قبل حوالي 20 عاماً، كنت أدير جلسة للعصف الذهني في أحد صفوف الماجستير في إدارة الأعمال، وكان الأمر أشبه بالخوض في الأوحال. كنّا نتحدّث عن شيء تعاني منه مؤسسات عديدة ألا وهو كيفية بناء ثقافة قائمة على المساواة في بيئة يهيمن عليها الذكّور. ورغم أنّ الطلاب كانوا مهتمّين بهذه القضية، إلا أنّ الأفكار المطروحة لم تكن تثير مخيلتهم وإلهامهم. وبعد الكثير من النقاش، كانت الحماسة في القاعة قد وصلت إلى الحضيض. ثم نظرت إلى الساعة الموضوعة على الجدار، وقرّرت أن أعطي المشاركين نقطة نبدأ بها الجلسة القادمة.
قلتُ مرتجلاً: "انتبهوا إليّ جميعاً،"، "دعونا نتوقف عن البحث عن إجابات لسؤال اليوم، وتعالوا بأسئلة جديدة يمكن أن نطرحها حول هذه المشكلة. دعونا نرى كم سؤالاً يمكننا أن نكتب خلال الوقت المتبقّي." وقد بدأ الطلاب بمنتهى الخضوع يلقون الأسئلة، وأنا رحت أدوّنها بالطبشور على اللوح الأسود، وعملت على إعادة توجيه أي شخص كان قد بدأ باقتراح إجابة عوضاً عن طرح سؤال. المفاجئ في الأمر هو أنّ الحماسة عادت لتدبّ في أوصال الصف بسرعة. وفي نهاية الجلسة، غادر المشاركون القاعة وهم يتحدّثون بمتعة عن بعض الأسئلة التي طرحت وتحديداً تلك التي تحدّت بعض الافتراضات الأساسية التي كنّا قد وضعناها، من قبيل ""هل كانت هناك آراء بوسعنا دعمها عوضاً عن فرض القواعد من الأعلى؟ وما الذي بوسعنا تعلّمه من بعض الحالات الموجودة داخل مؤسستنا والتي تمكّنت من تحقيق المساواة، عوضاً عن التطلع تلقائياً إلى أماكن أخرى بحثاً عن الممارسات الفضلى؟" فجأة، كانت هناك مواضيع أكثر لنناقشها لأننّا فتحنا مسارات غير متوقعة نحو الحلول الممكنة.
لم يكن العصف الذهني بحثاً عن أسئلة وليس عن إجابات شيئاً قد جرّبته من قبل. وإنما خطر على بالي في تلك اللحظة فقط، ولعلّ السبب في ذلك هو أنّني كنت أقرأ أعمال عالم الاجتماع باركر بالمر المبكّرة عن الاكتشافات الإبداعية من خلال التفكير الاستقصائي المنفتح والصادق. لكنّ هذه الطريقة أثبتت نجاحها الكبير مع الطلاب إلى الحدّ الذي دفعهم إلى البدء بتجريبها في مهامهم الاستشارية، وتحوّلت في نهاية المطاف إلى منهجية أعمل على تنقيحها وتحسينها. وقد استعملتها مع مئات الزبائن، بما في ذلك الفرق العالمية في شركات مثل شانيل، ودانون، ديزني، وإي آي، وفيدالتي، وجينتيك، وسيلزفورس، وغيرها من عشرات الشركات والمؤسسات غير الربحية والقادة الأفراد الذين عملت على إرشادهم.
تنطوي هذه المقاربة على إقرار أوسع بأنّ الأسئلة "الطازجة" إذا جاز التعبير غالباً ما تقود إلى آراء واستنتاجات جديدة وأصيلة بل وقادرة على إحداث تحوّلات عميقة. ولنأخذ المثال التالي من حقل علم النفس: قبل العام 1998، كان معظم المعالجين النفسيين المدرّبين جيّداً يركّزون على معالجة الأسباب الجذرية للاضطرابات وحالات الاختلال النفسي، على افتراض أنّ الصحة الجيّدة تتحقق في غياب هذه الظروف السلبية. ولكن في ذلك الوقت تولّى مارتن سيليغمان رئاسة الجمعية الأميركية لعلم النفس وأسهم في تغيير هذه النظرة السائدة لدى زملائه. ففي خطاب له أمام الاجتماع السنوي للجمعية طرح سيليغمان السؤال التالي: ماذا لو كانت الصحة الجيّدة مرتبطة أيضاً بـ"وجود" ظروف "إيجابية" معيّنة تعتبر مفتاحاً أساسياً للازدهار ويمكن تحديدها وقياسها وتحسينها؟ ومع هذا السؤال، ولدت حركة علم النفس الإيجابي.
إن ممارسة العصف الذهني لطرح الأسئلة عوضاً عن تقديم الإجابات تسهّل تجاوز التحيّزات الذهنية وفتح آفاق غير مسبوقة. وقد رأينا هذه الديناميكية في الدراسات الأكاديمية، وتحديداً في أبحاث عالم النفس آدم غالينسكي حول قوّة إعادة الصياغة أثناء الفترات الانتقالية، على سبيل المثال. ومع ذلك فإنّ الاستغراق في طرح الأسئلة ليس بالحدث المألوف الذي يحصل مع معظم الناس، لأننا نتعرّض منذ بدايات نقاشاتنا في سن مبكّرة لاشتراط الاستمرار في تلقي الإجابات بدلاً من طرح الأسئلة.
إنّ المنهجية التي طوّرتُها هي بصورة أساسية عبارة عن عملية لإعادة طرح المشكلات بطرق جديدة قيّمة. وهي تساعد الناس في تبنّي عادة أكثر إبداعاً في التفكير، وعندما يبحثون عن تحقيق اختراقات، فإنّ هذه المنهجية تعطيهم إحساساً بالسيطرة. لأنّ هناك شيئاً فعلياً بوسعهم القيام به عوضاً عن الجلوس وانتظار رحمة السماء. وفيما يلي سوف أصف كيف ولماذا تُعتبرُ هذه المقاربة مفيدة. وبوسعكم استعمالها في أي وقت (سواء على المستوى الفردي أو ضمن مجموعة) تشعرون بأنكم عالقون أو تحاولون تخيّل احتمالات جديدة. وإذا حوّلتم هذه المنهجية إلى ممارسة منتظمة في مؤسستكم، فإنها يمكن أن تعزّز ثقافة أقوى قائمة على الحل الجماعي للمشاكل والبحث عن الحقيقة.
فكرة المقالة باختصار
المشكلة
لطالما كان المبتكرون العظام يعلمون بأنّ المفتاح الأساسي للكشف عن إجابة أفضل هو طرح سؤال أفضل من النوع الذي يتحدّى الافتراضات الراسخة. ومع ذلك، فإنّ معظم الناس لا يفعلون ذلك، حتى عند ممارسة العصف الذهني، لأنّ هذا الأمر لا يحصل تلقائياً. ونتيجة لذلك، فإنّهم عادة ما يشعرون بأنهم في حالة استعصاء عند البحث عن أفكار جديدة وطازجة.
الحل
إنّ ممارسة العصف الذهني بحثاً عن الأسئلة وليس الإجابات، يسمح لكم بخلق فضاء آمن لممارسة الاستكشاف الأعمق وحل المشاكل بأسلوب أقوى. وغالباً ما يكشف هذا التمرين المختصر في إعادة الصياغة – والذي يساعدكم في تجنّب الديناميكيات الهدّامة للمجموعات والتحيّزات التي قد تحدّ من القدرة على التفكير بطريقة خلاقة تقود إلى تحقيق الاختراقات – عن زوايا جديدة واعدة واستنتاجات وآراء غير متوقعة.
ما هي العملية التي يجب أن نتّبعها؟
على مدار السنين، اختبرتُ نسخاً مختلفة من عملية العصف الذهني هذه – التي أسميها الآن "دفق الأسئلة" – وقد جمعت بيانات المشاركين وآراءهم وحللتها لتحديد العناصر الأنجح. وأجريتُ تجارب على مجموعات ذات أحجام مختلفة، وضمن أطر زمنية مختلفة، وعلى عدد مختلف من الأسئلة؛ وجرّبتها في جلسات فجائية وأخرى مقرّرة سلفاً؛ وفي جلسات تضمّ قدراً أقل وأكثر من الإشراف والتوجيه (حول تعريف السؤال "الجيّد" مثلاً، وكيف يمكن إحداث قفزات نوعيّة في التفكير). وقد أجريت عدة تجارب على هذه المنهجية، فقد عملت مثلاً على الاطلاع على درجات الحرارة خلال الجلسات وأجريت استطلاعات رأي بعدها، لدراسة تأثير تغيّر درجات الحرارة. ومع مرور الوقت، اتّخذت عملية "دفق الأسئلة" هذه شكلاً معيارياً، يتألف من ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى
تهيئة الأرضية. بادئ ذي بدء، اختر تحدّياً يهمّك بعمق. ربما تكون قد عانيت من نكسة، أو هناك فرصة مثيرة لكن محفوفة بالكثير من الغموض. فكيف تعلم أنّها جاهزة لسؤال يحقق فيها اختراقاً؟ ربما يكون هذا التحدّي مرشحاً مناسباً للمعالجة "إذا كان يجعل ضربات قلبك تتسارع"، كما قال لي رئيس مجلس إدارة شركة إنتيويت ورئيسها التنفيذي براد سميث. سوف تعطيه اهتمامك الكامل وترغب في أن يشاركك الآخرون في التفكير فيه.
قم بدعوة مجموعة من الأشخاص ليساعدوك في دراسة هذا التحدّي من زوايا جديدة مختلفة. ورغم أنّك قادر على القيام بهذه الخطوة بمفردك، إلا أنّ إشراك الآخرين في العملية يمكن أن يساعدك في الوصول إلى قاعدة معرفية أوسع وفي الحفاظ على ذهنية بنّاءة. وكما يقول نيد هالويل مؤلف كتاب "ما الذي يشتّت انتباهك في العمل" (الذي استند فيه إلى سنوات من الأبحاث المتعلقة بكيفية المحافظة على الانتباه لضمان الاستمرار في الإنتاجية)، فإنّ القلق "يتغذّى من الضحية المنعزلة". وعندما تطلب من الآخرين المشاركة في عملية دفق الأسئلة هذه، فإنّك تعرّض نفسك لإبراز ضعفك الإنساني من خلال مشاركة مشكلتك مع الآخرين – لكنّك أيضاً تستدعي حالة من التعاطف التي تسمح بتعزيز عملية توليد الأفكار كما تعلّمنا من التفكير التصميمي (Design Thinking). إضافة إلى أنّك تشرك الآخرين في القضية بطريقة لا تشكّل تهديداً لأحد.
طرح الأسئلة هو سلوك بشري فطري ربما يتعرض للقمع والإيقاق المنهجي.
من الأفضل إشراك شخصين أو ثلاثة أشخاص من ذوي الخبرة المباشرة بالمشكلة والذين لديهم أسلوب تفكير أو نظرة إلى العالم يختلفان اختلافاً جذرياً عن أسلوبك ونظرتك. فهم سيطرحون أسئلة مفاجئة وجذّابة لن تخطر في بالك أبداً، لأنه ليس لديهم طرق قد تدرّبوا عليها للتفكير في هذه المشكلة تحديداً وليس لديهم استثمار في الوضع الراهن. وهم على الأرجح سيسألون أسئلة عن القضايا المسكوت عنها، ويشيرون إلى مايسمى "الفيل المختبئ في الغرفة" أي السؤال الأهم في القضية، فهم لا يعرفون كيف لا يفعلون ذلك.
ليست كلّ الأسئلة على سويّة واحدة
في أغلب الأحيان، وعندما أكون في طور وضع القواعد الخاصّة بجلسة "دفق أسئلة"، يسأل الناس عن نمط الأسئلة التي يجب أن يسهموا بها – أو كيف يمكنهم الوثوق من أنّ سؤالاً معيّناً هو سؤال جيّد ويستحق المزيد من المتابعة. ورغم أنّني أتردّد في تقديم إجابات ناجزة، من الصحيح القول بأنّه ليست كل الأسئلة تنطوي على إمكانية أن تقود إلى حلول جديدة. ولكي تحسّن من فرصك، تذكّر القواعد التالية:
تقنيات التفكير التباعدي (المتشعّب) التقليدي (مثل القيام بالربط العشوائي أو تقمّص شخصية بديلة) يمكن أن تساعد في استكشاف أسئلة جديدة، وفي نهاية المطاف، مجالات جديدة.
الأسئلة الأكثر فائدة هي تلك المفتوحة بعكس المغلقة، والقصيرة بعكس الطويلة، والبسيطة بعكس المعقدة.
الأسئلة الوصفية (ما هي الأشياء الناجحة؟ ما هي الأشياء غير الناجحة؟) تتفوّق على الأسئلة التخمينية (ماذا لو؟ ما الذي قد يحصل؟ لم لا؟).
التحوّل من الأسئلة البسيطة التي لا تحتاج إلا إلى ذاكرة بسيطة إلى أسئلة أعقد فكرياً تتطلّب عملاً ذهنياً تركيبياً إبداعياً ينتج تفكيراً أقدر على تحقيق الاختراقات.
الأسئلة تكون مزعجة ومشتّتة للانتباه عندما لا تنبع من قناعة راسخة وعميقة تجاه ما تريد المجموعة تحقيقه.
الأسئلة تكون مضرّة عندما تُطرح بطريقة سلبية، لأنها تحشر الناس في الزاوية، وترخي بظلال الشك غير المطلوب على أفكارهم، أو تكرّس ثقافة الخوف.
في جلسات العصف الذهني التقليدي – أي النوع الذي يركّز على توليد الإجابات – يؤدّي الأفراد وسطياً أداءً أفضل بالمقارنة مع أداء المجموعات. ويعود السبب في ذلك إلى الديناميكيات القوية التي تفرض نفسها ضمن المجموعات مثل "التسكّع الاجتماعي" (أي التواكل على إسهامات الآخرين) والقلق الاجتماعي (المخاوف من نظرة الناس إلى أفكارك)، والتي يمكن أن تعيق التفكير الأصيل وتخنق أصوات الأشخاص الانطوائيين في المجموعة. لكن منهجية "دفق الأسئلة" التي اقترحها، وبحكم تصميمها، تقلب العديد من هذه الديناميكيات الهدّامة رأساً على عقب من خلال تحفيز الناس على التخلي عن عاداتهم المعتادة في التفاعل الاجتماعي. وإن كان لها من فضل فهو أنّها تخلق فضاءً آمناً للجميع بما في ذلك الشخص الأهدأ، ليعرض منظوراً مختلفاً. وبما أنّ تمرين دفق الأسئلة لا يطلب من أي شخص أن يجزم فوراً بوجهة نظر معيّنة، فإنّ الناس يشعرون بحرّية أكبر في الحديث. كما أنّ التركيز الحصري على الأسئلة يعلّق هذا الاندفاع التلقائي نحو تقديم إجابة – ممّا يساعد في نهاية المطاف في توسيع فضاء المشكلة ويسمح باستكشاف أعمق لها.
بعد أن تنتهي من جمع شركائك في هذا التمرين، امنح نفسك مجرّد دقيقتين لعرض المشكلة عليهم. فغالباً ما يعتقد الناس بأنّ مشاكلهم بحاجة لشروحات مفصّلة، لكنّ اضطرارك إلى تبيان التحدّي بسرعة يجبرك على التعبير عنها بطريقة رفيعة المستوى لا تعيق عملية طرح الأسئلة أو توجّهها. لذلك ليس المطلوب أكثر من إضاءات. حاول أن تشرح كيف ستتغيّر الأمور نحو الأفضل فيما لو حلّت المشكلة. وبيّن باختصار سبب الاستعصاء ولماذا لم تحلّ المشكلة حتى الآن.
ساعدت هذه المقاربة أوديسا، التي كانت تعمل مديرة في شركة عالمية للخدمات المالية في إعادة صياغة ما كانت تعتقد بأنّه تحدّ معقد يخص التواصل، والذي تمثّل في تطبيق استراتيجية جديدة على أناس يؤدّون مهاماً مختلفة على مستويات مختلفة في العديد من المناطق الجغرافية. وقد بدأت تمرين "دفق الأسئلة" بشرح بسيط، حيث عبّرت عن آمالها بأن تدفع الاستراتيجية الجديدة الجميع إلى "التجديف في الاتجاه ذاته"، كما عبّرت عن إحباطها من أنّ مجموعة واحدة من الرسائل لم تساعد في إنجاز المهمّة، نظراً لتنّوع أدوار الموظفين وآرائهم. وبتركها للأمر عند هذا الحد، فقد أفسحت المجال أمام عملية لطرح الأسئلة أسهمت في نهاية المطاف في إدخال تغيير جذري على فهمها للأمور. فقد ساعدها هذا التمرين في النظر إلى المسألة بوصفها تحدياً في القيادة، وليس مجرّد حملة تسويق داخلية. فإذا لم تكن قادرة على العثور على طريقة للوثوق بالآخرين لنقل الاستراتيجية، فإنها يمكن أن تستعين بجيش صغير من المدراء الميدانيين لصياغة الرسالة بطريقة تضمن تحقيق الأثر الأكبر على المستوى المحلي.
قبل إفساح المجال أمام المجموعة للحديث، يجب توضيح قاعدتين أساسيتين: أولاً، لا يمكن للمشاركين إلا أن يطرحوا أسئلة. والأشخاص الذين يحاولون اقتراح حلول – أو الإجابة عن أسئلة الآخرين، سوف تعيد أنت توجيههم بصفتك مديراً للجلسة. ثانياً، لن يكون مبرّراً وضع مقدّمات أو تبريرات قبل طرح سؤال معيّن، لأنّها سوف توجّه المستمعين إلى رؤية المشكلة بطريقة معيّنة – وهو بالضبط ما تحاول تجنّبه.
أنت بحاجة أيضاً إلى إجراء تفقّد سريع للحالة العاطفية منذ البداية. وبوصفك "صاحب" هذا التحدّي، خذ لحظة من وقتك لتأمّله: هل مشاعرك تجاهه إيجابية، أم حيادية، أم سلبية؟ حاول تدوين بعض الكلمات التي تعبّر عن مزاجك الأساسي. لست بحاجة إلى تخصيص أكثر من 10 ثوان لهذه المسألة. وسوف تقوم بالشيء ذاته بعد نهاية الجلسة. تُعتبرُ عمليات التدقيق هذه مهمّة لأنّ العواطف تؤثر على الطاقة الإبداعية. فليس الهدف من هذا التمرين هو إثارة أسئلة جديدة فحسب، وإنّما إعطاؤك دفعة عاطفية تجعلك أميل إلى المتابعة بناءً على هذه الأسئلة.
وهنا يجب أن أشير إلى أنّ طاقتك الإبداعية سوف تشهد حالة من المد والجذر في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة – لذلك فإنّ تحضير نفسك لهذا الأمر هو شيء في غاية الأساسية. فالأفكار التي تنطوي على تحوّلات كبيرة تكون مثيرة جدّاً في البداية لكنّها تصبح مزعجة ومحبطة بعد أن تبدأ العقبات والمشاكل غير المتوقعة بالتكشّف. ثم تستقر وتتحوّل إلى عمل جاد يمكن مع بعض الحظ أن تتخلّله لحظات من الأمل التي تحاول رسم معالم التغيير المنشود. فإذا ما كنت تتوقع هذه الاضطرابات منذ البداية، فإنّك ستكون أقدر على تجاوز هذه الرحلة في وقت لاحق.
الخطوة الثانية
ممارسة العصف الذهني وطرح الأسئلة. الآن استعمل ساعة توقيت وحاول قضاء الدقائق الأربع التالية مع المجموعة بهدف طرح أكبر عدد ممكن من الأسئلة حول التحدّي المعني. وكما هو الحال في جميع عمليات العصف الذهني، لا تسمح بقمع إسهامات أي شخص. فكلّما كانت الأسئلة أكثر إدهاشاً واستباقاً، كلّما كان ذلك أفضل.
عندما أعمل مع مشاريع أو شركات كبيرة، غالباً ما ألاحظ أنّ كبار القادة يجدون صعوبة جمّة في مقاومة عدم تقديم الإجابات – حتى في جلسة لمدّة أربع دقائق – عندما يبدأ الناس بإلقاء الأسئلة. ففي إحدى شركات التصنيع، على سبيل المثال، عندما بدأت الأسئلة المتعلّقة بمشاكل سلسلة التوريد بالتصاعد، لم يستطع قائد المجموعة من مسك نفسه والتدخّل لاستعراض معارفه. تُعتبرُ هذه الاندفاعة الغريزية مفهومة ولا تقتصر على كبار المدراء التنفيذيين. ففي المؤسسات القائمة على التراتبية، قد ينظر إلى فشل أي مدير في امتلاك الإجابات الجاهزة على أنه بمثابة عثرة مُحرجة. فالأسئلة، وخاصّة تلك التي تأتي مخالفة للحدس، تجعل العديد منّا يشعرون بعدم الارتياح، مما يدفعنا إلى الاستعجال وتقديم أي إجابة مفترضة لكي نشتري الوقت ونتجاوز هذا المأزق. لكن عندما نشعر بشيء من الاستعصاء في مشكلة معيّنة، فإنّ الإجابة عن الأسئلة بهذه الطريقة هي مضيعة للوقت. ففي نهاية المطاف، السبب الذي يجعلنا نشعر بالقلق هو أنّ الإجابات التي نقدّمها بوصفنا خبراء يُعولُ على معارفنا لا تسعفنا عملياً.
في هذا التمرين، التشديد هو على الكمية. فبما أنّنا نطلب من المجموعة توليد أكبر قدر ممكن من الأسئلة خلال الزمن المخصّص لذلك – يفضّل ألا يقل العدد عن 15 سؤالاً – فإنّ ذلك سيضمن بقاء الأسئلة قصيرة، وبسيطة، وطازجة. دوّن كل سؤال من الأسئلة كما هو حرفياً على ورقة، أو على حاسب محمول، أو على حاسب لوحي عوضاً عن الكتابة على اللوح بحيث تكون قادراً على التقاط كل التفاصيل بدقّة. اطلب من أعضاء المجموعة أن يساعدوك في أن تظلّ صادقاً بعد ذلك. وإلا فإنّك قد ترتكب نوعاً من الرقابة اللاواعية التي قد تتسبّب في استبعاد الأسئلة التي لا تفهمها فوراً أو التي لا ترغب في سماعها أصلاً.
أثناء تسجيلك للأسئلة، أضف أسئلتك الخاصّة إلى هذا المزيج. فذلك الأمر غالباً ما سيكشف النقاب عن أنماط في كيفية اعتيادك للتعبير عن مشكلة معيّنة (وربما قد تكون عن غير قصد قد أسهمت في ترسيخ هذه المشكلة).
هل هناك سحر خاص يتعلّق باختيار 4 دقائق و15 سؤالاً؟ كلا، لكنّ الضغط الزمني يساعد المشاركين في الالتزام بقاعدة "طرح الأسئلة فقط". فأي وقت يخصّص للإجابات سيعني فرصة أقل في الوصول إلى الهدف. كما أنّ الناس سيكونون أميل إلى توليد أسئلة غير مثقلة بالقيود والافتراضات، وسيجدون سهولة أكبر في مقاومة شرح السبب الذي جعلهم يطرحون أي سؤال قد يبدو وكأنّه آت من عالم منسي. لا بل الأفضل من ذلك هو أنّ الدراسات تُظهرُ بأنّ الضغوط المعتدلة على الأداء يمكن أن تعزّز من نوعية المخرجات الإبداعية.
علاوة على ما سبق، وربما لأنّ الانتباه الانتقائي المستمر يفرضُ الكثير من المتطلبات الفعلية على الدماغ البشري، فإنّ الطاقة غالباً ما تتراجع في هذا التمرين بعد ثلاث دقائق ونصف الدقيقة، وتحديداً في حالة المبتدئين. ولكي نكون عمليين أيضاً، فإنّ تدوين نصوص عشرات الأسئلة يمكن أن يتحوّل إلى مهمّة شاقّة ومضنية. ولهذين السببين، من الأفضل استعمال عدّة جلسات لدفق الأسئلة لإعادة صياغة التحدّي وتنقيحه وحلّه في نهاية المطاف، وذلك أفضل من بذل جهد كبير خلال جلسة واحدة أطول.
عندما تنطلق صفّارة ساعة التوقيت، قم بتدقيق ثانٍ سريع للمشاعر العاطفية. ما هو شعورك تجاه هذا التحدّي الآن؟ (وما هو شعور أعضاء المجموعة تجاهه أيضاً؟) هل تشعر بإيجابية أكبر الآن وبعد مرور 4 دقائق؟ إذا لم يكن الحال كذلك، وإذا كان الجوّ يسمح لك، ربما يجب أن تعيد التمرين مرة أخرى. أو حاول الحصول على قسط من الراحة، وأعد الأمر في اليوم التالي. أو أعده مع مجموعة مختلفة من الأشخاص. لقد أثبتت الأبحاث بأنّ الحل الخلاق للمشاكل يزدهر عندما يعمل الناس في أوضاع عاطفية إيجابية. وبعد قراءة معمّقة ومتأنية لبيانات استطلاعاتنا التي شملت أكثر من 1,500 قائد عالمي، أنا مقتنع بأنّ جزءاً من قوّة اختبار دفق الأسئلة هذا يكمن في قدرته على تغيير نظرة الشخص إلى التحدّي، وخاصّة أنّه في معظم الحالات يخلّص الشخص من الشعور بأنّه عالق وعاجز عن المضي قدماً.
الخطوة الثالثة
تحديد قضية والالتزام بها. حاول أن تدرس بمفردك الأسئلة التي دوّنتها، بحثاً عن الأسئلة التي تقترح مسارات جديدة. في 80% من الحالات تقريباً، غالباً ما ينتج هذا التمرين سؤالاً واحداً على الأقل يسهم في إعادة صياغة المشكلة بطريقة مفيدة، ويوفّر زاوية جديدة لحلّها. اختر مجموعة من الأسئلة التي تثير انتباهك، أو تحرّكك بطريقة غير مسبوقة وتدفعك إلى التصرّف بطريقة مختلفة، أو تجعلك تشعر بقدر من عدم الارتياح حتّى.
حاول الآن توسيع هذا العدد القليل من الأسئلة إلى مجموعات تضم الأسئلة المرتبطة بها أو التي تبني عليها. وهناك طريقة كلاسيكية لفعل ذلك هي "سلسلة الأسئلة المؤلفة من 5 أسماء استفهام لماذا" والتي وضعها مؤسس شركة تويوتا الصناعية ساكيشي تويودا – أو النسخة المنقحة منها التي اقترحها مايكل راي من جامعة ستانفورد في كتابه "الهدف الأسمى". اسأل نفسك لماذا بدا السؤال الذي وقع اختيارك عليه مهمّاً أو ذا مغزى. ثمّ اسأل لماذا هذا السبب الذي اخترته مهم – أو لماذا تجده نقطة تشغل بالك. وهكذا دواليك. وكلّما فهمت بشكل أفضل لماذا يُعتبرُ سؤال معيّن مهمّاً وما هي العوائق التي قد تعوقك في الإجابة عنه، فإنّ ذلك سوف يعمّق عزيمتك وقدرتك على فعل شيء حياله، ويوسّع جملة الحلول الممكنة. في حالة أوديسا، المديرة التي لديها استراتيجية تودّ نشرها، كان هناك سؤال شكّل اختراقاً وهو "هل بوسعك الاستعانة بالقادة الميدانيين لنشر الاستراتيجية على المستوى الإداري المكتبي؟" واستدعى جملة من الأسئلة الأخرى: لماذا لم أفعل ذلك في الماضي؟ هل بوسعي الثقة بقدرة الآخرين على إنجاز هذه المهمّة؟ لماذا أجد مشكلة في الثقة بهم؟
أخيراً، التزم بالسير في مسار واحد على الأقل من المسارات التي توصّلت إليها وافعل ذلك حالك حال "الباحث عن الحقيقة". وأنا أسرق هذا التعبير من مهندس ناسا آدم ستلتزنير الذي يصف فيه تجربته في العمل في مختبر وحدة الدفع الخاصة بالطيران، حيث ينجح "النوع الصحيح من الأشخاص المجانين" في إنجاز أشياء مثل إنزال روبوت جوّال على سطح كوكب المرّيخ. حاول أن تنحّي جانباً الاعتبارات الخاصة بالاستنتاجات الأسهل أو الأشياء الأسهل تنفيذاً، وحاول عوضاً عن ذلك أن تتبنّى مقاربة المُبْتَكِر الذي يركّز على "المهمّة التي يجب أن تُنجز" وما هو المطلوب لحل المشكلة. ضع خطة عمل على المدى القصير: ما هي الإجراءات الملموسة التي ستتّخذها شخصياً خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة للعثور على الحلول المحتملة التي تقترحها أسئلتك الجديدة؟
في إحدى جلسات "دفق الأسئلة" التي ساعدتُ في إدارتها صمّم مسؤول التسويق في شركة متعدّدة الأقسام على التأكّد من بعض الحقائق. فقد كانت لديه مخاوف من وجود سلوكيات تنمّ عن منافسة مفرطة داخل أحد أقسام العمل. وفي جلسة "لدفق الأسئلة" قادها مع الآخرين، خطر له بأنّه كان يضع في ذهنه افتراضاً كبيراً: ألا وهو أنّ مؤسسي قسمه كانوا قد اختاروا برنامجاً فريداً من نوعه للحوافز كوسيلة لخلق ثقافة من التنافس الداخلي. وقد بدأت قائمة المهام التي يريد إنجازها الاجتماع بأعضاء الفريق واحداً واحداً وسؤالهم عن هذا الأمر. فما هي النتيجة التي تتوقعونها؟ ليس فقط أنّ هذه الثقافة لم تكن شيئاً يطمحون إليه، لكنّهم انزعجوا عندما عرفوا بوجود هكذا ثقافة. وقد أسهمت اجتماعاته معهم في بروز تشديد على الثقافة والقيم في القسم – وخلق البيئة التي سمحت لمدير التسويق هذا بالتدخّل ومعالجة السلوكيات المضرّة. زبدة الكلام هنا هي أنّ التوصّل إلى أسئلة تتحدّى الافتراضات القائمة هو أمر أساسي لكنّه لا يكفي أبداً. ويمكن لوضع خطة عمل والمتابعة أن يسهما في توضيح المشكلة وفتح المجال أمام التغيير.
كيف يمكننا تحقيق المطلوب؟
أوصي عادة بإجراء ثلاث جولات على الأقل من تمارين "دفق الأسئلة" لمناقشة قضيّة معيّنة. ورغم أنّه قد يكون نشاطاً قيّماً إذا ما قمت به لمرّة واحدة فقط، لكن كلّما طبّقته أكثر، ازداد عمق تفكيرك. فبعد أن طبّق قائد فريق التطوير في إحدى شركات البرمجيات العالمية هذا التمرين مراراً وتكراراً، أدرك أنّ فكرته عن المشكلة والتي اعتبرها فكرة أصيلة كانت في الحقيقية "سطحية". ومن خلال المثابرة على طرح الأسئلة، أخبرني بأنّه "توصّل إلى تحدّ أهم بكثير يجب التغلّب عليه".
حتّى مع تطبيق ثلاث جولات، فإنّ الوقت المستثمر هو في حدوده الدنيا. وهو مسار كفوء يسمح بالوصول إلى آراء جديدة وإلى المزيد من الإبداع. كما أنّ العملية ستصبح أسهل كلّما أكثرت من ممارستها. وعندما يبدأ الناس نشاط طرح الأسئلة باستعمال هذه المقاربة للمرّة الأولى، ينتابهم شعور غريب لأنها مقاربة غير مألوفة لا في الحياة الشخصية ولا المهنية. فالناس عموماً ومنذ الطفولة تربّوا على عدم طرح الأسئلة.
أمضى جيمس ديلون الأستاذ الجامعي في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد حياته المهنية في دراسة هذه الظاهرة في الصفوف الدراسية. وقد صدم بمدى ندرة طرح الطلاب للأسئلة – وهي عملية أساسية للتعلّم. لم تكن المشكلة تتمثّل في غياب الفضول الفكري لديهم. يقول ديلون: "في كلّ مرة توفّرت لهم الظروف (ليس بمجرّد التوقف وقول: "هل هناك أي سؤال؟" كلا؟ حسناً إذاً افتحوا كتبكم)، كان سيل من الأسئلة المثيرة يتدفّق من الطلاب. وعندما أجرى استطلاعاً شمل المدرّسين الآخرين حول هذه المسألة، كان هناك شبه إجماع في صفوفهم على أنّ "الطلاب لديهم أسئلة فعلياً لكنّهم لا يطرحونها في الصف." فلماذا لا يفعلون ذلك؟ هم يخشون طرح الأسئلة على رأي ديلون "وإلى حدّ كبير بسبب تجربتهم مع ردود الأفعال السلبية من الأستاذ (أو الزملاء في الصف)". لذلك يتعلّمون الاحتفاظ بأسئلتهم لنفسهم، وتكرار الإجابات التي حفظوها جيّداً عندما يعرّضهم الأساتذة لامتحانات شفوية فجائية، بحسب توني واغنر، وهو زميل أول في معهد سياسات التعلّم. وقد توصّل باحثون آخرون درسوا ساحات التعلم والتواصل البشريين مثل المنتديات المجتمعية، والاستشارات الطبية، والمؤسسات السياسية، وورش العمل، إلى الخلاصة ذاتها على الدوام: طرح الأسئلة هو سلوك بشري فطري يتعرّض للقمع النشط والإيقاف المنهجي.
كما أنّ الصراع على السلطة لا يسهّل المسائل. ففي المجموعات الاجتماعية، يظهر بعض الأفراد المهيمنين حتماً؛ وإذا لم يجدوا من يضبطهم، فإنّهم يجدون طرقاً لبناء سلطتهم وإدامتها. وإحدى الطرق الشائعة لفعل ذلك هي إصمات الأشخاص الذين يكثرون طرح الأسئلة وخاصة من يحملون عقولاً مفعمة بالفضول الفكري والذين قد تشير استفساراتهم إلى أنّ القائد لا يفقه كلّ شيء بالضرورة.
بطبيعة الحال، يحاول العديد من قادة الشركات الذين يدركون الحاجة الضرورية إلى الابتكار الدائم، التشجيع على طرح الأسئلة. لكنّ موظفيهم كانوا قد استبطنوا عادة عدم طرح الأسئلة – وخاصّة الأسئلة الصعبة. ونحن بحاجة إلى تغيير هذه العادة. وهذا ما فعله زميلي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) روبرت لانجير، المبتكر في قطاع تكنولوجيا الرعاية الصحية والذي لُقّب "إديسون الطب" مع طلابه بمن فيهم الباحثون الحاصلون على شهادة الدكتوراه. وفي مقابلة أجريت معه مؤخراً قال: "عندما تكون طالباً، يُحكُم عليك بمدى جودة إجاباتك عن الأسئلة. شخص ما آخر يطرح الأسئلة عليك، وإذا قدّمت أنت إجابات جيّدة، فستحصل على علامة جيّدة. ولكن في الحياة، يُحكُم عليك بمدى جودة أسئلتك." وأثناء ممارسته لدوره الإشرافي على الناس، فإنّه يركّز انتباههم صراحة على تحقيق هذا الانتقال المهم جدّاً ولا سيما أنّه يعرف بأنهم "سيصبحون أساتذة جامعات، وروّاد أعمال عظام – أو أي شيء آخر عظيم – إذا ما طرحوا أسئلة جيّدة".
إن ممارسة العصف الذهني لطرح الأسئلة عوضاً عن تقديم الإجابات تسهل تجاوز التحيزات الذهنية وفتح آفاق غير مسبوقة.
بوسع المؤسسات أن تزيد من حاصل عملية طرح الأسئلة فيها بعدّة طرق. فعلى سبيل المثال، وجدتُ بحسب خبرتي الميدانية بأنّ الناس يصبحون أقدر على طرح أسئلة أفضل في البيئات التي يُشجعّون فيها على تقدير الاحتكاك الإيجابي في أعمالهم اليومية. ففي شركات كأمازون، وآسوس، وآيديو، وباتاغونيا، وبيكسار، وتيسلا، وزابوس، على سبيل المثال، غالباً ما يجتمع الناس معاً لمعالجة التحدّيات من خلال طرح أسئلة صعبة على بعضهم البعض – في الردهات، أو قاعات تناول الطعام، أو حتى في غرف المؤتمرات. يُظهر بحث أجراه الأستاذان الجامعيان آندرو هارغادون من جامعة كاليفورنيا ديفس وبيث بيخكي من جامعة نيويورك (إن واي يو) بأنّ من يتطوّعون بالأفكار في أمثال هذه الشركات لا يجيبون عن الأسئلة المطروحة بطريقة عشوائية؛ وإنما يبنون باحترام على تعليقات الآخرين وتصرّفاتهم، بحيث لا يأخذون بالحسبان " السؤال الأصلي فقط، ولكن ما إذا كان هناك أيضاً سؤال أفضل يجب أن يُسأل". ومع إعادة هذا الأمر مراراً وتكراراً تنبثق حلول جديدة.
كما أنّ الناس يصبحون أبرع في طرح الأسئلة ضمن الثقافات المؤسسية التي يشعرون فيها بالأمان بالمثابرة في البحث عن الحقيقة، مهما كانت النتيجة التي سيتوصّلون إليها. ولخلق هذا النوع من الثقافات، يقول إدغار شاين (إد) من جامعة إم آي تي بأنّ على القادة أن يظهروا التواضع، والضعف الإنساني، والثقة، ويجب عليهم تمكين الآخرين ومعاملتهم بإنصاف. وعندما لا تحضر هذه الشروط، فإنّ الأسئلة تكون عادة مقيّدة، لا بل أسوأ من ذلك، تكون مسحوقة.
الملفت في الأمر هو أنّني عندما أدرت جلسات "دفق الأسئلة" هذه مع مجموعة كبيرة جدّاً (مقسّمة إلى مجموعات فرعية تتألف كل واحدة منها من 3 إلى 6 أشخاص)، لاحظت بأنّ الناس الأقل ميلاً إلى التفاعل مع التمرين واتباع القواعد هم أولئك الذين يشغلون أعلى المناصب أو يمتلكون أعظم الخبرات التقنية. سواء أكانوا يشعرون بأنهم أرفع من التمرين أم يشعرون بالقلق من أنّ طرح المشاكل سيجعلهم يظهرون بمظهر الأشخاص غير الأكفاء، فإنّهم يعيقون قدرة المجموعة بأكملها على البحث عن الحقيقة وخاصّة عندما يراهم الآخرون ويجدون بأنّهم غير متفاعلين أو يهزؤون بإسهامات الآخرين. فإذا كان هذا هو المثال الذي يضربه القادة وهذا هو الجوّ الذي يشيعونه في تمرين وحيد صغير الحجم، لكم أن تتخيّلوا التأثير القامع الذي يفرضونه على عملية الاستقصاء وطرح الأسئلة في أرجاء مؤسساتهم.
أخيراً، يجب أن يتحمّل الناس مسؤولية المتابعة من تلقاء نفسهم. فليس هناك أشياء كثيرة مثيرة للإزعاج أكثر من زميل يطرح الأسئلة "فقط". فالمسؤولون يجب أن يتحمّلوا مسؤولية استكشاف المسارات التي تفتحها هذه الأسئلة واكتشاف الإجابات القيّمة. فالجميع يراقبهم ليستدّل منهم متى وأين وكيف ولماذا يجب تحدّي الوضع الراهن. يجب أن يخصّصوا وقتاً للمساعدة في جمع معلومات أحدث وأفضل ومختلفة وتحليلها. والقادة الذين يتجشّمون عناء فعل هذا الشيء يرسلون بذلك إشارة عن حسّ الملكية. وهذا يُظهرُ للآخرين بأنّ الإدارة ملتزمة بصياغة مستقبل يُنتظر فيه من الأسئلة أن تؤدّي دوراً محورياً.