كلما زادت المسؤولية التي تأخذها على عاتقك في العمل والحياة، زادت معها مشاكل المناطق الرمادية التي تعترض طريقك، وزادت حاجتك للحصول على نصائح لاتخاذ القرار بشأنها. مشاكل المناطق الرمادية هي مواقف عملت فيها بجهد كبير، بمفردك أو مع أشخاص آخرين، لفهم المشكلة أو الموقف. جمعتم كل البيانات والمعلومات ونصائح الخبراء التي أمكنكم الحصول عليها، وحلّلتم كل شيء بتأنٍ. ومع ذلك، لا تزال هناك حقائق حاسمة مفقودة وأشخاص تعرفهم وتثق بهم لا يوافقونك فيما أنت مُقبل عليه. تستمر في تقليب الأمر في عقلك محاولاً معرفة ما يحدث والخطوات التالية الصحيحة. تأتي هذه المشاكل في جميع الأشكال والقياسات، لكن يبقى الشيء الذي يجمع بينها سواء كانت كبيرة أو صغيرة هو كيفية تعايشنا معها. لكن كيف نحلها؟
مشاكل المناطق الرمادية
المناطق الرمادية خطرة اليوم على وجه الخصوص بسبب قوة إغراء التقنيات التحليلية. تتطلب الكثير من المشاكل الصعبة التي تواجه المدراء والشركاء اليوم تقنيات متطورة لتحليل الكم الهائل من المعلومات، ما قد يغريك بالاعتقاد أن حصولك على المعلومات الصحيحة واستخدام التحليل الصحيح سيمكنانك من اتخاذ القرار الصحيح. وقد يغريك أيضاً الاختباء من القرارات الصعبة أو ربما تمويه ممارسة السلطة بإخبار الآخرين أن الأرقام تحكي القصة كاملة وأن لا خيار آخر أمامهم للتفكير به أو تنفيذه. لكن المشاكل الفادحة غالباً ما تكون رمادية، والأدوات والتقنيات في حد ذاتها لا توفر أجوبة. ما سيوفر الأجوبة لك هو استخدام حكمتك لاجتياز الاختيارات الصعبة.
غالباً ما تترافق هذه الاختيارات مع مخاطر عاطفية ونفسية جسيمة. فعندما تواجهك قرارات صعبة، لا مجال أمامك للتملص من المسؤولية الشخصية للاختيار والالتزام والتنفيذ والتعايش مع عواقبه. وصف أحد طلاب ماجستير إدارة الأعمال هذا التحدي بالقول: "لا أريد أن أكون رجل أعمال يتظاهر بأنه إنسان محترم. أريد أن أكون إنساناً محترماً يدعي أنه رجل أعمال".
نصائح لاتخاذ القرار
إذن، كيف تتعامل مع هذه الاختيارات والمخاطر إذا كنت تواجه قراراً رمادياً صعباً ولا تريد التغاضي عن واجباتك الأساسية الإنسانية؟ يكمن التحدي في أن ترى في نفسك ذلك "الآخر"، شخصاً خارجياً أو ضحية، وليس شخصاً داخلياً، أو صانع قرار، أو طرفاً مسيطراً. والتحدي الأصعب من ذلك هو استيعاب تجربة الآخر واختبارها بطريقة تُظهر بجلاء التزاماتك الأساسية الإنسانية.
هناك طريقة عملية لفعل ذلك وهي قضاء بعض اللحظات محاولاً الإجابة عن سؤال قديم جداً أُخذ عن هيليل ذي إلدر، الفيلسوف القديم. تحدث هيلل إلى رجلٍ كان مستعداً لاعتناق عقيدته بشرط واحد وهو: أن يشرح له هيلل كامل عقيدته خلال الوقت الذي يستطيع فيه الرجل البقاء واقفاً على رجل واحدة. واجه هيلل التحدي بسهولة. ببساطة، قال للرجل: "لا تفعل لجارك ما تكره أن يحصل لك. هذا هو كل شيء. أما البقية فحاشية. اذهب وادرسه بنفسك".
اقرأ أيضاً: 3 طرق لتحسّن من طريقة اتخاذ القرارات
الكلمة المفاجئة هنا هي "الكره". يطلب منا هيلل الانتباه لما كنا فعلاً سنهتم له بصدق عندما نصبح في موقع الشخص الآخر. عملياً، يعني هذا البحث عن طرق لتسأل نفسك، والآخرين، ما الذي ستشعر به لو كنت ضمن الأشخاص الأكثر تضرراً بالقرار الذي قد تتخذه. حاول تخيّل ردة فعلك لو كان والداك أو أولادك أو أشخاص آخرون عزيزون على قلبك في موقف الضعف ذلك.
هناك نسخة أكثر تداولاً لهذه النصيحة تُعرف بالقاعدة الذهبية: "عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك". ينظر أغلب الناس في العالم لهذا المبدأ على أنه أحد تعاليم الدين مما يضعه في مرتبة العظات التي تتردد كثيراً في دور العبادة ويُفقده جوهر السؤال الذي يريدنا هيلل أن نطرحه. كذلك نجد صداها يتردد في التوجيهات الأخلاقية العملية كل يوم كما في نصيحة السكان الأصليين لأميركا "امشِ ميلاً مرتدياً حذاء شخص آخر".
من المفيد توجيه سؤال هيلل، لكن إيقاظ مخيلتك الأخلاقية بنفسك أمر صعب. هذا سبب آخر لأهمية عملية العمل مع الآخرين وعبرهم بالطرق الصحيحة. لهذا فإنه من المفيد خاصة للمدراء والفرق التي تعمل على مشاكل تتضمن مناطق رمادية العثور على طرق للهرب من تقيداتهم التنظيمية والاستماع مباشرة إلى الأشخاص الذين ستتأثر حياتهم وسبل عيشهم بقرارتهم أو أشخاص يمكنهم تمثيل تجربتهم بطرق مباشرة وملموسة وقوية. إن لم تفعل ذلك فقد تجد نفسك منجرفاً دون وعي وراء ملاحظة جوزيف ستالين "موت إنسان واحد مأساة كبرى، وموت الملايين إحصائيات"، وسيقسو قلبك حيال متاعب الآخرين ومآسيهم بتركيزك على المجاميع الإحصائية.
اقرأ أيضاً: فكرة كبيرة: تحضيرات ما قبل اتخاذ القرارات المهمة
هناك منهج آخر يكون بالطلب من شخص ما أن يلعب دور المراقب الخارجي والضحية معاً، وأن يفعل ذلك بحماس وإقناع قدر الإمكان بحيث يسمع الآخرون على الأقل بعضاً من الاحتياجات الأساسية والطارئة للناس الذين ستؤثر فيهم قرارات المناطق الرمادية. يوصف هذا المنهج أحياناً بأنه حرص على وجود شخص في كل اجتماع يقول الحقائق الصعبة بوضوح وإلحاح.
كل هذه الأساليب هي نصائح لاتخاذ القرار وطرق للعمل بجد لإيقاظ مخيلتك الأخلاقية. والنتيجة، أنها تهدف لتذكيرنا: لا تعتقد أن موقعك في المجتمع أو المؤسسة يعفيك من الواجبات الإنسانية الأساسية. لا تبقِ نفسك عالقاً في فخ اهتماماتك وتجاربك وأحكامك وأساليبك في رؤية العالم. افعل ما تستطيع للنجاة من سجن أنانيتك. اجتهد لوحدك ومع الآخرين في محاولة تخيل ما كنت ستشعر به وما كنت ستريده لو كنت ذلك الشخص فعلاً.
هذا المقال مقتبس من كتاب هارفارد بزنس ريفيو: "إدارة في المناطق الرمادية: خمسة أسئلة خالدة لحل أصعب مشاكلك في العمل"(Managing in the Gray: Five Timeless Questions for Resolving Your Toughest Problems at Work).
اقرأ أيضاً: