تتطلب القيادة في عصر التغيير والحاجات الملحة وتحمل المسؤولية جهداً كبيراً من القائد. أنت بحاجة إلى كثير من الطاقة كي تتمكن من الحضور بكامل انتباهك وتركيزك، وحتى إذا كنت مغتاظاً من العدد الكبير من الرسائل التي تتراكم في صندوق البريد الإلكتروني الوارد. فمن الضروري أن تتحلى بالصبر كي تتمكن من التعاطف مع موظفيك إذا ما قابلوك بمقاومة، وأنت بحاجة إلى الأسباب التي تمكنه من الابتكار بدلاً من اتباع الأساليب الواقعية المجربة كخيار أساسي وحيد. وأنت بحاجة إلى ضبط النفس كي تتعامل مع أفراد فريقك بانفتاح مع إظهار الحساسية من دون أن تخسر ثقتهم بك. كما أنك بحاجة إلى قوة التحمل كي تتمكن من الحضور بكامل انتباهك والتحلي بالصبر والابتكار وضبط النفس يوماً بعد يوم وأسبوعاً تلو الآخر. باختصار، يحتاج القائد إلى قوة هائلة.
على الرغم من أن القادة الذين أتعامل معهم يتمتعون بشيء مما يلزم لنجاحهم من القوة والطاقة والقدرة على التحمل، فإن قلة منهم يستثمرون في تعزيز هذه الأمور. هل ينطبق ذلك عليك أيضاً؟ هل تعلم أنه من الضروري أن تحصل على القدر الكافي من النوم والتغذية الجيدة والرياضة والتواصل الإنساني والاسترخاء، لكنك لا تحاول تخصيص وقت لهذه الأمور؟ أو، كحال كثير من القادة الذين أعمل معهم، تقول لنفسك: "ضغط العمل كبير الآن، ولا يمكنني تحمل... (قضاء سبع ساعات في النوم، أو التوقف لتناول وجبة غداء، أو متابعة ممارسة هواياتي)". فلتعلم أن طريقة التفكير هذه، التي ترى أن الاستثمار في قدرتك على التحمل تعاكس مصالح مؤسستك، توقع ضرراً كبيراً عليك وعلى مؤسستك على حد سواء.
آن الأوان لتطبق الكلمات المأثورة "موظفونا هم أعظم أصولنا". وإذا كنت أحد الأصول المهمة، فكيف يمكن لحرمان هذا الأصل والحط من قيمته وتقديره، من خلال إخضاعه لظروف قاسية وإمداده بالطاقة غير المناسبة وإهمال صيانته الروتينية أن يعود بالفائدة على المؤسسة؟ فلنضع النقاط على الحروف: هذا لن يعود بأي فائدة على أحد.
نم جيداً. يقول مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن ثلث البالغين الأميركيين لا يحصلون على كفايتهم من النوم، وإذا كنت في منصب إداري يحملك ضغطاً نفسياً، فأنا أرى أنك تنتمي لهذه الفئة. قد تبدو أسبابك في التخلي عن الحصول على القدر الكافي من النوم منطقية، إذ يجب عليك، قبل الذهاب إلى فراشك، أن ترد على الرسائل الإلكترونية التي تراكمت في صندوق الوارد لأنك كنت تعقد الاجتماعات طوال اليوم. كما أنك مضطر لاقتطاع ساعة من وقت النوم في الصباح كي تقرأ المواد التي ستناقشها في اجتماع الساعة الثامنة مع مديرك. بالإضافة إلى أن عليك تخصيص وقت في جدول مواعيدك لإجراء مكالمة هاتفية جماعية مع الفريق في مدينة هونغ كونغ في الساعة الحادية عشر مساء. ثمة أسباب كثيرة لتقليل عدد ساعات نومك، وتبدو جميعها منطقية ظاهرياً.
والآن، لنفكر بالجانب الآخر من الصورة. على الأقلّ، يعيق الحرمان من النوم قدراتك الإدراكية من خلال إنقاص يقظتك الذهنية وانتباهك. قد تقول إنك لا تحتاج سوى فنجان كبير من القهوة كي تشعر بالنشاط. لكن ذلك أمر نسبي. تبين الأبحاث أن المنشطات فعالة بقدر معقول في تخفيف آثار الحرمان من النوم في المهمات العادية القائمة على قواعد محددة، غير أنها ليست ذات فائدة في المهمات التي تتطلب الابتكار والتفكير التباعدي. وإذا كانت مؤسستك تعتمد عليك لإنجاز أكثر من مجرد مهام صغيرة روتينية، فربما كان عليك إعادة النظر فيما إذا كانت زيادة ضغط أعمالك اليوم تستحق التضحية بما سوف تضيفه غداً.
الراحة هي أحد الاستثمارات التي يجب عليك القيام بها كي تحافظ على جسمك بأفضل حال؛ ويجب أن تتناول الطعام الذي يغذي قشرة الجبهة الأمامية من دماغك، حيث تدور معظم أعمال المدير، وإذا كنت تحاول البقاء على قيد الحياة بتناول الأطعمة السريعة أثناء تنقلك وعملك، فلن تحصل على الغذاء الذي تحتاج إليه للحفاظ على طاقتك وتركيزك أثناء يومك الطويل؛ كما يجب أن تشرب ما يكفي من الماء كي تحافظ على نشاطك، إذ أثبتت عدة دراسات أن التجفاف حتى بدرجات خفيفة يؤثر على التفكير (الذاكرة والانتباه) والمزاج (التوتر والقلق)؛ أضف إلى القائمة التمارين الرياضية وبعض الوقت للاسترخاء والتفكير، وعندئذ ستملك الطاقة والصبر والقدرة على الابتكار والجلَد لتتمكن من قيادة فريقك بنجاح.
إذا كنت لا تزال تفكر بالتخلي عن الراحة والغذاء، فسيدفعك ما سأقوله الآن إلى إعادة النظر في ذلك. أحد أخطر الاكتشافات حول تأثير الإرهاق على الأداء كانت نتيجة بحث حول احتمالات إصدار القضاة قرارات بالإفراج المشروط عن السجناء، (هذا القرار ينطوي على مخاطر كبيرة على الطرفين). إذ إن احتمالات إصدار القضاة، الذين يعتبرون موضوعيين لدرجة كبيرة، قراراً بالإفراج المشروط في بداية جلسة المحاكمة (بعد تناول الطعام والحصول على قسط من الراحة) أكبر من احتمالات إصدار هذا القرار في نهاية الجلسة. كانت الفجوة عميقة، فعلى الرغم من أن القضاة أصدروا قرارات بالإفراج المشروط عن 36% من السجناء الذين يرونهم أثناء يوم واحد، فإن هذه النسبة مقسمة ما بين 65% في بداية جلسة المحاكمة وقرابة الصفر في نهايتها. فلنفكر بذلك ملياً. ماذا لو كانت تجربتك مع أفراد فريقك ليست متعلقة بسلوكهم وإنما بمقدار الراحة والغذاء اللذين حصلت عليهما قبل التعامل معهم؟ من الذي تعامله وأنت بأفضل حالاتك من أفراد فريقك، ومن الذي تعامله وأنت بأسوئها؟
ماذا لو كان من الضروري أن تكون بأفضل حالاتك حالاً؟ ماذا لو كنت محروماً من النوم وجائعاً ومتعباً، ولديك اجتماع مهم بعد 20 دقيقة؟ هل يمكن أن تجدد طاقتك بلمحة؟ جرب واحداً من الأساليب التالية لتتمكن من رفع مستوى قدرتك الجزئية على التحمل.
إذا كان الاجتماع المقبل بعد 20 دقيقة اجتماعاً فردياً مع أحد زملائك أو مرؤوسيك المباشرين، جرب أن تتحدث معه وأنتما تمشيان بدلاً من الجلوس. فالمشي أثناء الاجتماع يساعد على سير المحادثة بسلاسة، وهو فكرة مناسبة جداً إذا كان عليك الخوض في حديث حول نزاع ما، لأن تقليل النظر المباشر إلى الآخر يساعد في جعل المحادثات الصعبة أسهل. وإذا كان بالإمكان المشي على العشب أو بين الأشجار، فسيكون ذلك أفضل كثيراً، فهو لن يزيد من فاعلية اجتماعك هذا فحسب، وإنما سيمدك بالنشاط اللازم للاجتماع التالي.
والخيار الثاني إذا كنت تشعر بالإرهاق وتتمنى لو تجد نفسك قد وصلت إلى عطلة نهاية الأسبوع، هو أن تعثر على من تستطيع تقديم المساعدة له في المكتب. خذ فنجاناً من القهوة واجلس مع زميلك وقدم له بعض التدريب أو التوجيه والإرشاد، إذ تقول أبحاث جديدة إن التعاطف مع شخص آخر ومساعدته في ترتيب وضعه يساعدك في تنظيم حالتك المعنوية.
إذا كنت تشعر بانفعال عاطفي مع تراجع قدرتك على التحمل، خذ لحظة استراحة لتتمكن من ضبط انفعالاتك. أولاً، حدد المشاعر التي تشعر بها، فهذا سيحد من قوتها. ثانياً، تنفس بعمق وأخرج أكبر قدر ممكن من الهواء في الزفير، ثم استرخ ودع الهواء يملأ رئتيك من جديد. استعن بإشارة حسية لتحفيز مزيد من المشاعر الإيجابية. استمع إلى أغنية جميلة وأنت في الطريق إلى الاجتماع التالي، مثلاً، أو تناول قطعة حلوى وفكر بجدك الذي كان يقدم لك مثلها. عندما أشعر أني فقدت طاقتي وأنا أعمل في تيسير اجتماع ما، أحاول أن أحظى بلحظة سرية لنفسي أضع فيها عطراً مثل عطر التوت الذي يعيد إليّ النشاط فوراً.
كما يمكنك رفع قدرتك الجزئية على التحمل عن طريق تذكير نفسك سريعاً بأكثر ما يهمك. ضع ملصقاً (ورقة ملاحظات صغيرة لتنبيهك) على جهاز اللاب توب مثلاً، أو اربط خيطاً على معصمك، أو ضع اقتباساً ملهماً على قفل شاشة هاتفك، أو أي شيء آخر يشكل تذكيراً صغيراً بالصورة الأكبر أثناء الاجتماع.
إن قدرتك على التحمل هي مسألة على قدر كبير من الأهمية في العمل إذا كنت تقود فريقاً في خضم التوتر الذي يفرضه علينا عالمنا متسارع الخطى. عندما تستثمر في منح نفسك كفايتها من النوم والغذاء والرياضة والترفيه، ستملك القدرة على ضبط النفس التي تمكنك من التحكم بردود أفعالك، والطاقة التي تمكنك من الحضور بكامل انتباهك، وستجد الصبر الذي يمكنك من الإصغاء والتعاطف، والأسباب التي تمكنك من رفض خياراتك المفترضة واتخاذ قرارات جيدة، وستتمتع بالجَلَد الذي يمكنك من تمالك نفسك والقيام بكل ذلك على مدى الأسابيع أو الأشهر المقبلة. عندما يبدو لك الكلام عن هذه الاستثمارات أسهل من تنفيذه، اختر إحدى الطرق السريعة لتعزيز قدرتك الجزئية على التحمل كوسيلة إنقاذ. الاستثمار في قدرتك على التحمل ليس رفاهية، بل هو مهمة بالغة الضرورة.
من الآن فصاعداً، قل لنفسك دائماً: "ضغط العمل كبير الآن، لا يمكنني تحمل عواقب عدم الاعتناء بنفسي".