كيف تتعامل مع نزاع دائم بينك وبين زميل عمل

13 دقيقة
زميل عمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في بدايات مسيرتي المهنية، تولّيت وظيفة عملت فيها تحت إمرة سيدة اشتهرت بصعوبة التعامل معها. سأسميها افتراضاً إليسا. حذّرني الكثير من الأشخاص من أن العمل معها لن يكون سهلاً، لكنني كنت واثقة من قدرتي على التعامل مع الوضع. فلطالما كنت افتخر بقدرتي على التآلف مع زميل عمل سلبي أو غير متعاون وجميع الآخرين. فلم أكن أعطي الناس فرصة لإزعاجي لأنني كنت أنظر دائماً إلى أفضل خصالهم.

بعد مرور شهرين، كنت مستعدة لترك الوظيفة.

كانت إليسا تعمل لساعات طويلة يومياً وخلال عطلات نهاية الأسبوع، وكانت تتوقع من فريقها فعل الشيء ذاته. كانت افتراضاتها بخصوص ما يمكن إنجازه في يوم واحد غير معقولة على الإطلاق. فغالباً ما كنت تسأل عند الثامنة والنصف صباحاً عن آخر المستجدات بخصوص أمر كانت قد طلبته عند السادسة من مساء اليوم السابق. كانت تهزأ بزملائي في الفريق أمام عيني، وتشكك في أخلاقياتهم المهنية والتزامهم بالشركة. كما كانت تتصفح جداول زملائي الزمنية مشيرة إلى قلة إنجازاتهم رغم أن يومهم كان يخلو من الاجتماعات.

تعهّدتُ بالتوقف عن إيلاء الاهتمام الكبير لتصرفاتها، وقررت معاملتها بلطف. وفي الأسبوع الذي كان يمر على ما يرام، كنت أنجح في مسعاي. ولكن في أحيان كثيرة، كانت هذه النيات الحسنة تذهب أدراج الرياح. ففي اللحظة التي كانت تُلمِح إلى أنني لم أكن أعمل بما يكفي من الجد، كنت أكشّر عن أنيابي وأسخر منها وراء ظهرها وأتذمر منها أمام زملائي في العمل.

تُعتبر هذه النزاعات الشخصية – مع المدراء الذين يشعرون بانعدام الأمان، والزملاء الذين يدّعون معرفة كل شيء، والأقران ذوي الشخصيات السلبية العدوانية – شائعة في مكان العمل، ومن السهل أن يجد المرء نفسه عالقاً في فخّها. ففي إحدى الدراسات، قال 94% من المشاركين إنهم قد سبق لهم العمل مع شخص “سام” في السنوات الخمس السابقة. وفي استبيان آخر – شمل 2000 عامل في الولايات المتحدة – أشار المشاركون إلى أن المصدر الأول للتوتر في الوظيفة هو العلاقات. وعندما نسقط في براثن هذه العلاقات السلبية، نجد صعوبة في الظهور بأبهى حللنا أو تحسين الوضع. وعوضاً عن ذلك، نُمضي الوقت ونحن في حالة قلق، ونرد بأساليب مؤسفة تخالف قيمنا، ونتجنب الزملاء صعبي المراس، وفي بعض الأحيان ننسحب من العمل بأكمله حتى. لكن هذه الاستجابات يمكن أن تفضي إلى مجموعة من النتائج السلبية، بما في ذلك تراجع الإنتاجية، وتبنّي آليات أبطأ وأسوأ لاتخاذ القرارات، بل وحتى ارتكاب أخطاء قاتلة. فعلى سبيل المثال، وكما كتبت كريستين بوراث في نيويورك تايمز، في “استبيان شمل أكثر من 4500 طبيب وممرض وموظف في مستشفى، ربط 71% منهم بين السلوك المزعزع، مثل السلوك الشخصي المسيء أو المتعالي أو المهين، والأخطاء الطبية، فيما ربط 27% منهم بين هذا السلوك وحالات الوفاة بين المرضى”.

لا أحد منا ملاك عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع العلاقات الإنسانية المعقدة. ففي أوقات التوتر تحديداً، أو عندما نشعر بالتهديد، فحتى أرجح الأشخاص عقلاً بين الموظفين ذوي الباع الطويل في مكان العمل يمكن أن يجدوا أنفسهم يركزون على هدف قصير الأجل يتمثل في حماية أناهم أو سمعتهم (أحتاج إلى الانتصار في هذا الجدال أو إلى الظهور بمظهر جيد أمام فريقي) عوضاً عن تركيزهم على هدف بعيد المدى يتمثل في التصرف بأسلوب مشرّف والحفاظ على روح الزمالة.

فكيف بوسعنا العودة إلى فطرتنا الطيبة؟ بعد دراستي لعملية إدارة النزاعات وفضّها خلال السنوات القليلة الماضية، حددتُ سبع استراتيجيات ستساعدكم في العمل بفاعلية أكبر مع الزملاء ذوي الطباع الصعبة. لا تقدّم هذه الاستراتيجيات حلولاً سحرية تحوّل زميلكم الإشكالي إلى صديقكم الحميم، لكنها ستجعل علاقاتكم مستساغة أكثر إن لم تكن أكثر إيجابية. كما ستساعدكم أيضاً على تعزيز مرونتكم الشخصية في التعامل مع الآخرين بحيث تشعرون بتوتر أقل عندما تنخرطون في نزاع، وبحيث يكون بمقدوركم الخروج من حالة النزاع هذه بسرعة أكبر.

عند الاختلاف في الرأي، من السهل جداً التفكير بطريقة قائمة على الاستقطاب: أحد الشخصين صعب والآخر لا، أو أحد الشخصين على صواب والآخر على خطأ.

1. تذكّروا أن وجهة نظركم هي مجرّد رأي واحد من بين عدة آراء

نحن جميعاً نأتي إلى مكان العمل مسلّحين بوجهات نظر وقيم مختلفة. وقد نختلف في الرأي على كل شيء، ابتداءً مما إذا كان مقبولاً أن يأتي الإنسان متأخراً خمس دقائق إلى اجتماع، ومروراً بالطرق المقبولة لمقاطعة زميل، وانتهاءً بالتبعات المناسبة المترتبة على شخص ارتكب خطأ ما. وليس من الواقعي بمكان أن تتوقع من مديرك أو زملائك أو مرؤوسيك أن يتفقوا معك في الرأي طوال الوقت.

ولكن عندما تبرز هذه الاختلافات في الآراء، فإن معظمنا يظن أنه ينظر إلى المسألة بموضوعية وبالطريقة الصائبة، وأن أي شخص يمتلك رأيا آخر هو إنسان غير مطلع، أو غير عقلاني، أو منحاز. يطلق علماء النفس الاجتماعيون على هذه النزعة اسم “الواقعية الساذجة”. فعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات، تنبأ المشاركون الذين طُلِب منهم أن ينقروا على الطاولة إيقاع أغنية مشهورة مثل “سنة حلوة يا جميل” أن المستمعين سيتمكنون من التعرف على اللحن في 50% من الحالات تقريباً. فقد كانوا واثقين أن الرسالة التي يحاولون إيصالها ستكون واضحة للآخرين. لكن التخمينات لم تكن دقيقة إلا في 2.5% من الحالات فقط! عندما نكون واثقين من أمر معيّن، سواء من قدرتنا على نقر إيقاع أغنية أو حل مشكلة تراجع الموازنة هذا الربع – فإننا لا نستطيع تخيّل أن الآخرين لن يشاطروننا رأينا.

من الأهمية بمكان أن ننتبه إلى رد الفعل الغريزي هذا وأن نقاومه. شككوا في وجهة نظركم من خلال طرح أسئلة من قبيل: كيف أعلم أن ما أؤمن به صائب؟ وماذا لو كنت مخطئاً؟ كيف سأغيّر سلوكي؟ ما هي الافتراضات التي وضعتها؟ كيف سيرى شخص لديه قيم وتجارب مختلفة الأمور؟ ليست الإجابات عن هذه الأسئلة مهمة بقدر الأهمية التي تتمتع بها عملية طرحها. فهي طريقة مناسبة لتذكّروا بها أنفسكم أن رأيكم ليس أكثر من ذلك: إنه رأيكم فحسب. لا يمكن لجميع الناس أن يكونوا على رأي واحد، ولا بأس في ذلك.

في الحقيقة، لا تحتاجون أنتم وزملاؤكم إلى التوصل إلى إجماع بشأن “الحقائق” المتعلقة بما حصل أو من الشخص الذي يجب أن توجّه إليه أصابع اللوم في مشكلة معيّنة. وعوضاً عن أن تهدروا ساعات من وقتكم في مناقشة التفسير الصحيح لما حصل، ركّزوا انتباهكم على ما يجب أن يحدث مستقبلاً.

2. انتبهوا إلى تحيزاتكم

جميع أشكال التفاعل في مكان العمل يمكن أن تكون مليئة بالتحيزات. وأحد الأخطاء الشائعة التي تُسهم في خروج العلاقات مع الزملاء عن مسارها الطبيعي هو ما يسمّى “خطأ الإسناد الأساسي” – أي ميل الشخص إلى افتراض أن سلوك الآخرين أكثر ارتباطاً بشخصياتهم من ارتباطه بالموقف المعني، وافتراضه لعكس ذلك بالنسبة لنفسه. على سبيل المثال، قد تفترضون أن أحد أعضاء الفريق الذي يأتي إلى الاجتماعات متأخراً هو شخص فوضوي أو عديم الاحترام عوضاً عن أن تقولوا إنه قد علق في زحمة السير أو في اجتماع آخر دام لفترة أطول من المتوقع. أما عندما يكون التقصير من طرفكم، فإنكم قد تركزون على الظروف التي دفعتكم إلى التأخّر.

أحد الحلول الذهنية المختصرة التي تتسبب بالمشاكل هو ما يسمّى “الانحياز التأكيدي”، أي النزوع إلى تفسير الأحداث أو البراهين على أنها إثبات لصحة المعتقدات الحالية. فإذا ما كانت نظرتكم إلى زميلكم آندرو سلبية في الأصل، فإنكم ستكونون أكثر ميلاً إلى تفسير تصرفاته على أنها دليل إضافي يثبت عدم جدارته لإنجاز المهمة، أو أنه شخص غير لطيف، أو أنه يهتم بما يعنيه فقط، وسيكون من الصعب عليه أن يثبت خطأ وجهة نظركم تلك.

حتى السلوكيات التي ننظر إليها على أنها صعبة يمكن أن تكون متأثرة بالتحيزات التي نحملها معنا إلى مكان العمل. ففي وقت مبكر من مسيرتي المهنية، عملت مع إحدى العميلات وهي سيدة ذات بشرة سمراء. في بادئ الأمر، ترددت في تحدّي أفكارها، رغم أن ذلك كان جزءاً من مهمتي كاستشارية. كنت أخشى أن تواجهني برد فعل قوي، رغم أنه لم يسبق لها قط أن رفعت صوتها في وجهي في أي لقاء سابق. كنت قد وقعت في فخ الإيمان بالصورة النمطية لـ “المرأة السمراء الغاضبة”. أما الآن فقد بتّ أكثر وعياً وأراقب نفسي كي لا أتورط في التحيز ضد الأشخاص بناء على ارتباطاتهم، وهذه نزعة لا واعية موجودة لدينا تدفعنا إلى التآلف مع الأشخاص الذين يشابهوننا من حيث المظهر، والمعتقدات، والخلفية. تُظهر الأبحاث أنه عندما لا يكون زملاؤنا مشابهين لنا – من حيث النوع، أو العرق، أو لون البشرة، أو التعليم، أو القدرات الجسدية، أو المنصب – فإننا نشعر بارتياح أقل عندما نكون في حضرتهم وبالتالي نكون أقل ميلاً إلى الرغبة في العمل معهم.

فكيف بوسعنا التغلب على هذه التحيزات؟ أولاً، حاولوا تحسين درجة فهمكم لمدى احتمال وقوعكم فريسة لها من خلال المشاركة في استبيان عن طريق الإنترنت كاستبيان جمعية “بروجيكت إيمبليسيت” (Project Implicit)، وهي جمعية لا تتوخى الربح أنشأها باحثون في هارفارد، وجامعة واشنطن، وجامعة فيرجينيا. وعندما تجدون أنفسكم في صراع مع زميل عمل، اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: ما الدور الذي يمكن أن يكون لتحيزاتي هنا؟ هل ثمة احتمال أنني لا أرى الوضع بوضوح لأنني أضع افتراضات عن هذا الشخص أو لأنني غير مستعد لإعادة النظر في انطباعي الأول، أو لأنني أركز دون وعي مني على الاختلافات؟

تبنّوا دور محامي الشيطان وشككوا في تفسيركم الذاتي للموقف. أنا شخصياً تعلمتُ نهج “اعكسوا الفرضية لتختبروها” من أحد “أحاديث تيد” لكريستن بريسنر، المديرة العالمية لقسم الموارد البشرية في شركة متعددة الجنسيات: إذا كان زميلكم من نوع أو عرق مختلف، أو إذا كان يحتل موقعاً مغايراً في التراتبية الوظيفية، هل كنتم ستضعون الافتراضات ذاتها؟ هل كنتم ستقولون الشيء ذاته أو ستعاملون ذلك الشخص بذات الطريقة؟

أخيراً، اطلبوا من شخص تثقون به وبأنه سيخبركم الحقيقة أن يساعدكم في تأمّل الطرق التي ربما أنتم تستعملونها وتقودكم إلى رؤية الأمر بطريقة غير منصفة.

3. لا تحوّلوا الأمر إلى “أنا وهُم”

عند الاختلاف في الرأي، من السهل جداً التفكير بطريقة قائمة على الاستقطاب: “أنا وأنت” عدوّان في حالة حرب، كما لو أن أحد الشخصين صعب والآخر لا، أو أن أحد الشخصين على صواب والآخر على خطأ.

إذا أردتم تجاوز هذا النموذج الذهني، حاولوا عوضاً عنه أن تتخيلوا أن الموقف يضم ثلاثة أطراف وليس طرفين: أنتم، وزميلكم، والديناميكية التي بينكم. ربما يكون هذا الطرف الثالث شيئاً محدداً، كقرار يجب عليكما اتخاذه معاً أو مهمة تحتاجان إلى استكمالها سوياً، أو ربما يكون شيئاً أعم، كحالة توتر مستمر أو منافسة دائمة بينكما أو ضغينة بسبب مشروع لم تجر الرياح فيه كما تشتهي السفن. وبالتالي، عوضاً عن أن تعملوا على تغيير زميلكم، حاولوا إحراز تقدّم في ذلك الشيء الثالث.

لنأخذ مثلاً حالة أندريه الذي كان يعاني في التعامل مع زميلته إيميليا. فكلما كان يقترح فكرة جديدة، كانت تواجهه بقائمة من الأسباب التي تشير إلى أن الفكرة تلك ستفشل. ولفترة طويلة من الزمن، كان أندريه يعتقد أنه في حالة خصومة معها. وعندما سألتهُ عن الصورة التي يتخيلها عندما يتأمل ديناميكية العلاقة بينهما، أخبرني أنه يرى غمامة سوداء تخيّم فوق رأسها وشمساً مشرقة فوق رأسه. لكن هذه الصورة الذهنية عززت نظرته إلى الوضع ودفعته إلى أخذ وضعية الاستعداد لخوض حرب في كل مرة كان يتحدث فيها إلى إيميليا. في النهاية، قرر أندريه تبنّي وجهة نظر أقل عدوانية. فبدأ ينظر إلى النزاع بينهما على أنه يشبه الأرجوحة التي يجلس شخصان على طرفيها. صحيح أن كلاً منهما كان يجلس على النقيض من الآخر، إلا أنهما كانا قادرين ربما على التعاون معاً في سبيل التوصل إلى حالة توازن. وقد ساعده ذلك في النظر إليها كزميلة متعاونة وليس كعدوة.

لا أحد يرغب في أن يكون لديه أعداء في العمل. لذلك انظروا إلى زملاء عملكم الإشكاليين بوصفهم زملاء تتشاركون معهم بمشكلة يجب حلّها.

4. حددوا هدفكم

إذا أردتم تجنّب الدراما والمحافظة على تركيزكم على العمل، يجب أن تكون أهدافكم واضحة في أذهانكم. هل تريدون استكمال تنفيذ مشروع معيّن؟ أم هل تريدون بناء علاقة عمل صحية تدوم إلى المستقبل؟ أم هل تريدون أن تشعروا بقدر أقل من الغضب والإحباط بعد حواراتكم؟

ضعوا قائمة بأهدافكم (الكبيرة والصغيرة) ثم ارسموا دائرة حول الأهم بينها. نياتكم هي التي ستحدد – بطريقة واعية ولا واعية – كيف ستتصرفون. فعلى سبيل المثال، إذا كان هدفكم هو تجنّب التورط في نقاشات مديدة مع زميل متشائم، فإن الإجراءات التي ستحتاجون إلى اتخاذها ستختلف عن تلك التي ستتخذونها لو كان هدفكم هو الحيلولة دون أن يتسبب الشخص المعترض بانهيار الفريق.

لا بأس في أن تكون أهدافكم متواضعة. ففي غالب الأحيان، يكفي أن تركزوا على إقامة علاقة تؤدي الغرض المطلوب منها فحسب، أي أن تصلوا إلى حد لا تشعرون معه بالتوتر كلما رأيتم اسم إيثان في صندوق بريدكم الوارد أو لا تُصابون بالأرق لأن مارجوري تحوّل حياتكم إلى جحيم. ولا بأس أيضاً في وضع أهداف متعددة وأكثر طموحاً. فعلى سبيل المثال، إذا كنتم تتجادلون مع مديركم الذي يشعر بانعدام الأمان بخصوص أي مقياس يجب إبلاغ فريق الإدارة العليا به، فقد تكون أهدافكم هي: (1) استعمال إحصائيات مقبولة لكما أنتما الاثنان، و(2) ضمان إطلاع فريق الإدارة العليا على خبرتكم، و(3) العثور على طريقة لتجنب خوض نقاشات محتدمة قبيل الاجتماعات الكبرى في المستقبل.

بعد أن تتمكنوا من تحديد ما تريدون إنجازه، اكتبوه على ورقة. فقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يصفون أهدافهم أو يتخيلونها بحيوية أكثر ميلاً بمقدار 1.2 إلى 1.4 مرة إلى تحقيقها، وأن الأهداف المدونة بخط اليد أكثر ميلاً إلى التحقق. راجعوا أهدافكم قبل التواصل مع زميلكم لكي تُبقوا عينيكم شاخصتين على المكافأة التي ستنالونها.

5. تجنبوا النميمة والتنفيس عن الغضب في مكان العمل لأكبر قدر ممكن

من الطبيعي بمكان أن يلجأ المرء إلى الآخرين عندما لا تسير الأمور على ما يرام في مكان العمل. فقد تحتاجون إلى التأكد من أنكم لا تسيئون تفسير رسالة إلكترونية غامضة، أو قد ترغبون بطلب المشورة بخصوص كيفية المضي قدماً بمبادرة أصيبت بالجمود، أو ببساطة قد تحتاجون إلى طمأنة أنفسكم أنكم أشخاص طيبون. وإذا قالت لكم زميلتكم: “نعم، غريتا تبدو متذمرة. فما الذي يعنيه ذلك؟” فإنكم ستشعرون ببعض السعادة وستقولون لأنفسكم أنكم لستم الوحيدين الذين تعتقدون ذلك.

يُعد هذا النوع من الأحاديث، سواء حصل بالسبل الرقمية أو شخصياً، نوعاً من التنفيس عن الغضب. لكنكم يمكن أن تعتبروه أيضاً نوعاً من النميمة. وعلى الرغم من السمعة السيئة التي تتصف بها النميمة، إلا أن الأبحاث تُظهر أنها يمكن أن تؤدي دوراً هاماً في تعزيز الأواصر بين زملاء العمل. فعندما تعرفون أن مارينا من قسم التسويق تعاني من صعوبة في التعامل مع مايكل من قسم المالية وتعرف أشخاصاً آخرين لديهم ذات الشعور، فإن هذه الحالة تعزز الشعور لديكم أن هناك صلة بينكم. فأنتم كوّنتم بذلك مجموعة داخلية تمتلك معلومات غير متاحة للآخرين، وتحديداً لمايكل. كما أن تأكيد مارينا على وجهة نظركم يمنحكم شعوراً لطيفاً بسبب ما يسري في دمائكم من دفقات الأدرينالين والدوبامين بسبب هذا الكلام.

كما أظهرت الدراسات أيضاً أن النميمة يمكن أن تكون مفيدة لأنها تردع الناس عن التصرف بأنانية. فإذا ما أدرك الزملاء ذوو الطباع الصعبة أن الآخرين يتحدثون عنهم بالسوء ويحذّرون زملاءهم في الفريق من العمل معهم، فإنهم سيكونون أكثر ميلاً إلى تعديل أساليبهم.

بطبيعة الحال، هناك بعض المخاطر التي ترتبط بالتنفيس عن الغضب والنميمة. أولاً، هما يزيدان من خطر الانحياز التأكيدي. فمن المؤكد أن مايكل ربما يصاب بنوبات غضب في بعض الأحيان، ولكن حالما تبدؤون أنتم وأصدقاؤكم بالحديث عن الأمر، فإنكم ستكونون ميّالين إلى تفسير أفعاله المستقبلية بطريقة سلبية. وهكذا تتحول الأخطاء العرضية إلى طباع متأصلة في نظر الآخرين، وتترسخ مقولة “مايكل شخص حاد الطباع”. ثانياً، غالباً ما تنعكس النميمة سلبياً على النمام. فرغم أنكم قد تحصلون على التأكيد الذي تريدونه على الفور، إلا أنكم قد تكتسبون سمعة بوصفكم أشخاصاً غير احترافيين – أو قد توصمون في نهاية المطاف بأنكم أنتم الأشخاص الصعبين.

من المشروع تماماً أن تطلبوا المساعدة فيما يخص التعامل مع مشاعركم، أو أن تتفقدوا مع شخص آخر لتتأكدوا من أنكم ترون الأمور بوضوح. لكنكم يجب أن تتوخوا الحذر في اختيار الأشخاص الذين تتحدثون إليهم (وفيما تقولونه لهم). ابحثوا عن أشخاص بنّائين، ويراعون مصالحكم الفضلى بصدق، وسيتحدّون وجهة نظركم عندما لا يتفقون معكم في الرأي، ويمكن أن يكتموا الأسرار.

تبيّن الأبحاث أن الفضول يقينا من الوقوع في شراك “التحيز التأكيدي”، ويساعدنا على مواجهة الأوضاع الصعبة بطريقة مبدعة عوضاً عن الاضطرار إلى استعمال أسلوب عدواني أو دفاعي.

6. جرّبوا أساليب مختلفة حتى تعثروا على الناجع منها

ليست ثمة طريقة وحيدة صائبة لجعل شخص يدّعي معرفة كل شيء يتوقف عن التعامل بطريقة متعالية، أو لإجبار زميل صاحب شخصية سلبية عدوانية على التعامل معكم بطريقة أكثر مباشرة. فالاستراتيجيات التي ستختارونها ستتوقف على السياق: من أنتم، ومن هو الشخص الآخر، وما طبيعة علاقتكما، وما هي المعايير والثقافة السائدتين في مكان عملكم، وهكذا دواليك.

ابدؤوا من خلال طرح طريقتين أو ثلاث طرق ترغبون بتجريبها. فالأفعال الصغيرة غالباً ما تترك أثراً كبيراً. بعدها صمموا تجربة. حددوا الأشياء التي ستنفذونها بطريقة مختلفة، واختاروا فترة زمنية مناسبة لتجريبها، وراقبوا مدى نجاح هذه الخطة. على سبيل المثال، إذا أردتم تحسين التواصل مع زميل صعب المراس، ربما تختارون تجاهل نبرة هذا الشخص لمدة أسبوعين والتركيز على الرسالة الضمنية. لا تفترضوا أن هذا التكتيك سيحل جميع المشاكل القائمة بينكما؛ بل نظروا إليه على أنه تجربة ستعلمكم شيئاً ما، حتى لو كان هذا الشيء هو أن تلك المقاربة لن تنجح.

استمروا في المحاولة، والتجريب، وإجراء التعديلات على التجارب وتجديدها، أو التخلي عن التجارب التي لا تفضي إلى النتائج المرجوة. على سبيل المثال، إذا كنتم قد جرّبتم التعامل مع تقصير زميل لكم في المتابعة من خلال إرسال رسائل إلكترونية بعد الاجتماعات تؤكد على ما اتفق الجميع عليه، لكن ذلك الشخص ظل يخفق في الإيفاء بوعوده، توقفوا عن إرسال الرسائل الإلكترونية لأنكم تتوقعون الحصول على نتائج مختلفة. بل جرّبوا شيئاً مختلفاً. فكما تشرح الخبيرة في التعامل مع النزاعات جينيفر غولدمان – فيتزلر، ستكونون بحاجة إلى العثور على طريقة أخرى “لكسر نمط النزاع المستمر منذ الماضي” – وغالباً ما يكون ذلك من خلال الإقدام على خطوة لا يتوقعها الشخص الآخر.

7. حافظوا على غريزة الفضول وحب الاستطلاع

كتب سلفادور مينوتشن، وهو معالج أرجنتيني ذات مرة قائلاً: “اليقين عدو التغيير”. وعندما تتعاملون مع زميل عمل سلبي، من السهل أن تقولوا لأنفسكم: “ستظل الأمور على حالها” أو “هذا الشخص لن يتغير البتة”. لكن الاستسلام والتشاؤم لن يوصلانكم إلى أي مكان. حاولوا، عوضاً عن ذلك، تبنّي ذهنية قائمة على حب الاستطلاع على أمل أن تتمكنوا من إصلاح ذات البين في علاقتكما المضطربة.

تُظهر الأبحاث أن حب الاستطلاع ينطوي على منافع كثيرة. فهو يقي من الوقوع في شراك “التحيز التأكيدي”، ويحول دون اللجوء إلى الصورة النمطية، ويساعدنا في التعامل مع الأوضاع الصعبة بطريقة خلاقة وبقدر أقل من العدوانية (القتال) أو الدفاعية (الهروب). ويكمن المفتاح الأساسي في الانتقال من استخلاص استنتاجات غالباً ما تكون سلبية إلى طرح أسئلة صادقة. فعندما تبدأ زميلتكم جادا بالتذمر من أنها هي من يؤدي القسط الأكبر من العمل في الفريق لا تقولوا لأنفسكم: ها قد عادت جادا إلى عادتها السلبية القديمة. عوضاً عن ذلك، اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: ما خطبها؟ يبدو هذا الوضع مألوفاً، ولكن ما الذي فاتني في الماضي؟ لماذا تتصرف بهذه الطريقة؟

حاولوا منع أنفسكم من التفكير بطرق غير إيجابية، ثم عودوا خطوة إلى الوراء وعيدوا حساباتكم واسألوا أنفسكم: من القادر على التآلف مع جادا، وكيف هي علاقتهما؟ هل مرّت أوقات كانت فيها جادا أكثر لطفاً وتعاوناً؟ ما هي الأشياء المختلفة في تلك الأوضاع؟

عندما تتورطون في علاقة إشكالية مع شخص من الأشخاص، تذكروا مواقف سابقة مررتم بها في سياق العمل أو الحياة الشخصية وكانت علاقتكم فيها مع شخص آخر غير طيبة في البداية، لكنكم كنتم قادرين على تجاوزها، وتأملوا تلك التجارب بشيء من الفضول. كيف تمكنتم من المثابرة؟ وما الذي ساعدكم على التوصل إلى حل؟ أخيراً، فكّروا ما هي المكاسب التي ستحصلون عليها بالضبط من تحقيق الأهداف التي وضعتموها لأنفسكم وقررتم إنجازها في علاقة العمل. انظروا إلى المستقبل. إذا تغلّبتم على النزاع، ما هو الشيء الذي سيكون مختلفاً؟ وكيف ستتحسن حياتكم في مكان العمل؟

لا يمكنكم أن تعرفوا ماذا يخبئ المستقبل لكم ولزميلكم، لذلك فالأفضل أن تحافظوا على فضولكم وعلى حب الاستطلاع لديكم. فقد يساعدكم ذلك على التخلص من طريقة تفكير تمنعكم من اكتشاف حل غير متوقع لمشكلتكم.

مهما كان نوع الزميل حاد الطباع الذي تتعاملون معه، وبغضّ النظر عما تقررون فعله تالياً، يمكن لهذه الاستراتيجيات السبع أن تساعد في تحسين احتمالات تجاوبكم بطريقة بنّاءة، ورسم حدود مناسبة، وبناء علاقات عمل أقوى قائمة على التعاون المثمر. في بعض الأحيان قد لا يكون التغيير ممكناً، وفي تلك الحالة ستكونون بحاجة في نهاية المطاف إلى تقليل خسائركم في علاقة معيّنة والتركيز على حماية مسيرتكم المهنية وعافيتكم. لكنني اكتشفت أن الجهود المبذولة بنيات صادقة والعمل الدؤوب يمكن أن يحلا بعضاً من أعقد الخلافات الشخصية حتى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .