يُعتبر اختيار الرئيس التنفيذي القادم قراراً حساساً يمكن أن يترك أثراً كبيراً على مستقبل الشركة. فهل هذا هو الشخص المناسب لقيادة الشركة في هذا القطاع تحديداً وفي هذا الوقت بالذات؟ وهل سيتعاون مع مجلس الإدارة أم أنه سيقضي الوقت في محاربته؟ وهل هناك عملية موجودة لا تضمن تهيئة هذا الرئيس التنفيذي، وتحديده، وتعيينه فحسب، وإنما تمتد لتشمل الرئيس التنفيذي القادم أيضاً؟ من خلال مراقبة أعضاء مجلس الإدارة، والتنفيذيين، والمتخصصين، والعمل معهم وإجراء المقابلات معهم، وعبر تقييم أبحاثنا وخبرتنا في مجال الاستشارات، حددنا عشرة مبادئ يتعين على التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة أخذها بالحسبان عند السعي لتعيين رئيس تنفيذي جديد.
1. تذكّروا أن الناس هم من يضعون الاستراتيجية: كان لاعب البيسبول الأسطوري الأميركي يوغي بيررا يردد دائماً المقولة التالية: "إذا لم تكن تعلم إلى أين تتجه، فإنك قد لا تصل إلى مقصدك أبداً". هذا اللاعب كان مشهوراً بصياغة الشعارات، لكن هذا الشعار تحديداً انطوى على حقيقة أساسية وهي: تسير الاستراتيجيات الفقيرة عادة رفقة القيادة غير الفعالة يداً بيد. وعلى العكس من ذلك، يُعتبر أعضاء مجلس الإدارة والمدراء التنفيذيين الذين يعرفون إلى أين يجب أن تتجه الشركة هم الأقدر على توجيهها إلى هدفها المنشود.
2. طبقوا منهجية للتقييم: ليكن لديكم نظام للتقييم يربط المتطلبات الاستراتيجية للشركة بالقدرات الفردية للرئيس التنفيذي المستقبلي وبأدائه في الماضي. ومن الضروري أيضاً تقييم نزاهة الشخص وأخلاقياته، وقدراته في مجال بناء الفرق والتنفيذ، والعوائد التي سيحققها للمساهمين، فضلاً عن صفاته الشخصية، وقدرته على التعاون مع مجلس الإدارة.
3. ضمن التقييم الخاص بالرئيس التنفيذي الحالي، أضيفوا تقديراً لمدى نجاح الشركة في صياغة خطط التعاقب الوظيفي: عندما سألنا كبار مسؤولي الموارد البشرية في عدد من الشركات الرئيسية ما إذا كان لديها نظام متكامل لتقييم أداء الرئيس التنفيذي في مجال تخطيط التعاقب الوظيفي ومكافأته، أفاد معظمهم بأنّ شركاتهم تفتقر إلى هكذا نظام. وحتى الشركات التي كان لديها نظام مشابه، قالت بأنّ نظام المكافأة كان لا يزال أضعف من أن يوجه تصرفات الرئيس التنفيذي بطريقة فعالة.
4. ضعوا قائد مجلس الإدارة أمام مسؤولياته: من خلال تصدي قائد مجلس الإدارة للمهمة بالشراكة مع الرئيس التنفيذي الذي لا زال قائماً على رأس عمله، يمكن لهذا القائد أن يساعد في تجذير العملية عميقاً ضمن تطور إدارة الشركة، ما يحول دون أن يصبح التعاقب الوظيفي مستقبلاً مسألة إدارة أزمة عند وقوعها. ومن المفيد أيضاً الاستعداد لسيناريوهات الكوارث التي تحدث على المدى القصير (هل هناك من هو جاهز ليحل مكان الرئيس التنفيذي إذا حصل له مكروه أو أصابه مرض مفاجئ يمنعه من ممارسة عمله؟)، وكذلك المحصلات البعيدة المدى (هل لدينا مجموعة من الرؤساء التنفيذيين الجاهزين كمرشحين للحلول مكان الرئيس التنفيذي عقب خروجه المبرمج مسبقاً بعد مرور عدد من السنوات؟).
5. احتفظوا بالرئيس التنفيذي صاحب الأداء الرفيع، لكن اسعوا أيضاً للمحافظة على خلفائه القادرين: يمكن القول أنّ المدراء التنفيذيين القادرين الذين تعلموا كيف يديرون مؤسسة ستصبح لديهم رغبة عارمة على الأغلب بالبحث عن فرصة لشغل منصب الرئيس التنفيذي. وبالتالي، يحتاج التعاقب الوظيفي الفعال إلى تقديم الحوافز لهؤلاء الرؤساء التنفيذيين المحتملين، ومن ضمن ذلك تقديم تعويض إضافي، للمحافظة على حضورهم بانتظار الفرصة السانحة ليشغلوا منصب الرئيس التنفيذي إذا كان الرئيس التنفيذي الحالي من ذوي الأداء المميز ولا زال قادراً على العطاء.
6. اطلبوا بيانات مقارنة صريحة حول المرشحين الداخليين لشغل منصب الرئيس التنفيذي من الأشخاص الذين عملوا معهم جميعاً: يُعتبر التقييم الشامل الذي تجريه شركة غلاكسو سميث كلاين (Glaxo Smith Kline)، والذي يقوم على الاستطلاع السري لآراء جميع المدراء التنفيذيين في الشركة والذين سبق لهم وعملوا مع المرشحين الثلاثة النهائيين، نموذجاً مفيداً يبين كيفية جمع هذه البيانات، على أن يقوم بهذه العملية شخص موثوق من الشركة ذاتها، أو طرف ثالث. يقدم هذا التقييم بيانات مقارنة حول المرشحين النهائيين، وكل واحد منهم يُعتبر قائداً قوياً جداً قائماً بذاته، ويفضي استعمال هذه البيانات أحياناً إلى نتائج مفاجئة. فالحصان الأسود في شركة غلاكسو سميث كلاين برز بوصفه الخيار الأفضل، وبهامش واسع عن منافسيه، بعد جمع البيانات الإضافية المقارنة.
7. اتصلوا مباشرة مع مصادركم ومع المرشحين للتثبت من صحة المعلومات: حتى عند إشراك طرف ثالث، ليس بوسع مجلس الإدارة أن يوكل عملية التدقيق بالكامل إلى طرف خارجي. إذ يتعين على أعضاء مجلس الإدارة إجراء تدقيق شخصي في جميع المصادر والمراجع. ويمكن لعدد محدود من المصادر الموثوقة أن يقدموا بيانات مفيدة للغاية بالمقارنة مع عدد كبير من المصادر الأقل يقيناً. وفي غياب العلاقة القائمة على الثقة، يمكن للمراجع أحياناً الكشف عن معلومات محدودة بل وحتى تقديم معلومات خاطئة. فقد زعم أحد المصادر، مثلاً، أنّ أحد كبار المرشحين كان مدمناً على الكحول، ولكن عندما أثبتت عملية تدقيق إضافية مع مصادر أكثر ثقة عدم صحة هكذا مزاعم، عمدت الشركة إلى اختيار المرشح المتهم زوراً وبهتاناً ليصبح رئيسها التنفيذي.
8. راجعوا أوضاع الاستشاريين الخارجيين بعناية للحيلولة دون وجود تضارب في المصالح: يمكن للاستشاريين المعينين للمساعدة في البحث عن رئيس تنفيذي مناسب أن يقدموا أحياناً، عن عمد أو عن غير عمد، وجهة نظر مفرطة في التأكيد على أهمية مرشح عثروا عليه، أو وجهة نظر تقوم على قدر كبير من التشكيك تجاه شخص لم يكن لهم يد في العثور عليه. ففي إحدى المرات، قادت عملية بحث خارجية لجأ إليها أعضاء أحد مجالس الإدارة إلى تحديد مدير تنفيذي في شركة مدرجة ضمن قائمة أكبر 100 شركة لمجلة فوربس، أبدى استعداده لقبول الوظيفة. وكخطوة نهائية في العملية، اتصل مجلس الإدارة باستشاري خارجي لإجراء تقييم نهائي للمرشح الذي حدده مجلس الإدارة. غير أنّ الاستشاري أشار إلى وجود عيوب خطيرة في شخصية المرشح، وحثهم على عدم تعيينه في المنصب. ولكن عندما لجأ مجلس الإدارة إلى أحدنا، لم نعثر على أي دليل يثبت العيوب المزعومة، وأوصينا بتعيين المدير التنفيذي. كما اكتشفنا سبباً يدفعنا إلى الاعتقاد بأنّ الاستشاري الأول كان يأمل بتكليفه بالبحث عن رئيس تنفيذي جديد فيما إذا رُفض المرشح الذي اعترض هو عليه. وهكذا مضت الشركة أخيراً مع مرجعها الأولي، وكان أداء الرئيس التنفيذي استثنائياً خلال الأعوام الخمسة التالية.
9. حافظوا على السرية: رأينا الكثير من المرشحين المميزين لشغل منصب الرئيس التنفيذي ينسحبون من دائرة المنافسة عندما كانت هوياتهم تكشف بطريقة غير متعمدة، وتحديداً إذا كانوا رؤساء تنفيذيين في شركات أُخرى، فغالباً ما ترى الصحفيين يحومون في الأماكن التي يكون فيها بحث خارجي عن شخص رفيع المستوى، وبالتالي، يُعتبر التواصل الشفوي وتحاشي الاتصال بوسائل الإعلام عوامل يمكن أن تساعد في الإبقاء على الأمور طي الكتمان. وتُعتبر إحدى الطرق الممكنة للحيلولة دون الكشف عن الأمر بطريقة مؤذية هي أن يُطلب من المراجع الخارجية تقديم إرشادات حول مرشح ليس ليتولى منصب الرئيس التنفيذي وإنما لشغل مقعد شاغر في مجلس الإدارة. وبما أنّ مجالس الإدارة تعمد، وبصورة متزايدة، إلى التشارك في قيادة المؤسسة، وليس فقط مراقبة الإدارة، يمكن لعديد من سمات القيادة التي يحملها عضو مجلس الإدارة الفعال أن تنطبق أيضاً على الرئيس التنفيذي الفعال. وبالتالي، فإنّ التقييمات التي تخص شغل مقعد في مجلس الإدارة يمكن أن تكون طريقة مستترة ولكن مفيدة لتقييم الكفاءات المرتبطة بتولي منصب الرئيس التنفيذي.
10. اجعلوا تخطيط التعاقب الوظيفي جزءاً لا يتجزأ من ثقافة العمل في الشركة: تتطلب هذه الخطوة تجميع عدد من العناصر، مثل تقديم الحوافز التي تشجّع المدراء التنفيذيين على بناء النظام والمحافظة عليه، وإيجاد هياكل تطوير يمكن أن تشمل عدداً كبيراً من المدراء بصورة دورية، وتقديم كل من أعضاء مجلس الإدارة والمدراء التنفيذيين للدعم والإرشاد، والانفتاح على كل من المرشحين الداخليين والخارجيين على حد سواء. وقبل كل هذا وذاك، تتطلب عملية إيجاد ثقافة تنطوي ضمناً على تخطيط للتعاقب الوظيفي، وجود شراكة فعالة بين أعضاء مجلس الإدارة والمدراء التنفيذيين. لكن يضمنوا مسبقاً وجود عدد كبير من المرشحين المحتملين الجاهزين، فضلاً عن ضمان الارتقاء والصعود الدائمين لهؤلاء المرشحين.
عندما تقوم شركة ما بالبحث عن رئيس تنفيذي، يجب ألا تنسى القاعدة الأساسية القائلة: "بأنه لا يوجد أي مرشح كامل". وإنما يتمثل الهدف في فهم المزايا والمساوئ الموجودة لدى كل مرشح، وكذلك نقاط قوته ومكان ضعفه، مع ضمان ألا تكون العيوب الموجودة في المرشح المستقبلي ضمن مجالات تؤثر على أداء الشركة، لأن مصير الشركة يتوقف على ذلك.