في وقت مبكر من فصل الربيع حظيت بفرصة مشاهدة اثنين من "محادثات الوداع" التي ألقاها إد كاتمول على موظفي شركة بيكسار (Pixar). أعلن كاتمول، وهو الشريك المؤسس للشركة وقائدها لفترة طويلة (وهو أيضاً رئيس استديوهات والت ديزني للرسوم المتحركة منذ استحواذ ديزني على بيكسار قبل أكثر من عشرة أعوام)، عن تقاعده في أواخر عام 2018. واختار أن يقضي آخر يوم له في مقر بيكسار في مدينة إميريفيلي بكاليفورنيا، حيث لم يحتفل به زملاؤه، بل تشاركوا الأفكار حول التحديات التي سيواجهونها في الأعوام القادمة.
كانت كل "محادثة وداع" بمثابة جلسة منفصلة تمتد على مدار ساعة ويحضرها فريق مختلف في الشركة، ولكن المحتوى لم يكن مصمماً ليناسب قسماً بعينه. وقام كاتمول، مراراً وتكراراً، بمشاركة ما اعتقد أنّ الشركة بأكملها يجب أن تفكر بشأنه عندما تتطلع إلى الأمام.
لقد كان كاتمول دائماً تأملياً على غير العادة حول التحديات التي تواجه المؤسسات الإبداعية الرائدة، وكريماً بمشاركة الممارسات التي يعتبرها فعالة. ويشارك في كتابه "شركة الإبداع" أو "كريتيفيتي إنك" (Creativity, Inc.) الصادر عام 2014 (الذي يقوم الآن بتحديثه بمعارف جديدة) رؤى ومعارف مفيدة تهدف إلى مساعدة القادة الآخرين على النجاح. كما يُظهر نفس المستوى من التأمل في محادثات وداعه. وقرر:
أن يجعل الجلسات عامة. ليس مستبعداً أن يتحدث الرؤساء التنفيذيون المغادرون مع فرقهم الأفضل. ولكن كم منهم يعتبرون أنّ من المهم الحديث مع كل فريق داخل الشركة؟ تحدث كاتمول مع الجميع، بمن فيهم مئات الموظفين الذين لم يسبق أن جلسوا في اجتماعات تتركز على مسائل استراتيجية رفيعة المستوى، ولكن جهودهم لها أثر حقيقي في صناعة أفلام بيكسار. ونتيجة لذلك، كان انفصاله موحِّداً للغاية.
أن يحافظ على أجواء وديّة. اتخذ كاتمول القرار المتعقل بإجراء محادثات كثيرة مع الكثير من الأشخاص الذين تربطهم علاقة العمل. وبالتالي، كانت كل محادثة ودية بما فيه الكفاية لخلق أجواء الحوار والألفة. واعترف أنه كان بإمكانه توجيه خطاب للشركة ككل، نظراً لأنّ رسالته واحدة. امتلاك مجموعات صغيرة جعل المحادثات تحتل قدراً من الأهمية لدى الجميع، وسمح له باستشعار ردود الفعل من زملائه. قال لي: "محادثاتي تطورت، حيث إنني عرفت ما أجاب عليه الموظفون".
أن يطرح أسئلة بدلاً من تقديم إجابات. بدأ كاتمول بكتابة مسودة محادثاته حول ما رأى أنها مشاكل في صنع أفلام بيكسار، مثل قيادة التكنولوجيا والتميز في سرد القصص وغيرها. وفي غضون ذلك، وجد نفسه "يعيد صياغة صناعة الأفلام على شكل أسئلة". رأيت أن هذا ينجح جيداً في أُطر أخرى. فالأمر بسيط كأخذ مشكلة مثل "تغيير سلوك المستهلك" وتحويله إلى سؤال: "ما الذي سيدفع الزبائن إلى شراء منتجاتنا بعد خمس سنوات من الآن؟". وقام كاتمول بإجراء هذه التحول من مشاكل إلى أسئلة لأنه علم أنّ ذلك سيكون أكثر إشراكاً لجمهوره (يقول: "وجدت أن الأسئلة ترسخ أكثر في الذاكرة") وبسبب أنه يميل بشكل طبيعي إلى إظهار التواضع في وجه التحديات. لم يرد التصريح بالحلول. وأراد حثّ زملائه على التفكير بإبداع حول المشاكل الاستراتيجية الكبيرة. ووضع أسئلة مهمة على الطاولة "حتى إذا لم يكن بالإمكان الإجابة عنها فوراً".
أن يخلق مساحة للموظفين للتعبير عن أفكارهم الخاصة. إحدى الفوائد من الوقوف أمام مؤسستك وأنت تطرح الأسئلة تكمن في أنك تظهر للجميع بأن صياغة الأسئلة الصحيحة هي جزء مهم من القيادة. ولم يستطع المدراء الأفضل تحديد جميع الأسئلة وإخبار الآخرين بطريقة تنفيذها. فهم يحلون المشاكل من خلال حثّ أفضل تفكير لدى فرقهم. وترك كاتمول الكثير من الوقت على نحو ملائم في نهاية تعليقاته لزملائه كي يتحدثوا ويطرحوا أسئلتهم الخاصة.
أن يظهر فضولاً تاماً. أنهى كاتمول كل محادثة بخروج كامل إلى موضوع وجده مذهلاً على الصعيد الشخصي. وبتعلمه من قراءته النهمة عن حالة الفانتازيا، حيث يعجز بعض الأشخاص عن تصور الأشياء في مخيلتهم، قرر أن يقوم بأبحاث بنفسه، ودعا أي موظف مهتم بالمشاركة في دراسة استقصائية حول الخبرات في التصور. وكان التأثير هو عدم إنهاء الجلسة بتعبير عن الحزن، بل بصورة إيجابية لعقل فضولي جداً سيواصل إنتاج نتائج إبداعية. وفي الحقيقة، أخبرني كاتمول حينها: "كنت متفاجئاً بمعرفة أنني بعد استقالتي، بدأت مشاريع كثيرة دون استراحة، حتى وصلت إلى حالة من الإرهاق". (لحسن الحظ، كان آنذاك في طريقه إلى هاواي ليحظى بقليل من الراحة والاسترخاء).
إذاً، لماذا كانت هذه المحادثات قيِّمة بالنسبة للشركة؟ أولاً، قام كاتمويل بتزويد موظفي بيكسار بوجهة نظره المدروسة حول التحديات التي ستواجهها الشركة. ثانياً، أعطاهم نقطة بدء، وربما إطار عمل للمحادثات المستقبلية بين بعضهم البعض حول الطريقة التي تضمن استمرار بيكسار في الازدهار. وثالثاً، احترمت الجلسات مدى أهمية نقطة التحول هذه. في تاريخ شركة ما ثمة لحظات قليلة بالغة الأهمية عندما يغادر قائد تولى زمام الأمور لفترة طويلة. يستطيع الموظفون التعامل مع التغيير بشكل أفضل عندما لا يكون متجاهلاً، كشيء عادي.
وما أود الإشارة إليه هنا هو عدم تقديم القادة بنهج نمطي لمحادثات الوداع، بل حثهم عندما يحين الوقت لخروجهم على أن يكونوا كرماء. بينما قد يحتفل بعض الرؤساء التنفيذيين ويُدعَوا آخرين يتغنون بمدحهم، يمكنك المغادرة بشكل مختلف.
عندما سألت كاتمول: "لماذا لا يفعل الجميع هذا؟"، أجاب قائلاً: "يشعر معظم الناس أنّ عليهم التقدم بسرعة. هذا ليس شائعاً لأنه لم يحدث لهم".
أحياناً يمكن أن يضع تصرف إبداعي من أحد القادة سؤالاً جديداً على الطاولة للآخرين. محادثات إد كاتمول فعلت ذلك تماماً. والسؤال هو: كيف ستشارك حكمتك التي تعلمتها بصعوبة في نهاية مسار مهني طويل؟