4 خطوات لتجنب تضييع جهودك في العمل والتركيز على الأهم

4 دقائق
القوة المهنية
shutterstock.com/magic pictures

البشر غريبو الأطوار، وأبلغ دليل على ذلك أننا نكوّن في كثيرٍ من الأحيان معتقدات أو ننخرط في سلوكيات تبدو في ظاهرها أدوات تفيدنا وتساعدنا على المدى المنظور، لنكتشف لاحقاً أنها معوّقات تقف حجر عثرة في طريقنا نحو الحياة التي نريد أن نعيشها أو الأحلام التي نريد أن نحققها.

اسمحوا لي بأن أروي لكم قصة صديقتي أروى؛ التقيتها ذات يوم على الغداء صحبة موجهها، فأخبرتنا عن منصب كان شاغراً لمديرة قسم، وكانت تحدوها رغبة عارمة في شغله. كان هذا المنصب يحفل بتحديات مثيرة ويتيح لها فرصة رائعة لتطوير مهاراتها والسفر إلى أماكن رائعة والتمتع بقدر لا مثيل له من المرونة؛ باختصار كان تحقيقاً لحلمها.

لكنها بدأت بعد ذلك تسرد لنا مجموعة من الأسباب التي أدت إلى اقتناعها بعدم التقدُّم لشغل هذه الوظيفة؛ كان من أبرزها أنها لم تكن تجيد خوض مقابلات العمل لأنها لم تتلقَّ قطّ التدريبات التي يتلقاها الكثير من المرشحين هذه الأيام، وكانت تعاني زيادة الوزن، ما سيؤثر على مظهرها بكل تأكيد ويترك انطباعاً سيئاً عنها. والأهم من هذا كله أن الركود الاقتصادي سيدفع كثيراً ممن يتمتعون بمؤهلات أعلى إلى التقدُّم لشغل الوظيفة. كانت تثق في أن مستوى أدائها لمهام الوظيفة سيكون رائعاً إذا استطاعت تجاوز المقابلة الشخصية، ولكنها إذا أخذت العوامل كلها في الاعتبار، فستكون فرصتها معدومة “من وجهة نظرها”.

قالت لنا: “لكل هذه الأسباب لم أتقدم بطلب لشغل الوظيفة. وأرسلتُ الإعلان بدلاً من ذلك إلى زميل وشجعته على إجراء مقابلة العمل”. سكتت لحظة ثم أضافت: “وحصل على الوظيفة”.

كيف تسبّبت هذه الشابة اللطيفة المجتهدة والجميلة التي تمتلك أيضاً هذا القدر الهائل من الكفاءة بتدمير نفسها؟

هناك الكثير من الأشخاص الأذكياء والموهوبين مثل أروى يتأثّرون بسلوك شائع يسميه علماء النفس “الإعاقة الذاتية”، الذي يعني توقُّع عقبة حقيقية أو وهمية قد تقف حجر عثرة في طريق النجاح واستخدامها ذريعة لعدم مواصلة السعي إلى النجاح.

تسمح لنا الإعاقة الذاتية بحماية أنفسنا من ألم تحمُّل مسؤولية إخفاقاتنا، والناس يفعلون ذلك طوال الوقت. في دراسة رائدة أُجريت عام 1978، وجد عالما النفس بيرغلاس وجونز أن أفراد العيّنة البحثية الذين “نجحوا” في اختبار (كان يعتمد في الحقيقة على الحظ فقط) ازدادت لديهم احتمالات اختيار تناول دواء يثبط الأداء قبل إجراء اختبار ثانٍ؛ أي أنهم أعدّوا أنفسهم بمحض إرادتهم للفشل في المحاولة الثانية، وبذلك يمكنهم إلقاء اللوم على الدواء واتهامه بأنه سبب تدني أدائهم، وكذلك حماية شعورهم السابق بالنجاح.

أجرى عالم النفس، شون ماكراي، عدداً من التجارب مؤخراً في جامعة كونستانز بألمانيا طلب فيها من المشاركين إجراء عدة اختبارات ذكاء في ظروف متنوعة. وأثبت البحث أن المشاركين الذين شُجِّعوا على اختلاق الأعذار لضعف أدائهم، من خلال إلقاء اللوم على الضوضاء العالية مثلاً، حافظوا على تقديرهم لذاتهم ولكنهم افتقروا في الوقت نفسه إلى الحافز الذي يحثّهم على التحسُّن.

ومن المؤسف أننا لا نلاحظ اتباعنا لهذا النوع من السلوك بسبب عدم وضوحه، واعتيادنا عليه. انظر مثلاً إلى المدير الذي يجد نفسه مضطراً إلى إلقاء عرض تقديمي مهم دون أن يتمكن من التدرُّب عليه قبل موعد الحدث، أو الموظف الذي يستمر بتسويف العمل على المشروع إلى أن تشارف مهلة تنفيذه على نهايتها ولا يبقى لديه وقت كافٍ لتنفيذه بالجودة المطلوبة. في مقالة نُشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 2010، وصف جيفري فيفر الإعاقة الذاتية بأنها واحدة من 3 عوائق رئيسية تحول دون اكتساب القوة المهنية، لأن العاملين يتجنبون ألم الفشل من خلال عدم محاولة اكتساب القوة في الأساس.

ما الذي يمكنك فعله للتغلب على الإعاقة الذاتية؟ إليك 4 خطوات:

  1. انتبه للإشارات التحذيرية. ثمة علامات تشير إلى تبنّيك سلوكاً يؤدي إلى الوقوع في مزلق الإعاقة الذاتية، ومن أهمها عدم الرغبة في بذل الجهد الكافي أو اختلاق الأعذار أو تشتت الانتباه (بالاستماع إلى الموسيقى أو السلوكيات الغذائية السيئة وما إلى ذلك). يحتاج الجميع إلى أخذ فترات راحة بين الحين والآخر وإدارة الطاقة في أثناء يوم العمل، ولكن قد تدل هذه الأنشطة على انحرافك عن جادة الصواب وسيرك في اتجاه التدمير الذاتي. ويمكنك الاستعانة غالباً بموجه أو زميل للمساعدة في توجيهك إلى المسار الصحيح.
  2. استخدم أسلوب “ماذا لو” و”لو أني” لمساعدتك على تحديد الأهداف بدلاً من اختلاق الأعذار. أثبتت الأبحاث أن الأفكار السلبية التي تراود الإنسان حين يتبنى سلوك الإعاقة الذاتية يمكن تحويلها بسهولة إلى أفكار تحفيزية، فعندما تمعن التفكير في البدائل التي كان من الممكن أن تتيح لك خيارات أفضل أو تدرك العوائق التي تقف حجر عثرة في طريقك، فسوف تتوصل إلى معلومات قيمة. حدّد العوامل التي تقع تحت سيطرتك واعرف ما يمكنك فعله حيالها. كان بإمكان أروى، على سبيل المثال، الاستجابة لفكرة “لا أجيد خوض مقابلات العمل” من خلال البحث عن المهارات المناسبة والتدرب عليها وطلب الدعم من موجهها.
  3. تعرَّف على مشاعرك السلبية واعمل على إدارتها. أثبتت الأبحاث أننا عندما نستخدم أسلوب “لو أني” لتحفيز أنفسنا بدلاً من اختلاق الأعذار التي تبرر تقاعسنا، فقد نشعر أيضاً بانفعالات سلبية، مثل خيبة الأمل والغضب الموجَّه إلى الذات. وإذا تمكنتَ من ملاحظة هذه الانفعالات وكنت لطيفاً مع نفسك عندما تتعامل معها، فسيكون بمقدورك على الأرجح الانتقال إلى سلوك إيجابي وتمكيني.
  4. حاول الوصول إلى مرحلة الإتقان. تبدأ الإعاقة الذاتية على الأرجح عندما نحاول الوصول إلى أرفع مستويات الأداء بغرض تجنُّب أي آراء سلبية من أطراف خارجية، مثل تلقي النقد من الزملاء. لكننا إذا ركزنا جهودنا بدلاً من ذلك على الوصول إلى مرحلة الإتقان في مجال محدَّد نهتم به، فسوف نستفيد من الحافز المتأصل في نفوسنا للتعلُّم والنمو. اعرف المجالات التي تهتم بها واطرح عدداً من الأفكار من خلال عملية العصف الذهني لتحفيز نفسك على التحرك في هذا الاتجاه.

يستلزم السعي إلى ما تريده حقاً التحلي بقدر كبير من الشجاعة. فلنواجه الأمر، حتى إذا بذلتَ قصارى جهدك ولم تدخر وسعاً، فلن تسير الأمور دائماً كما تريد، ولكن إقدامك على تجشُّم المخاطر يهيّئك ليس فقط لإمكانية الفشل، ولكن أيضاً لإمكانية التعلُّم والنمو وإحراز التقدُّم الحقيقي. الأمر متروك لك لتقرر أي الأمرين أكثر خطورة: خطر خيبة الأمل، أو خطر عدم الاستفادة من كامل إمكاناتك مطلقاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .