ملخص: تسعى الشركات اليوم بجدية إلى تحقيق ابتكارات ثورية على نحو متزايد. ولكن لتحقيق النجاح بطريقة ملموسة وفعالة من حيث التكلفة وفي الوقت المناسب، تحتاج الشركات إلى إقامة شراكات مع شركات أخرى لديها مصالحها وشواغلها الخاصة، ما تَبين أنه صعب للغاية. للشراكات أهمية خاصة في قطاع التكنولوجيا الذي يتحرك بسرعة مع الابتكارات التي تُعد وقوداً بالنسبة إليه. يقدم المؤلفون في هذه المقالة تقريراً عن الجهود التي بذلتها شركة ميتا لإقامة شراكات ناجحة في مجال الابتكار مع شركات أخرى، ويعرضون توجيهات للقادة الذين يرغبون في أن يحذو حذوها.
يقدم الابتكار الثوري نماذج ومنصات جديدة، ويخرج بعائلات جديدة من المنتجات ويخلق فرصاً اقتصادية، لكنه لم يكن قطّ عملاً منفرداً؛ فحتى أكبر الشركات تحتاج إلى شركاء.
توفر الشراكات في مجال الابتكار الكثير من المزايا. فهي تعوض تكاليف البحث والتطوير، وتضيف خبرة ومرونة، وتساعد على خلق أسواق جديدة. ويمكنها أيضاً تسريع الجداول الزمنية للابتكار والترويج التجاري، وهو أمر مهم للغاية بالنظر إلى أن تحقيق ابتكارات ثورية وترويجها تجارياً يمكن أن يستغرق عقوداً. وهذا هو السبب في أن 94% من المسؤولين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا يعتبرون أن إقامة شراكات في مجال الابتكار استراتيجية ضرورية.
المشكلة هي أن غالبية علاقات التعاون هذه تفشل، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحقيق ابتكارات ثورية فعلياً.
فما السبب في ذلك؟ هناك العديد من الأسباب المختلفة: تختار الشركات شركاء غير مناسبين، أو تضع أهدافاً غير موفقة، أو تعجز عن التواصل بفعالية أو تفشل في الوفاء بمتطلبات كل منتج، أو ترفض مشاركة المعلومات السرية الحيوية خوفاً من تسرب الملكية الفكرية، أو تقاوم التغيير أو لا تستطيع التعامل مع الظروف غير المتوقعة. الحقيقة هي أن الابتكار معقد ومحفوف بالمخاطر، ويمكن أن يزيد التعاون من هذه المخاطر.
ينطبق هذا بالتأكيد على الشركات التي تعمل على خلق تجارب قائمة على الواقع المعزز والواقع الافتراضي والميتافيرس. لكي تحقق هذه الشركات أهدافها، تحتاج إلى القيام بابتكارات ثورية في مجال البصريات والمعدات الحاسوبية وتكنولوجيات المواد، ما قد يستغرق عقوداً من دون الابتكار التآزري. فالمخاطر كبيرة، ولتحقق هذه الشركات النجاح يجب أن تقيم علاقات التعاون المناسبة.
إدراكاً من شركة ميتا بلاتفورمز (Meta Platforms)، حيث يعمل اثنان منا (آندي وطه) وقدمت أحدنا (باولا) استشارات لها، بأنه لا يمكن بناء الميتافيرس إلا من خلال إقامة شراكات، تواصلت الشركة منذ وقت ليس ببعيد مع أكثر من 12 شركة تكنولوجيا واقترحت أنواعاً جديدة من العلاقات التعاونية. لم تكن الشراكات مع ميتا جديدة بالنسبة إلى هذه الشركات، ولكن لأسباب منها إمكانية التنفيذ والمخاطر المالية وتوزيع الملكية الفكرية كان معظمها يرفض التعاون في تحقيق ابتكارات تكنولوجية ثورية جديدة. فنظراً إلى الاعتماد على تطبيقات الواقع المعزز والواقع الافتراضي وحدها، شعرت هذه الشركات أن المخاطر التقنية والتجارية لا تبرر الاستثمار. على سبيل المثال، مورّد مواد رئيسي لأحد المكونات المهمة لتكنولوجيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لا يمكن أن يبرر الاستثمار في تطوير مواد جديدة بناءً على حجم مستهلكي تلك التكنولوجيات. ولكن إعادة صياغة شروط التعاون ونموذجه أتاحت للشريك الوصول إلى السوق الأوسع خارج نطاق تطبيقات ميتا، ما يبرر استثماره.
لتنمية هذه العلاقات، التي تم تصميمها للتشجيع على تحقيق ابتكارات ثورية سريعة، كان على ميتا والشركات المشاركة ابتكار طرق جديدة لتعزيز الثقة والانفتاح وإدارة المخاطر والتعريف بالفرص. على وجه التحديد، كان عليها 1) إرساء قواعد معقدة لإسناد الملكية الفكرية ومنح الحق في تسويق نتائج علاقات التعاون أو الاستفادة منها، 2) إنشاء أنظمة منصفة وفعالة لتسوية النزاعات، 3) اكتشاف كيفية توزيع عبء المخاطر والعبء المالي.
بدا هذا العمل صعباً ومحفوفاً بالمخاطر في أثناء القيام به، لكنه الآن يؤتي ثماره: %93 من الشركات التي تواصلت شركة ميتا معها انخرطت الآن في شراكات في مجال الابتكار، وقد أدت علاقات التعاون الجديدة هذه إلى تحقيق وفورات في البحث والتطوير للشركة بما يقرب من 100 مليون دولار (حتى الآن) وتسريع عملية تطوير المواد الجديدة ووصولها للأسواق بأكثر من 3 سنوات، وتمكنت الشركات الشريكة من تسويق منتجات متعددة تعتمد على تكنولوجيا المنصة نفسها بسرعة أكبر وبمخاطر أقل.
تعلمنا الكثير في هذه العملية حول ما يؤدي إلى نجاح الشراكات في مجال الابتكار. وسنقدم لكم في هذه المقالة بعض المبادئ التوجيهية المفيدة التي انبثقت من عملنا.
قواعد المشاركة
تبدأ الشراكات الناجحة في مجال الابتكار بالثقة. للحفاظ على تأييد الموردين والحيلولة دون تسبب الارتياب أو الإلهاء في إنهاء الشراكة، ستحتاج إلى تصميم تجارب تتسم بالشفافية وجذابة للمورّد.
لنأخذ على سبيل المثال الشراكة التي أقامتها شركة ميتا مع إحدى الشركات المدرجة على قائمة فورتشن 500 لبناء مادة جديدة. في البداية كانت الشركة متشككة حول إمكانية بناء المادة، وكانت ميتا مترددة في الكشف عن تفاصيل مهمة حول حالة الاستخدام الخاصة بها، خوفاً من تسرب الملكية الفكرية. لكن اتضح أن الشركة لن تشعر أنها يمكن أن تشارك بصورة كاملة كشريك إلا من خلال الكشف عن هذه التفاصيل. لذلك كشفت شركة ميتا عنها، وتمكنت الشركتان من مناقشة الكيفية التي سيعود بها الابتكار المأمول بالنفع على كلتيهما. وحلت الثقة والانفتاح والشفافية محل الشك، وسرعان ما تعاونا معاً لتحقيق ابتكار ثوري.
من المهم بناء الثقة مع الشركاء ليس فقط قبل التعاون ولكن في أثنائه أيضاً. فهذا يساعد على تعزيز العلاقات الطويلة الأمد. وهناك طرق عديدة للقيام بذلك: إشراك الشركاء في عمليات الابتكار، وبذل جهود للحفاظ على علاقاتك بهم حتى بعد تقديم الابتكار الذي تعاونت معهم لتحقيقه، ومشاركة الملكية الفكرية القائمة حتى يتمكن شريكك من تطوير ابتكارات محددة يستطيع بيعها إلى آخرين. ويجب التحلي بالشفافية بخصوص ما يلي: من المهم إضفاء الصبغة الرسمية على كيفية توزيع الملكية الفكرية والفوائد العائدة من التسويق التجاري.
غالباً ما يكون الوضع المعتاد في الشراكات في مجال الابتكار هو أن يمتلك كل طرف ملكيته الفكرية القائمة والملكية الفكرية الناتجة التي يطورها المخترعون التابعون له في أثناء التعاون. قد يبدو هذا النهج معقولاً، حيث يستفيد كل طرف من إبداعاته، لكنه لا يشجع على مشاركة الأفكار ويمنح الأطراف سبباً للتركيز على الاختراعات "المنفردة"، دون إيلاء اعتبار لاحتياجات المنتج النهائي.
يتمثل النهج الأكثر عملية وانفتاحاً وإنصافاً في أن تحدد مهمات الأعمال الأساسية لكل طرف الملكية الفكرية الناتجة، بمعزل عن الإسهامات المتعلقة بالملكية الفكرية القائمة التي يقدمها كل طرف لتطوير التكنولوجيا. بالنسبة إلى المجالات التي تتداخل فيها المصالح، فإن الطرف الذي لديه الملكية الفكرية عادة هو مَن يتحمل مسؤولية التسويق التجاري للتكنولوجيا بمساعدة سلسلة التوريد، ويحصل الطرف الآخر على ترخيص شامل وغير حصري ودون حقوق ملكية. يُعد منح تراخيص الملكية الفكرية القائمة لتكنولوجيا معينة فكرة جيدة أيضاً، لأنه يعطي الشركاء الأفضلية، ما يعزز قدرتهم على الابتكار ويحد من المخاطر التقنية وتلك المتعلقة بالجدول الزمني ويتيح لهم ولعملائهم التوجه إلى سوق أوسع بالتكنولوجيات التي يطورونها. في إحدى شراكاتنا، مُنح أحد موردي المواد الملكية الفكرية للمكونات التي استخدمت مواده المبتكَرة، وفي المقابل وافق على التكامل رأسياً وتحمل مسؤولية سلسلة التوريد الخاصة بالمكون.
تسوية النزاعات
بالطبع لن ينهي هذا النوع من الإيثار المتبادل جميع النزاعات. لذلك ينبغي للشركاء عند تحديد شروط مشروعهم المشترك أن يقروا رسمياً بأنه من المحتمل أن تنشأ خلافات ونزاعات وأن الممثلين عن كلا الجانبين سيحتاجون إلى حلها معاً. وسيحتاجون أيضاً إلى تصميم نظام لتسوية النزاعات يفترض وجود علاقة طويلة الأمد بين الطرفين ويعامل كليهما بإنصاف. يجب أن يُلزم هذا النظام الشركاء بالاجتماع بانتظام لتحديد ما إذا كان يتم تحقيق أهداف العمل. في حالة النزاعات، يجب تصميم عملية التسوية وتنفيذها بطريقة لا تتعارض مع الابتكار الجاري. إذ يجب أن يتمثل هدفها في حل النزاعات على المستوى الذي تحدث فيه، وهو أمر ممكن في معظم النزاعات. ولا ينبغي تصعيد الحالات لنظام تسوية النزاعات إلا إذا فشلت الجهود الرامية إلى تسوية النزاعات على هذا المستوى، كما يحدث أحياناً عندما تظهر ابتكارات غير متوقعة لا تلائم نموذج توزيع الملكية الفكرية. وحتى إذا لم ينجح ذلك، وتعذرت تسوية النزاع على أي مستوى، فيمكن آنذاك إشراك وسطاء ومحكمين تقليديين.
توزيع المخاطر
ثم هناك مسألة التكاليف التي غالباً ما تكون مرتفعة للغاية عند تطوير التكنولوجيات وتكييفها مع منتج أو تطبيق واحد. وينطبق هذا بصفة خاصة على الجيل الأول من المنتجات أو التطبيقات حيث تكون الكميات قليلة ويحرص الشركاء على استرداد استثماراتهم في البحث والتطوير. يمكن لمنصة تعاونية متعددة الاستخدامات ومخصصة لتطوير المواد والمكونات والأجهزة وتسويقها أن تجعلها مجدية بشكل أكبر من الناحية التجارية من اليوم الأول لإنتاجها، على نطاق من المرجح أن يقلل تكاليف التصنيع.
يتمثل النهج المعتاد المتبع في توزيع المخاطر في الشراكات التعاونية في تحميل كل طرف مسؤولية تكاليفه من بداية المشاركة وحتى الإنتاج. لكن هذا النهج قد لا يوفر الحوافز اللازمة للشركاء لكي يلتزموا بتخصيص موارد عالية الجودة للتعاون على المستوى المطلوب للتصدي للمشكلات التقنية التي تنطوي على تحديات كبيرة.
هناك نهج أفضل، وهو الذي اعتمدته شركة ميتا مع شركائها، يتمثل في السماح لجميع المشاركين بتحمُّل المخاطر بما يتناسب مع المكاسب المحتملة التي يتم تقديمها لهم. وقد اتضح أن الشركاء الخارجيين يكونون أكثر ميلاً إلى الاضطلاع بمهمات التطوير المحفوفة بالمخاطر من الناحية التقنية إذا تم منحهم الإذن باستخدام التكنولوجيا الأساسية لتلبية مجموعة متنوعة من احتياجاتهم طوال الطريق. اتبعت شركة ميتا هذا النهج لتطوير مكون إلكتروني بصري جديد صغير: محول تيار مستمر رافع للجهد ذو جهد عال. بدلاً من التركيز فقط على متطلبات هذا المحول المناسبة لاستخدامنا، تم تشجيع المورّد على تصميم هذا المكون كمنصة يمكن تكييفها مع أي محول من هذا النوع ضمن نطاق محدد مع إجراء الحد الأدنى من التغييرات في التصميم، ما سيجعل المنصة مناسبة لتطبيقات متعددة ذات احتياجات مختلفة من الجهد الكهربي.
لهذا النهج العديد من المزايا: فهو يقلل من المخاطر التي يتعرض لها المورّد، ولا يقصر تطوير المنتج على استخدام عميل واحد، ويحد من المزايا السوقية المحدودة زمنياً في مجال الاستخدام الأصلي للعميل، ويطفئ تكاليف تطوير التكنولوجيات الجديدة عبر العديد من التطبيقات وأجيال المنتجات، ما يهيئ الظروف التي تتيح للشركاء القيام بمهمات كانوا يرون أنها محفوفة بمخاطر كبيرة.
أخيراً، كل هذا يتوقف على الثقة. إذا كنت ترغب في تحقيق ابتكارات ثورية وتسويقها بكفاءة، فأنت بحاجة إلى التعاون مع شركاء سيأتون إلى طاولة المفاوضات بمصالحهم وتوقعاتهم وشواغلهم. ولبناء الثقة وإقامة تعاون مثمر في هذا الموقف، ستحتاج إلى إرساء قواعد للمشاركة تتسم بأنها واضحة وتحقق النفع للطرفين، ومعرفة كيفية توزيع المخاطر بإنصاف. إذا تمكنت من إدارة ذلك، فستتمكن من التعامل مع النزاعات والشواغل التي ستنشأ حتماً، ولن تحافظ على ابتكارك فحسب بل ستتمكن من تسريع وتيرته أيضاً.