هل نظام الملكية الفكرية في الصين سيئ للغاية حقاً؟ لقد أصبح مقبولاً بشكل عام أنّ الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين تشكّل على الأقل في جزء منها رداً على ممارسة الصين الشيوعية للنقل القسري للتكنولوجيا وحمايتها السيئة جداً للملكية الفكرية. لكن نظام الملكية الفكرية في الصين ليس بذلك القدر من السوء الذي تشير إليه الأحاديث عن الحرب التجارية. وبدلاً من ذلك، أرى مفارقة في نظام الملكية الفكرية في الصين: مع أنّ هذا النظام خطير بلا شك بطرق عديدة، إلا أنه في أغلب الأحيان أقل خطراً مما يظن التنفيذيون الغربيون. وتوجد ثلاث أفكار خاطئة حول نظام الملكية الفكرية في الصين تؤدي إلى تراجع التنفيذيين عن دراسة الاستثمار في الدولة، وتوفر القدرة على إدراك هذه الأمور الدقة المطلوبة عند وضع الاستراتيجيات للدخول إلى السوق الصينية.
أفكار خاطئة حول نظام الملكية الفكرية
تتمثل الفكرة الخاطئة الأولى في أنّ النقل القسري للتكنولوجيا الذي ترعاه الدولة في الصين منتشر على نطاق واسع. وفي حقيقة الأمر، وجدت أثناء مقابلة تنفيذيين متعددي الجنسيات في الصين وعند استطلاعهم أنّ أفظع السياسات الصينية التي تفرض نقل التكنولوجيا لا تقف على ما يبدو بشكل كبير في وجه الشركات الأجنبية في السنوات الأخيرة. وأكثر الأمثلة التي يتردد ذكرها حول السياسات الأقل فظاعة، والتي تفرض بشكل صريح نقل التكنولوجيا لدخول الأسواق، كانت تقتصر في العادة على عدد قليل من القطاعات. وعلاوة على ذلك، فإنّ بقية سياسات نقل التكنولوجيا المثيرة للجدل في الصين لا تتسبب في العادة للشركات الأجنبية بخسائر في القيمة لا يمكن السيطرة عليها، على الرغم من أنّ هذه السياسات تنطوي على إشكاليات من ناحية تكاليف المعاملات. وبعبارة أخرى، مع أنه كانت هناك سياسات تخص نقل التكنولوجيا في الصين في بداية الحرب التجارية التي انتهكت معايير التجارة الحرة، إلا أنّ هذه السياسات لم تكن واسعة الانتشار أو ترتبت عليها تداعيات كبيرة كما يعتقد كثيرون. ويساعد كل ذلك في تفسير سبب أنّ 8% فقط من المستطلعة آراؤهم في دراسة لرابطة صناعية أجنبية خلال الفترة التي سبقت الحرب التجارية قالوا أنّ التوقعات بنقل التكنولوجيا في الصين كانت على رأس تحديات الملكية الفكرية بالنسبة لهم. وقد تكون السرقة المادية لأسرار العمل والاختراق السيبراني، وهو سلوك متميز من سياسات النقل القسري للتكنولوجيا، أموراً متقطعة أكثر مما يظن الكثيرون: أقل من 13% و8%، على التوالي، من المستطلعة آراؤهم في دراسة لرابطة صناعية أجنبية تحدثوا عن مواجهة هذه المشاكل في الصين.
وعلاوة على ذلك، في عامي 2018 و2019، وفي استجابة واضحة إزاء الحرب التجارية، اتخذت الحكومة الصينية بسرعة عدداً من التدابير الإصلاحية المهمة لمعظم سياساتها الخاصة بنقل التكنولوجيا والأكثر إثارة للجدل. وطبّقت التدابير الإصلاحية الأخيرة على البنية التحتية لمحكمة الملكية الفكرية في الصين التي يتعين أن تساعد في التخفيف من آثار المعاملة التمييزية إزاء الملكية الفكرية الأجنبية في المحاكم المحلية، وهي تمثل نوعاً من سياسات النقل القسري للتكنولوجيا. تضاف هذه التغييرات إلى تدابير إصلاحية صديقة للأعمال في هذا العام طرأت على قانون المنافسة غير العادلة في الصين (الذي يحكم الأسرار التجارية) وقانون العلامة التجارية.
والفكرة الخاطئة الثانية هي أنّ نظام الملكية الفكرية في الصين هو الأضعف على الإطلاق، وبالتالي فإنه أقل ملاءمة للأعمال مقارنة بأنظمة الدول الغنية مثل الولايات المتحدة. وفي الواقع، على الرغم من وجود عدد من مواطن الضعف في مؤسسات الملكية الفكرية في الصين إلا أنّ هذه المؤسسات نفسها، بصفة عامة، قادرة على حماية حقوق الملكية الفكرية على نحو معقول. وإضافة إلى ذلك، يعتبر نظام الملكية الفكرية في الصين بطرق ما أفضل للأعمال التي تضم ملكيات فكرية كثيرة، بما فيها الأعمال الأجنبية، مقارنة بأنظمة الملكية الفكرية في دول غنية بارزة. فمثلاً، من ناحية القانون، يُسمح بالاتفاقيات غير التنافسية في الصين على خلاف بعض الولايات في الولايات المتحدة (مثل كاليفورنيا). ومن ناحية قوانين الملكية الفكرية وإدارتها، تعتبر أساليب الأعمال أسهل لتقديم براءات اختراع في الصين مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، وتوجد تكنولوجيا حيوية وبرمجيات قابلة للتسجيل كبراءات اختراع في الصين ولا تُسجّل في الولايات المتحدة. توجد فترة تسجيل اختراعات أسرع في الصين مقارنة بالمكتب الأوروبي للبراءات (EPO) ومكتب البراءات والعلامات التجارية بالولايات المتحدة (USPTO)، ويحظى اختبار تسجيل الاختراعات بقبول واسع كاختبار عالي الجودة في الصين مقارنة ببعض المكاتب الوطنية في أوروبا. ومن ناحية تطبيق الملكية الفكرية، توجد تكاليف محامين ومحاكم منخفضة في نزاعات الملكية الفكرية في الصين مقارنة بالولايات المتحدة وولايات قضائية رئيسة أخرى. كما توجد محاكمات أسرع للملكية الفكرية في الصين مما هو عليه الحال في أسواق رئيسة أخرى. ويقدم اتجاه "الإنفاذ الإداري المحلي" في الصين على الأرجح خيارات إنفاذ أكثر كفاءة من المتاحة في الدول الغنية. ويواجه خطراً أقل لسرقة براءات الاختراع في الصين مقارنة بالولايات المتحدة نظراً لتصميم المؤسسات القانونية الصينية. وفي الوقت نفسه، يكسب الأجانب معظم دعاوى انتهاك الملكية الفكرية التي يقدمونها في الصين.
أما الفكرة الخاطئة الثالث فهي أنه نظراً لأنّ الصين ليست ديمقراطية ليبرالية على الطراز الغربي، فإنّ مؤسسات الحكم فيها لن تحترم الملكية الفكرية بجدية أبداً. لا شك أنّ السياسة مهمة للحوكمة الاقتصادية في أي دولة كانت. لكن ثمة العديد من الأسباب خلف عدم أهمية الديمقراطية الليبرالية على الأرجح لتقديم حماية كافية للملكية الفكرية. فبادئ ذي بدء، تحترم بعض الدول من غير الديمقراطيات الليبرالية سيادة القانون الاقتصادي المطلوب لحماية الملكية الفكرية كالديمقراطيات الليبرالية إن لم يكن أفضل منها. فمثلاً، سنغافورة ليست ديمقراطية "ليبرالية" نموذجية، لكنها تمتلك سمعة من بين الأفضل عالمياً لحماية الملكية الفكرية، ومن بينها الملكية الفكرية الأجنبية.
والأكثر من ذلك هو أنّ امتلاك نظام سياسي ديمقراطي ليبرالي لا يضمن حقاً امتثال الدولة لسيادة القانون الاقتصادي الدولي على الرغم من قدرته الواضحة على حماية الحقوق الاجتماعية الثقافية. وفي الحقيقة، تقوم بعض الديمقراطيات الليبرالية البارزة بانتهاك المعايير القانونية الدولية مراراً وتكراراً من خلال ممارسة التمييز ضد الأعمال الأجنبية. ومن بين أمثلة أخرى، يظهر تحيز مستمر ضد الأجانب في نزاعات الملكية الفكرية في كندا، وتمييز محتمل ضد الأجانب أثناء عمليات اختبار البراءات في المكتب الأوروبي للبراءات ومكتب البراءات الياباني وغيرها من الديمقراطيات الليبرالية. وعموماً تعتبر الولايات المتحدة وأوروبا في طليعة المتهمين على مستوى العالم في قضايا منظمة التجارة العالمية وتمتلكان أسوأ السجلات من ناحية الامتثال الكامل وفي الوقت المحدد بأحكام منظمة التجارة العالمية.
ويظهر تفنيد هذه الأفكار الثلاثة الخاطئة أنّ نظام الملكية الفكرية في الصين قد يكون أقل خطراً مما يعتقد التنفيذيون الغربيون في أحوال كثيرة. وفي الوقت نفسه، ينبغي عدم ارتكاب أخطاء: يبقى انتهاك الملكية الفكرية مشكلة كبيرة في الصين، وما زال نظام حماية الملكية الفكرية هناك يعاني من مواطن ضعف. واستجابة لذلك، ثمة أجزاء من جميع المكونات الرئيسة لنظام الملكية الفكرية في الصين، والتي تشمل القوانين والتشريعات والإنفاذ والإدارة والسياسات الأخرى، تتطلب اتخاذ تدابير إصلاحية لحماية الملكية الفكرية على نحو أكثر كفاءة وفعالية.
كما تتطلب الاستجابة إلى هذا الواقع المتناقض المحيط بنظام حماية الملكية الفكرية في الصين نهجاً ذي شقين يتميز بدقة أكبر لوضع استراتيجية للسوق الصينية. أولاً، يتعين على التنفيذيين الغربيين عدم الافتراض أنّ مؤسسات الملكية الفكرية الصينية عاجزة عن حماية العائدات على الأصول. في الواقع، يستطيع متعددو الجنسيات الاستفادة في أحوال كثيرة من التكنولوجيا والعلامات في الصين لمجاراة المنافسين الصينيين الذين يصبحون أكثر ابتكاراً.
وثانياً، يتعين على التنفيذيين الغربيين التعاون معاً لتيسير مزيد من التدابير الإصلاحية على نحو بنّاء للمؤسسات الصينية، بما فيها نظام الملكية الفكرية. ويمكن أن يؤدي تصعيد حدة التوتر في الحرب التجارية إلى مزيد من الضرر وليس الفائدة للشركات الغربية متعددة الجنسيات. فمثلاً، سعي الشركات الصينية المدعومة من الدولة إلى أن تصبح أقل اعتماداً على التكنولوجيا أو الموردين الأجانب قد يتسارع أكثر، ويمكن أن يزداد رد فعل المستهلكين الصينيين للمنتجات المنزلية سوءاً إزاء العلامات التجارية الأميركية. وفي غضون ذلك، مع استمرار الحرب التجارية، يتعين على الأعمال في الولايات المتحدة أن تفصل الأفكار الخاطئة عن الواقع بشكل صحيح عند دراسة الاستثمار في الصين.