درس العديد من الباحثين ظاهرة المدراء الذين يسيئون معاملة مرؤوسيهم، أو من نسميهم بـ "المدراء المتنمرين". ويمكن أن يشمل سلوك المدير المتنمر مجموعة واسعة من الأشكال المختلفة للعدوانية غير الجسدية، مثل السخرية من الموظفين أو التقليل من شأنهم أمام الآخرين أو اتهامهم بعدم الكفاءة أو إلقاء اللوم عليهم أو الكذب عليهم أو عدم الثناء عليهم عند إتقانهم أداء عملهم.
وقد ثبت أن مثل هذا التنمر يؤدي إلى طائفة واسعة من العواقب السلبية للموظفين، مثل الضغط النفسي وعدم الرضا الوظيفي والإجهاد العاطفي. كما يرتبط التنمر بالسلوكيات التي تؤدي إلى عكس النتائج المنشودة، والتي تمتد من السلوكيات التنظيمية إلى الشخصية. على سبيل المثال، يمكن أن يحضر الموظفون، في المؤسسات التي يحدث فيها التنمر، متأخرين إلى العمل، أو يبطئون العمل عن عمد، أو لا يتبعون تعليمات المدير. ويمكن أيضاً أن يشجع التنمر الموظفين على أن يصبحوا هم أنفسهم متنمرين، من خلال إهانة زملائهم، أو سوء معاملة بعضهم لبعض، أو إبداء العدوانية تجاه الآخرين. وليس من المستغرب أن التنمر يزيد أيضاً من الدوران الوظيفي.
فما الذي يدفع المدراء إلى أن يصبحوا متنمرين؟ تتمثل الإجابة في أنه ربما يشعرون هم أنفسهم بالتوتر أو يتعرضون لضغوط من مدرائهم، أو يواجهون صراعاً مع زملاء العمل يمتد إلى علاقاتهم بمرؤوسيهم المباشرين. ولا يتعلق تنمر المدراء بالعمل دائماً؛ فثمة مدراء متنمرون لديهم ماضٍ حافل مع العنف الأسري، وبعضهم لا يملكون سوى القليل من القدرة على التحكم في مشاعرهم. وقد علمنا مؤخراً أيضاًَ أن بعض الموظفين أكثر عرضة للتنمر من غيرهم. ويمكن للموظفين السلبيين أو العدائيين إظهار أسوأ ما في رؤسائهم. ومن المرجح أيضاً أن يتعرض الموظفون الذين يتسمون بتقدير منخفض للذات للتنمر إذا أظهروا ضعفاً أو عرضة للتأثر. وفي حين أن تنمر المدير ليس له ما يبرره، فليس من الصعب فهم كيف يمكن لبعض أنواع الموظفين أن يكونوا ضحايا استفزازيين للمتنمر.
في إحدى دراساتي السابقة التي أجريتها بالاشتراك مع بِن تيبر وميشيل دافي، وجدنا أن الموظفين ذوي الأداء الضعيف من المرجح بصفة خاصة أن يتعرضوا للتنمر من مدرائهم. إذ يواجه الموظفون ذوو الأداء الضعيف صعوبة في التعامل مع إحباط مدرائهم وقلقهم الذي غالباً ما يتسببون هم به. ونتيجة لذلك، يصبحون أحياناً ضحايا للتنمر. وفي ضوء ذلك، قد يعتقد المرء أن الموظفين ذوي الأداء المتميز لدى المدير سيكونون في مأمن من التنمر. ففي نهاية المطاف، يُفترض أن يرغب المدراء في حماية موظفيهم ذوي الأداء المتميز وتمكينهم، وهو ما يمنحهم كل فرصة سانحة لمواصلة التفوق.
لكن بحثي الأخير مع عبد الكريم خان وسمينة قرة العين وعمران حميد يشير إلى أن هذا الاستنتاج قد يكون خاطئاً. إذ يتعرض الموظفون ذوو الأداء المتميز، في بعض الأحيان، إلى التنمر من قبل مدرائهم أيضاً.
ولفهم السبب، من المفيد معرفة القليل عن نظرية الهيمنة الاجتماعية (Social Dominance Theory)، التي يستخدمها علماء النفس السياسي والاجتماعي لشرح اختلافات القوة بين المجموعات. إذ تفترض هذه النظرية أن بعض الأشخاص لديهم ميل نحو "توجه الهيمنة الاجتماعية" (Dominance Orientation) أكثر من غيرهم ومن المرجح أن يكون لدى الأشخاص الذين يتسمون بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية "نظرة إلى العالم على أنه بيئة تنافسية تتكون من الرابحين والخاسرين ويأكل القوي فيها الضعيف". حيث إنهم ينجذبون إلى المؤسسات والوظائف التي تدعم التسلسل الهرمي الاجتماعي وتعززه وسيميلون إلى التمييز ضد الأفراد من المجموعات ذات المستوى الأدنى. وعلى هذا النحو، يسعى الأفراد الذين يتسمون بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية إلى تعزيز التفاوت بين المجموعات من أجل الحفاظ على سبل حصولهم على الموارد، مثل السلطة والمكانة والثروة. وعلى العكس من ذلك، يولي الأفراد الذين يتسمون بمستوى منخفض من توجه الهيمنة الاجتماعية أهمية أكبر على التعاون والمساواة والنزعة الإنسانية.
لذا، في حين تُظهر أبحاثنا السابقة أن الموظفين ذوي الأداء الضعيف من المرجح أن يكونوا ضحية للمدراء المتنمرين، يُظهر بحثنا الحالي أن الموظفين ذوي الأداء المتميز يمكن أن يتعرضوا أيضاً للتنمر عندما يشرف عليهم مدراء يتسمون بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية. وذلك لأن الموظفين ذوي الأداء المتميز يمثلون تهديداً للمدراء الذين يعلّقون أهمية كبيرة على مركزهم المهيمن في التسلسل الهرمي. إذ إنه بالنسبة لمثل هذا المدير، فإن موظفه الصاعد الذي يؤدي أداء يتجاوز التوقعات قد يحل محله أو يتفوق عليه أو يحصل على بعض الموارد المخصصة له عادةً، مثل المنزلة أو الاهتمام من كبار المسؤولين أو فرص التقدم.
خذ، مثلاً، حالة بثينة، وهي مختصة في العلاج الطبيعي، شابة تعمل في مستشفى تعليمي مرموق. عندما بدأت تحصد الأوسمة وتحظى بالاهتمام نظير عملها الذي ساعد في إعداد نظام تكنولوجيا المعلومات الجديد في المستشفى وتدريبها لزملائها على كيفية استخدامه، بدأت مديرتها في انتقادها، منتقِصة من إنجازاتها وواصفة إياها بالمتملقة. وكلما تلقت بثينة المزيد من الإطراء على عملها، زاد شعور مديرتها بالتهديد، جاعلة الأمور أكثر صعوبة على بثينة. ومع أن بثينة كانت تتلقى - سابقاً - تعليقات إيجابية من مديرتها، أصبحت الآن هدفاً لمديرتها في إساءة المعاملة. استناداً إلى بحثنا، يمكن أن يشرح توجه الهيمنة الاجتماعية هذه القصة. حيث إن مديرة بثينة، التي تتسم بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية، لديها موظفة تعمل بجد وتحظى باهتمام وفرص إضافية من الإدارة العليا لا تحظى بها مديرتها ولا تتحكم بها. وأسفر ذلك عن شعور المديرة بالتهديد من بثينة. ولكي "تضع بثينة في مكانتها" وتستعيد النظام الهرمي القائم على التراتبية، تنمرت المديرة عليها.
إذاً، ما الذي ينبغي أن يفعله موظف ذو أداء متميز عندما يجد نفسه في المأزق نفسه الذي تواجهه بثينة؟
استناداً إلى ما نعرفه عن الأفراد الذين يتسمون بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية، سيكون من المفيد للموظفين ذوي الأداء المتميز الانجذاب إلى الوضع الهرمي الأعلى للمدير لإظهار الاحترام لمقامه. ويمكن القيام بذلك عن طريق "تقاسُم الأضواء" مع المدير، والاعتراف - بشكل علني وشخصي - بالدور الفعال الذي لعبه مديرهم في إنجازاتهم. ويمكنهم أيضاً أن يتقاسموا مع مديرهم أي موارد إضافية يتمتعون بها نتيجة لأدائهم. يمكن أن تساعد هذه الأفعال في تقليل مستوى التهديد الذي يشعر به المدير الذي يتسم بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية، وبالتالي تقلل من فرص تعرض الموظف ذي الأداء المتميز للتنمر.
وحيث إن المدراء المتنمرين يتسببون في دوران الموظفين، ينبغي أن يشعر كبار القادة خاصة بالانزعاج من معرفة أن هؤلاء المدراء قد يلاحقون الموظفين ذوي الأداء المتميز. وعلى الرغم من أنه لا يوجد موظف يستحق التعرض للتنمر، فإن مضايقة أفضل الكفاءات تمثل تهديداً واضحاً لعافية المؤسسة في المستقبل. ومن أجل التصدي لهذه المشكلة، هناك العديد من الخيارات لدى المؤسسات:
- يمكن للمؤسسات دراسة فكرة تشخيص المدراء للتأكد ممن يتسم فيهم بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية. ففي عصر تحديد السمات الشخصية قبل التوظيف، سيكون من السهل للغاية إضافة منظور آخر للكشف عن توجه الهيمنة الاجتماعية لدى الأشخاص.
- لكي يتسنى للمؤسسات خلق ثقافات لا تشجع على الهيمنة الاجتماعية، يجب عليها تصميم أنظمة حوافز تكافئ المدراء على تطوير الموظفين ذوي الأداء المتميز بدلاً من تقويضهم. إذ يمكن تحفيز المدراء الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية لحماية موظفيهم ذوي الأداء المتميز ودعمهم وترقيتهم، بدلاً من شعور هؤلاء المدراء بالتهديد منهم. وينبغي أن يؤدي الأداء الرفيع للمرؤوسين إلى الارتقاء بالمرؤوسين ومدرائهم على حد سواء. وفي حين أن هذا يمكن أن يكون اقتراحاً بديهياً، فإن العديد من عمليات تقييم المدراء في الوقت الحالي لا تعترف بقيمة تطوير أفضل الكفاءات والارتقاء بمستوى أدائها.
- وأخيراً، سيكون للإشارات الواضحة من الإدارة العليا حول كيفية التعامل مع الموظفين ذوي الأداء المتميز أثر كبير في هذا الصدد. إذ إنه بالنسبة للأفراد الذين يتسمون بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية، فإن التسلسل الهرمي والمكانة مهمان للغاية. وبالطريقة نفسها التي يحافظون بها على مكانتهم الخاصة، فإنهم يحترمون أيضاً الأفراد ذوي المكانة الأعلى ويستجيبون لتوجيهات هؤلاء الأفراد. وبالتالي، يمكن أن تكون الرسائل الصريحة حول تعامل الأشخاص ذوي المكانة الأعلى بعناية مع الموظفين ذوي الأداء المتميز عاملاً أساسياً للقضاء على ميل المدراء الذين يتسمون بمستوى عالٍ من توجه الهيمنة الاجتماعية إلى التنمر على أفضل موظفيهم.