$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7061 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(9045)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(13) "44.203.58.132"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7068 (45) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(113) "/%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%87%D9%86%D9%87%D9%85/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(13) "44.203.58.132"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86b7a5aa5e0307b6-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(133) "https://hbrarabic.com/%d9%86%d8%ac%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%88%d8%a7%d8%ac-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%87%d9%86%d9%87%d9%85"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(13) "44.203.58.132"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.4" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "162.158.87.205" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "36778" ["REDIRECT_URL"]=> string(41) "/نجاح-الأزواج-في-مهنهم/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711629190.842732) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711629190) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(16) "paid_subscribers" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7069 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7070 (2) { ["content_id"]=> int(9045) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

كيف يمكن للزوجين العاملين في مهنتين مختلفتين إنجاح هذه التجربة؟

21 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التقى كل من كاميليا وبيير عندما كانا في مطلع الأربعينيات من العمر بعد أن كان زواج كل منهما السابق قد انتهى بالطلاق. كانا كلاهما ملتزمين بعمق بمساريهما المهنيين وبعلاقتهما الجديدة. كانت كاميليا، التي تعمل كمحاسبة، قد شعرت بالضغط الذي مارسه عليها زوجها السابق لكي تبطئ تقدمها باتجاه تولي منصب الشريك في شركتها. أما بيير، مدير الإنتاج في إحدى شركات السيارات، فقد كان واقعاً في براثن طلاق مرير مع زوجته، التي كانت قد تخلت عن مسارها المهني لاستيعاب التنقلات الجغرافية التي كان عمله هو يتطلبها. (كما هو الحال مع الأزواج الآخرين المذكورين في هذه المقالة، فإن اسميهما ليسا حقيقيين). وبما أن كلاً منهما كان قد خرج مجروحاً من تجربته السابقة، فقد اتفقا على وضع مساريهما المهنيين على قدم المساواة. في بادئ الأمر، سارت الأمور بسلاسة، ولكن بعد مضي عامين، بدأت كاميليا تشعر أنها عالقة في فخ مسارها المهني الذي أدركت أنها كانت قد اختارته لأن ذلك “كان الخيار الصائب في رأيها آنذاك”.

أصغى بيير إلى شكوكها وشجعها على استكشاف البدائل وهو يعي تماماً العهد القائم بينهما. لكن مع انقضاء الأشهر، بدأ يشعر بتزايد الضغوط عليه بعد أن اضطر إلى المواءمة بين تقديم الدعم العاطفي إلى كاميليا، والتعامل مع الشؤون اللوجستية المعقدة للعائلة (وكلاهما كان لديه أولاد من زواجه السابق)، والنجاح في وظيفته الشاقة جداً. وعندما بدأ يشكك في الاتجاه الذي يأخذه مساره المهني الشخصي، تساءل كيف يمكن لهما هما الاثنان أن يتدبرا أمر تغيير مسارهما. لم يكن بوسعهما تحمّل تكاليف أخذ إجازة من العمل، كما لم يكن بمقدورهما تخصيص الوقت الكافي للتأمل والمحافظة على عائلتهما وعلاقتهما. شعر الاثنان بالإحباط والإنهاك وتساءلا كيف بوسعهما الاستمرار في إيجاد المعنى في حياتيهما وتحقيق الإنجازات فيهما.

ثمّة تزايد في أعداد الأزواج الذين يمتلك كل منهما مساره المهني الخاص به. فوفقاً لشركة “بيو” (Pew) للأبحاث، يعمل كلا الشريكين في 63% من الزيجات التي فيها أطفال في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال (هذا الرقم أعلى بقليل مما هو عليه في الاتحاد الأوروبي). العديد من هذه الزيجات تضم زوجين يعمل كل منهما في مهنة منفصلة: كلا الزوجين يتمتعان بتعليم عالٍ، ويريان نفسيهما على مسار مهني صاعد في منصبيهما. بالنسبة لهؤلاء الأزواج، كما هو حال كاميليا وبيير، العمل هو مصدر أساسي للهوية وقناة أساسية للطموح. وثمة براهين متنامية من أبحاث علم النفس تشير إلى أنه عندما يكرس كلا الشريكين نفسيهما للعمل وللحياة العائلية، فإنهما يحققان مكاسب مثل الحصول على حرية اقتصادية أعلى، وعلاقة أكثر إرضاءً، واحتمال طلاق أدنى من المعدل الوسطي.

ولكن بما أن الحياتين المهنيتين والشخصيتين للزوجين اللذين يعملان في مهنتين مختلفتين متداخلة بعمق، فإنها يواجهان تحديات فريدة من نوعها. كيف يقررا ما إذا كانت وظيفة أي منهما تستحق الانتقال إلى مكان آخر بسببها، أو متى يكون من المقبول بالنسبة لأحد الشريكين أن يجري تغييراً مهنياً محفوفاً بالمخاطر، أو من سيغادر الوظيفة باكراً لإحضار طفل مريض من المدرسة إلى المنزل؟ كيف يمكن أن يمنحا التزاماتهما العائلية – وبعضهما البعض – اهتمامهما الكامل رغم انشغالهما كليهما في مناصب شاقة؟ وعندما يريد أحدهما أن يُدخِل تعديلاً جذرياً على مساره المهني، فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للشريك الآخر؟ يجب عليهما الإجابة عن هذه الأسئلة معاً، بطريقة تسمح لهما أن ينجحا في الحب والعمل. فإذا لم يفعلا ذلك، فإن الشعور بالأسف واختلال التوازن سرعان ما يتناميا، مُهَددين بعرقلة مساريهما المهنيين، أو إنهاء علاقتهما، أو كلا الأمرين معاً.

الكثير من هذه التحديات معروف جيداً، وأنا شخصياً سبق لي أن كتبت في هارفارد بزنس ريفيو مقالاً يبيّن كيف يمكن للشركات تكييف استراتيجيات إدارة المواهب لديها لتأخذ بحسبانها بعض هؤلاء الأزواج (“إدارة المواهب والأسر التي يعمل فيها الزوجان في الوقت نفسه”، هارفارد بزنس ريفيو العربية، العدد 15، 2018). لكن بالنسبة لهؤلاء الأزواج أنفسهم، ليس هناك الكثير من الإرشادات المتاحة. فمعظم النصائح تعامل القرارات المهنية الأساسية كما لو أن أحد الزوجين يحلق بمفرده، دون شريك، أو أطفال، أو والدين في عمر الشيخوخة يجب عليه أن يأخذهما بالحسبان. وعندما يتعلق الأمر بالزوجين، فإن النصائح تركّز على علاقتهما، ولكن ليس على الكيفية التي تتقاطع بها هذا العلاقة مع أحلامهما المهنية، أو هي تتطرّق إلى كيفية الموازنة بين بعض المقايضات المحددة، مثل المسارات المهنية في مقابل العائلة، أو كيف يمكن منح الأولوية لسفر الشريكين لأغراض العمل. ما يحتاج إليه الزوجان هو مقاربة أشمل للتعامل مع اللحظات التي تتصادم فيها الالتزامات مع الطموحات.

أفضت تجربتي الشخصية كزوجة تمتلك هي وزوجها مسارين مهنيين مختلفين، وإدراكي لضعف حجم الأبحاث الأكاديمية المنهجية التي أنجزت في هذا المجال، إلى إجراء بحث دام على مدار ست سنوات وشمل حياة أكثر من 100 زيجة بين شخصين يمتلك كل منهما مساره المهني الخاص، وسيكون محور كتابي القادم “الزوجان العاملان” (Couples That Work). ينحدر الأشخاص الذين درستهم من أنحاء مختلفة في العالم، وهم أناس تتراوح أعمارهم ما بين أواسط العشرينيات والستينيات، ويمثلون مجموعة واسعة من المهن، من تنفيذيين في الشركات الكبرى إلى رواد أعمال إلى عاملين في القطاع الخيري غير الربحي. (راجعوا الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان “نبذة عن البحث”). كشف بحثي النقاب عن أن الزوجين العاملين في مهنتين مختلفتين يتغلبان على تحدياتهما من خلال التعامل مباشرة مع قواهما النفسية والاجتماعية الأعمق – مثل الصراع على السلطة والسيطرة؛ والآمال والمخاوف والخسارات الشخصية؛ والافتراضات والتوقعات الثقافية بخصوص الأدوار التي يجب أن يؤديها كل شريك في حياة شريكه الآخر، وما الذي يعنيه لامتلاك علاقة جيدة أو مسار مهني جيد.

كما اكتشفت أيضاً أن هناك ثلاثة تحولات تحصل عادة في الحياتين المهنية والعاطفية للزوجين العاملين، عندما تكون هذه القوى تحديداً قوية. ووجدت أنه خلال التحولات هذه، يلجأ بعض الأزواج إلى صياغة طريقة تسمح لهما بالنجاح في الحب والعمل، في حين يغرق آخرون في النزاعات والندم. وإذا ما فهم الزوجان العاملان كل تحوّل، وعلما ما هي الأسئلة التي يجب على كل منهما أن يطرحها على الآخر، وما هي الفخاخ التي يجب عليهما تجنبها، بوسعهما أن يخرجا أقوى، وأن يحققا إنجازات أكثر في علاقتهما المشتركة وفي مساريهما المهنيين.

فكرة المقالة بإيجاز

[su_box title=”فكرة المقالة بإيجاز” style=”soft” box_color=”#4c5ada” title_color=”#000000″ radius=”6″]

المشكلة

عندما يكون لدى زوجين مساران مهنيان مجهدان، فإن حياتيهما العملية والشخصية تكونان متداخلتين بعمق ولا يمكن فصم عراهما – وغالباً ما تكونان متعارضتين.

التحولات

يميل الزوجان اللذان يمتلكان مسارين مهنيين مختلفين إلى المرور بثلاثة تحولات يكونان خلالها في حالة ضعف: عندما يتعلمان لأول مرة كيف يعملان معاً كزوجين؛ وعندما يمران بحالة إعادة ابتكار الذات في أواسط الحياة؛ وفي المراحل النهائية من حياتيهما العمليتين.

الحل

الزوجان اللذان يتواصلان خلال كل تحول بشأن قيمهما، وحدودهما، ومخاوفهما لديهما فرصة جيدة لامتلاك علاقة ومسيرتين مهنيتين حافلتين بالإنجازات.[/su_box]

التحول الأول

العمل كزوجين

عندما التقى جمال وإيميلي، كانا في أواخر العشرينيات من العمر، وكانت المقايضات هي آخر ما يدور في ذهنيهما. كانا مفعمين بالطاقة، والتفاؤل، والعزم على عيش حياتهما على أكمل وجه. كان جمال يعمل مدير مشاريع في شركة هندسة مدنية ويسافر كثيراً لأغراض العمل، وكان يكلف بقيادة مشاريع يتزايد تعقيدها مع مرور الوقت، في حين كانت إيميلي، التي عملت في شركة للملابس، قد حصلت للتو على ترقية إلى أول منصب لها في الإدارة. كانا يجتمعان على الأغلب خلال عطلة نهاية الأسبوع، التي كانا يقضيانها في معظم الأحيان في مغامرات في الطبيعة وتسلق الجبال. تزوجا بعد 18 شهراً من تعارفهما.

بعد ذلك، وفي غضون ثلاثة أشهر، طرأ تغيّر دراماتيكي على حياتهما. فأثناء حمل إيميلي بطفلتهما الأولى، طلب مدير جمال منه أن يدير مشروعاً أساسياً للبنية التحتية في المكسيك. وافق جمال على إمضاء ثلاثة من أصل كل أربعة أسابيع شهرياً في العاصمة مكسيكو سيتي؛ كما أن تخصيص بعض من أجره الأعلى لتوفير رعاية إضافية للطفلة سيسمح لإيميلي أن تستمر في العمل في مدينة هيوستن، حيث كانا يعيشان. ولكن بعد ولادة طفلتهما أليشا قبل أسبوعين من موعدها الطبيعي، وجد جمال نفسه عالقاً في مطار مكسيكو سيتي بانتظار طائرة تقله إلى بلده. وسرعان ما اكتشفت إيميلي، التي كانت تتدبر بمفردها شؤون أليشا ووظيفتها وبيتهما، أن الرعاية الإضافية للطفلة لم تكن كافية؛ شعرت بعبء الثقل الملقى على كاهلها وأحست أنها لا تحظى بالتقدير الكافي. كان جمال منهكاً جراء السفر المتكرر والضغط المفروض عليه من المشروع الجديد العملاق؛ فشعر بالعزلة وعدم الكفاءة وأحس بالذنب.

بعد الكثير من الجدال والنقاش استقرا على ما كانا يأملان أن يكون بمثابة حل عملي: فبما أن جمال كان يحقق دخلاً أعلى، تولت إيميلي منصباً في مشروع أصغر حجماً بوسعها إدارته عن بعد، وانضمت هي وأليشا إليه في المكسيك. لكن إيميلي شعرت بالبعد والانفصال عن المكتب الرئيس لشركتها وفاتها الحصول على ترقية، وفي نهاية المطاف ازداد استياؤها من هذا الوضع. وعندما بدأ مدير جمال يتحدث عن المهمة التالية، كان نزاعهما قد وصل إلى مراحل متقدمة من الحدة.

أول تحوّل يجب على الزوجين العاملين في مهنتين مختلفتين أن يتعاملا معه غالباً هو ما يحصل كرد فعل على أول حدث رئيس في حياتهما يواجهانه معاً، وهو عادة ما يكون فرصة مهنية كبيرة، أو ولادة أول طفل، أو انضمام أفراد عائلة من زيجات سابقة إليهما. فإذا ما أراد الشريكان التكيف مع الوضع، يجب عليهما أن يتفاوضا على كيفية تحديد أولويات مساريهما المهنيين وتقسيم التزاماتهما العائلية. فعل ذلك بطريقة تسمح لهما بالنجاح يستلزم تحولاً ضمنياً، إذ يجب عليهما الانتقال من امتلاك مسارين مهنيين متوازيين وحياتين مستقلتين إلى مسارين مهنيين وحياتين قائمتين على التداخل والاتكال المتبادل فيما بينهما.

يُظهرُ بحثي وجود نمطين شائعين للزوجين اللذين يتفاوضان على أول تحول في حياتهما:

التركيز حصراً على الحلول العملية. في التحول الأول بالتحديد، غالباً ما يبحث الأزواج عن حلول لوجستية لتحدياتهم، كما فعل جمال وإيميلي عندما رتبا لتوفير رعاية إضافية لطفلتهما، وتفاوضا على عدد عطلات نهاية الأسبوع التي سيقضيها جمال في المنزل. هذا التركيز مفهوم – فهذا النوع من المشاكل ملموس، في حين أن التوترات النفسية والاجتماعية ضبابية وتتسبب بحالة من القلق – لكنه يطيل أمد الصراع، لأن هذه التوترات تظل قائمة دون حل.

عوضاً عن أن يتفاوض الزوجان ببساطة على الجداول الزمنية وقوائم المهام الواجبة الإنجاز، يجب عليهما أن يفهما العواطف والقيم والمخاوف التي تشكّل أساساً لقراراتهما وأن يتشاركانها وأن يناقشانها. فالحديث عن المشاعر إضافة إلى التفاصيل العملية يمكن أن يساعدهما في التخفيف من وقعها وتدبر شؤونها.

في التحول الأول الذي يواجهه الزوجان اللذان لديهما مهنتين مختلفتين، يجب أن ينتقلا من امتلاك مسارين مهنيين وحياتين متوازيتين ومستقلتين إلى مسارين وحياتين متداخلتين ومتكلتين على بعضهما البعض.

إسناد القرارات بصورة أساسية إلى المال. يركّز العديد من الأزواج على المكسب الاقتصادي في معرض اتخاذهما للقرار بشأن مكان العيش، وأي من المسارين المهنيين يحظى بالأولوية، ومن سيبذل الجهد الأكبر في رعاية الطفل. ورغم منطقية ذلك (وعدم إمكانية تجنبه في بعض الأحيان)، إلا أنه يعني غالباً أن قراراتهما تكون في نهاية المطاف متعارضة مع قيمهما ورغباتهما.

قلة من الناس فقط يعيشون من أجل تحقيق المكسب المالي وحده. ففي مساراتهم المهنية هم يشعرون أيضاً بالتحفيز جرّاء حصولهم على تعليم متواصل وتحمّلهم لمسؤوليات أكبر. أما خارج العمل، فهم يريدون إمضاء الوقت مع أطفالهم ومتابعة اهتماماتهم الشخصية. قد ينجذب الزوجان إلى موقع معيّن بسبب قربه من أفراد العائلة الكبيرة، أو جودة الحياة التي يوفرها، أو قدرتهما على بناء مجموعة مجتمعية قوية. إسناد القرار بالانتقال إلى المكسيك على أساس راتب جمال الأعلى كان يعني أنه هو وإيميلي يتجاهلان اهتماماتهما الأخرى، ما زاد من حالة عدم الرضا لديهما.

[su_box title=”نبذة عن البحث” style=”soft” box_color=”#4c5ada” title_color=”#000000″ radius=”6″]

درستُ 113 حالة زواج لشريكين لدى كل واحد منها مسار مهني مختلف. تراوحت أعمارهما بين 26 و63 عاماً، وكان التوزع بين الفئات العمرية متساوياً. كانت الغالبية العظمى من حالات الزواج هذه – 76 حالة – هي لأناس في شراكتهما الزوجية الأولى. انحدر المشاركون في الدراسة من 32 بلداً من أربع قارات، وقد عكست خلفياتهم العرقية والدينية هذا التنوع. في وقت إجراء الدراسة، كان 35% منهم يقيمون في أميركا الشمالية، و40% في أوروبا، و25% في بقية أنحاء العالم. في 68 حالة زواج منها كان أحد الشريكين على الأقل لديه أطفال. أقل من 60% من المشاركين كان لديهم مسار مهني في عالم الشركات. وتوزع الآخرون بصورة متساوية تقريباً بين مختلف المهن (مثل الطب والمحاماة والمجال الأكاديمي)، وريادة الأعمال، والحكومة، وقطاع العمل الخيري غير الربحي.

أجريت مقابلات مع كل زوج وزوجة ضمن هؤلاء الأزواج على حدة، وسألت كل واحد منهما عن تطور علاقتهما، ومساريهما المهنيين، وتفاعلهما كزوجين، وشبكتهما المؤلفة من العائلة والأصدقاء.

[/su_box]

يناقش الزوجان الناجحان أسس مسيرتهما المشتركة نحو المستقبل وبنيتها. أولاً، يجب عليهما أن يتوصلا إلى شيء من الاتفاق على الجوانب الأساسية لعلاقتهما: قيمهما، وحدودهما، ومخاوفهما. (راجعوا الفقرة الجانبية بعنوان “دليل التعاقد بين الزوجين”) يساعدهما التفاوض والتوصل إلى حل مشترك في هذه المجالات على التعامل مع القرارات الصعبة لأن بوسعهما الاتفاق على المعايير سلفاً. إنجاز هذه المهمة معاً هو أمر في غاية الأهمية؛ فالزوجان القادران على إنجاح هذا الترتيب، كما وجدتُ، هما من يتخذان خياراتهما بانفتاح معاً، عوضاً عن أن يقوموا بذلك ضمنياً ونيابة عن بعضهما بعضاً. أما الأزواج الذين درستهم ولم يسبق لهم قط أن تطرقوا إلى معاييرهم الأساسية، فقد عانوا في التحولات اللاحقة لأن هذه المعايير لا تختفي أبداً.

بعد ذلك يجب على الزوجين أن يناقشا كيف سيمنحان الأولوية لمساريهما المهنيين ويتقاسمان الالتزامات العائلية. ليس السعي إلى تحقيق معادلة 50/50 هو الخيار الأفضل دوماً؛ كما لا يجب على أحدهما أن يقرر منح الأولوية للمسار المهني للآخر.

هناك ثلاثة نماذج أساسية يمكن أخذها بالحسبان: (1) في النموذج “الأساسي – الثانوي”، يحظى المسار المهني لأحد الشريكين بالأولوية على حساب المسار المهني للشريك الآخر طوال فترة حياتهما العملية. يخصص الشخص الأساسي وقتاً أطول للعمل ووقتاً أقل للعائلة، وعادة ما تأتي التزاماته المهنية (ومتطلباته الجغرافية) قبل الالتزامات المهنية أو المتطلبات الجغرافية للشخص الثانوي. (2) في نموذج “تبادل الأدوار”، يتفق الشريكان على تبادل الدورين الأساسي والثانوي بانتظام. (3) في نموذج “الاثنان أساسيان”، يواصلان التعامل مع مسارين مهنيين أساسيين.

يُظهر بحثي أن الأزواج قادرون على الشعور بالإنجاز في مساراتهم المهنية وعلاقاتهم بغضّ النظر عن النموذج الذي يتبنونه، طالما أنه متوافق مع قيمهم وطالما أنهم يناقشون خياراتهم ويتفقون عليها صراحة. الزوجان اللذان يسيران في الخيار الثالث هما على الأغلب الأنجح، رغم أن هذا النموذج على ما يقال هو الأصعب، وتحديداً لأن الزوجين مُجبران على معالجة النزاعات في معظم الأحيان.

رغبة من إيميلي وجمال بتجاوز المأزق الذي مرّا به، ناقشا الأشياء المهمة بنظرهما بعيداً عن النجاح المالي، وقد اختارا مضي كل منهما قدماً في المسار المهني الذي اختاره، والقرب من الطبيعة، وتوفير منزل مستقر لأليشا يسمح لهما أن ينشطا في تربيتها معاً. اعترفا بخوفهما من أن تزداد الهوة بينهما، واتفقا على شرط مهم لتهدئة هذه المخاوف، ألا وهو أنهما سيعيشان في المدينة ذاتها وسيحدان من زمن السفر إلى 25% من وقتهما. كما اتفقا على أن تكون حدودهما الجغرافية هي أميركا الشمالية، واقترح جمال أن يرسما معاً دوائر على الخارطة حول المدن التي كانا يشعران أنهما يمكن أن يختاراها موطناً وأن يمتلكا فيها مسارين مهنيين. قادتهما حواراتهما وتمرين رسم الخرائط هذا في نهاية المطاف إلى حل، هو عبارة عن بداية جديدة في أطلنطا حيث يمكنهما اتباع نموذج “الاثنان أساسيان”. بعد مرور ثلاثة أعوام، كانا يمضيان قدماً في مساريهما المهنيين، وسعيدين في حياتهما العائلية، وينتظران مولودهما الثاني.

التحول الثاني

إعادة ابتكار نفسيهم

تقول إحدى نظريات علم النفس إن العديد من الناس وفي وقت مبكر من حياتهم يتّبعون مسارات مهنية وشخصية تتوافق مع توقعات أهاليهم، وأصدقائهم، وأقرانهم، ومجتمعهم، بينما يشعر عديدون في أواسط سنوات عمرهم بحاجة ملحّة إلى العثور على ذواتهم الفردية الحقيقية، أو الانعتاق من هذه التوقعات ليصبحوا مؤلفين لقصص حياتهم الذاتية. عادة ما يحصل ذلك عندما يصل الناس إلى الأربعينيات من عمرهم، بغضّ النظر عن حالة علاقتهم، وهذا جزء من عملية تعرف باسم شائع هو “أزمة منتصف العمر”.

نميل إلى التفكير في أزمة منتصف العمر في معظم الأحيان من زاوية شخصية (رجل يترك زوجته مثلاً ويشتري سيارة رياضية)، ولكن في حالة الزوجين اللذين يمتلك كل واحد منهما مساراً مهنياً مختلفاً، التركيز المكثف على النجاح المهني يعني أن هذين المسارين المهنيين للشريكين يخضعان للتدقيق أيضاً. تشكّل هذه الأزمة الشخصية والمهنية المزدوجة الأساس للتحول الثاني. كان كل من كاميليا وبيير، اللذين بدأنا المقال بقصتهما، كانا وسط هذه الأزمة بالتحديد.

عندما يكون كل شريك في خضم صراعه من أجل إعادة تعريف ذاته، غالباً ما يصطدم الطرفان بترتيبات مستقرة كانا قد توصلا إليها منذ زمن طويل، وكذلك بالهويات، والعلاقة، والمسارين المهنيين اللذين كانا قد صاغاهما معاً. قد تحتاج بعض هذه الترتيبات – مثل تحديد من منهما يحظى مساره المهني بالأولوية – إلى إعادة نظر للسماح لأحد الشريكين بترك عمله واستكشاف البدائل. قد يكون من المؤلم التشكيك في الخيارات التي اتخذاها معاً خلال التحول الأول وبنيا حياتهما منذ ذلك الوقت على أساسها. وقد يشكّل ذلك تهديداً للعلاقة؛ إذا ليس من غير الشائع أن يفسر أحد الشريكين رغبة الشريك الآخر بإعادة النظر في خيارته السابقة لمساره المهني على أنها نزعة إلى إعادة النظر في العلاقة أيضاً، أو حتى احتمال إنهائها. الزوجان اللذان يحسنان التعامل مع هذا التحول يجدان طرقاً للتواصل فيما بينهما، ودعم بعضهما البعض خلال هذه العملية التي يمكن أن تجعل المرء يشعر وكأنه وحيد.

غالباً ما يبدأ التحول الثاني – وهذا كان حال كاميليا وبيير – عندما يعيد أحد الشريكين النظر في مساره المهني أو مسيرة حياته. يجب على ذلك الشخص أن يتأمل في أسئلة من قبيل: ما الذي قادني إلى هذا المأزق؟ لماذا اتخذت الخيارات التي اتخذتها؟ من أنا؟ ما الذي أرغب بالحصول عليه من الحياة؟ ماذا أريد أن أصبح؟ كما يجب عليه أيضاً أن يمضي بعض الوقت في استكشاف المسارات البديلة، من خلال المناسبات المخصصة للتعارف، والملازمة الوظيفية، والندب إلى وظيفة أخرى، والعمل التطوعي، وهكذا دواليك. يمكن لهذا النوع من التأمل والاستكشاف الفرديين أن يقودا الزوجين إلى الفخ الأول المصاحب للتحول الثاني:

عدم الثقة واتخاذ موقف دفاعي. العيش مع شريك منهمك في استكشاف مسارات جديدة يمكن أن يكون تجربة باعثة على الشعور بالتهديد. حيث تظهر إلى السطح أسئلة مؤلمة: لماذا لا يشعر شريكي بالرضا؟ هل هذه مشكلة مهنية أم مشكلة في العلاقة؟ هل أنا الملام؟ لماذا يحتاج إلى أناس جدد؟ هل أنا لم أعد كافياً؟ يمكن لهذه الشكوك أن تقود إلى حالة من عدم الثقة واتخاذ موقف دفاعي، ما قد يدفع الشريك الذي يمر برحلة استكشاف إلى المزيد من الانسحاب من العلاقة، الأمر الذي يجعل الآخر يشعر بقدر أكبر من عدم الثقة ويميل إلى الدفاع أكثر، حتى تصبح العلاقة بحد ذاتها في نهاية المطاف عائقاً أمام استكشاف الذات الفردية، عوضاً عن أن تكون مساحة له.

في مثل هذه الحالة، يجب على الناس أن يكونوا أولاً منفتحين إزاء طرح مخاوفهم وأن يَدَعوا شركاءهم يطمئنونهم إلى أن الخوف ليس نابعاً منهم أو من العلاقة. بعدها يجب عليهم تبنّي ما يسميه النقاد الأدبيون “تعطيل الشك” – أي الإيمان أن الأمور التي تساورهم الشكوك بشأنها ستتجلى بطرق ملفتة وهي تستحق إيلاءها الاهتمام. هذا الموقف سيغني حياتهما وسيجعل رحلة الاستكشاف لدى الشريك أسهل.

أخيراً، يجب أن يفهما دوريهما كداعِمَين. يطلق علماء النفس على هذا الدور في العلاقة اسم “القاعدة الآمنة” وينظرون إليها بوصفها عنصراً حيوياً لنمو الشريك الآخر. تسمح لنا القاعدة الآمنة التي كان أول من طرحها أصلاً عالم النفس جون بولبي أن نستكشف أنفسنا خارج حدود ذواتنا ومنطقة ارتياحنا بوجود شخص آخر إلى جانبنا يهدئ من مخاوفنا تجاه القيام بهذه الخطوة. يجب على الداعمين ألا يبالغوا في التدخل، وأن يشجعوا شريكهم على الاستكشاف والتأمل، حتى لو كان ذلك يعني الابتعاد عن العلاقة المريحة التي سبق لهم أن رسخوها.

لكن أداء دور القاعدة الآمنة للشريك ينطوي على فخه الذاتي:

الدعم غير المتناظر. عند بعض الأزواج، يوفر أحد الزوجين الدعم الدائم للشريك الآخر دون تلقي الدعم في المقابل. هذا ما حصل لكاميليا وبيير. فتجربة بيير في زواجه السابق، الذي تخلت فيه زوجته عن مسارها المهني لصالح مساره هو، جعلته عازماً على دعم كاميليا، وقد أظهر نفسه في بادئ الأمر ليكون بمثابة قاعدة آمنة لها. لكن حياتيهما كانتا ممتلئتين إلى حد أن كاميليا واجهت صعوبة في إيجاد الطاقة لترد له الجميل. فكانت النتيجة هي أن استكشافها وتأملها أصبحا عائقاً أمام رحلة بيير في الاستكشاف والتأمل، وأدى هذا الوضع إلى وجود حجر عثرة في طريق النمو وإلى مأزق في العلاقة. من المهم أن يتذكّر من يؤدي دور القاعدة الآمنة أن ذلك الدور لا يعني القضاء على رغباته الذاتية، أو التكفير عن أنانية الماضي، أو التحلي بالمثالية. بوسعك أن تكون شخصاً داعماً رائعاً لشريكك مع طلب الدعم في المقابل وأخذ الوقت الذي تحتاجه لنفسك. في الحقيقة، هذا الأمر سيجعلك على الأغلب داعماً أفضل بأشواط، كما سيجعلك أقل استياءً بكثير.

في بحثي الذي أجريته، وجدت أن الزوجين اللذين يتمكنان من تجاوز التحول الثاني هما الزوجان اللذان يشجع كل واحد منهما الآخر على القيام بهذا العمل – حتى لو كان ذلك يعني أن واحداً منهما يستكشف ويوفر الدعم في الوقت ذاته.

بعد أن تكون قد أتيحت الفرصة للشريك المُستكشِف ليقرر ما يريده في مسار مهني، أو حياة، أو علاقة، تتمثل الخطوة التالية في تحويل ذلك إلى واقع – كزوجين. يحتاج الزوجان إلى التفاوض على الأدوار التي يؤديها كل واحد منهما في حياة الآخر. لنأخذ حالة ماثيو وجين، وهما زوجان آخران تحدثت إليهما، كانا قد ارتقيا السلم المهني خلال علاقتهما معاً والتي يزيد عمرها على 18 عاماً. عندما أدرك ماثيو أنه يريد الترجّل مما أسماه قطار النجاح – الذي شعر أنه لم يكن أكثر من راكب عابر فيه – اضطر هو وجين إلى التخلي عن هويتهما كزوجين قويين وإعادة النظر في الاتفاق الخاص بأولويات المسار المهني اللذين كانا قد أبرماه خلال التحول الأول لهما. في بادئ الأمر، كان ماثيو متردداً في الحديث إلى جين حول شكوكه لأنه كان يشك فيما إذا كانت جين ستظل تحبه حتى لو غيّر اتجاهه. ولكن عندما شرعا في مناقشة المسألة أدركا أن هويتهما كزوجين قويين قد أوقعتهما في فخ ديناميكية معيّنة كانا مضطرين فيها هما الاثنان إلى النجاح لكن لم يكن بمقدور أي منهما أن يلمع أكثر من الآخر. سمح الاعتراف بهذا الترتيب غير المعلن وإعادة التفاوض عليه لجين أن تسعى للحصول على أول منصب لها كتنفيذية أولى ولماثيو أن ينتقل إلى قطاع العمل الخيري. ساعدهما الوقت والاهتمام اللذين بذلاهما للإجابة عن أسئلتهما الوجودية والتفاوض على الأدوار التي كان كل منهما يؤديها في حياة الآخر على الدخول في فترة نمو متجددة في مساريهما المهنيين وفي علاقتهما.

التحول الثالث

الخسارة والفرصة

كان حضور نورا لجنازة والدتها واحدة من أصعب تجارب حياتها. كانت ذروة عامين من التغيير الهائل بالنسبة لها هي وزوجها جيرمي وهما كانا في أواخر الخمسينيات من العمر. بدأ التغيير عندما توفي والداهما فجأة وبفارق خمسة أسابيع بينهما، وقد أصبحا هما من يرعى والدة نورا المريضة، في وقت كان فيه أولادهما يغادرون العش لينطلق كل منهم في مساره المهني الخاص به.

جيرمي هو فنان متخصص بالفنون البصرية الرقمية. كانت المشاريع الأساسية في الاستديو التابع له تقترب من نهايتها لأن أحد زبائنه الكبار كان على وشك تركه. ورغم حزنه، إلا أنه كان يتمتع بما يكفي من الثقة لكي يشعر بالسعادة تجاه أي خطوة تالية ستحصل له. نورا، من جهتها، كانت تعمل لدى شركة صغيرة للآلات الزراعية منذ أكثر من 26 عاماً؛ ورغم أنها أرادت ذات مرة تغيير مسارها المهني، إلا أنها شعرت بعدم قدرتها على اتخاذ هذه الخطوة، في حين كان جيرمي يعتمد عليها للحصول على الدعمين العاطفي واللوجستي. الآن يُطلب منها أن تقبل صفقة للتقاعد المبكر من الشركة. شعرت وكأنه قد ألقي بها على قارعة الطريق على الرغم من التزامها الطويل بالشركة. لا مسار مهنياً، ولا أهل، ولا أطفال تعتني بهم – فمن أصبحت الآن؟ شعرت بالضياع وفقدان البوصلة.

بما أن الأجيال السابقة كانت تتقاعد في عمر أبكر، ولم تكن تعش بهذا الطول، ولم تعش عصر اقتصاد الأعمال المستقلة، فإن العديد من الأزواج يفتقرون إلى نماذج يقتدى بها في مجال إعادة ابتكار الذات.

عادة ما يظهر التحول الثالث إلى حيّز الوجود نتيجة حصول تغيّر في الأدوار في مرحلة لاحقة في الحياة، غالباً ما يتسبب بظهور إحساس عميق بالخسارة. فالمسارات المهنية تدخل طور الاستقرار أو تتراجع؛ والأجساد لا تعود في ذات الحالة التي كانت عليها يوماً؛ والأطفال، إن كان هناك أطفال أصلاً، يغادرون البيت. في بعض الأحيان، يكون المسار المهني لأحد الشريكين مازال قوياً، في حين يكون المسار المهني للشريك الآخر قد بدأ بالتراجع. وبعد أن يكون الزوجان قد عاشا سباقاً محموماً على مدار عقود من النمو المهني وتنشئة الأطفال، يصحوان على حقيقة تغيّر أحدهما كثيراً منذ أن وقعا في الحب. وقد ينتابهما هما الاثنان هذا الشعور. تطرح هذه التغيّرات مجدداً أسئلة جوهرية عن الهوية: من أنا الآن؟ من هو الشخص الذي أريد أن أمضي معه ما تبقى من حياتي؟

رغم أن الخسارة هي ما يطلق العنان للتحول الثالث عادة، إلا أنه ينطوي على فرصة أيضاً. فاحتمالات إعادة ابتكار المرء لنفسه في وقت متأخر في حياته هائلة، ولاسيما في عالم اليوم. فمتوسط العمر المتوقع للإنسان في تزايد في أنحاء العالم، وقد ينعم الزوجان المسنان بعدة عقود من الصحة الجيدة نسبياً والتحرر من المسؤوليات المكثفة للأبوة والأمومة. بما أن المسارات المهنية والعمل أصبحا أكثر مرونة، وخاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الخبرة، فإن بوسع الناس الانخراط في عدة أنشطة بسهولة أكبر مما كان عليه الحال بالنسبة للأجيال السابقة – كأن يجمعوا ما بين الأعمال الاستشارية وتقديم المشورة وشغل عضوية مجالس الإدارة، على سبيل المثال. وغالباً ما تشمل أنشطتهم رد الجميل إلى المجتمع المحلي، أو ترك إرث معيّن، أو تقديم الإرشاد للأجيال الأصغر سناً، أو إعادة اكتشاف الأشياء التي كانوا شغوفين بها في شبابهم، أو تكريس وقت أكبر للصداقات.

تتمثل مهمتهم في التحول الثالث في إعادة ابتكار أنفسهم بحلّة جديدة أيضاً – هذه المرة بطريقة ذات جذور ضاربة في إنجازات الماضي، من جهة، ومتفائلة تجاه الاحتمالات والإمكانيات المستقبلية، من جهة أخرى. يجب عليهم أن يحزنوا على القديم، وأن يرحبوا بالجديد، وأن يكتشفوا طريقة للمواءمة بين الاثنين، وأن يعدّلوا مسار حياتهم لدعم الشخصيات التي يريدون أن يصبحوها.

أحد الأشياء التي أذهلتني عندما كنت أتحدث إلى الأزواج الذين يمرّون بتحولهم الثالث هو أن أقوى النتائج تحصل عندما يعيد الشريكان ابتكار نفسيهما معاً – ليس فقط التأمل المشترك، كما كان الأمر في التحولين الآخرين، وإنما ممارسة نشاط جديد فعلياً، أو تولي مشروع معيّن جنباً إلى جنب. عندما يكون لدى أحدهما حب استطلاع تجاه حياة شريكه وعمله، تماماً مثل حب الاستطلاع الموجود لديه تجاه حياته وعمله هو، ساعتها تتبدى إمكانيات هائلة للدخول في مرحلة إعادة إحياء مشترك للطرفين. التقيت العديد من الأزواج اللذين كانا كلاهما يرسمان مسارات جديدة انطلاقاً من هذا التحول شملت الدمج بين عمليهما، كإطلاق مشروع جديد معاً، على سبيل المثال.

لا يخلو التحول الثالث من فخاخه أيضاً:

الأعمال غير المنجزة. لحسن الحظ، أو لسوء الحظ، فإن الأنماط والمقاربات والقرارات والافتراضات السابقة التي تخص العلاقة سوف تؤثر على الطريقة التي يتجلى بها التحول الثالث في حياة أي زوجين. وجدتُ أن التحدي الأكثر شيوعاً في إدارة هذا التحول كان التغلب على الندم تجاه الإخفاقات المتصورة في الطريقة التي كان الشريكان قد “عملا” بها كزوجين – مثلاً كيف كانت الطريقة التي حددا بها أولويات مساريهما المهنيين، أو كيف دعم كل شريك (أو لم يدعم) تطور الشريك الآخر.

إذا ما أراد الزوجان عبور التحول الثالث بنجاح، يجب أن يعترفا أولاً كيف وصلا إلى المكان الذي وصلاه وأن يلتزم كل منهما بأداء دور آخر في حياة شريكه مستقبلاً. على سبيل المثال، وجدت نورا وجيرمي نفسيهما عالقين في نمط كانت نورا فيه هي من يدعم جيرمي. بإدراكهما لهذه الحقيقة – ولدوريهما هما الاثنان في تعزيزها – تمكّنا من أن يصبحا أكثر دعماً لبعضهما البعض.

الآفاق الضيقة. في الوقت الذي يكون الزوجان قد وصلا فيه إلى التحول الثالث، سيكونان ربما قد عانيا من نصيبهما العادل من خيبات الأمل والنكسات. فقد يكونان مُتعَبين من سنوات من العناية المتبادلة، أو من مجرّد المراوحة في مكانيهما. ومع حصول تبدّل في دوريهما وتنامي المخاوف بخصوص هويتيهما، ربما تكون إعادة ابتكار الذات خارج الحسابات. إضافة إلى ذلك، وبما أن الأجيال السابقة كانت تتقاعد في عمر أبكر، ولم تكن تعش بهذا الطول، ولم تعش عصر اقتصاد الأعمال المستقلة، فإن العديد من الأزواج يفتقرون إلى نماذج يقتدى بها في مجال إعادة ابتكار الذات في هذه المرحلة من الحياة. فإذا لم يعمدا من تلقاء نفسيهما إلى توسيع آفاقهما، فإنهما سيفوّتان فرصة اكتشاف نفسيهما من جديد.

لذلك يجب على الزوجين الاستكشاف من جديد. وحتى أكثر من التحول الثاني، هما بحاجة إلى تجريب عدة احتمالات. فتماماً كما هو حال الأطفال الذين ينعمون بموفور الصحة، والذين يتملكهم حب استطلاع العالم وأنفسهم والمحيطين بهم، بوسع الزوجين السعي وراء خبرات وتجارب جديدة، وتجنّب المسلمات، والاستمرار في طرح السؤال “لماذا؟”. نلجأ معظمنا إلى قمع حب الاستطلاع الذي كان ملازماً لنا في طفولتنا مع تقدم الحياة وتراكم الإمكانيات. ولكن من الحيوي بمكان التغلب على الخوف من التخلي عن ذات نحتفي بها، ومن الضروري السماح للطموحات والأولويات أن تتنوع. الاستكشاف في هذه المرحلة هو شكل من أشكال التجديد.

توفر التحولات الحاصلة في أدوار الناس وهوياتهم عذراً مثالياً للتشكيك في عملهم، وحياتهم، وحبهم الحاليين. فالعديد من الناس يربطون الاستكشاف بالبحث عن خيارات جديدة، وهذا أمر مهم بالتأكيد. لكن الأمر يتعلق أيضاً بالتشكيك في الافتراضات والمقاربات وطرح السؤال التالي: “هل هذه هي فعلاً الطريقة التي يجب أن تنجز بها الأشياء؟”

بعد أن أعادت نورا وجيرمي التوازن إلى الدعم المتبادل بينهما، أصبح بوسعهما الانفتاح على إمكانيات جديدة. وبما أنهما حققا الأمان المالي من عملهما السابق، فقد سعيا إلى تحقيق حالة إعادة الابتكار ليس في مساريهما المهنيين فحسب، وإنما في أدوارهما الأوسع في العالم أيضاً. فبعد أن شجع كل منهما شريكه، تحول كلاهما إلى العمل الحر. فجيرمي أصبح فناناً في مجال الفنون البصرية الرقمية يعمل لحسابه الخاص، وحصل على وظيفة بدوام جزئي في كلية محلية لتدريس الفنون للشباب، وخصص وقتاً إضافياً لشغفه بالإبحار في زوارق التجديف. وحصلت نورا على تدريبات جديدة لتعمل كاستشارية للعائلات المكلومة وبدأت بالتطوع في متحف زراعي محلي. بحصولهما على هذه الفرص الجديدة، ومع توفر المزيد من الوقت ليقضياه معاً ومع أصدقائهما، شعرا بنوع من الرضا المتجدد عن عملهما وعلاقتهما.

تختلف التحديات التي يواجهها الزوجان في كل تحول لكنها تظل مترابطة. ففي التحول الأول للشريكين، يتأقلمان مع حدث رئيس في حياتهما من خلال التفاوض على الأدوار التي سيؤديها كل منهما في حياة الآخر. ومع مرور الوقت، تصبح هذه الأدوار مُقيدة وتفسح المجال لشيء من القلق والتشكيك الذي يقود إلى التحول الثاني. ولكي ينجح الزوجان في التعامل مع التحول التالي، يجب عليهما معالجة حالات الندم والاختلالات الناتجة من أول تحولين مرّا بهما.

ليس هناك من مسار أو حل واحد صائب لمواجهة هذه التحديات. ورغم أن الزواج القائم على قاعدة 50/50 أي تقاسم الشريكين لأعباء العمل المنزلي ورعاية الأطفال بالتساوي بينهما، مع وجود تزامن مثالي في مساريهما المهنيين – قد يبدو بمثابة فكرة مثالية نبيلة، إلا أن بحثي يشير إلى أنه عوضاً عن الهوس بمحاولة المحافظة على “علامة” متساوية، فإن الزوجين الذين يعملان في مهنتين مختلفتين سيكونان أفضل حالاً فيما لو ثابرا على اتخاذ خياراتهما المتعلقة بالجمع بين حياتيهما معاً بطريقة قائمة على حب الاستطلاع والتواصل واستباق الأحداث.

دليل التعاقد بين الزوجين

طورتُ اعتماداً على بحثي أداة منهجية لمساعدة الزوجين اللذين لديهما مساران مهنيان مختلفان ويواجهان أي من التحولات الثلاثة الموصوفة في هذه المقالة. أطلق على هذه الأداة اسم “تعاقد الزوجين”، لأن الشريكين الراغبين بصياغة مسار مشترك يجب عليهما معالجة ثلاثة مجالات هي القيم والحدود والمخاوف، والعثور على أرضية مشتركة في كل واحد منها. تصف القيم اتجاه المسار، بينما الحدود هي ما يرسم حدود المسار، فيما تكشف المخاوف عن حواف الوديان المحتملة الموجودة على طرفي هذا المسار. سيسهّل التشارك في رؤية واضحة لهذه المجالات الثلاثة على الشريكين التفاوض والتغلب على التحديات التي يواجهانها معاً.

أولاً، يجب على كل واحد منهما أن يخصص بعض الوقت للاختلاء بنفسه وتدوين أفكاره بخصوص كل مجال من هذه المجالات الثلاثة. بعد ذلك يجب عليهما تبادل تأملاتهما، والإصغاء إلى إجابات بعضهما البعض. يجب على كل واحد منهما أن يعترف بردود الآخر وأن يقاوم أي إغراء للتقليل من شأن مخاوف شريكه أو الاستهزاء بها. بعد ذلك ينبغي التركيز على الأرضية المشتركة بينهما وعلى المجالات التي تتفاوت فيها قيمهما وحدودهما. ليس هناك من زوجين يحققان نجاحاً مثالياً في هذين المجالين، ولكن إذا كان التفاوت بينهما كبيراً، يجب أن يتفاوضا على حل وسط. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحدهما يتحمل فكرة عيشكما متباعدين لفترة من الزمن والآخر لا يتحملها، فأنتما بحاجة إلى رسم حدود مقبولة لكما.

القيم

عندما تكون خياراتنا وتصرفاتنا متوافقة مع قيمنا، فإننا نشعر بالرضا؛ وعندما لا يتحقق هذا التوافق، فإننا نشعر بالتوتر وعدم السعادة. مناقشة قيم الزوجين فقط هي ما سيسهّل عليهما اتخاذ خيارات متوافقة معها. على سبيل المثال، إذا كنتما كشريكين تعلمان أنكما قدران كثيراً الوقت المخصص للعائلة، فإنكما ستكونان واضحين بشأن عدم قبول أي واحد منكما وظيفة تستدعي العمل لمدة 70 ساعة أسبوعياً.

أسئلة يطرحها كل واحد منكما على الآخر: ما الذي يسعدك ويشعرك بالفخر؟ ما الذي يمنحك الرضا؟ ما الذي يجعل الحياة أجمل؟

الحدود

تشارككما في رسم الحدود معاً يسمح لكما باتخاذ قرارات كبيرة بسهولة أكبر. يجب أن تأخذوا بحسبانكم ثلاثة أنواع من الحدود هي: المكان، والوقت، والحضور.

أسئلة يطرحها كل واحد منكما على الآخر: هل هناك أماكن تود العمل والعيش فيها في وقت ما من حياتك؟ هل هناك أماكن تفضل تجنبها؟ بما أننا متفاهمان على أننا في بعض الأحيان قد نضطر للعمل لساعات أطول مما نرغب، ما هو برأيك حجم العمل الزائد عن اللزوم؟ ما هو شعورك تجاه فكرة أن نعمل في مدينتين مختلفتين، وأن نعيش متباعدين لفترة من الزمن؟ ما طول هذه الفترة؟ ما هي مدة السفر لأغراض العمل التي تعتبر زائدة عن اللزوم، وكيف سنتعامل مع مسألة السفر فيما بيننا؟

المخاوف

إن رصد كل واحد منهما لمخاوف الآخر يمكن أن يساعدهما في كشف المتاعب واتخاذ إجراء وقائي قبل أن تدخل علاقتهما المنطقة الخطرة. هناك العديد من المخاوف التي تنتشر على نطاق واسع في العلاقات والمسارات المهنية: فقد يخشى كل واحد منهما أن تتدخل عائلة الشريك في علاقتهما، أو أن تتباعد المسافة بينهما مع مرور الوقت، أو أن يضطر أحدهما إلى التضحية بمساره المهني لصالح المسار المهني للشريك الآخر، أو أنهما قد لا يتمكنان من إنجاب الأطفال. لكن خوض أحاديث مشتركة عن هذه المخاوف يسمح لهما بإبداء قدر أكبر من التعاطف والدعم. فإذا كنت تعلم أن شريك حياتك قلق بشأن دور أهلك في حياتكما، على سبيل المثال، فإنك ستكون أكثر ميلاً إلى إدارة حدود العلاقات بين شريكك وبين أفراد العائلة بحس مرهف. وعلى المنوال ذاته، إذا كنت كشريك مهتماً بإحداث نقلة محفوفة بالمخاطر في مسيرتك المهنية لكنك قلق من أن تحول الالتزامات المالية دون حصولها، يمكنك الاتفاق مع شريك حياتك على تخفيف نفقات الأسرة من أجل توفير بعض المال على سبيل الحماية.

أسئلة يطرحها كل واحد منكما على الآخر: ما هي الأمور التي تشغل بالك فيما يخص المستقبل؟ ما هو أكبر خوف ينتابك عند التفكير في طريقة تفاعل علاقتنا مع مسارينا المهنيين؟ ما الذي تخشى من احتمال حصوله في حياتينا؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!