فكرة: دراسة من تونس واليمن تقدم نصائح للمدير العربي للتعامل مع الغضب 

2 دقيقة
shutterstock.com/Alones

كثيراً ما نسمع نصائح متناقضة في بيئات العمل العربية: "لا تُظهر غضبك أمام الموظفين"، أو "كن صارماً ولا تكبت مشاعرك". وبين الكبت والانفجار، يغيب خيار ثالث أكثر عقلانية وفعالية، وهو ما تسلط عليه الضوء دراسة أجرتها جامعة السلطان قابوس بالتعاون مع باحثين من تونس واليمن.

الدراسة اعتمدت "مقياس التعبير عن الغضب - سمة وحالة" (STAXI)، وهو مقياس نفسي عالمي تم تطويره لقياس أنماط الغضب المختلفة. قام الباحثون بترجمته وتعديله ليتناسب مع السياق العربي، وركّزوا على ثلاثة أنماط: الغضب الكامن (Anger-In)، الغضب الظاهر (Anger-Out)، والتحكم في الغضب (Anger Control).

النتائج كشفت أن التحكم هو النمط الوحيد الذي أثبت دقته وموثوقيته في البيئتين التونسية واليمنية، بينما اتسمت أنماط الكبت والتفريغ بالغموض والتداخل، مما يقلل من جدواها العملية في تخفيف الغضب وآثاره.

ومن المفارقات التي رصدتها الدراسة، أن العينة والتي بلغت 530 مشاركاً كان لديهم سوء فهم حول الفرق بين التحكم بالغضب والتحكم به، فقد فهم كثيرون منهم عبارات مثل "يكتم مشاعره"، و"يعبس أو يتجهّم"، والتي يُفترض أن ترتبط بكتم الغضب، على ضمن نمط التحكم وحتى الغضب الظاهر، خاصة في العينة اليمنية. وفي العينة التونسية، اختلطت عبارات مثل "ينتقد سرًا" و"يشعر بالضيق"بين أنماط متعددة. هذا يشير إلى التباس ثقافي في فهم السلوكيات المرتبطة بالغضب، ويُضعف من فاعلية الأدوات الغربية إذا استُخدمت كما هي في السياق العربي.

الفرق بين التحكم بالغضب وكتمه

يمكن القول إن التحكم في الغضب – كما وصفته الدراسة – ليس مجرد سلوك شخصي، بل مهارة إدارية أساسية. فمدير يتحكم في غضبه، يستطيع أن يدير الأزمات، ويصنع الثقة، ويقود الفريق نحو نتائج أفضل.

وبالنتيجة، لم تعد المسألة خياراً بين "الصمت المهذب" أو "الانفعال الصادق". بل بين فوضى مشاعر تضر بالعمل، ونضج انفعالي يبني الفرق.

الفرق بين التحكم في الغضب وكتم الغضب جوهري، رغم أنهما قد يبدوان متشابهين من الخارج، خاصة في الثقافات العربية التي تثمّن الصمت أحياناً كنوع من الحكمة أو ضبط النفس.

إذا كنت مهتماً بمتابعة المزيد من أفكار الدكتور حمود المحمود، فقد أطلق نشرة بريدية موجهة للمدراء العرب والطامحين للقيادة، سجل على الرابط من هنا لتضمن وصول النشرة إليك.

ما هو "التحكم في الغضب"؟

التحكم في الغضب هو القدرة الواعية والمنظّمة على إدارة مشاعر الغضب والتعبير عنها بأسلوب غير مؤذٍ. لا يعني هذا تجاهل المشاعر أو إنكارها، بل:

  • تهدئة النفس قبل الرد.
  • استخدام كلمات مدروسة للتعبير عن الاستياء.
  • اختيار توقيت ومكان مناسبين للحوار.
  • تجنّب السلوك المؤذي أو العدواني.

هو أشبه باستخدام "فرامل عاقلة" أثناء القيادة في طريق وعر، لتفادي الاصطدام.

ما هو "كتم الغضب"؟

كتم الغضب (Anger-In) يعني إخفاء الغضب داخليًا دون التعامل معه، غالباً بدافع الخوف أو التربية أو تجنب المواجهة. يتضمن هذا:

  • عدم التعبير عن المشاعر نهائياً.
  • الشعور بالاستياء دون أن يُلاحظ الآخرون.
  • تجمّع المشاعر السلبية بشكل تراكمي.

ماذا تعني هذه النتائج للمدير العربي؟

أولاً، هي دعوة لمراجعة ثقافة العمل التي تُمجّد الصمت أو تغفر التفريغ عن الغضب. فالكبت ليس فضيلة، والانفجار ليس شجاعة. ما نحتاجه هو بناء بيئة تشجّع على "التعبير المنظم" عن المشاعر، وتدرّب الأفراد على تهدئة أنفسهم قبل التفاعل.

ثانياً، تقدم الدراسة أساساً لتطوير برامج تدريبية تركّز على مهارة "التحكم في الغضب". المديرون والموظفون يمكنهم تعلّم تقنيات مثل التنفس الواعي، والتفكير قبل الرد، وتحديد الوقت المناسب للتحدث، كأدوات يومية تُحسن من بيئة العمل وتقلل من التوترات.

ثالثاً، تحذّرنا النتائج من استخدام مقاييس نفسية جاهزة مستوردة من بيئات غربية دون تعديل أو تكييف. فالتداخل في فهم مفاهيم مثل "الغضب" و"التحكم" يفرض على المؤسسات العربية تطوير أدوات تقييم أكثر ملاءمة لثقافتها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي