يعتقد الكثير منا أن الإنتاجية مرتبطة بالعمل لساعات أطول، وقد يبدو ذلك منطقياً لأنه كلما خصصنا وقتاً أطول لمهامنا، تمكّنا من إنجاز عدد أكبر منها. وبالتالي ليس من المستغرب أن تجد الكثير من النصائح في الأدبيات الشائعة حول كيفية الاستفادة إلى أقصى حد من وقت العمل. على سبيل المثال، يتضمن الروتين اليومي للرؤساء التنفيذيين غالباً اتباع عادات مثل الاستيقاظ في الساعة 4 صباحاً والعمل في عطلة نهاية الأسبوع وحتى التخطيط على نحو استراتيجي بشأن عدد مرات الاستحمام. كما يلجأ العديد من الموظفين إلى العمل المتواصل دون توقف وتخطي استراحة الغداء والبقاء لوقت متأخر في العمل استجابة لعبء العمل المتزايد باستمرار.

لكن تكلفة العمل المستمر بمستوى عالٍ من الأداء باهظة. أظهر استقصاء حديث أجرته شركة أفلاك (Aflac) أن أكثر من نصف الموظفين (59%) يشعرون بالاحتراق الوظيفي، وأن معدلات اندماج الموظفين الأميركيين انعكس اتجاهها وبدأت تنخفض. من المثير للقلق أن مستويات الاحتراق الوظيفي المرتفعة ومعدلات الاندماج المنخفضة مرتبطة بالأداء المتعثر. كيف يمكننا إذاً معالجة تراجع رفاهتنا مع الحفاظ على أدائنا؟

قد يسهم أخذ فترات راحة من العمل بدلاً من العمل المتواصل
في تحسين الأداء والرفاهة في نفس الوقت. أجرى فريقنا مراجعة منهجية للأبحاث الحالية حول فترات الراحة في مكان العمل، وأثار اهتمامه منظوران متضاربان؛ يركز الأول على العمل بدرجة أكبر بصفته مؤشراً على الأداء، بينما يركز الآخر على أخذ فترات راحة منتظمة لحماية رفاهة الموظفين، بالإضافة إلى النتائج المختلطة (وأحياناً المتضاربة) من الدراسات الفردية حول هذه الموضوعات. بعد تحليل أكثر من 80 دراسة، نؤكد (مع زملائنا زهرة بريمجي وتيموثي وينغيت وكوني دينغ وليسا بيلانجي ونِك تيرنر) أن أخذ فترات راحة منتظمة طوال اليوم يمكن أن يحسن الرفاهة ويساعد أيضاً في إنجاز المزيد من العمل. على عكس الرواية الشائعة التي تؤكد على العمل ساعات طويلة مستمرة، تشير أبحاثنا إلى أن أخذ فترات راحة خلال ساعات العمل لا يؤثر سلباً على الأداء، بل يساعد في تعزيزه.

لماذا يعود أخذ فترات راحة في أثناء العمل بالفائدة على الرفاهة والأداء؟

نحن مثل البطاريات التي تحتاج إلى الشحن من وقت إلى آخر، لدينا مجموعة محدودة من الموارد الجسدية والنفسية، وعندما تنفد طاقتنا نشعر بالإرهاق والإنهاك والتوتر.

يؤدي العمل دون توقف عند تدني طاقتنا إلى الضغط على رفاهتنا وأدائنا في العمل، ويمكن أن يؤدي في الحالات القصوى إلى دوامة سلبية؛ يحاول الموظف إنهاء المهام على الرغم من نفاد طاقته، فلا يستطيع أداءها بصورة جيدة بل ويرتكب أخطاءً فيها، ما يؤدي إلى زيادة العمل اللازم لتصحيح الأخطاء وانخفاض الموارد المتبقية لديه للتعامل مع تلك المهام نفسها. أي كلما عملنا أكثر قلت إنتاجيتنا وأُرهقنا أكثر، الأمر أشبه بقراءة نفس السطر للمرة الخامسة، وما زلت لا تفهمه.

ما يدعو للتفاؤل هو أن أخذ فترات راحة يساعد الموظفين على استعادة طاقتهم وتجنب دوامة الإعياء السلبية وانخفاض الإنتاجية. ومع ذلك، لا تتساوى أنواع فترات الراحة جميعها في آثارها.

ما هي أنواع فترات الراحة الأعلى فعالية لتحسين الرفاهة والأداء؟

هناك العديد من الطرق المختلفة لأخذ استراحة من العمل؛ مثل ممارسة الرياضة وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي والخروج في نزهة قصيرة والاختلاط بالآخرين وأخذ قيلولة وتناول الغداء وما إلى ذلك، لكن مراجعتنا المنهجية تُظهر اختلاف فعالية أنواع الاستراحات في تحسين الرفاهة والأداء. بعبارة أخرى، لطريقة أخذ الاستراحة تأثير أيضاً. فيما يلي بعض عناصر الاستراحة الشائعة التي يجب مراعاتها:

طول الاستراحة وتوقيتها

الاستراحة الطويلة لا تعني بالضرورة استراحة أفضل، قد يكون الانفصال عن العمل بضع دقائق فقط ولكن بانتظام (فترات راحة قصيرة جداً) كافياً لتجنب الإعياء وتعزيز الأداء. على سبيل المثال، يمكن للموظفين أخذ فترات راحة قصيرة لتناول الوجبات الخفيفة أو للتمدد أو حتى للتحديق من النافذة فقط. وبالإضافة إلى ذلك، فإن توقيت الاستراحة مهم؛ ففترات الراحة القصيرة تكون فعاليتها أعلى في الصباح، بينما تكون فائدة فترات الراحة الطويلة أكبر في وقت متأخر بعد الظهر، لأن الإعياء يتفاقم خلال يوم العمل، الأمر الذي يتطلب وقت راحة أطول في فترة ما بعد الظهر لتجديد طاقتنا.

مكان أخذ فترات الراحة

يمكن أن يكون لمكان أخذ الاستراحة تأثير كبير في قدرتك على التعافي. قد تبدو الفائدة من أنشطة مثل التمدد بجانب المكتب والخروج في نزهة قصيرة للراحة متشابهة جداً، ولكن فائدتهما في تجديد طاقتك قد تختلف إلى حد كبير. تظهر مراجعتنا أن أخذ استراحة في الهواء الطلق والاستمتاع بالمساحات الخضراء أفضل بكثير لتجديد نشاط الموظفين مقارنة بأخذ استراحة في المكتب.

نشاط الاستراحة

الانخراط في النشاط البدني في أثناء الاستراحة فعال لتحسين الرفاهة والأداء، إذ تُعد التمارين الرياضية من أدوات التعافي المفيدة جداً لمن يعملون في مهام تتطلب مجهوداً عقلياً، ولكن الأثر الإيجابي لهذا النوع من الاستراحة مؤقت، ويجب على الموظفين ممارسة التمارين بانتظام للحفاظ على فوائدها.

على الرغم من هذه الفوائد، فإن التمارين ليست الطريقة الأفضل للموظفين لأخذ الاستراحات؛ تُظهر مراجعتنا أن تصفح وسائل التواصل الاجتماعي هو أكثر أنواع الاستراحات شيوعاً بين الموظفين، حيث أبلغ معظمهم تقريباً (97%) عن الانخراط في هذا النشاط، ولكن الباحثين اكتشفوا أن تصفح وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء فترات الراحة في العمل يمكن أن يسبب الإرهاق العاطفي، ما يؤدي إلى ضعف القدرة على الإبداع والاندماج في العمل بدلاً من تجديد موارد الموظف. على هذا النحو، قد لا يكون هذا النوع من نشاط الاستراحة فعالاً لتعزيز الأداء.

الاستراحات رفقة الحيوانات الأليفة

أظهرت إحدى الدراسات في مراجعتنا أن التفاعل مع الكلاب يمكن أن يخفض مستويات هرمون الكورتيزول الذي يمثّل مؤشراً موضوعياً للتوتر، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث في هذا المجال، إذ لا تزال تأثيراته على الأداء غير واضحة. ومع ذلك، نعتقد بشدة في أن قضاء استراحة مع حيوان أليف أمر فعال بالنسبة للعديد من الموظفين، إذ تظهر الأبحاث أن هذه التفاعلات يمكن أن تعزز إلى حد كبير الرفاهة النفسية للأفراد، وهي بدورها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأداء.

ما الذي يمكن للمدراء والمؤسسات فعله لتشجيع فترات الراحة؟

في الواقع، لا تضمن إتاحة فترات للراحة استفادة الموظفين منها، فمن الممكن ألا يستخدموها بفعالية أو لا يأخذوها مطلقاً. للمدراء دور رئيسي في تشجيع فترات راحة العمل الفعالة، لأنهم صانعو القرار والقدوة في المؤسسات. يمكن تحقيق ذلك بعدة طرق:

تعزيز الموقف الإيجابي تجاه فترات الراحة

الموظفون عموماً إيجابيون بشأن فترات الراحة ويبلغون أنها مفيدة للأداء، لكن المدراء لا يشاركونهم هذه الميول دائماً، ما قد يثني الموظفين عن أخذ فترات راحة لاستعادة طاقتهم، وبالتالي هناك حاجة ماسّة إلى تثقيف المدراء حول فوائد فترات الراحة لتحسين الأداء. لتحقيق ذلك، يمكن لمدراء الموارد البشرية مثلاً دمج هذه المعلومات في برامج التدريب الخاصة بالرفاهة التي تنفذها الشركة. ويمكن للمؤسسات أيضاً التفكير في تنفيذ دروس للتوعية حول الرفاهة -على غرار دروس التوعية الصحية- يمكنها من خلالها مشاركة استراتيجياتها لأخذ فترات راحة فعالة وتوليد الأفكار حول أنشطة الاستراحة الممتعة، وقد يكون من المفيد جداً أيضاً تعليق ملصقات تشرح فوائد الراحة في مكان العمل وأفضل ممارساتها.

ممارسة المدراء أنفسهم لفترات الراحة

يمكن للمدراء التعبير عن أهمية أخذ فترات الراحة من خلال أخذ أنواع الراحة الأعلى فاعلية بانتظام، حيث يمكن للموظفين تقليدهم. على سبيل المثال، حين يأخذ المدير كلبه في نزهة في حديقة قريبة بانتظام، سيفهم موظفوه أنه سيبتعد عن العمل قليلاً من أجل ذلك؛ تظهر هذه الاستراتيجية مثالاً إيجابياً وتوضح ضرورة احترام فترات الراحة وعدم مقاطعتها. يساعد المدراء من خلال تقديم مثال يُحتذى به في تجنب وصمة العار المحتملة والشعور بالذنب المرتبطين بأخذ فترات الراحة، فمن المشجع أن نرى عدداً متزايداً من قادة المؤسسات الذين يدركون أهمية ذلك بل ويعبرون عن أسفهم لعدم أخذ استراحة كافية من العمل.

جدولة أوقات راحة مخصصة

تظهر مراجعتنا أن العديد من الموظفين غير قادرين على أخذ فترات راحة منتظمة، أو لا يتشجعون على أخذها بسبب وصمة العار المرتبطة بها؛ لذلك نوصي المدراء والمؤسسات بجدولة أوقات راحة مخصصة. يجب تضمين أوقات الاستراحة هذه بعناية، فجداول الاستراحة الصارمة، مثل إلزام الموظفين بأخذ استراحة من العمل في وقت معين ولمدة محددة مسبّقاً يحدّ من استقلالية الموظفين، وقد يوقع آثاراً سلبية عليهم. لذلك نقترح تقديم فترات راحة لفترة محددة مثل ساعة واحدة في اليوم وترك قرار توقيتها وتكرارها لتقدير الموظف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمؤسسات استكشاف حلول بديلة لجدولة أوقات استراحة مثالية مثل تقديم جداول العمل المرنة ومبادرات الراحة المبتكرة في مكان العمل مثل “تذاكر أوقات الراحة” (على سبيل المثال، منح الموظفين تذاكر يومية تسمح لهم بأخذ ساعة استراحة يحددون موعدها بأنفسهم) أو توفير أنشطة اجتماعية أو بدنية ميدانية.

إنشاء مساحات للاستراحات

كما أوضحنا أعلاه، يمكن أن يؤدي مكان قضاء أوقات الراحة دوراً مهماً في تعظيم فوائدها. على سبيل المثال، يمكن أن يُظهر توفير حديقة صغيرة أو مساحة خضراء داخلية التزام المؤسسة بدعم فترات الراحة وتعزيز فوائدها لأداء الموظفين، ويمكن أيضاً إنشاء منتزه للكلاب غير المقيدة لتعزيز فوائد فترات الراحة في الهواء الطلق حيث يمكن للموظفين الذين يستمتعون بالتفاعل مع الحيوانات فعل ذلك. يمكن أن يكون هذا النهج أيضاً بمثابة أداة توظيف قيّمة مع ارتفاع الطلب على أماكن العمل الصديقة للحيوانات الأليفة واعتماد الكثير من الشركات بالفعل سياسات متساهلة تجاه الحيوانات الأليفة.

يمكن للمؤسسات التي يعمل بها موظفون من المنزل أيضاً الاستفادة من المساحات المتاحة لهم من خلال ترتيب اجتماعات عبر الإنترنت يمكن للعاملين عن بُعد خلالها الانضمام إلى الاجتماع في أثناء المشي في الخارج أو وهم جالسون في أي مساحة خارجية ملائمة لهم. كما يمكن للمؤسسات بدلاً من ذلك تخصيص “ميزانية الاستراحة” للموظفين لينشئوا مساحة استراحة خاصة بهم؛ على سبيل المثال، يمكن للموظفين استخدام الميزانية لشراء نبات داخلي أو بساط للتمارين الأرضية.

لطالما كان أداء الموظفين مصدر قلق للمؤسسات، واليوم يزداد عدد المؤسسات التي تبذل جهوداً لتحسين رفاهة موظفيها، وفترات الراحة من العمل هي أداة واعدة لتحسين كليهما. يجب على المؤسسات إدراك أهمية فترات الراحة والانخراط في جهود مدروسة لتعزيز ممارسات فترات الراحة الفعالة وتسهيلها.