نقطة التحول بين الفشل والنجاح

13 دقيقة
shutterstock.com/patpitchaya

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع داشون وانغ، الأستاذ المشارك في "كلية كيلوغ للإدارة" (Kellogg School of Management)، وشارك وانغ في تأليف الدراسة الصادرة في مجلة "نيتشر" (Nature) بعنوان: "تحديد ديناميات الفشل عبر مجالات العلوم والشركات الناشئة والأمن".

عالج وانغ، مجموعات كبيرة من بيانات رواد الأعمال والعلماء، بل وحتى المنظمات الإرهابية لفهم الخط الفاصل بين النجاح والفشل فهماً أفضل. ومن بين النتائج المذهلة التي خلص إليها أن الذين يشهدون إخفاقات مبكرة في حياتهم غالباً ما ينتهي بهم الحال إلى أن يصبحوا أنجح من نظرائهم الذين يحققون نجاحات مبكرة. وثمة رؤية ثاقبة أخرى مستخلصة من جهوده مفادها أن وتيرة الفشل مؤشر على نقطة التحول بين الركود والنجاح الحتمي.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص:

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج "آيديا كاست" المقدم من هارفارد بزنس ريفيو (HBR IdeaCast). أنا كيرت نيكيش.

قبل فترة طويلة من ابتكار والت ديزني لشخصية "ميكي ماوس" ومدينة "ديزني لاند"، طُرِدَ ديزني دون سابق إنذار من إحدى الصحف. وقال أحد المحررين في صحيفة "كنساس سيتي ستار" (Kansas City Star) للشاب المتخصص في الرسوم المتحركة إنه "يفتقر إلى الخيال وليست لديه أفكار مبتكرة".

انطلق والت ديزني، واشترى استوديو للرسوم المتحركة... لكنه لم يكن الاستوديو الشهير الذي يدور بخلدكم. فقد أفلس والت ديزني شركة "لافوغرام" (Laugh-O-Gram) تلك تماماً. ولاحقاً فقط أنشأ استوديو "الأخوة ديزني" (Disney Brothers) للرسوم المتحركة، وابتكر أفلام الرسوم المتحركة التي أمست معياراً لذاك النوع من الأفلام.

تُروى قصص الفشل كهذه مراراً وتكراراً. ساعدت عثرة مبكرة شخصاً ما على التعلم، فراح يحقق نجاحاً مدوياً. وعادة ما يسخر الناس من الفشل لحظة الفشل، ولا يحتفون به إلا بعد فوات الأوان.

وعادة ما يُصوّر الفشل على أنه حالة شديدة التمايز والوضوح. والواقع أن النجاح والفشل غالباً ما يكونا قريبين للغاية، حيث يمكن أن يفوز المرء بشق الأنفس أو تفصله عن النجاح شعرة.

درس ضيفنا اليوم مجموعات بيانات واسعة النطاق لفهم الخيط الرفيع الفاصل بين المحصلتيْن فهما أفضل. ومن خلال دراسة رواد الأعمال الذين يطرحون شركاتهم في نهاية المطاف للاكتتاب العام، والعلماء الذين يتقدمون بطلب للحصول على دعم مالي لإدارة مختبراتهم البحثية، بل وحتى المنظمات الإرهابية، استخلص ضيفنا رؤى ثاقبة تتعلق بالفشل لا ترصدها القصص والروايات.

داشون وانغ هو أستاذ مشارك في كلية كيلوغ للإدارة في "جامعة نورث وسترن" (Northwestern University). وشارك أيضاً في وضع دراسة حديثة في مجلة نيتشر بعنوان: "تحديد ديناميات الفشل عبر مجالات العلوم والشركات الناشئة والأمن". شكراً على حضورك معنا، يا داشون.

داشون وانغ: شكراً لاستضافتي.

كيرت نيكيش: ما الذي يمكن أن نتعلمه من البيانات عن الفشل ويستحيل أن نتعلمه من القصص والحكايات وحسب؟

داشون وانغ: يمكن أن تكون البيانات مفيدة جداً لأن عقوداً من أبحاث علم النفس أو الباحثين السلوكيين أثبتوا لنا أن هناك العديد من التحيزات البشرية عندما يتعلق الأمر بتجارب الفشل من حيث الطريقة التي يمكننا بها استرجاع تجارب الفشل وإلى أي حد يمكننا التعلم منها.

وآمل إنه إذا استطعنا بالفعل الحصول على مجموعات البيانات واسعة النطاق والتي ترصد المعلومات المصدرية المتعلقة بالأنواع العديدة للفشل، وكذلك نظيراتها المتعلقة بالنجاح، فسيكون بوسعنا فعلاً أن نضع مجموعات ونقاط البيانات تلك تحت المنظار العلمي، ونشرع في فهم المؤشرات التي تكمن وراء الإخفاقات والنجاح، وما إذا كانت هناك أي علاقات جديدة بينها يمكن إماطة اللثام عنها.

كيرت نيكيش: أجل. بقدر ما يُحتفى بالفشل في أيامنا هذه، ثمة ثقافة أيضاً لا شك أنها أقوى في بعض البلدان من غيرها، حيث إما لا يعترف أصحابها بالفشل أبداً، وإما يجملونه دائماً. أتعرف، إنه لا يتم الاعتراف أبداً بالفشل في الحصول على الدرجة النهائية. لا تحدث أحد أبداً عن الفشل، واحرص على التستر عليه. وبالتالي، أعتقد أن عليك اللجوء إلى البيانات كي ترى الفشل على حقيقته فعلاً.

داشون وانغ: صحيح. كانت هذه فرضيتي المبدئية. راودني الفضول لأن أرى ما إذا كانت البيانات تؤكد المعتقدات التي نتبناها دائماً. أنت على حق. أعتقد أن الثقافات المختلفة لديها نزوع مختلف تجاه مشاركة تجارب الفشل. وحقيقة الأمر أنك إذا أمعنت النظر في الرأي السائد الموروث، فستكتشف أن فكرة الإحجام عن مشاركة أكبر قدر ممكن من تجاربك الفاشلة ربما كانت بالفعل استراتيجية سديدة. غير أن أبحاثنا الجديدة تثبت أن للقصة أغوار أعمق بكثير مما تبدو عليه في الظاهر.

كيرت نيكيش: أطلعنا على المزيد إذاً حول هذه الدراسة التي فحصت فيها الأبحاث الأكاديمية، وكذلك درست الشركات الناشئة والابتكار والإرهاب. ولكن، لنبدأ بالأبحاث الأكاديمية أولاً. ما الذي اكتشفته؟

داشون وانغ: لقد راودني الفضول بالفعل بصفتي باحث، حيث يخالجني شعور بأنني أعيش الفشل يومياً. ومن بين الأسئلة التي أثارت فضولي حقاً: "ما مدى الأهمية المرتبطة بفشلي؟".

وبتعبير آخر، تخيل أن تبدأ مشوارك المهني بتقلد منصب أستاذ مبتدئ أو أستاذ مساعد، وأنك حصلت على وظيفة ثابتة، وعشت تجربة الفشل، فما مدى أهمية فشلك في محصلة مسارك المهني على المدى البعيد؟ وهذا سؤال محوري عكفنا على محاولة الوصول إلى دليل كمي واسع النطاق له. وهذا العمل هو نتاج التعاون مع باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه يانغ وانغ، وزميلي في كلية كيلوغ، بن جونز.

وفي هذه الحالة، فحصنا تحديداً طلبات المنح المقدمة بين عامي 1990 و2005 إلى معاهد الصحة الوطنية لهاتيْن الفئتين من الباحثين الأوائل. وكانوا قد شغلوا تواً منصب أستاذ مبتدئ. ولكن، بعد هذه الواقعة، حصلت مجموعة من الباحثين - الفائزين بفارق لا يُذكر - على 1.3 مليون دولار في المتوسط للخمس سنوات التالية لمواصلة أبحاثهم. غير أن المجموعة الأخرى من الباحثين لم تحصل على شيء. وحملني ذلك على التساؤل عن حجم الفارق الذي تُحدثه تجربة الفشل هذه في تجارب الفشل التي أوشكت أن تُكلل بالنجاح في المستقبل. وبشكل واقعي أكثر، تخيل السؤال التالي. لو عاد هذان الفريقان للخضوع لمقابلة عمل شخصية بعدها بخمس سنوات، فمن ذا الذي ينبغي عليك توظيفه؟

كيرت نيكيش: واكتشفت أن أهم شيء هو الطريقة التي استجاب بها الناس بعدما عاشوا تجربة الفشل. وإذا استسلموا أو ربما لم يتقدموا بطلب للحصول على تمويل بالقدر ذاته، فقد كان لذلك أثر سلبي على نجاحهم. ولكن الذين ثابروا وظلوا يتقدموا بطلبات غالباً ما حصلوا على منح، وغالباً ما آل بهم المآل إلى تحقيق نجاح أكبر كباحثين أكاديميين مقارنة بالذين فازوا بالتمويل في بداية الأمر؟

داشون وانغ: أجل، كانت هذه المفاجأة الأولى التي استخلصناها من تلك البيانات. لأنه بالنسبة لسؤال كهذا، جرت العادة على أن تكون الإجابات بسيطة جداً. وأعني فكرة أن الأغنياء يزدادوا ثراء، والانتصارات تجلب المزيد من الانتصارات.

وعليه، حتى لو كان الفائزون بشق الأنفس وأصحاب الفشل الوشيك نفس الأشخاص أساساً في البداية، فإن حقيقة أن إحدى الفئتين فازت والأخرى خسرت، هذا الفارق الضئيل يمكن أن يراكم نفسه بغية خلق شكل من أشكال انعدام المساواة المنفلت بمرور الوقت. وهذا هو الرأي السائد المتعارف عليه. وبالتالي، عندما تعمقنا في البيانات في المقام الأول، اعتقدنا أننا سنشهد فارقاً كبيراً بين الفئتين. وأعني أن الفائزين بشق الأنفس سيصبحون أفضل حالاً بكثير بمرور الوقت من أصحاب الفشل الوشيك.

ولكن، عندما فحصنا المطبوعات التي صدرت خلال السنوات العشرة التالية، وقمنا بقياس الاقتباسات من تلك الأبحاث، اكتشفنا أن أصحاب الفشل الوشيك والذين ما زالوا يعملون في المجال بعد عشر سنوات استطاعوا بشكل أو بآخر أن ينشروا عدداً من الأبحاث يضاهي الفئة الأخرى. والمدهش أن الأبحاث التي نشروها لفتت انتباهاً أكبر وتركت أثراً أعظم من أبحاث الفائزين بشق الأنفس.

كيرت نيكيش: يبدو أن الأمر لا يتعلق بالفشل وحسب، وإنما بالطريقة التي تبوء بها جهودك بالفشل أو ربما بالنحو الذي تستقبل به الفشل.

داشون وانغ: أوافقك الرأي. أعتقد أن ما اكتشفناه أيضاً أن ثمة مجموعتين من الناس تشكلتا أساساً بعد الفشل، أليس كذلك؟ واحدة منهما ثابرت واستطاعت أن تكمل المشوار، لكن لاحظنا أن المجموعة الأخرى شهدت معدل استنزاف أعلى بكثير من حيث حالات الفشل الوشيك خلال السنوات العشرة التالية. وهذا يعني أن الإخفاقات يمكن أن تكون مدمرة في المسار المهني، ويسلط ذلك الضوء في حقيقة الأمر على هشاشة العمل في المجال العلمي.

يتمتع هؤلاء عادة بسجل حافل راسخ ومثبت جداً في مجال الأبحاث، غير أن ما لاحظناه هو أن الفشل الوشيك لمرة واحدة في بدايات المشوار المهني يرتبط باحتمالية التخلي تماماً عن العمل في معاهد الصحة الوطنية بنسبة تتجاوز 10%.

كيرت نيكيش: لقد فحصت أيضاً معدلات الفشل في الشركات الناشئة في دراسة أخرى. ما الذي استخلصته من تلك الدراسة؟

داشون وانغ: السؤال المحفز في هذا السياق هو أن تدرك حقيقة أنك لا تفشل مرة واحدة وحسب في واقع الأمر. والواقع أنك ستفشل مراراً وتكراراً، وفي نهاية المطاف ستحقق النجاح الذي تصبو إليه. أتعرف أن هنري فورد مثلاً فشل مرتين قبل أن يتمكن من تأسيس شركة "فورد موتورز" (Ford Motors)، أليس كذلك؟ ولدينا كل القصص التي تحكي لنا عن جوان رولينغ (جيه كيه رولينغ) التي قوبلت أعمالها بالرفض ثماني مرات أو إثني عشرة مرة، الأمر الذي يرتهن بالإحصاءات التي تعتمدها، قبل أن تتمكن من نشر روايتها "هاري بوتر" (Harry Potter).

أو لعل التجربة الأكثر إثارة في رأيي بطلها توماس إديسون الذي فشل أكثر من ألف مرة قبل أن يصنع المصباح الكهربائي.

كيرت نيكيش: وله مقولة مأثورة، أعتقد أنها تتعلق بمدى عدم إدراك الناس لدرجة قربهم من النجاح واستسلامهم.

داشون وانغ: هذا صحيح. هذا صحيح. إذا أسعفتني الذاكرة، لقد قال ما مفاده إن كثيراً من الفاشلين في الحياة هم أناس لم يدركوا كم كانوا قاب قوسين أو أدنى من النجاح. وحقيقة الأمر أنه في هذه الدراسة الحديثة، عندما ندرس كيف يفشل الناس مراراً وتكراراً، وتبوء جهودهم بالنجاح أو الفشل في نهاية المطاف، أصبح لدينا الآن أساليب كميَّة للتوصل إلى مدى قربك من النجاح.

كيرت نيكيش: ما الذي اكتشفته من هذه الدراسة؟ أو ما الذي استخلصته منها؟

داشون وانغ: الكشف الرئيس المستخلص من هذه الدراسة يتمثل في نتيجة مفاجئة، ألا وهي إزاحة الستار عن نقطة التحول بين النجاح والفشل. فبينما يفشل الناس مراراً وتكراراً، فإن هاتين الفئتين من البشر يمكن أن تكونا متشابهتين جداً في حقيقة الأمر من حيث استراتيجيات تعلمهما أو سماتهما.

ولكن، وفقاً للجانب الذي يقفون منه من نقطة التحول، يمكن أن يحققوا نتائج مختلفة جوهرياً. فلو كانت إحدى مجموعتي الأشخاص أسفل نقطة التحول، وربما أخفقت مراراً وتكراراً، فيحاول أفرادها استجماع قوتهم والمحاولة مجدداً، لكنهم مراراً وتكراراً لا يتعلمون بما يكفي لتحقيق النجاح فعلياً. وهذا هو ما نطلق عليه اسم نطاق الركود. فأنت تحاول مراراً وتكراراً، لكنك ستفشل في تعلم الدرس المستفاد بالقدر الكافي الذي يضمن لك خلق نمط ذكي لضمان التحسين.

وعلى الجانب الآخر من نقطة التحول، أي أعلى هذه العتبة، يفشل الناس مراراً وتكراراً، لكنهم يخفقون بوتيرة أسرع وأسرع تدريجياً حتى يقتربوا من النجاح في نهاية المطاف. وبالتالي، فإن ذلك يخلق توقعاً مفاجئاً، لأنه يعني أولاً أن ليس كل الإخفاقات تؤدي إلى النجاح.

إذا فحصت مجموعتي الأشخاص هاتيْن، فإن ما سيتجلى لك أنه في البداية، وأعني في أول فشل لهم، جاء أداؤهم جميعاً واحداً، واتسموا جميعاً بالسمات ذاتها. ولكن، بينما يفشلون مراراً وتكراراً، يبدأ التمايز بينهما والتحول إلى مجموعتيْن منفصلتين لأنهما على جانبي نقطة التحول.

وتلك هي النتيجة التي شجعتنا على اختبار هذا التوقع بشكل منهجي من ثلاث مجموعات للبيانات متباينة نوعاً ما. مجموعة البيانات الأولى هي قاعدة بيانات مِنح معاهد الصحة الوطنية التي ذكرناها في السابق. والمثال السابق ينتمي إلى نطاق الشركات الناشئة، حيث دققنا النظر في المبتكرين المنخرطين في العمل في شركة ناشئة باءت جهودها بالفشل، وبعد ذلك حاولوا لاحقاً العمل في شركة ناشئة أخرى. ولعل ذلك لم يفلح أيضاً. وفي النهاية، تجد نفسك في شركة ناشئة طُرحت للاكتتاب العام للمرة الأولى أو حققت اندماجات واستحواذات عالية القيمة.

وفي المجموعة الثالثة من البيانات، وتتناول مجالاً غير تقليدي بالمرة، أمعنّا النظر في المنظمات الإرهابية. وفي هذه الحالة، فحصنا المنظمات الإرهابية التي تشن هجوماً لكنها لا تقتل أحداً. للهجوم الإرهابي كثير من الأهداف نوعاً ما، ولكن من بين الأهداف الشائعة في الكتابات التي تتناول الإرهاب محاولة الإرهابيين الإيقاع بضحايا.

في هذه الحالة، سننظر إلى المنظمات الإرهابية التي تشن هجوماً لا يتمخض عن شيء، فتشن هجوماً آخر، فلا يسفر عن مقتل أحد أيضاً. وتعيد الكرة مراراً وتكراراً حتى تشن هجوماً يسمح لها بالإيقاع بضحايا.

وبالتالي، فمن الواضح أن لدينا ثلاثة مجالات متباينة كل التباين. وهنا أعتقد أنني أجد النتائج مثيرة جداً عن نفسي، وأعني النتائج المتعلقة بالمجموعة التي تفشل في نهاية المطاف. فما نراه هو أن كل فشل على طول الطريق لا يترتب عليه أي تحسن في الكفاءة، وأنه فيما يتعلق بالفترة الفاصلة بين المحاولات المتعاقبة، تظل تلك الفترة ثابتة إذ يفشلون مراراً وتكراراً.

ولكن، عندما ننظر إلى المجموعة الناجحة، ستجد أنه مع كل محاولة فاشلة، تتحسن كفاءة المجموعة بشكل منهجي، وأن الوقت الفاصل بين محاولتيْن متعاقبتيْن يتقلص بشكل منتظم. وهذا يعني أن تلك المجموعة تفشل أسرع وأسرع تدريجياً حتى تبوء جهودها بالنجاح في نهاية المطاف.

كيرت نيكيش: بالتأكيد هناك كلام كثير في مجال الأعمال عن الفشل بسرعة أو الاحتفاء بالدروس المستفادة بدلاً من الاحتفاء بالإخفاقات. وتلك عبارات طنانة نوعاً ما تتناهى إلى مسامعنا في هذه الأيام. يبدو أن بحثك يدعم هذه الفكرة، وأعني أن هناك ميزة لزيادة معدل فشلك طالما أنك على دراية بأنك تتعلم من إخفاقاتك وتتحسن استناداً إليها. وأن هذا في حقيقة الأمر مؤشر على أنك ربما كنت على الجانب الصحيح من نقطة التحول التي تتحدث عنها.

داشون وانغ: أوافقك الرأي. أعتقد أنني لا أشعر أن النتائج التي خلصنا إلينا لا تدعم حقاً شعار الفشل السريع المشهور جداً في وادي السيليكون فقط، وإنما تشدد أيضاً على أهميته. على سبيل المثال، في رأيي أن نتائجنا توحي الآن بحق بأن فكرة الفشل بسرعة هذه ليست وصفية وحسب وإنما تشخيصية أيضاً.

والواقع أنك لو كنت رائد أعمال أو شخصاً عمل في الإدارة الوسطى مراراً وتكراراً، فبوسعك تشخيص نفسك حقاً بالتفكير فيما إذا كنت لا تفشل أسرع كل مرة بمرور الوقت. قد يعني ذلك في الواقع أنك عالق في نطاق الركود، وأنك تُدخل التحسينات الخاطئة على حياتك، بينما تبدو مشغولاً ومنتجاً جداً، لكنك على الرغم من ذلك تُجري جميع ألوان التحسينات العقيمة على حياتك.

بينما الأشخاص الذين ينتمون إلى منطقة النجاح القادرون على الفشل بوتيرة أسرع وأسرع، ربما كان ذلك مؤشراً على الطريقة التي يركزون بها على الأشياء التي تقتضي التحديث أكثر من غيرها، مع الاحتفاظ بخبرتهم السابقة كلها والتعلم بشكل بناء من تجاربهم الفاشلة السابقة.

كيرت نيكيش: من الواضح أن ذلك يطرح أسئلة مثيرة بحق بخصوص كيفية الانتقال من إحدى المجموعتين إلى الأخرى، أو كيفية تعلم ذاك الانتقال، وهو ما أعلم أنه يتجاوز نطاق أبحاثك. ولكن، ربما أن لديك بعض الأفكار. أعني هل لديك أي أفكار بخصوص كيفية انتقال الناس إلى الجانب الآخر من نقطة التحول أو كيف يمكنهم أن يتعلموا إنجاز ذلك بطريقة أفضل؟

داشون وانغ: هذا سؤال رائع بحق. في الحقيقة، لقد ساعدني ذلك في مجال عملي أيضاً، وأشعر أنني استفدت من أبحاثي الخاصة لأنني كثيراً ما أفشل مراراً وتكراراً. واستناداً إلى هذا البحث، بدأت أدرك أنه من الواضح أن الخلاصة الأساسية من نتائجنا تتعرض لفكرة العمل بطريقة أذكى لا بكد أكثر.

إذا فكرت في الفشل، فعليك أن تدرك أن الفشل شيء رائع جداً لأنه يمنحك عنصرين على الأقل. أولهما الخبرة السابقة - ففشلك يعني أنك أنجزت شيئاً بحق، وبالتالي فلديك أشياء كثيرة يمكنك استغلالها.

وثانيهما أن الفشل يعطيك بعض الملاحظات، لأن أحداً لا بد أن يصارحك بأنك فشلت لتكون قد فشلت فعلاً. وبالتالي، فالفشل تلازمه ملاحظات يمكن من خلالها أن يكون لديك تقدير ما للجوانب التي أحسنت فيها وتلك التي أخفقت فيها.

ومفتاح هذا النموذج يتمثل في أنه للتمييز بين نطاق النجاح ونطاق الركود، يتعين عليك التفكير - أعني عليك التعاطي مع هذه الملاحظات والتجربة والتركيز بقوة على الجوانب التي قصّرت فيها، وعليك أن تحاول تغيير تلك الجوانب على أن تحتفظ بالجوانب التي برعت فيها وتعيد استخدامها.

وبالتالي، فالأمر يقتضي توازناً بين إعادة استخدام ما برعت فيه في مقابل ابتكار وإعادة ابتكار وتحسين الجوانب التي لم تبرع فيها. ويبدو أن هذا هو الجانب الفيصل بين الأشخاص الذين يستطيعون عبور نقطة التحول.

كيرت نيكيش: ذكرت تواً كلمة "يستطيعون". فما الذي يعنيه ذلك للمدراء فيما يتعلق بإعطاء فرق عملهم أو موظفيهم فرصاً ثانية ومساعدتهم على التعلم من إخفاقاتهم بغية زيادة احتمالات نجاحهم مستقبلاً؟

داشون وانغ: وهذا سؤال آخر رائع. الواقع أنني كنت أخاطب العديد من الشركات الناشئة ورواد الأعمال في وادي السيليكون عن كثب، بما في ذلك شركات رأس مال المغامر (أو ما تسمى بشركات رأس المال الجريء) وغيرها من الشركات، بشأن التفكير في الكيفية التي يمكن لهذه النتائج أن تساعدهم على تحديد الفائزين المستقبليين، حتى بالنسبة لرواد الأعمال الذين ربما ما زالت جهودهم تبوء بالفشل حالياً.

ومن بين الأفكار المطروحة أنك لو كنت مديراً، فربما أن المؤشر الذي نلمسه هو أن الأشخاص الذين تكلل جهودهم بالنجاح في نهاية المطاف وهؤلاء الذين لا تكلل جهودهم بالنجاح في مرحلة مبكرة جداً يمكن التمييز بينهم. وقد يكون لتلك الحقيقة في الواقع نطاق عريض من المضامين للمدراء فيما يتعلق بالتفكير في كيفية استغلالها. عليهم مراقبة الطريقة التي يفشل بها الناس مراراً وتكراراً بهدف تحديد خاسري اليوم الذين سيصبحون فائزي الغد وهم ما برحوا في مرحلة الفشل. وإذا استطعنا أن نفعل ذلك، فأعتقد أن هناك إمكانات مختلفة كثيرة لذلك.

كيرت نيكيش: إذا جاءك أحد الرؤساء التنفيذيين العاملين في وادي السيليكون، وسألك عن الفشل، فكيف ستجيبه؟ لأنك تستطيع بالتأكيد أن تقدم له توجيهاتك بخصوص مساره المهني، ويمكنك أيضاً أن تمنحه رؤى ثاقبة قد تساعده في التعامل مع جهوده التنظيمية. ما الأشياء المهمة التي علينا فهمها بخصوص الفشل وتعتقد أن العدد الأكبر من الناس عليهم التعرف عليها؟

داشون وانغ: في الدراسة الأولى التي ذكرناها، ثمة عبارة أهديها للرؤساء التنفيذيين، ومفادها أنه ليس من المهم ما إذا كانت شركتك ناجحة أم لا. أراهن أنك ستواجه بمرور الوقت، آجلاً أو عاجلاً، أشياءً لن تسير بك إلى الدرب المنشود. وهذه هي طبيعة الفشل، ما من أحد محصن ضده.

وعندما يحدث ذلك، أعتقد أنه سيكون من المفيد حقاً أن تتفكر في عملك. من المفيد أن تفكر في أن الفشل لا يعني أنك خارج اللعبة، وأن الخاسرين في بعض الحالات لا يخرجون من المضمار، وربما حتى أصبحوا فائزين أعظم في المستقبل.

والعبارة الثانية تتعلق بالتفكير في فكرة الفشل مراراً وتكراراً. وأعتقد أن المصدر العظيم الذي ألهمني هذا البحث هو معشوقي منذ أيام الطفولة. ففي الماضي، عندما مارست لعبة كرة السلة لفترة وجيزة جداً على سبيل الاحتراف، في الوقت الذي شارك فيه مايكل جوردان في ذاك الإعلان الشهير جداً لشركة "نايكي" (Nike)، قال إنه فشل مراراً وتكراراً في حياته، ولذلك حقق النجاح. وأعتقد أن مقولته هذه ثاقبة جداً. إنه لأمر في غاية التبصر، على الأقل بالنسبة لي، أن نفكر في مقولته تلك.

كيرت نيكيش: عندما تنظر إلى التصورات العامة للنجاح والفشل الشائعة بين الناس، ما هو التصور الأبرز المغلوط في رأيك لدى الناس وتريد أن تخبرهم أن يتعاطوا معه بشكل مختلف؟

داشون وانغ: كنت أتحدث إلى والداي ذات يوم عن بحثي الأخير. وإذا بي أُدرك في لحظة من اللحظات مدى تفاهة الأمور التي كنا نتحدث عنها حتى تلك اللحظة.

وذلك لأنني ... أنا أصلاً من أبناء الصين، وإذا تدبرت تاريخ الصين الممتد لأكثر من 5 آلاف سنة، فستكتشف أن أشهر مقولة مأثورة، لو سألت أي أحد من الصين، فسيقول لك إن أشهر مقولة مأثورة هي فكرة أن "الفشل أساس النجاح".

وهذه هي خلاصة ما تعلمناه في صغرنا، والكل يعرف هذه المعلومة تمام العلم بالمناسبة. لو فكرت في كل ما تحدثنا عنه، وكل تلك النتائج، فأعتقد أن ما كشفنا عنه حقاً هو أن الفشل هو أساس النجاح. وأعتقد أن هذا يحدث بينما نمضي قدماً في مشوارنا المهني، ونفشل مراراً وتكراراً، ولا نشارك تلك التجربة. ونكتفي فقط بمراقبة الآخرين الذين تُكلل جهودهم بالنجاح. ونبدأ تدريجياً في نسيان أهمية النجاح حقاً، ودور الفشل المتمثل في الارتقاء بمسارنا المهني فعلاً بسبل مختلفة.

وهنالك أعتقد أنني اكتشفت بطريقة ما أن ما كشفنا عنه النقاب هو في حقيقة الأمر شيء تافه جداً، وأنه شيء تعلمناه في مرحلة مبكرة جداً من طفولتنا. لكنني أعتقد أننا بمرور الوقت كلما فكرنا في الفوز والخسارة، فإننا دائماً ما نختار الفوز كل مرة. لكنني أعتقد أن الخسارة في بعض الأحيان يمكن أن تكون مفيدة جداً أيضاً.

كيرت نيكيش: دعني أطرح عليك السؤال المعتاد إذاً في المقابلات الشخصية: أطلعني على حالة من حالات الفشل، وأيها أيقنت أنها ربما تمثل الفشل الأعظم قيمة على الإطلاق؟

داشون وانغ: لا تنسَ أن تطرح علي ذاك السؤال بكل تأكيد. أعتقد أنه من المسهل جداً أن تفكر في حساب هذا الشخص أو ذاك على موقع "لينكد إن"، وسيرته الذاتية الحافلة بالخبرات العظيمة، ومن السهل أن نركز وحسب على كل تلك الإنجازات المبهرة لهذا الشخص. لكنني أعتقد أنك تود أيضاً أن تعي كيف أن ذاك الشخص ربما ثابر وصبر في مواجهة النكسات لأنها أمور، للأسف الشديد، لا مفر منها.

كيرت نيكيش: أجل. شكراً جزيلاً لقدومك إلى البرنامج والحديث حول بحثك، يا داشون.

داشون وانغ: شكراً جزيلاً لاستضافتي ، لقد كان ذلك من دواعي سروري الحقيقي.

كيرت نيكيش: كان معكم داشون وانغ الأستاذ المشارك في كلية كيلوغ للإدارة في "جامعة نورث وسترن" (Northwestern University). وهو أحد مؤلفي دراسة حديثة نُشرت في مجلة نيتشر بعنوان: "تحديد ديناميات الفشل عبر مجالات العلوم والشركات الناشئة والأمن".

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وقدم لنا الدعم الفني روب إيكارت. أما مدير الإنتاج الصوتي لدينا فهو آدم باكولتز.

شكراً لاستماعكم إلى برنامج "آيديا كاست" المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي