6 أسئلة عميقة من بيتر دراكر لفهم أسرار عالم الأعمال المعقّد

4 دقيقة
أسرار عالم الأعمال
shutterstock.com/AlexTanya
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ألقى بيتر دراكر في عام 1981 محاضرة في جامعة نيويورك بعنوان “إدارة التعقيد المتزايد في المؤسسات الكبيرة“. حيث قدم توصيات تحفيزية لفهم أسرار عالم الأعمال وللتأقلم مع عالم “التحدي الحقيقي فيه هو أن تقرر ماذا تفعل” في مواجهة “التغير التكنولوجي وتغير السوق” الهائلين مستفيداً من العبر المستخلصة من قطاع صناعة السيارات والقطاع المصرفي وغيرهما.

وكما هي عادته، لم يكتفِ دراكر بتقديم الحلول. تحدث ببطء بلهجة سكان مدينة فيينا الثقيلة وطرح الأسئلة الآتية: “كيف ننظم الجديد ضمن القديم؟ وكيف تنظّم ريادة الأعمال ضمن الإدارة؟ وكيف نحافظ على التناسق” في شركة متعددة الجنسيات ذات عمليات واسعة الانتشار تمتد عبر ثقافات لا تعد ولا تحصى؟

لم تكن هذه الأسئلة خطابية. كما قلت في بحث سابق، لطالما طرح دراكر أسئلة دقيقة، وفي المقابل، كان يحث الناس على مواجهة افتراضاتهم وإعادة صياغة المشكلات والنظر من زوايا مختلفة.

بعد مرور أكثر من 30 عاماً على حديث دراكر في جامعة نيويورك، استمر مستوى التعقيد الذي يواجهنا في الازدياد، أو على الأقل يبدو لمعظم المدراء أنه قد ازداد، نظراً للنماذج والعمليات القديمة التي تستخدمها معظم الشركات (كما أوضح كل من ستيف دينينغ وروجر مارتن ببراعة).

استناداً إلى ما سبق، إليك 6 أسئلة مستقاة مباشرة من كتابات دراكر، أعتقد أنه كان ليطرحها الآن على أي مدير يحاول التعامل مع “تعقيدات الحجم والأسواق والمنتجات والتكنولوجيا” على حد تعبيره. عليك طرح السؤالين الأولين من وجهة نظر مؤسستك العامة، وأن تسأل الموظفين السؤالين التاليين، وتسأل نفسك السؤالين الأخيرين

  1. ما الذي يقدّره العميل؟ هذا هو “السؤال الأهم” كما نصح دراكر، “ومع ذلك فهو أقل سؤالاً يُسأل”. تكتسب هذه الرؤية أهمية خاصة في عصر يتمتع فيه العملاء بقدر أكبر من القوة والخيارات أكثر من أي وقت مضى. ما لم يكن هناك سعي دؤوب لمعرفة ما يريدونه ويحتاجون إليه، فمن السهل أن تتخلف عن الركب في وقت قصير نسبياً، والطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هي “الخروج للبحث والسؤال والاستماع” على حد تعبير دراكر. خذ شركة بلاك بيري (BlackBerry) مثلاً على ذلك. كتب دراكر في كتابه “تحديات الإدارة في القرن الواحد والعشرين” (Management Challenges for the 21st Century) الصادر عام 1999: “القيمة بالنسبة إلى العميل تختلف دائماً عن القيمة أو الجودة بالنسبة إلى المورّد”.
  2. ما جوهر عملنا، وماذا يجب أن يكون؟ أشار دراكر في كتابه البارز “الإدارة: المهام والمسؤوليات والممارسات” (Management: Tasks, Responsibilities, Practices) الصادر عام 1973 إلى أن “لا شيء أبسط أو أوضح من معرفة جوهر أعمال الشركة”، لكن “الإجابة الصحيحة عادةً غير واضحة”. وينطبق ذلك بصفة خاصة في عصر تتغير فيه هياكل السوق بسرعة مذهلة وتتفتح فيه آفاق جديدة باستمرار بسبب التقدم التكنولوجي. وأرى أن أحد أسباب النجاح الكبير الذي حققته شركة أمازون هو أنها تعمل باستمرار على صقل إجابتها على سؤال “ما جوهر عملنا؟” والسبب كما يرى دراكر هو أن طرح السؤال بجدية “يثير الجدل والنقاش والاختلاف، ويتطلب حكمة وشجاعة كبيرة. نادراً ما تكون الإجابة معروفة لدى الجميع. ويجب ألا تقدم الإجابة بسرعة على الإطلاق، ولا يمكن أن تقدم بسهولة”.
  3. ما المهمة؟ ما كان ليطرح أحد هذا السؤال على عامل في خمسينيات القرن الماضي، وذلك لأن “المهمة دائماً واضحة في مجال العمل اليدوي” على حد وصف دراكر، ببساطة تسير سيارة على خط التجميع ويثبِّت عامل الهيكل بالبراغي. لكن تحديد المهام أصعب بكثير من ذي قبل بسبب انتشار العمل المعرفي في عصرنا هذا. لا توجد طريقة محددة لتنفيذ المهام بالنسبة إلى موظف المعرفة، الذي يمتلك حرية تصرف هائلة فيما يتعلق بالخطوات التي يجب اتخاذها (والخطوات التي يجب عدم اتخاذها)، وبأي ترتيب يجب اتخاذها. حتى النتائج غير واضحة عندما يكون “منتج العمل” فكري وليس صناعة يدوية. كتب دراكر أن السبيل إلى تحسين إنتاجية العاملين في مجال المعرفة يبدأ من القاعدة إلى القمة “بسؤال موظفي المعرفة أنفسهم: ما مهمتنا؟ وما يجب أن تكون؟ وما الذي يجب أن نسهم به؟ وما الذي يعوق أداء المهمة ويجب التخلص منه؟”.
  4. ما أفكارك حول تجربتنا لأشياء جديدة، وتطوير منتجات جديدة، وتصميم طرق جديدة للوصول إلى السوق؟ من الضروري الآن وأكثر من أي وقت مضى أن يضع الموظفون الابتكار أولوية بالنسبة إليهم، وألا ينحصر في عمل فريق البحث والتطوير أو فريق “المنتجات الجديدة”. من المؤكد أنه ليس لدى الجميع القدرة نفسها على قيادة “التغيير الذي يضيف بعداً جديداً للأداء”، على حد وصف دراكر. إذ يقول: “من الواضح أن ثمة أشخاصاً موهوبين في الابتكار أكثر منا، لكن كل موظف في المؤسسة، من القمة إلى القاعدة، يحتاج إلى تبني عقلية الابتكار. إحدى طرق تعزيز هذا التوجه هي أن يعقد كبار المسؤولين التنفيذيين عدة جلسات في العام يُجمع فيها من 25 إلى 30 موظفاً صغيراً من جميع الأقسام”. ويصف دراكر تلك الجلسات على النحو الآتي: “يفتتح كبير المسؤولين الجلسة بقوله: ‘أنا لست هنا لإلقاء خطاب أو لإطلاعكم على أي شيء، أنا هنا لأستمع إليكم، أريد أن أعرف تطلعاتكم، والأهم من ذلك، أين ترون الفرص المتاحة لهذه الشركة وأين ترون التهديدات'”. ويضيف دراكر أن هذه الاجتماعات “إحدى أكثر الطرق فعالية لغرس رؤية ريادة الأعمال في جميع أقسام الشركة”.
  5. من في هذه المؤسسة يعتمد عليَّ في الحصول على المعلومات؟ وما نوعها؟ كتب دراكر في مقالة نشرها في مجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 1988 بعنوان “قدوم المؤسسة الجديدة” (The Coming of the New Organization): “تشمل قائمة كل موظف المدراء والمرؤوسين، وأهم الأسماء المدرجة فيها هي أسماء الزملاء التي تكون العلاقة الأساسية بهم هي التنسيق”. تبدو هذه الفكرة أكثر واقعية الآن، حيث إن الهياكل التقليدية للقيادة والتحكم تفسح المجال شيئاً فشيئاً لترتيبات أكثر مرونة وسلاسة في عدد متزايد من الشركات. يُعد طرح هذا السؤال -والتأكد من أن المعلومات التي تقدمها لزملائك بطريقة صحيحة وفي الوقت المناسب- جزء أساسي مما أطلق عليه دراكر “مسؤولية المعلومات”. بعد تحديد من يعتمد عليك في الحصول على معلومات، عليك أن تسأل سؤالاً آخراً مهماً، على من أعتمد أنا؟
  6. ماذا لو لم ننجز هذه المهمة على الإطلاق؟ هذا هو الوقت المناسب لطرح هذا السؤال، حيث يواجه المدراء هذه الأيام صعوبات من أجل الحفاظ على أثمن مورد لديهم وهو الوقت. في كتابه الشهير “المدير التنفيذي الفعّال” (The Effective Executive) الصادر عام 1967، أوصى دراكر بأن يحتفظ المدراء بسجل زمني مفصّل، متتبعين كيفية الاستفادة من الوقت على أرض الواقع. دوّن الأحداث فور وقوعها ولا تعتمد على ذاكرتك. بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع، حلل ما دونته واسأل ماذا ستكون النتيجة إذا لم يُنفذ نشاط معين بالأساس. يقول دراكر: “إذا كانت الإجابة: لن يتغير شيء، فمن الواضح أن الخلاصة هي التوقف عن ذلك النشاط. فعدد المهام غير الضرورية التي ينجزها الموظفون الشديدو الانشغال مذهل جداً”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .