بماذا تنصح خريجي الجامعات الجدد لينجحوا في خطواتهم الأولى في سوق العمل؟ دارت نقاشات حول هذا السؤال على منصة لينكد إن، إذ قدَّمت مئات الردود ثروة من النصائح والأفكار حول الانتقال الناجح من حياة الدراسة في الكلية إلى الحياة المهنية. اختصرتُ تلك النقاشات إلى 12 نصيحة أساسية أو "12 قاعدة" إذا صحَّ التعبير لبداية مهنية جيدة، وكل قاعدة مقتبسة من نصيحة أحد المشاركين في تلك المناقشات (وهي غالباً مختارة من مشاركات متعددة تدور حول الأفكار نفسها).
1. ما تعلمته في الجامعة مجرد نقطة بداية لما ستتعلمه في المستقبل، لا أكثر.
يقول ويليام شكسبير في مسرحية "العاصفة": "ما الماضي إلا مقدمة لما هو آت"؛ لا يعني ذلك التقليل من شأن إنجازاتك ولا التقليل من أهمية نيل الشهادة الجامعية، بل ضرورة الحذر من أن تعد حصولك على الشهادة غايتك القصوى. وما اكتسبته من معارف في الجامعة له أهمية كبيرة، وما تعلمته عن طرائق التعلم ضروري جداً لأنه أساس نجاحك مدى الحياة.
2. كن شخصاً يرغب زملاؤه في العمل معه.
لا يحب أحد العمل مع زميل كريه أو أناني أو لا يمكن الاعتماد عليه، يقول ونستون تشرشل: "السلوك أمر بسيط، لكن آثاره كبيرة". لذا كن الزميل الذي يرغب الجميع في العمل معه، وليكن سلوكك إيجابياً بكل مهمة تقوم بها، واحرص على الوفاء بالالتزامات التي تتعهد بها، وساعد الآخرين على تنفيذ أعمالهم (المشروعة)، وبذلك سيرغب الآخرون في العمل معك ومساعدتك على النجاح.
3. لست ذكياً كما تظن، حتى لو كنت كذلك.
لن تنجح ما لم تُحسن التواضع مهما كانت قدراتك كبيرة. فالعجرفة تنفّر الآخرين منك؛ وأنت بحاجة إلى تعاون زملائك حتى لو كنت تتقن المهام جميعها. ويجب أن تعلم متى تلتزم بما تراه صحيحاً ومتى تتقبل النصائح المفيدة، لأنه كما يقول المهاتما غاندي: "ليس من الحكمة أن يثق المرء بحكمته أكثر مما ينبغي، والأفضل أن نتذكّر أن القوي يضعف والحكيم يخطئ".
4. تذكَّر أنك تترك انطباعاً لدى الآخرين منذ اللحظات الأولى.
قال الممثل الكوميدي الأميركي ويل روجرز: "لن تتاح لك فرصة ثانية لترك انطباع أول". يدعم الكثير من الأبحاث المعتَمدة هذه المقولة عن السرعة المذهلة التي يشكل بها الناس انطباعاتهم الأولى عن الآخرين، والتي غالباً ما تستغرق بضع ثوانٍ فقط، وبمجرد تشكيل رأي عنك قد يكون من الصعب أو من المستحيل تغييره. لأن الناس يميلون إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد انطباعاتهم المُكونة مسبّقاً ويتجنبون المعلومات التي تتنافى معها، ويسمى ذلك بـ "الانحياز التأكيدي". لذا فكر ملياً في الانطباعات التي تريد أن يكوّنها الناس عنك.
5. افعل المطلوب لإنجاز المهمة، سواء كان المطلوب عملاً تافهاً أو ذا أهمية استثنائية.
قال الرئيس السابع للولايات المتحدة أندرو جاكسون: "عليك أن تدفع ثمن [الحفاظ على الحرية] إذا أردت دوام النعمة". لا يحقق أحد إنجازاً عظيماً دون دفع الثمن أولاً، لذا كن مستعداً لتأدية مهام عدة تتطلب قدرات أقل من قدراتك في مستهل حياتك المهنية، ولا تنسَ أن العمل في مؤسسة محترمة أهم من شغل منصب محترم في مكان آخر. وإذا أثبتت قدراتك وتفانيك في عملك، فسترتقي بمهامك مع مرور الزمن.
6. كلما عملت باجتهاد وذكاء، زادت حظوظك.
للانضباط الجيد في العمل على المدى الطويل أهمية توازي أو تفوق أهمية الموهبة، وإن لم تحافظ على مستوى جيد من القدرة على تحديد الأولويات والتركيز والإنتاج فلن تتقدم كثيراً. وقد سبق لأرسطو أن صاغ هذه الفكرة بحكمة بالغة حين قال: "ما يفعله المرء مراراً وتكراراً يعكس شخصيته، لذلك فالتميز ليس مجرد فعل واحد، بل هو عادة". فإن لم تمتلك أخلاقيات عمل راسخة وعادات عمل حميدة، فعليك أن تسعى جاهداً لتحسينها وإلا لن يكون أداؤك مميزاً.
7. تعلم الإصغاء، واصغِ لتتعلم.
قال الفيلسوف اليوناني إبيكتيتوس: "لدينا أذنان وفم واحد لنصغي ضعف ما نتحدث". وبعد ما يقرب من 2,000 عام، ما يزال الناس غير قادرين على فهم هذه المعادلة الأساسية للتواصل. الإصغاء الفعال والكامل أقوى طريقة للتأثير، إن أصغيت جيداً تعلمت كثيراً. وحتى إن لم توافق أساساً على ما يقال، فقدرتك على إظهار تفهمك لوجهات نظر الآخرين ستحثّهم على تفهم وجهات نظر مختلفة أيضاً.
8. واظب على التحضير.
سئم خريجو الكليات من تحضير الدروس لأسباب يمكن أن نتفهمها، لكن لا غنى عن التزام التحضير. لا يحب أحد أن يضيع وقته مع شخص لم يحضّر عمله جيداً؛ فذلك يُفقد الثقة والاحترام. التحضير شرط أساسي للابتكار، لأن "الفرصة تجذب العقول الحاضرة" كما قال لويس باستور.
9. لا تتعلم حيل التجارة، بل تعلم التجارة.
لا طريق مختصرة للتميّز، فوفقاً لكولن باول: "لا يتحقق الحلم بالمعجزات؛ بل بالعرق والجهد والتصميم". لذا، ابحث عن المهنة التي تناسبك واكتشف ما يلزم لتكون متميزاً في ممارستها، وقاوم إغراء الطرق المختصرة لأنها لن توصلك إلى غايتك، وضع في حسبانك أن غالبية الناس تميّز بين المظاهر والحقيقة.
10. تقبّل نقاط ضعفك.
لا شك في أن استغلال نقاط القوة أمر ضروري، لكن عليك أن تجتهد لمعرفة نقاط ضعفك وتتداركها. فلا بد من أن تُكلف مراراً عبر مسيرتك المهنية بمهمات لا تتوافق مع نقاط قوتك. يقول مايكل جوردان: "إن وضعتني في موقف تظنني ضعيفاً فيه فسأحول ما تظنه ضعفاً إلى قوة، هذا أسلوبي". لذا، سارع في التعرف على ذاتك وعلى مواطن قوتك وضعفك، واستفد من كل فرصة لتقييم ذاتك واغتنم التدريب الجيد أينما وُجد.
11. تواصل بكثافة.
ثمة حكمة مهنية قديمة تقول: "ليس المهم مَن تعرف، بل مَن يعرفك". من المهم بالطبع أن تعرف وتُعرف؛ لكن لا يكفي أي منهما وحده. أنت بحاجة إلى تنمية العلاقات التي تقوم على المنفعة المتبادلة، مهما كان نوع المنفعة، إذ تتراوح فوائد علاقات العمل من تأمين مصادر قيّمة للمشورة، إلى تأمين قنوات لممارسة النفوذ، إلى استغلال القنوات للوصول إلى المعلومات والموارد. وفكر ملياً في العلاقات التي تحتاج إلى بنائها، لأنها تتطلب استثمارات كبيرة، وتعامل مع كل علاقة على أنها حساب مصرفي يجب أن تودع فيه القيمة التي تحتاج إليها على الأقل.
12. لا تخسر نفسك بمحاولة إرضاء الآخرين.
أخيراً، تعلّم أن تقدر قوة الأصالة، خاصةً قوة أصالتك. تخيل شعورك وأنت تجلس مع شخص لا يمتلك شخصية أصيلة وكل ما يفعله التظاهر لإرضاء الآخرين، من الممكن أن تشفق عليه، وممكن أن يثير اشمئزازك، لكنك لن تحترمه في كل الأحوال. اعلم أن ذلك ما سيشعر به الآخرون، عاجلاً أم آجلاً، إذا حاولت أن تتظاهر بصفات لا تمتلكها، لا سيما إذا كنت تحاول أن تظهر بالمظهر الذي تظن أنه يعجب الآخرين. عبّر الشاعر إي. إي. كامينغز عن هذه الفكرة بطريقة رائعة: "في عالم يبذل قصارى جهده ليلاً ونهاراً ليحولني إلى شخص آخر، أن أكون على سجيتي فحسب هو أصعب معركة يمكن لأي إنسان خوضها".