دراسة حديثة تكشف تأثير نظام “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” في أنماط الاستهلاك

4 دقيقة
اشترِ الآن وادفع لاحقاً
سي روبرتسون/ غيتي إميدجيز

في الوقت الحالي، أصبح استخدام خدمات نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" (Buy Now, Pay Later) (BNPL)، مثل "أفترباي" (Afterpay) و"كلارنا" (Klarna)، منتشراً على نطاق واسع في مجال البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، ما أدى إلى تغيير طريقة تسديد المستهلكين ثمن مشترياتهم، فبدلاً من الاعتماد على بطاقات الخصم المباشر (Debit Card) أو بطاقات الائتمان (Credit Card)، يزداد استخدام المستهلكين لخدمات نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" لتقسيم المبالغ التي عليهم دفعها إلى أقساط خالية من الفوائد. على الرغم من فوائد هذا النظام، فهو يشكّل عبئاً مالياً على شركات تجارة التجزئة، وقد بدأ صانعو السياسات تنظيمه بسبب انتشار استخدامه على نطاق واسع وآثاره المحتملة في سلوك المستهلكين.

بناءً على ذلك، فإنه من المهم فهم أثر نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" في سلوك المستهلكين وأسباب هذا الأثر. هل يمكن أن يكون هذا النظام مجدياً بالنسبة لشركات تجارة التجزئة ويستحق الاستثمار فيه؟ ما هي العوامل التي تسهم في تفضيل المستهلكين لهذا النظام؟ ومن هم الأشخاص الذين يغيّرون سلوكهم الشرائي، وما هو السبب؟

أثر نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" في الإنفاق الاستهلاكي

أظهر بحث جديد، ستنشره قريباً مجلة التسويق (Journal of Marketing)، أن نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" يسهم في زيادة الإنفاق الاستهلاكي. من خلال الاستفادة من بيانات العمليات التجارية التي جمعناها من إحدى شركات تجارة التجزئة الكبيرة في الولايات المتحدة، عملنا على مقارنة أنماط الإنفاق لدى 75,000 مستهلك اعتمدوا هذا النظام مع أنماط الإنفاق لدى 200,000 مستهلك لم يعتمدوه، قبل تطبيق هذا النظام وبعده.

وجدنا أن اعتماد نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" أدى إلى زيادة فورية وملحوظة في مستويات الإنفاق، فقد أظهر المستهلكون الذين اعتمدوا هذا النظام رغبة أكبر في الشراء، إذ ارتفعت احتمالية الشراء لديهم من 17% إلى 26%، بالإضافة إلى ذلك، فقد ازداد حجم سلة مشتريات المستهلكين الذين اعتمدوا هذا النظام بنسبة 10% مقارنة بما كانت عليه قبل تطبيقه، ومن الجدير بالذكر أن هذه الزيادات في الإنفاق لم تكن قصيرة الأجل؛ بل استمرت مدة تصل إلى نحو 6 أشهر، ما يدل على أن نظام الدفع هذا يؤدي إلى تحقيق مكاسب مستدامة لا زيادات قصيرة الأجل في الإنفاق الاستهلاكي.

من هي الفئة الأكثر تأثراً؟ تشير تحليلاتنا إلى أن تأثير نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" يكون أكبر بالنسبة للمستهليكن الذين يواجهون قيوداً وصعوبات مالية؛ إذ تُظهر الدراسة أن هؤلاء المستهلكين، الذين يعتمدون على بطاقات الائتمان، كانوا أكثر استعداداً للإنفاق وشراء المنتجات بعد اعتماد نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً"، وذلك مقارنة بالمستهلكين الذين لا يعتمدون كثيراً على بطاقات الائتمان، مثل مستخدمي بطاقات الخصم المباشر. على نحو مماثل، فقد ازداد مستوى إنفاق المستهلكين الذين كانوا يعانون قيوداً مالية وكانوا يقتصرون عادة على شراء سلع أقل وكميات أصغر، وذلك بعد استخدام نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً". بالنسبة لهؤلاء المستهلكين، أدى استخدام هذا النظام إلى زيادة حجم سلة مشترياتهم بنسبة 14%، مقارنة بزيادة قدرها 3% بالنسبة للمستهلكين الذين كانوا ينفّذون بالفعل عمليات شراء كبيرة قبل اعتماد النظام.

كيف يشجع نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" المستهلكين على زيادة الإنفاق؟

لاكتشاف كيفية تأثير هذا النظام في زيادة الإنفاق الاستهلاكي، أجرينا سلسلة من التجارب؛ إذ طلبنا من المشاركين دفع مبالغ افتراضية دفعة واحدة أو على أقساط. حافظنا على ثبات تفاصيل عملية الشراء جميعها في التجارب، ويشمل ذلك قيمة الشراء، لمنع المشاركين من استخدام خيار الدفع عبر الأقساط الذي يوفره نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" لعمليات الشراء الكبيرة فقط.

أظهرت التجارب أن المشاركين الذين استخدموا نظام الأقساط شعروا بحرية مالية أكبر مقارنة بمن اختاروا دفع المبلغ كاملاً دفعة واحدة. استمرت هذه الآثار بغض النظر عن تنوع المنتجات وأعداد الأقساط المختلفة على الرغم من أن نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" يفرض دفع القسط الأول مباشرة، في حين يسمح نظام دفع المبلغ كاملاً دفعة واحدة بتأجيل موعد السداد.

كشفت الدراسات اللاحقة عن عاملين رئيسيين يسهمان في هذا الأثر. أولاً، يتيح نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" تقسيم تكاليف الشراء إلى أقساط أصغر، ما يمنح المستهلكين شعوراً أكبر بالتحكم في ميزانياتهم. يشعر المستهلكون بأن الدفع على أقساط يبدو أكثر قابلية للإدارة والتحكم مقارنة بدفع المبلغ كاملاً دفعة واحدة، حتى عندما تكون عملية دفع المبلغ بالكامل مؤجلة. ثانياً، يسهم تقسيم المبلغ الإجمالي إلى أقساط صغيرة في شعور المستهلكين بأن هذه التكاليف لا تشكّل عبئاً كبيراً عليهم، وتؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى تقليل شعور المستهلكين بالقيود والضغوط المالية، ما يشجعهم على شراء مزيد من السلع.

الفرص والتحديات التي تواجه شركات تجارة التجزئة

تشير نتائج بحثنا إلى أن شركات تجارة التجزئة تمتلك حوافز قوية لطرح خدمات نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً". لا تقتصر فوائد نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" بالنسبة للمستهلكين على إجراء عمليات شراء كانوا قد امتنعوا عنها سابقاً فحسب، بل تدفعهم إلى زيادة حجم مشترياتهم، وبالتالي، فإن طرح هذا النظام بوصفه طريقة دفع يؤدي إلى زيادة الإيرادات.

يمكن أن يؤدي خيار تقسيم التكلفة إلى دفعات أو أقساط أصغر الذي يوفره هذا النظام إلى منح المستهلكين مزيداً من التحكم في ميزانياتهم، ما يساعد على تقليل الشعور بالقيود المالية المرتبطة بعمليات الشراء. بالإضافة إلى ذلك، وجد بحثنا أن العملاء الذين استخدموا هذا النظام استمروا في استخدامه 6 أشهر، الأمر الذي يشير إلى أنهم لم يتخلفوا عن سداد الأقساط، ما سمح لهم بمواصلة استخدام الخدمة دون أن يتعرضوا لحظر أو منع من استخدامها بسبب التأخر في السداد.

للوهلة الأولى، قد يبدو هذا النظام مفيداً ويمثّل صفقة رابحة لكل من التاجر والمستهلك على حد سواء، فهو يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، ما يعود بالنفع على الشركات من خلال رفع حجم المبيعات، كما يخفف شعور المستهلك بالقيود المالية، وعلى الرغم من ذلك، فمن المهم توخي الحذر؛ إذ تشير نتائج بحثنا إلى أن شركات تجارة التجزئة ستشهد زيادة في إنفاق المستهلكين الذين يعانون قيوداً مالية والذين يعتمدون على بطاقات الائتمان لإجراء عمليات الشراء. تشير الأبحاث الحديثة الأخرى إلى أن هذا النظام يمكن أن يسهم في زيادة الاقتراض بصورة مفرطة، ما يؤدي إلى ضائقة مالية، لذلك، من المهم توخي الحذر بشأن الفئات المستهدفة وتحديد المبالغ التي يمكن للعملاء دفعها على أقساط. بالإضافة إلى ذلك، يبذل صانعو السياسات جهوداً متزايدة لتنظيم خدمات نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" بهدف حماية المستهلكين من الديون المفرطة والصعوبات المالية. يجب على الشركات التي تفكر في اعتماد هذا النظام مراعاة هذين العاملين، وهما إفراط العملاء في الاقتراض والتغيرات التنظيمية، بالإضافة إلى مكاسب الإيرادات المحتملة عند اتخاذ قرار حول إمكانية تقديم هذه الخدمات لعملائها أو كيفية تقديمها.

أحد القيود التي يجب ملاحظتها هو أنه على الرغم من تحليلنا لمئات الآلاف من العمليات التجارية، فإن بياناتنا مستمدة من شركة واحدة لتجارة التجزئة. من الممكن أن تواجه شركات تجارة التجزئة التي تستهدف أسواقاً مختلفة آثاراً أكبر أو أصغر إلى حد ما. على الرغم من ذلك، فمن المرجح أن يظل خيار الدفع عبر الأقساط الذي يوفره نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" ميزة أساسية في تجارة التجزئة عبر الإنترنت، وذلك بسبب جاذبيته بالنسبة للمستهلكين واستخدامه على نطاق واسع، ويوفر بحثنا دلائل مهمة على آثاره في سلوك العملاء. سيؤدي فهم أثر استخدام هذا النظام في سلوك العملاء وتحقيق الإيرادات إلى السماح لشركات تجارة التجزئة بالاستفادة من القيمة التي يمكن أن يقدمها هذا النظام، بالإضافة إلى تحسين فهمها لكيفية تلبية احتياجات عملائها على نحو أفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي