من المعروف أن تحقيق الأهداف صعب، سواء كانت أهدافاً شخصية أم مهنية. قد تضع لنفسك أهدافاً تتعلق بالرعاية الذاتية مثل الالتزام بممارسة الرياضة، أو توسيع المعرفة من خلال القراءة، أو بناء المهارات من خلال تعلم البرمجة، ويبدو لك العمل على تحقيقها ممتعاً، ومع ذلك قد تمل بمرور الوقت، وتصبح هذه الأهداف كأنها مجرد مهام يتعين عليك إكمالها، فما سبب ذلك؟
أظهر بحث حديث أننا نركز خلال سعينا لتحقيق أهدافنا على المكاسب التي سنحصل عليها، ولهذه المكاسب دور حاسم في تحفيزنا أو تثبيط عزيمتنا عندما نواجه التحديات. يتطلب تحقيق الأهداف جهداً كبيراً لأنه يفرض اتباع إجراءات وسلوكيات جديدة، ولذلك فإننا نوازن دائماً بين تكلفة خياراتنا وما ستعود به علينا من نفع، وإذا رأينا أن الجهد يفوق المكسب فإننا نميل إلى التخلي عن الهدف. ولهذا السبب فإن الكثير من مساعينا لتحقيق أهدافنا لا يكتمل.
ما الحل في هذه الحالة؟ يمكننا التغلب على مقاومتنا الفطرية لتنفيذ المهام الصعبة من خلال التركيز على بناء العادات بدلاً من التركيز على تحقيق الأهداف، وهو نهج اتبعه أبرز القادة والمدربين والرياضيين والمفكرين باستمرار.
لنأخذ على سبيل المثال مختصة علم النفس، سارة برودهيد، التي عملت مع الفريق الأولمبي البريطاني. دربت برودهيد لاعبة التايكوندو الناشئة جيد جونز وكان شعارها طوال فترة التدريب "الناجحون هم المواظبون". ساعدت برودهيد اللاعبة جونز حينما كانت تتدرب لتركزعلى بناء مجموعة من العادات: تناول الطعام الصحي، وتعلُّم التركيز وتمرين عضلاتها لبناء القوة والمرونة، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتخصيص وقت للتعافي. كانت كلتاهما ملتزمتين تماماً بتجنب المشتتات وكانتا تتمعّنان في التقدم المحرز وتراجعانه كل أسبوع قبل الاستعداد لجلسات التدريب المكثف في الأسبوع التالي، ومن خلال تبني هذه العادات تمكنت جيد تدريجياً من بناء المهارات التي احتاجت إليها للوصول إلى هدفها الطموح.
باختصار، يعتمد تحقيق الأهداف على سير العملية وليس على النتيجة، لذا، يجب التركيز على اتخاذ إجراءات يومية صغيرة بدلاً من الانشغال بفكرة تحقيق هدف كبير يثير حماسك لكنه مرهق؛ فالتركيز على هذه الإجراءات سيقلل قلقك عندما تواجه العقبات التي لا مفر منها، وحتى إذا تعثرت، ركز فقط على الخطوة التالية في طريقك نحو تحقيق هدفك، وكل ما عليك فعله هو مواصلة التقدم، وعلى هذا النحو تتخلص من الضغط الذي تفرضه عليك محاولة الوصول إلى الهدف بسرعة.
فيما يلي بعض الجوانب التي عليك أخذها في الاعتبار عند وضع الأهداف حتى تتمكن من تطبيق الأفكار السابقة على حياتك الشخصية والمهنية.
ضع أهدافاً واقعية
لنفترض أنك قررت أن تنهي قراءة عدد كبير من الكتب مع بلوغك سن الثلاثين، ومن ثم ستبدأ قراءة الكتب التي اشتريتها خلال السنوات العشر الماضية ولم تُنهِ أياً منها. المشكلة هي أن عيد ميلادك بعد 4 أشهر فقط، وهدفك هو قراءة ما يقرب من 50 كتاباً، وهذا يتطلب بذل جهد كبير في فترة قصيرة، لذلك فقد تتخذ إجراءات مبالغاً فيها وغير مستدامة مثل القراءة 10 ساعات كل يوم، أو قد تنتقد نفسك بشدة لعدم قدرتك على تلبية هذه التوقعات وتستسلم قبل أن تبدأ حتى.
حسناً، ماذا لو حددت لنفسك هدفاً بالقراءة مدة ساعة كل صباح قبل النهوض من السرير وساعة كل ليلة قبل النوم؟ بهذه الطريقة قد تتمكن من قراءة كتاب أو كتابين في الأسبوع، وتصل في النهاية إلى هدفك، ربما ليس في عيد ميلادك القريب ولكن بعده قليلاً. أصبح هدفك النهائي الآن واقعياً أكثر وقابلاً للتحقيق، إضافة إلى أنك ستشعر بالرضا عندما تحقق هدفك اليومي الأصغر.
بطبيعة الحال، ستواجه عثرات خلال سعيك، تماماً كما حدث مع جونز في رحلتها إلى الألعاب الأولمبية، لكن كل إنجاز صغير من هذه الإنجازات هو خطوة في تقدمك الإجمالي، وسيمنحك شعوراً بالفخر عندما تصل إلى هدفك النهائي.
ضع أهدافاً واضحة
عندما تضع هدفاً غامضاً فلن يكون ما عليك فعله لتحقيقه واضحاً لك، إذ يصعب عليك أن تحدد الإجراءات اليومية التي يجب أن تتخذها خلال رحلتك إذا كانت وجهتك غير معروفة، ومن ثم فإنك ستخدع نفسك أو تستسلم. بدلاً من ذلك، اتبع أسلوب الأهداف الذكية (SMART Goals)، وهي الأهداف المحددة والمناسبة والممكنة والقابلة للقياس وذات الجدول الزمني المحدد.
لنفترض أن هدفك هو أن تكون أكثر تنظيماً في العمل، وهو هدف يمكنك بتحقيقه أن تحسّن مختلف مجالات حياتك، لكن ما معنى أن تكون منظماً؟
حاول أن تحدد ما عليك فعله لتكون منظماً، على سبيل المثال قد تضع هدفاً صغيراً يتمثل في تنظيف صندوق البريد الوارد نهاية كل يوم عمل (هدف محدد ومناسب). الآن خصص 10 دقائق 3 مرات يومياً اليوم لإلقاء نظرة على بريدك الوارد (هدف ممكن وقابل للقياس وذو جدول زمني محدد). بهذه الطريقة، ستكون لديك فرصة أكبر بكثير لتحقيق هدفك وبناء عادة من شأنها أن تغير أسلوبك في العمل.
ركز على تحقيق التقدم لا الكمال
عندما تنشغل بإنجاز مهمة ما على أكمل وجه فقد لا تتمكن من إنجاز أي شيء على الإطلاق، وإدراك هذا العائق هو الخطوة الأولى للتغلب عليه.
على سبيل المثال، لنفترض أنك ترغب في تعلم لغة جديدة كي تتقدم في حياتك المهنية وتحصل على وظيفة أفضل في دولة ما، فقررت استخدام تطبيق لتعلم اللغات وحددت هدفاً ذكياً يتمثل في الدراسة مدة 30 دقيقة قبل كل يوم عمل، وهذه بداية طيبة، لكن يجب أن تتوقع ظهور عقبات في بعض الأيام، فقد يكون عليك العمل بتركيز على مشروع عاجل أو قد يجري تكليفك بشغل مكان زميل أخذ إجازة بسبب المرض.
في بعض الأحيان قد ترى أن تقدمك بطيء، فقد تقضي 30 دقيقة يومياً مدة أسبوعين في دراسة اللغة الجديدة، ثم تحاول التحدث فتتلعثم وأنت تنطق المفردات الجديدة. بدلاً من أن يعوقك ذلك عن مواصلة التقدم، هنئ نفسك على وصولك إلى هذا المستوى وتذكر حينما لم يكن بوسعك التعريف عن نفسك باللغة الجديدة. اعتبر محاولتك إجراء محادثة باللغة الجديدة نجاحاً، وإن لم تكن متمكناً منها. الجانب الأهم خلال الفترة التي بذلت فيها جهداً هو التقدم الذي أحرزته، والذي يتضمن نهوضك بعد تعثرك وتعلمك من أخطائك.
واظب على ما تفعله ولا تتشتت
قد يتشتت انتباهك بسهولة عن أهدافك إذا كنت تعمل في مؤسسة تتبع أسلوباً صارماً أو كنت تدرس قبل الامتحانات، والحل هو أن تواصل التركيز على الخطوات الصغيرة وتتأكد من ملاءمتها لجدولك اليومي، فعندما تمارس سلوكاً ما كل يوم سيصبح روتيناً ثم عادة.
لنفترض أنك تريد تبني عادة تدوين اليوميات، حدد وقتاً من اليوم تكون فيه بمفردك وذهنك غير منشغل بالعمل أو الدراسة، وخصصه لتدوين يومياتك. في مرحلة ما، سوف تصبح هذه الممارسة سلوكاً بديهياً عندما تتحول إلى عادة بعد تكرارها باستمرار.
مهما كان هدفك، تذكر أنه ليس من الضروري أن يتحقق بين عشية وضحاها، وهو غالباً ما لن يحدث، لكن احتمالية تحقيق هدفك تزداد إذا قسمته إلى أهداف ذكية يومية أصغر وواظبت العمل على تحقيقها.