تمرير نسخة من الرسائل الإلكترونية للمدير يهدد ثقة الموظفين بأنفسهم

4 دقائق
مديري يراقبني

بينما كان فادي يتفقد صندوق بريده الإلكتروني الوارد، أتته رسالة من زميلته سارة تسأله فيها عن أحد العملاء المشتركين بينهما. لم يكن فادي متأكداً تماماً من صحة إجابته، ما دفعه لإرسال نسخة طبق الأصل (CC)، من رسالته الإلكترونية إلى مشرفه المباشر لينبهه فيما لو كانت إجابته غير دقيقة. ليقع في مشكلة "مديري يراقبني".

لم يتخيل فادي أن تصرفاً كهذا قد يسبب مشكلة ما، فهو يعمل في بيئة عمل تعاونية تقرّ بأن الشفافية في العمل أمرٌ جيد. لكن سارة نظرت إلى الأمر بطريقة مختلفة. وبعد مضي 5 دقائق على إرسال الرسالة، وإذ بسارة تقف منتصبة في مكتب فادي وتتساءل: "لماذا أرسلت نسخة من البريد الإلكتروني إلى رئيسنا المباشر؟ أنا متأكدة أنه سيعتقد أنني غير قادرة على التعامل مع العملاء وحدي".

عموماً، يؤدي إرسال نسخة طبق الأصل من البريد الإلكتروني إلى المدراء إلى تبديد وقتهم الثمين بسبب اضطرارهم إلى الاطلاع وفرز العديد من الرسائل غير الضرورية. في حين بيّنت أبحاثي أن لنسخة الرسالة طبق الأصل تكلفة أخرى، تتمثل في انخفاض الثقة بين الموظفين، إذ إن بعض الناس مثل فادي يفعلون ذلك بحسن نية، لأنهم يؤمنون بأن مزايا الشفافية والتعاون تفوق عناء الرسائل الزائدة، أما ما لا يدركه فادي وأمثاله، أن كل هذا التواصل الفائض سيضعف الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها مع فريقهم.

ومن أجل رصد تأثير إرسال النسخ طبق الأصل إلى المشرفين على الثقة داخل المؤسسة، تعاونت مع زملاء لي على إجراء 6 دراسات عن الموضوع. وعلى الرغم من أن النتائج التي توصلنا إليها لا تزال أولية، وورقتنا الأكاديمية لا تزال قيد التدقيق، اكتشفنا أنه كلما تم تضمين المشرف في رسائل البريد الإلكتروني إلى زملاء العمل، انخفض الشعور بالثقة بين هؤلاء الزملاء. حيث قرأ المشاركون في دراساتنا التجريبية الذين بلغ عددهم 594 عاملاً، سيناريو طُلب منهم فيه تخيّل زميل لهم في العمل يرسل نسخة إلى المشرف عند إرسال البريد الإلكتروني إليهم "دائماً" أو "أحياناً" أو "نادراً جداً". ثم طُلب من المشاركين الإجابة عن بنود تقييم مدى ثقتهم في زميلهم. وتبين باستمرار أن الحالة التي كان فيها المشرف "دائماً" في نسخة طبق الأصل أَشعرت مستلم البريد الإلكتروني بدرجة ثقة أقل بكثير من المستلمين في مجموعتي "أحياناً" أو "نادراً جداً".

كما أكدت دراسة مسحية تنظيمية شملت 345 موظفاً، أن الموظفين الذين يستقبلون بريداً إلكترونياً من الزملاء مع نسخة طبق الأصل إلى المشرف، يشعرون بانخفاض درجة الثقة عندهم تجاه زميل العمل هذا. والأسوأ من ذلك، فقد أظهرت دراستي أنه كلما كثُر إرسال نسخ طبق الأصل إلى المشرف، قلّت ثقة الموظفين بأنفسهم، وبالتالي قادهم هذا الشعور تلقائياً إلى الاستدلال على أن الثقافة التنظيمية لمؤسستهم مبينة على انخفاض الثقة عموماً، الأمر الذي يعزز شعور الخوف وضعف السلامة النفسية.

وجدنا التأثيرات نفسها في الدراسات التي اشتملت على عيّنات من الموظفين الغربيين والصينيين، ما يؤكد أنه حتى في الثقافات المختلفة يمكن اعتبار إرسال نسخة من الرسالة الإلكترونية إلى المشرف خطوة تهديد محتملة. هذا وتتفق النتائج التي توصلنا إليها في العالم الافتراضي من الاتصالات الإلكترونية مع البحوث التي أجريت في العالم الحقيقي، مثل دراسات إيثان برنستاين على المصانع الصينية. وجد برنستاين أن زيادة الشفافية دفعت العمال إلى إخفاء المعلومات، حتى عندما كانت تلك المعلومات مفيدة، مثل التحسينات على العمليات التي اكتشفوها.

إضافة إلى ذلك، اكتشفنا أن الأشخاص الذين يتصرفون بحسن نية ويرسلون نسخة إلى المشرف بهدف المساعدة، هم أقلية. عندما تخيل الموظفون إرسالهم رسائل البريد الإلكتروني مع نسخة إلى المشرف باستمرار، أشاروا إلى إدراكهم أن هذا التصرف يقلل من مستوى الثقة التي يشعر بها المتلقي بدرجة أعلى من تلك التي يتم فيها إرسال نسخة إلى المشرف في بعض "الأحيان" أو "نادراً جداً". وتقترح هذه النتيجة أنه عندما يرسل زميل العمل نسخة إلى المشرف الخاص، فهو غالباً ما يفعل ذلك بدافع استراتيجي، لأنه يعي تأثير ذلك عليك.

إدارة الرسائل الإلكترونية الموجهة إلى المشرفين

ومن وجهة النظر هذه، يُعتبر استنتاجنا بأن "الموظفين الذين يتلقون رسائل بريد إلكتروني مع نسخة طبق الأصل دائماً إلى المشرف، يشعرون غالباً بدرجات أدنى من الثقة في زملائهم في العمل". أمرٌ يتضمن بعض الحقيقة في طياته، لكن ما هي انعكاسات هذه النتائج على المؤسسات والمشرفين؟

أولاً: تبين هذه النتائج بوضوح أن الشفافية الكاملة في الاتصالات الإلكترونية ليست ذلك الخيار الأمثل الذي يجب استخدامه من قبل المؤسسات لتعزيز الكفاءة والتعاون. وفي كثير من الأحيان، تعتبر المؤسسات تحقيق الشفافية في تبادل المعلومات هدفاً تسعى إليه وليس منهجاً تتبعه. وهذا التصور يدفع الموظفين إلى الشك بأن ما يقولونه أو يفعلونه يمكن استخدامه ضدهم، وخاصة عندما يتم تضمين المشرفين والسلطات العليا في عمليات التواصل. وفي المقابل، كان الموظفون أكثر ثقة تجاه المؤسسات وسلطاتها في حالة الثقافات التنظيمية التي تم فيها تعريف الشفافية بوضوح وتفسيرها على أنها وسيلة لتحقيق أهداف وقيم ذات ترتيب أعلى.

ثانياً: كشفت النتائج التي توصلت إليها أنه يجب على المشرفين الأخذ بعين الاعتبار عدد المرات التي يتم تضمينهم فيها خلال التواصل بين زملاء العمل باعتبارها قضية تتعلق بثقافة المؤسسة، وليست مجرد مسألة إدارة وقت. إذ يتوجب عليهم المبادرة بالتدخل عندما يستمر أحد أعضاء الفريق بإرسال نسخة إليهم في البريد الإلكتروني، فيما لو كانوا يريدون حقاً منع تآكل الثقة داخل فرقهم. يفضل المدير أيضاً أن يتصرف بروح استباقية أكثر. على سبيل المثال، يمكن للمشرفين أن يوضحوا بدقة في أي مرحلة من مراحل المشروع يكون إرسال نسخة من البريد الإلكتروني مناسباً.

أخيراً، تُعتبر استنتاجاتي هذه تحذيراً للشركات التي تستخدم برامج تعاون الفرق لتعزيز الإنتاجية (مثل أوفيس 365، كونفلوانس، سلاك، يامر، وغيرها). ولقد صُممت هذه البرامج خصيصاً لتعزيز جودة علاقات العمل من خلال زيادة مستوى الشفافية، ولا سيما عبر إشراك جميع أصحاب المصلحة. ونظراً لأن هذه المنصات يمكنها تلبية توقعات أقل خصوصية قياساً بالبريد الإلكتروني، سيتفاعل الموظفون معها بطريقة مختلفة. كما أوضحت النتائج التي توصلت إليها والمتعلقة بمشكلة "مديري يراقبني" أنه يمكن للشفافية الإلكترونية أن تؤدي إلى نتائج عكسية، وأنه يتعين على المؤسسات توضيح الغرض من إشراك جميع المشاركين في مشروع ما ضمن اتصالاتها، وبالتالي لا يُنظر إلى الشفافية على أنها وسيلة لتقييم ورصد أداء وسلوكيات الناس في الفريق.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي