لدى سلسلة الكتل (البلوك تشين) القدرة على تغيير عالمنا للأفضل بعدة طرق بسبب أهمية إنشاء عملة مشفرة مستدامة. إذ بإمكانها توفير محافظ رقمية للأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك ومنع الاحتيال واستبدال الأنظمة القديمة بأخرى أكثر كفاءة. ولكننا ما نزال بحاجة إلى أن يكون ذلك العالم الجديد والمطور هو العالم الذي نرغب في العيش فيه. إنّ أكبر العملات المشفرة _ بيتكوين وبيتكوين كاش وإيثيروم _ تتطلب استهلاك كميات هائلة من الطاقة حتى تعمل. في العام 2017، استخدمت سلسلة الكتل من الطاقة ما هو أكثر من استهلاك 159 دولة بما في ذلك أوروغواي ونيجيريا وأيرلندا. ومن غير المستغرب أنّ هذا الأمر يخلق مشكلة بيئية ضخمة تشكل تهديداً لاتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
إنها نتيجة قاسية، إن لم تكن مقصودة، لمثل هذه التكنولوجيا الواعدة التي يُعدّ "التعدين" لب مشكلتها. فعندما ظهرت عملة البيتكوين لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، شكلت بظهورها سحراً خاصاً لبضع مئات من الهواة أو "شركات التعدين". ولأنه لا يوجد هناك بنك لتنظيم تداول البيتكوين، استخدم العاملون بالتعدين حواسيبهم للتحقق من المعاملات عن طريق حل مشكلات التشفير، على غرار المسائل الحسابية المعقدة. بعد ذلك، دمجوا المعاملات التي تم التحقق منها في "كتل" وأضافوها إلى سلسلة الكتل (في سجلّ عام لجميع المعاملات) لتوثيقها _ كل هذا، مقابل مبلغ صغير من البيتكوين. ولكن، في حين بيعت عملة واحدة من البيتكوين ذات مرة بأقل من فلس واحد في السوق المفتوحة، تباع الآن بما يقرب من 7,000 دولار، كما تحدث حوالي 200,000 معاملة بيتكوين كل يوم. ومع ازدياد هذه الأعداد، تنامى الدافع إلى إنشاء "مناجم" العملات المشفرة _ تنتشر الآن مزارع الخوادم في جميع أنحاء العالم، وغالباً ما تكون ضخمة. تخيل كمية الطاقة التي تستهلكها 25,000 ماكينة تحسب مسائل الرياضيات على مدار 24 ساعة في اليوم.
بعيداً عن الاهتمامات البيئية، فإنّ عدم الكفاءة تهدد سلسلة الكتل باعتبارها منصة مفيدة للمؤسسة. يتم استهلاك تكاليف الطاقة الباهظة في النظام، ولأن تكلفة تشغيل الشبكة يتم تجاوزها في رسوم المعاملات، فإنّ مستخدمي هذه الشبكات ينتهي بهم الأمر إلى دفع ثمنها. في بادئ الأمر، قد لا ترى الشركات التي تستخدم عملة البيتكوين العواقب المالية، ولكن مع ازدياد حجم التعامل قد تصبح التكاليف كارثية.
والخبر السار يكمن في توفر مجموعة من البدائل المتعددة التي يمكن أن تساعد المؤسسات على خفض تكاليف الطاقة الهائلة. ولكن في الوقت الراهن لا يتم اعتماد هذه البدائل بالسرعة الكافية. فتحتاج الشركات التي ترغب في البقاء في المنطقة الآمنة، جنباً إلى جنب مع أي شخص آخر، إلى تثقيف نفسها. ونذكر فيما يلي مجالين يمثلان نقطة انطلاق جيدة للبدء.
تعدين سلسلة الكتل باستخدام الطاقة الخضراء
يكمن الحل الفوري في التعدين بالطاقة الشمسية ومصادر الطاقة الخضراء الأخرى. في كل يوم تستقبل ولاية تكساس بمفردها طاقة شمسية أكثر مما نحتاجه لاستبدال جميع محطات الطاقة التي لا تعمل بالطاقة الشمسية في العالم. كما تقدم العديد من الخدمات التجارية لتشغيل عملية تعدين التشفير على مزارع الخوادم، والتي تستخدم فقط الطاقة النظيفة المتجددة. على سبيل المثال، تتيح شركة جنيسيس للتعدين (Genesis Mining) التعدين السحابي للبيتكوين والإيثيروم، وتستخدم الشركة التي تتخذ من أيسلندا مقراً لها طاقة متجددة بنسبة 100%، وهي الآن من بين أكبر شركات التعدين في العالم.
نحن أيضاً بحاجة إلى تحفيز الطاقة الخضراء لسلاسل الكتل المستقبلية. وتقوم كل شركة مستخدمة لسلسة الكتل بتحديد نظامها الخاص لتعويض شركات التعدين. كما يتيسر لسلاسل الكتل الجديدة أن تعرض على العاملين بالتعدين حوافز أفضل مثل المزيد من العملات المشفرة مقابل استخدام الطاقة الخضراء، وأخيراً إجبار شركات التعدين المتسببة في التلوث على الخروج. كما يمكنهم أيضاً مطالبة جميع المشتغلين بالتعدين إثبات استخدامهم للطاقة الخضراء وأن يرفضوا السداد لمن لا يستخدمونها.
أنظمة سلاسل الكتل ذات الكفاءة في استخدام الطاقة
بينما تعتمد عملات البيتكوين والبيتكوين كاش والإيثيروم على حل مشكلة التشفير غير الفعال للطاقة، المعروفة باسم "إثبات العمل" لبدء التشغيل، فإنّ العديد من سلاسل الكتل الجديدة تستخدم أنظمة "إثبات الحصة" التي تعتمد على حوافز السوق. ويطلق على مالكي الخوادم في أنظمة إثبات الحصة "المدققون" وليس "العاملون بالتعدين". فقد قاموا بعمل إيداع أو "حصة" لمبلغ ضخم من العملات المشفرة في مقابل منحهم الحق في إضافة كتل إلى سلسلة الكتل. أما في أنظمة إثبات العمل، يتنافس العاملون بالتعدين مع بعضهم البعض لمعرفة من يمكنه حل المشكلة بأسرع وقت ممكن مقابل مكافأة، مع أخذ كمية كبيرة من الطاقة. لكن في أنظمة إثبات الحصة، يتم اختيار المدققين وفقاً لخوارزمية تأخذ حصتهم بعين الاعتبار. فاستبعاد عنصر المنافسة يوفر الطاقة ويسمح لكل ماكينة في نظام إثبات الحصة بالعمل على حل مشكلة واحدة في كل مرة، بعكس أنظمة إثبات العمل، التي يسرع فيها عدد كبير من الماكينات لحل نفس المشكلة. علاوة على ذلك، إذا أخفق المدقق في التصرف بنزاهة، فقد تتم إزالته من الشبكة، ما يساعد على الحفاظ على دقة أنظمة إثبات الحصة.
ويبرز نظام إثبات الحصة المفوّض خاصة بشكل واعد، حيث يعمل إلى حد ما مثل الديمقراطية التمثيلية. ففي نظام إثبات الحصة المفوض، يمكن لأي شخص لديه رموز العملة المشفرة أن يصوت على الخوادم التي ستصبح من منتجي الكتلة وتقوم بإدارة سلسلة الكتل برمتها.
ومع ذلك، يوجد جانب سلبي واحد، وهو أنّ أنظمة إثبات الحصة المفوضة أقل مقاومة للرقابة من أنظمة إثبات العمل. وبسبب امتلاكها 21 من منتجي الكتل فقط نظرياً، يمكن إيقاف الشبكة عن طريق أوامر الاستدعاء المتزامنة أو أوامر التوقف والكف عن العمل، ما يجعلها أكثر عرضة لآلاف الآلاف من العقد على الإيثيروم. وعلى الرغم من ذلك فقد أثبتت أنظمة إثبات الحصة المفوضة أنها أسرع بكثير في معالجة المعاملات في حين تستخدم أقل قدر من الطاقة، وهذا توازن يجب علينا نحن أهل الصناعة أن نرغب في خلقه.
من بين أكبر العملات المشفرة، تعمل الإيثيروم بالفعل على التحول إلى نظام إثبات الحصة، ويجب أن نتخذ المزيد من الإجراءات الجماعية للتعجيل بهذه الحركة. كما يحتاج المطورون إلى التفكير طويلاً وبقوة قبل إنشاء مجموعات جديدة من أنظمة إثبات العمل، لأنه كلما أصبحت أكثر نجاحاً، كان لها تأثيراً بيئياً سيئاً. تخيل لو أنّ شركات السيارات كانت حكيمة بالقدر الكاف منذ عدة عقود، للالتقاء ووضع معايير الانبعاثات لأنفسهم. كان ذلك من شأنه أن يساعد على الحصول على كوكب صحي أفضل – والتوفير المسبق لمليارات الدولارات الخاصة بتكاليف تلك المعايير التي فرضت عليهم في النهاية. صناعة سلسلة الكتل الآن في نقطة انعطاف مماثلة. والسؤال المطروح هنا يتمحور حول ما إذا كنا سنصبح أكثر حكمة من الصناعات العالمية المتغيرة التي تعرضنا لها في سبيل إنشاء عملة مشفرة مستدامة.
اقرأ أيضاً: