الثقة بالنفس؛ إنها سمة نسعى للتحلي بها ونتطلع لوجودها في الآخرين، خاصة أولئك الذين يشغلون مواقع القيادة. ومع ذلك، نلتقي أحياناً بمسؤولين تنفيذيين يُبدون قلة ثقة في النفس، ونواجه أيضاً أولئك الذين يتمتعون بثقة زائدة بالنفس لدرجة تعميهم عن رؤية الواقع، (لكن هذه الفئة موضوع مقال آخر). ما يجهله الكثيرون هو أن الثقة متجددة وليست عاطفة ثابتة، وتتطلب اهتماماً مستمراً، وهي تشبه بذلك عضلات الجسد التي تحتاج إلى التمرّن لتصبح أقوى.
واجه الحقائق
ابدأ مواجهة الحقائق لتعزز ثقتك بنفسك. ستدرك عندما تنظر إلى تجاربك السابقة أن حالات النجاح التي حققتها تفوق حالات الفشل؛ والأهم من ذلك، أنك نجحت في تجاوز التحديات واستخلصت منها دروساً قيّمة. سيوفر سجل إنجازاتك مخزوناً لتجاربك السابقة التي يمكنك مقارنتها مع مخاوفك الحالية.
لنتأمل مثال أحد المسؤولين التنفيذيين الذي قدمنا له التدريب في مجال التسويق العالمي؛ ولنطلق عليه اسم علاء. بعد أن حصل علاء على ترقية مؤخراً إلى منصب نائب الرئيس (وهو الشخص الثالث الذي يتولى هذا المنصب في غضون عامين)، واجه تحديات جديدة، منها رفع معنويات الفريق المنخفضة، والتشجيع على مبادرات جديدة، وإعادة بناء سمعة الإدارة، إضافة إلى إدارة مجموعة جديدة من العلاقات؛ لا سيما أنه أصبح جزءاً من الفريق التنفيذي وكان الرئيس التنفيذي يطلب رأيه على الدوام. قال علاء في أحد اجتماعات التدريب المهني: "أشعر غالباً بأنهم سيكتشفون أمري ويدركون أنهم ارتكبوا خطأ بترقيتي إلى هذا المنصب".
انخفضت ثقة علاء بنفسه بمجرد أن تولى أحد المناصب التنفيذية العليا. وبعد أن أجرى تقييماً على مجموعة الترقيات التي حصل عليها طوال مسيرته المهنية، أدرك أنه نجح في التعامل مع تحديات جديدة، وإن كانت مختلفة بعض الشيء. كان سجل إنجازاته مرجعاً له ساعده على مواجهة الشعور بعدم اليقين الذي كان يعيشه. وعلى الرغم من أن عبارة "الثقة تبدأ من الداخل" تبدو مبتذلة، فثمة جانب من الصحة فيها. في النهاية، الثقة هي عكس المخاوف التي نواجهها في حياتنا، المخاوف من الفشل، والمخاوف من التغيير، والمخاوف من الشعور بالنقص.
التركيز
من المهم عندما تقيّم سجل إنجازاتك أن تركز على مواطن قوتك وتعمل في الوقت نفسه على تطوير مواطن ضعفك. يتمتع معظم القادة بمهارات قوية في بعض الجدارات، ومهارات متوسطة في مجموعة واسعة من الجدارات الأخرى، ومهارات ضعيفة في بعضها الآخر. والقادة الناجحون هم أولئك الذين يركزون على استغلال مواطن قوتهم وتطوير المجالات المتوسطة والضعيفة لكيلا تصبح عائقاً أمام تحقيق فعاليتهم. قبِل علاء فكرة أنه لن يكون متميزاً في كل شيء (ولم يتوقع أحد ذلك منه أيضاً). وتمكن بمساعدة التقييم بطريقة 360 درجة من تحديد مواطن قوته في مجالي "إدارة الآخرين" و"صياغة الرؤية". ثم ركّزَ على المجالات التي كان يعرف بأنه يستطيع الإسهام فيها، ما عزز ثقته في قدرته على التصدي للتحديات المقبلة.
الإيمان
ليست مصادفة أن يكون الأصل اللاتيني لكلمة "confidence"، التي تعني "الثقة" هو "con fidere"، ويترجم إلى "مع الإيمان". الإيمان المُطلق يعني الثقة بالمجهول. وفي الواقع، يُطلب من القادة عادة وضع رؤى وتوجهات للمستقبل في ظل حالة من عدم اليقين، حيث يعملون على مستوى من الإيمان الذي يساعدهم على تحديد الغرض والتحلي بالقوة والثقة بالمسار الذي يرسمونه لمؤسساتهم. مخاوف علاء من الفشل عاقت قدرته على النجاح. لكن عندما حوّل انتباهه إلى شغف تطوير أفكار جديدة وإدارتها بإبداع، وجد غاية عميقة ساعدته على تجاوز تقييمه لنفسه بناءً على حالات النجاح والفشل.
الثقة هي عملية تتطلب جهداً مستمراً لتعزيزها. وهي تشبه بذلك عضلة الجسم، إذ إن كلتيهما تتطلبان التحدي وتحتاجان إلى الاسترخاء. الاعتماد على الحقائق أو التركيز أو الإيمان فقط ليس كافياً بالضرورة لتحقيق الهدف المرجو، لكن عندما تستفيد من هذه العناصر الثلاثة معاً، فستزداد ثقتك بنفسك على نحو ملحوظ.