نحن أكثر مرونة مما نتخيله عند الخروج من دائرة الراحة

3 دقائق

في بداية كل عام دراسي ضمن "كلية برانديز الدولية للأعمال"، أبدأ محاضراتي في تدريس عمل الموظف خارج دائرة راحته، فأطلب من كل طالب في المحاضرة أن يختار سلوكاً أو موقفاً لا يجد راحة في فعله من أجل القيام به على أرض الواقع. ربما يكون هذا الأمر للبعض هو الخطابة أمام الآخرين، ولبعضهم بناء علاقات مهنية جديدة، أو الخوض في أحاديث جانبية مع الآخرين، أو المحافظة على الآراء عند اتخاذ القرارات. وفي هذه المادة، يجب على الطلبة أن يذهبوا إلى المشاركين في الفعاليات بهدف بناء علاقات جديدة أو التحدث أمام جماهير حقيقية أو غيرها من المواقف التي تسبب لهم القلق. وبعد كل واقعة من هذه الأمثلة يدون الطلبة تجاربهم تلك ثم نناقشها في قاعة المحاضرة.

يمكنك تخيل مقدار القلق الذي يمر به معظم الطلبة في هذه التجربة. أحد الطلبة، وهو هندي الجنسية، يدرس ماجستير في إدارة الأعمال، ويتعلم مهارة الحديث مع المعارف الجدد، يصف الأمر بقوله: "كنت في حالة توتر وقلق وتسارع دقات القلب ونوبة من الهلع أصابتني قبل أن أشارك في الفعالية وكأن شخصاً يطلب مني أن أسير على حبل دقيق بين جبلين!". معظم طلبتي أيضاً ينتابهم خوف شديد عند التفكير بترك مساحات الراحة التي اعتادوا عليها والإقدام على واحد من هذه المواقف، ولو فكرت في الأمر قليلاً ستجده متوقعاً تماماً. فمعظمنا نمر بالحالة نفسها عند الإقدام على مواقف تقع خارج دائرة الراحة المعتادة لنا، إلى حدّ يجعلنا عادة نحجم عن الإقدام عليها.

غير أني اكتشفت بعد تدريس هذه المادة على مدار سنوات عديدة أننا أكثر مرونة وقدرة على التأقلم مما نتخيل. فطلابي مثلاً، مثل العديد من الناس، يقللون باستمرار من قدرتهم على التكيّف مع المواقف الصعبة. وتلك المخاوف بخصوص الجزم في اتخاذ القرار، أو الحديث أمام الجماهير، أو بناء العلاقات الجديدة، هي دليل غير سليم وغير دقيق على على قدرة الشخص عند تولي الأمر الذي يخشاه ويترك دائرة راحته.

وبالنظر إلى الملاحظات التي شكلتها عن هذه القضية فإنني وجدت أننا نستخف عادة من قدرتنا على التكيّف ويفوتنا أن نلاحظ هذه الأمور الأربعة:

نحن أكثر مرونة مما نعتقد. لقد تدربت طوال حياتك على التكيف وتعديل سلوكك في الظروف المختلفة. فكر على سبيل المثال، في مجموعة واسعة من الأشخاص الذين تتواصل معهم. هل تجد نفسك تتحدث إلى مديرك بالطريقة ذاتها التي تتحدث بها مع زملائك؟ هل تتواصل مع أقربائك بالطريقة ذاتها التي تتواصل بها مع أصدقاء المقربين من الجامعة؟ الجواب عادة هو "لا". إن تذكير الآخرين بهذه الحقيقة تساعدني على رفع معنوياتهم حين يريد أحدهم الإقدام على أمر غير مألوف له. تذكر أنك تكيفت وتأقلمت مع مواقف سابقة، ولديك القدرة على فعل ذلك مجدداً.

نحن أكثر شجاعة مما نعتقد. فكّر في جميع الأمور التي فعلتها في حياتك وكانت تحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة. هذا الموقف للبعض قد يكون مغادرة المنزل للعيش وحيداً لأول مرة خلال فترة الجامعة، ولشخص آخر قد يكون ذلك قراره بترك وظيفته والانتقال لوظيفة أخرى، أو الزواج. أحد طلابي في برنامج ماجستير إدارة الأعمال كان يواجه قلقاً من بناء علاقات جديدة وهو في الولايات المتحدة، لأن الأمر بدا غريباً وسطحياً بالنسبة له، ولكنه تذكر ما مر به من ظروف أثناء خدمته العسكرية وعندها تمكن من تجاوز هذا الخوف. كل واحد منا قد مر بتجارب شخصية تطلبت مستوى ما من الشجاعة والإقدام، ويمكن أن نعتمد عليها عند مواجهة أي موقف جديد يقع خارج دائرة الراحة المعتادة في حياتنا.

الموقف الذي نقلق منه ليس مخيفاً بالقدر الذي نتخيل. الخوف يعيق التفكير السليم. نحن نرهق أنفسنا بالتفكير بأسوأ نتيجة ممكنة، لذلك نتخيل، على سبيل المثال، أننا سنتعرض للسخرية أثناء الحديث أمام الجمهور، أو أن الشخص الذي نقدم له تقييماً سلبياً سيكرهنا إلى الأبد. عادة ما تكون احتمالية حدوث السيناريو الأسوأ هي الأدنى، فواقع الحياة مختلف عما نتخيله. الناس مثلاً يكونون في حالة من الصدمة والحزن والغضب ربما حين يسمعون خبراً سيئاً، ولكن حين يصلهم الخبر بقليل من التلطف والتقدير، فإنهم لن يشعروا بالغضب من الشخص الذي نقل إليهم الخبر. قد تكون في حالة من القلق لأنك ستتحدث أمام جمع من الناس، ولكن البحوث ترى أن القلق بمستوى معين يساعد على تقديم أداء متميز. أضف إلى ذلك أنك ستتمكن على الأغلب من تقديم محاضرة متميزة إن حضّرت نفسك بشكل لائق، وعلى الأقل ستجد أن الواقع أقل فظاعة مما تتخيله.

نحن نمتلك من المصادر أكثر مما نتخيل. حين تواجه موقفاً صعباً فإنك ستشعر بالضعف أو ربما باليأس. ولكنك لست الوحيد في ذلك. تذكر أن في جعبتك الكثير من المصادر التي يمكنك الاستفادة منها: أساتذة أو زملاء أو أصدقاء لتحصل على نصائح منهم أو خطوات يمكنك اتباعها لتحضر نفسك لموقف ما. يمكنك أيضاً اقتراح بعض التعديلات على الموقف نفسه لتتمكن من التعامل معه بشكل أفضل. كانت لدي طالبة تدرس هي الأخرى في برنامج ماجستير إدارة الأعمال، وكانت تشعر بالخجل عند الحديث في الجلسات الاجتماعية مع الآخرين، فكانت استراتيجيتها في تجاوز هذا الخجل هو التقاط صور "سيلفي" مع الآخرين لتكسر الحاجز معهم وتشعر بالراحة في الحديث، وقد كانت تحقق أكثر من أمر باتباعها هذه الطريقة. فحين تلتقط الصورة سيكون بوسعها تبادل معلومات الاتصال مع الآخرين لترسل لهم الصور لاحقاً، وقد تبني علاقة متينة في المستقبل مع الأشخاص الذين تصورت معهم. وهذا مثال وحسب، ولدى كلّ واحد منا مصادر عديدة يمكنه الاعتماد عليها ليتمكّن من التعامل مع موقف ما، لذلك لا توجد وصفة موحدة يمكن اتباعها للجميع.

حين تكون أمام موقف يجبرك على ترك دائرة راحتك، فإنك قد تكون عرضة للشعور بالضعف أو اليأس، ولكننا نمتلك القدرة على تفعيل قدراتنا الكامنة فينا للمضي نحو هذه المواقف بكل ثقة. تجنب الاستخفاف بما لديك من شجاعة ومرونة وقدرة على التكيّف. خض غمار التجارب الجديدة، وقد تتفاجأ بعدها بالنتائج التي حققتها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي