" أن الفرصة الحقيقية تكمن في المنصات لا في المنتجات، اتخذ قراراً مثيراً للجدل حينها بإعطاء المنتج مجاناً. بعد اكتساب قاعدة ضخمة من المستخدمين، استغلت شركة "كيهو" قاعدة مستخدميها وسمعتها في الأمان لإطلاق منصة سمحت للمستخدمين بشراء برامج آمنة من بائعين تابعين لجهات أخرى، ونالت حصة من كل عملية بيع. لم تتنازل "كيهو" عن منتجها ولكنها استخدمته ببساطة لدعم الزخم اللازم لإنشاء منصة ذات قيمة.
إن اعتماد نموذج أعمال هجين لا يعني أن الشركة ستحافظ على نموذج العمل هذا إلى الأبد. أحياناً، بعد نجاح الشركات في التحول إلى المنصات، قد تدرك أنها بحاجة إلى التخلي عن نموذج أعمالها القديم. لكن عادة يكمن التحدي الأكبر للقادة في التخلي عن عقلية المنتج بدرجة كافية لاعتماد نموذج أعمال هجين وإدراك أنه قد تكون في المنصة قيمة أكبر مما في المنتَج.
حتى ستيف جوبز ساورته شكوك حول هذا، إذ يقال إنه كان يشك في طريقة عمل متجر تطبيقات "آبل"، حيث كان يفضل إلغاء ميزة الأمان الخاصة بجهاز الآيفون وإبطال الضمانات، بدلاً من التعامل مع المخترقين المختصين بـ "كسر الحماية" لجهاز الآيفون والذين يعملون على تثبيت برامجهم الخاصة عبر طرق "جل بريك" دون موافقة "آبل". بالطبع، ما زالت "آبل" تستخدم نموذج أعمال هجين، حيث تجمع بين بيع منتجات الآيفون بشكل منفصل وبين منصتها (متجر التطبيقات) حيث يكمل الاثنان بعضهما.