ماذا نعرف عن أثر تطبيق نظم التحكم البيئي على أداء المنشآت الفندقية؟

5 دقائق
shutterstock.com/REDPIXEL.PL

في خضم ما يشهده العالم من استنزاف مستمر لموارده الطبيعية، والآثار السلبية المترتبة على ظواهر بيئية متنوعة مثل الاحتباس الحراري، واتساع ثقب الأوزون، وتراجع المسطحات الخضراء وغيرها، تبرز أهمية الممارسات المسؤولة بيئياً للمؤسسات المختلفة وذلك بهدف المساهمة في تخفيف حدة الآثار السلبية للأنشطة الاقتصادية على البيئة بشكل عام.

وحتى وقت قريب كانت الأضواء مسلطة على قطاع الصناعة على اعتبار أن المعامل والمنشآت الصناعية تنتج كم أكبر من الملوثات البيئية، ولكن هذه النظرة بدأت في التغير وأصبحت القطاعات الخدمية مطالبة باتباع الممارسات البيئية الرشيدة. ومن بين هذه القطاعات الخدمية، قطاع الفنادق والذي يعد من أهم القطاعات الاقتصادية في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، وفي إمارة دبي بشكل خاص، فإمارة دبي تعتمد بشكل كبير على الخدمات السياحية المتميزة وتعد دبي كما جاء في مقال منشور حديثاً في "هارفارد بزنس ريفيو العربية" هي عاصمة التسوق في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها تحث الخطى نحو تنظيم معرض إكسبو العالمي 2020. إذ إن دولة الإمارات مشاركة في عدد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالبيئة مثل اتفاق كيوتو للتغير المناخي.

وفي ضوء ما سبق، درسنا في بحثنا هذا أنظمة التحكم البيئي في 150 فندقاً في إمارة دبي موزعة بالتساوي على ثلاث مجموعات من الفنادق: ثلاث نجوم، وأربع نجوم، وخمس نجوم. وقمنا بمقابلة 150 مديراً وطلبنا منهم تعبئة استمارة خصصناها لهذا البحث، وقد تنوعت مناصب المدراء الذين شاركوا في الدراسة ما بين 19% مدراء لعلاقات العملاء، و7% مدراء إداريين ومدراء عمليات، 56% مدراء للموارد البشرية، و18% مسؤولين تنفيذين، كما كان 60% من المجيبين ذكوراً و40% إناثاً.

وكانت 60% من الفنادق التي شملها الاستطلاع منشآت فندقية صغيرة الحجم نظراً لأنها توظف أقل من 200 موظف؛ بينما 30% منها ذو حجم متوسط حيث توظف ما بين 201-500 موظف، و10% كانت من الفنادق الكبيرة، حيث تجاوز عدد الموظفين فيها 500 موظف. كذلك فإن 60% من الفنادق التي شملها الاستطلاع تنتمي إلى سلاسل فنادق عالمية.

ولقد وضعنا نصب أعيننا في هذه الدراسة الإجابة عن تساؤلين أساسيين: الأول تناول مدى الارتباط بين الضغوط التي يمارسها أصحاب المصلحة المرتبطين بقطاع الفنادق ونظم التحكم البيئي التي تطبقها تلك الفنادق بهدف تقليل الآثار البيئية السلبية وتحقيق استدامة الموارد الطبيعية، والتساؤل الثاني تناول العلاقة بين تطبيق تلك النظم وتحقيق الفنادق لنتائج إيجابية وأداء أفضل.

ضغوط أصحاب المصلحة

تشمل قائمة أصحاب المصلحة الفئات التي لها صلة بالأنشطة الفندقية، والذين يمكن أن يؤثروا على القرارات التي تتخذها الفنادق في إطار الإدارة البيئية. وقد وجدت عدة دراسات أن الضغوط التي يمارسها العديد من أصحاب المصلحة في المجتمع تثير الشعور بالمسؤولية البيئية بين الفنادق. وفي الولايات المتحدة الأميركية مثلاً وجدت دراسة أن ضغوط أصحاب المصلحة في قطاع الفنادق يمكّن من التنبؤ بمواقف الإدارة تجاه تنفيذ البرامج الخضراء، كذلك وجدت دراسة أخرى أن أصحاب المصلحة الأساسيين مثل العملاء ومجالس الإدارة لديهم تأثير كبير على الأداء البيئي للفنادق.

آخذين في الاعتبار طبيعة قطاع الأعمال في دولة الإمارات، قمنا بتحديد 12 مجموعة من أصحاب المصلحة المحتملين وهم العملاء المحليين والدوليين، الموردين المحليين والدوليين، الموظفين، المساهمين الملاك، والمؤسسات المالية، والمنافسين المحليين والدوليين، والاتفاقيات والمنظمات الدولية، وكذلك الجهات الحكومية المحلية.

نظم التحكم البيئي

مثل الأعمال التجارية الأخرى، يمكن أن يكون للفنادق تأثير كبير على البيئة من خلال الاستهلاك المفرط للطاقة، على سبيل المثال، أو من خلال استخدام نظم المياه والتدفئة والتبريد والإضاءة وكذلك الأجهزة الإلكترونية وغيرها. ومن هنا فإن الفنادق باعتبارها قطاعاً رئيسياً في صناعة السياحة، يمكن أن تساهم في تدمير وتدهور الموارد البيئية أو بالمقابل يمكن أن تحافظ على البيئة وتعزز جهود المجتمع المحلي في هذا الصدد. لذلك تم وضع عدد من إرشادات العمل في مختلف دول العالم لمساعدة الفنادق على معالجة آثارها البيئية غير المرغوب فيها، وتحسين أدائها البيئي من أجل حماية البيئة الطبيعية المحيطة بها.

ولقد تم تقييم نظم التحكم البيئي في الفنادق التي درسناها من خلال تتبع مدى تطبيق المنشآت لثلاثة معايير بيئية مرتبطة بما يلي: مقاييس الأداء، الموازنة، والحوافز. حيث يرتبط المعيار الأول بتطبيق مقاييس أداء بيئية (مثل التأكد من الالتزام بالمقاييس البيئية، إتاحة البيانات البيئية لمتخذي القرار، والتطوير المستمر)، في حين يرتبط المعيار الثاني بالاعتماد على الموازنة البيئية (بمعنى شمول الموازنة على بيانات تخص التكاليف التي تتحملها الفنادق نتيجة تطبيقها للسياسات والتشريعات البيئية، الاستثمارات التي تقوم بها الفنادق بهدف تخفيف الآثار البيئية السلبية والتقليل من استهلاك الموارد، ومقدار الدخل الذي تحققه الفنادق من إعادة تدوير المواد وبيع المواد غير المستعملة كخردة). بينما يرتبط المعيار الثالث بتطبيق برنامج حوافز يراعى ارتباط التخطيط المؤسسي للفنادق بنظم الحوافز للعاملين بهدف تشجيعهم على تحقيق الأهداف البيئية للمنشآت الفندقية.

أداء الفنادق

من الممارسات الشائعة في إدارة الأداء تطبيق ما يعرف ببطاقات الأداء المتوازن، حيث تساعد هذه المنهجية المدراء في التركيز على الجوانب الاستراتيجية في العمل وتطوير أنظمة التحكم الإدارية الخاصة بهم، وكذلك تغيير نظرتهم حول أداء مؤسساتهم بشكل عام.

ومن هذا المنطلق، قمنا باعتماد مجموعة من خمسة مقاييس تم تحديدها بما يتناسب مع نظم التحكم البيئي في الفنادق وبما يتواءم مع تطبيق بطاقات الأداء المتوازن، وهذه المقاييس هي رضا العملاء، وجودة الخدمات المقدمة، وتطوير الخدمات، والابتكار، وقدرات الموظفين. وقد تم تقييم أداء كل فندق باستخدام تلك المقاييس الخمس مقارنة بالفنادق المنافسة. 

نتائج الدراسة

خلصت نتائج دراستنا إلى وجود ارتباط إيجابي بين تأثير ضغوط أصحاب المصلحة وبين استخدام نظم التحكم البيئي في الفنادق. كذلك فإننا وجدنا أن حجم الفندق يتناسب طردياً مع مدى استخدام أنظمة التحكم البيئي، وربما يرجع ذلك إلى توافر هذه الموارد في الفنادق الكبيرة بشكل أفضل من تلك الصغيرة. وتشير النتائج إلى أن الفنادق التابعة لسلاسل فندقية تطبق أنظمة التحكم البيئي بطريقة أكثر شمولاً من نظيراتها غير التابعة، وهذا منطقي، حيث من المتوقع أن تستفيد سلاسل الفنادق من الممارسات البيئية الناجحة في بعض فنادقها وتروج لهذه النظم بين جميع أعضاء السلسلة.

وعلى عكس العديد من الدراسات السابقة وما توقعناه في تلك الدراسة، فإن مدى استخدام أنظمة التحكم البيئي في الفنادق الإماراتية لم يكن مرتبطاً بشكل كبير بأداء الفنادق، وربما يعود ذلك إلى التطبيق المتباين للضوابط البيئية في دولة الإمارات.

ولقد خرجت دراستنا بعدة توصيات مثل ضرورة قيام الفنادق بتعزيز الوعي البيئي بين أصحاب المصلحة الرئيسيين مثل الموظفين والعملاء. فمثلاً بعض مدراء الفنادق العالمية مثل هورست شولتز الرئيس التنفيذي لمجموعة فنادق كابيلا صرّح في مقابلة مع "هارفارد بزنس ريفيو العربية" بأنه يقوم بتدريب الموظفين بنفسه عند افتتاح أي فندق جديد. وكذلك تقديم مجموعة من الحوافز لتعزيز السلوك الإيجابي كأن يتم تقديم خدمة تنظيف الملابس مجاناً للعملاء الذين يعيدوا استخدام بياضات الأسرة الخاصة بهم، أو يتم مكافأة الموظفين على نتائج الأعمال التي يقومون بها والتي تؤدي إلى توفير استهلاك الطاقة.

وتشير نتائج الدراسة أيضاً إلى تأثير حجم الفندق على استخدام أنظمة التحكم البيئي. وهنا يمكن للفنادق الكبيرة، كقائدة للسوق، أن تلعب دوراً رائداً في تعزيز ممارسات الإدارة البيئية في قطاع الفنادق في دولة الإمارات العربية المتحدة. فمثلاً يمكنهم المساهمة في توفير الطاقة من خلال ممارسات إعادة التدوير وإعادة استخدام الموارد. وهنا يمكن أن يلعب التسويق البيئي  دوراً مهماً في مساعدة الفنادق الإماراتية على إقناع العملاء بتبني ممارسات بيئية تمكن من توفير المياه والكهرباء، وبالتالي تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف ولاسيما في ضوء زيادة أسعار الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول العالم. 

وينبغي أن نأخذ في الحسبان أن هناك بعض الأسباب التي تجعلنا حذرين في تعميم نتائج هذا البحث على جميع الفنادق في دولة الإمارات، منها أنه شمل فنادق إمارة دبي فقط، كما أنه تم الحصول على المعلومات من المدراء دون المتعاملين أو جهات أخرى، وكذلك فإنه لم يتم بحث طبيعة ملكية الفنادق أو نوع الخدمات التي تقدمها.

هذه المشاركة مستندة الى الورقة البحثية التالية: أحمد عبد المقصود، هاني كامل، سعید البنا (2016)  التحقق من العلاقة بين ضغوط أصحاب المصلحة، نظم التحكم البيئي، وأداء المنشأت الفندقية. إنترناشيونال جورنال اوف هوسبيتالتى مانجمنت, 59, صفحات 95 – 104.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي