تخيّل أنك تجهز رسالة إلكترونية حول مشروع مهم وتدرك فجأة أنه عليك إبقاء مديرتك المباشرة على علم بتفاصيل مراسلاتك. فتقرر أن ترسل إليها نسخة مخفية عن البريد الإلكتروني ولاحقاً يكتشف باقي أفراد الفريق الأمر. فما هو شعورهم حيال ذلك يا ترى؟
لا يزال البريد الإلكتروني يشكل أحد أكثر الطرق اعتماداً للتواصل فيما بين الموظفين أثناء العمل – وفي الوقت ذاته أحد أكثر الطرق عرضةً لسوء الفهم والتواصل فيما بين الموظفين أثناء العمل. فمن شأن استخدام ميزتي "إرسال نسخة كربونية" (Cc)، و"إرسال نسخة كربونية مخفية" (Bcc) أن يتسبب في إفساد الثقة وتعكير صفو النوايا فيما بين الزملاء. ولاستكشاف كيفية رؤية المرسلين والمستقبلين لهاتين الميزتين قمنا بإجراء خمس دراسات تجريبية اشترك فيها 694 موظفاً.
إرسال نسخة مخفية عن البريد الإلكتروني
أردنا في دراستنا الأولى استكشاف كيف ينظر الناس إلى استخدام ميزة إرسال نسخة كربونية مخفية عن الرسالة الإلكترونية بالمقارنة مع استخدام ميزة إرسال نسخة كربونية غير مخفية. دعونا للمشاركة في هذه الدراسة موظفين (75 إمرأة و41 رجلاً، بخبرة عمل مدتها الوسطية 10.75 سنوات) عبر نظام بروليفيك أكاديميك الشبكي ذائع الصيت بوصفه مزوداً احترافياً بالبيانات ذات الجودة العالية. وقد عُرضت على المشاركين واحدة من حالتين: الأولى، يبعث فيها زميلهم في العمل رسالة إلكترونية إليهم ويرسل نسخة كربونية مخفية منها إلى مديره، والثانية مماثلة للحالة الأولى ولكن عوضاً عن النسخة الكربونية المخفية تكون النسخة غير مخفية. وطُلب من المشاركين أن يقيّموا الحالة المفترضة على عدة مقاييس. وقد أظهرت هذه الدراسة أن الناس ينظرون إلى إرسال نسخة مخفية عن المراسلات إلى المدير بوصفه عملاً لا أخلاقياً وغير شفاف ومزعجاً أكثر من إرسال نسخة كربونية غير مخفية.
وفي دراسة ثانية أردنا استكشاف الأسباب التي تدفع الناس في المقام الأول إلى استخدام ميزة إرسال نسخة كربونية مخفية. وقد أملنا من هذه الدراسة أن نتعرف متى لا ينظر الناس إلى إرسال نسخة مخفية بوصفه أمراً لا أخلاقياً أو مخادعاً – بما أنهم يستخدمون هذه الميزة في مراسلاتهم. ذكرنا للمشاركين في هذه الدراسة الاستقصائية (جرى اختيارهم عبر نظام بروليفيك أكاديميك؛ 34 إمرأة و24 رجلاً، بخبرة عمل مدتها الوسطية 17.38 سنة) أن جزءاً كبيراً من التواصل في المؤسسات والشركات يتم عبر البريد الإلكتروني، وأن بعض الأشخاص يرسلون نسخة كربونية مخفية عن مراسلاتهم إلى مديرهم. وطلبنا منهم أن يذكروا لنا الأسباب التي يرونها مبررة لمثل هذا السلوك. لقد كان التبرير الأكثر ذكراً هو "لأسباب إدارية" (مثل "إبقاء المدير على اطلاع بالتطورات مع إعلامه بأنه غير مطالب بالرد على الرسالة"؛ أو "عدم الرغبة بالإفصاح عن عنوان البريد الإلكتروني للمدير، لكي لا يتم تجاوز صاحب الرسالة والاتصال بالمدير مباشرة").
وفي دراستين أخريين (جرى اختيار المشاركين فيهما عن طريق نظام بروليفيك أكاديميك أيضاً) اختبرنا ما إذا كان من شأن هذين التبريرين الإداريين أن يخفّفا من الوقع السلبي لإرسال النسخة المخفية إلى المدير. لقد جرى وصل المشاركين في هاتين الدراستين بتجربة محاكاة عبر الشبكة. (ولقد تشكل المشاركون في التجربة الأولى من 91 إمرأة و66 رجلاً بخبرة عمل مدتها الوسطية 10.94 سنوات؛ وفي التجربة الثانية من 80 إمرأة و73 رجلاً بخبرة عمل مدتها الوسطية 12.23 سنة). طُلب من المشاركين أن يتخيلوا أنهم يعملون في شركة تحتوي على ثلاثة مستويات هرمية: تتمثل بالموظفين والإدارة الوسطى والإدارة العليا. وقد عد المشاركون من السوية الدنيا، سوية الموظفين. وأُعلموا بأنه سيتعين عليهم تنفيذ مهام متعددة سيجري شرحها لهم لاحقاً من قبل الإدارة الوسطى، وبأنهم سينجزون تلك المهام في فرق عمل مؤلفة من ثلاثة موظفين. وقبل أن يتم شرح المهام تلقى كل منهم رسالة إلكترونية من زميل له قد أرسلت نسخة منها إلى مدير الفريق إما كنسخة كربونية مخفية أو كنسخة كربونية غير مخفية. أظهرت نتائج هاتين الدراستين أن استخدام ميزة إرسال نسخة مخفية (مقارنة بميزة إرسال نسخة غير مخفية التي تمتاز بدرجة أكبر من الشفافية) جعل المتلقي يقيّم المرسل بوصفه أقل التزاماً بالقيم الأخلاقية – وأقل ملاءمة لكي يكون قائد الفريق. لكن النتيجة اللافتة إلى حدٍ ما تمثلت في أن لجوء المرسل لاحقاً إلى تقديم أحد المبررين "الإداريين" السابقين لاستخدامه ميزة إرسال نسخة مخفية إلى قائد الفريق، لم يخفف من الوقع السلبي لذلك الاستخدام على المتلقي.
لا شك في أن هنالك حالات تستوجب فيها مصلحة فريق العمل أو المؤسسة ككل من المرسل إعلام الإدارة الأعلى بفحوى الرسالة من دون علم الزملاء المتلقين الآخرين. ولذلك أجرينا دراسة خامسة وأخيرة لاستكشاف مثل تلك الحالات. ولقد اعتمدنا في هذه الدراسة (جرى اختيار المشاركين فيهما عن طريق نظام بروليفيك أكاديميك، وهم مؤلفون من 90 إمرأة و62 رجلاً بخبرة عمل مدتها الوسطية 10.46 سنوات) نفس الطريقة التي اعتمدناها في الدراستين السابقتين حينما قارنّا بين استخدام ميزة إرسال نسخة كربونية مخفية واستخدام ميزة إرسال نسخة كربونية غير مخفية، لكننا أضفنا هنا خيار إحالة الرسالة الإلكترونية بعد إتمام إرسالها إلى المتلقين الآخرين. وقد أظهرت النتائج أن الناس يفضلون بوضوح خيار إحالة الرسائل الإلكترونية إلى المدير بعد إرسالها إلى الزملاء على خيار إرسال نسخ مخفية عنها في نفس وقت إرسالها إلى الزملاء، كما أنهم يرون الخيار الأول أقل أذى من الخيار الثاني، مع أنهم لا يزالون يرون في ذلك أمراً لا أخلاقياً حتى في ما يخص النوايا.
ما هي الآثار المترتبة لهذه النتائج على المؤسسات والقادة؟
-
أولاً، تؤكد هذه النتائج بوضوح شديد على وجوب تفادي إرسال نسخة مخفية
كما تظهر بشكل جلي ومقنع أن محاولة تبرير استخدام هذه الميزة لا تقلل من الوقع السلبي لهذا الاستخدام على الزملاء المتلقين. فقد أظهرت نتائجنا بالفعل أن السبب الرئيس الذي يجعل الناس ينظرون باحتقار إلى استخدام هذه الميزة هو أنهم يعتقدون أن لدى المرسل الذي يستخدم هذه الميزة نوايا سيئة ولا أخلاقية تبلغ حد إلحاق الضرر بمصالحهم.
-
وعلى الرغم من أن استخدام ميزة إرسال نسخة كربونية غير مخفية يلقى تقبلاً أكبر من استخدام ميزة إرسال نسخة مخفية
إلا أنه لا يزال يوقظ في نفس المتلقي مشاعر سلبية من عدم الارتياح وغياب الثقة. وكان بحث سابق أجراه أحد مؤلفي هذه المقالة قد أظهر أن الموظفين عندما يعملون معاً على مشروع مشترك، فإنهم يشعرون بأن إرسال أحدهم لنسخة كربونية غير مخفية عن مراسلاتهم إلى المدير من شأنه أن يوقظ لديهم الانطباع بأنهم مهددون ويقوض الثقة المتبادلة فيما بين أعضاء الفريق الواحد.
-
الكثيرون منا يستخدمون ميزة إحالة الرسالة الإلكترونية إلى جهة ثالثة
ولعلها تشكل حلاً مقبولاً لمشكلة إرسال نسخة كربونية مخفية. فلقد وجدنا أن إحالة الرسالة لاحقاً إلى المدير يُنظر إليها عموماً بوصفها أكثر قبولاً من إرسال نسخة مخفية إليه مباشرة. ولكن ميزة الإحالة، وكما تظهر نتائجنا، لها مشاكلها الخاصة ولا تشكل حلاً سحرياً لا تشوبه شائبة.
-
قد يتمثل أحد الحلول الفعالة في إعادة كتابة رسالة موجهة خصيصاً إلى قائد الفريق
فمن الممكن وضع نسخة مخفية عن البريد الإلكتروني في إطار إعلام المدير بالتطورات، ومن شأنها أن تحقق الأهداف الإدارية لميزة إرسال نسخة مخفية – ألا وهي إبقاء المدير على اطلاع بأحدث المستجدات – من دون جعل بقية أفراد الفريق يشعرون بالاغتراب والتهميش.
اقرأ أيضاً: