يسطع نجم التعهيد الجماعي للأفكار سريعاً بوصفه قناة الابتكار السائدة لدى الشركات. ويبدو أن الجمهور لديه لجميع أنواع مشكلات الابتكار - فبوسعه التوصل إلى أفكار للعب الجديدة واستخلاص حلول للتحديات العلمية الملحة. من الناحية النظرية، يمتلك الجمهور إمكانات هائلة: فالمجموعة الكبيرة المتنوعة من الأشخاص التي تشمل خبراء وغيرهم من شتى أنحاء العالم من المفترض أن يكون لديها وجهات نظر جديدة تطرح رؤى ثورية ثاقبة بخصوص مشكلة محددة.
ولكن، من الناحية العملية، لا تزال سلبيات التعهيد الجماعي عديدة. إذ تنتهي غالبية مبادرات التعهيد الجماعي للأفكار بعدد مذهل من الأفكار العقيمة. لننظر إلى مبادرة التعهيد الجماعي للأفكار لشركة "بريتيش بتروليوم" (BP). عندما تسبب الانفجار الذي وقع في عام 2010 وأصاب منصة "ديب واتر هورايزن" (Deepwater Horizon) في حدوث أكبر تسرب نفطي في التاريخ، لجأت شركة "بريتيش بتروليوم" اليائسة إلى الجمهور لتجد سبلاً لإزالة التسرب النفطي. وتلقت الشركة قرابة 123 ألف فكرة من أكثر من 100 دولة في غضون أسابيع قليلة. لقد كانت عملية فرز الأفكار وغربلتها مهمة شاقة جداً، واتضح أن غالبية الأفكار عقيمة تماماً، حتى أن العملية كلها وصفت "بالمجهود المضني الذي تمخض عن نتائج محدودة".
فالتعامل مع صندوق مقترحات مملوء عن آخره لا يستنفذ الوقت ويكلف فحسب، وإنما يشوبه التحيز فيما يتعلق بطريقة انتقاء الأفكار: وعندما تتلقى الشركات عدداً مبالغاً فيه من الأفكار، تميل إلى التركيز على الأفكار المألوفة لديها بالفعل، الأمر الذي يتنافى بالكامل مع الغاية من التعهيد الجماعي للأفكار، ألا وهي استخلاص أفكار جديدة.
كيف تستطيع الشركات جني فوائد التعهيد الاجتماعي لفريق العمل؟
لماذا يتبين أن كثيراً من الأفكار المستخلصة من التعهيد الجماعي للأفكار عقيمة جداً؟ وما الذي تستطيع الشركات أن تفعله حيال ذلك؟ كشف بحثي الأخير عن أن الأمر يتخلص في فهم الدوافع التي تحرك أعضاء الجمهور.
استند البحث على البيانات النوعية والكمية المستقاة من شركة "إنوسنتف" (InnoCentive) - أحد أضخم منصات التعهيد الجماعي للأفكار العالمية لأغراض الابتكار. وبدأت بحثي بإجراء سلسلة من المقابلات الشخصية مع أعضاء المنصة وموظفي الشركة، وتحليل المحتوى الذي صنعه الأعضاء على شبكة الإنترنت (على سبيل المثال، في مدونة الشركة ومنتداها وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بها). وبعدها أجريت استطلاعاً لآراء 646 عضواً ممن قدموا مؤخراً حلاً واحداً على الأقل، وطرحت عليهم أسئلة عن أنفسهم (على سبيل المثال، مستواهم التعليمي وخبرتهم، إلخ)، ودوافعهم للتقدم بحلول. وضاهيت بين الردود على استطلاع الرأي والبيانات التي جمعتها الشركة حول جودة حلولها والجوانب الأخرى لتحدي التعهيد الجماعي للأفكار (على سبيل المثال، المدة وعدد الحلول المقدمة وحجم الجائزة).
واكتشفت أن أعضاء الجمهور يختلفون اختلافاً شاسعاً فيما يختص بالسبب وراء مشاركتهم. فبضعهم يشارك لأنه يعشق الحل الإبداعي للمشكلات حقاً (وهو ما يعرف باسم "الدافع الداخلي"). ويشارك آخرون لأنهم يريدون أن يتعلموا أشياء جديدة ("دافع التعلم")، أو يتركوا أثراً إيجابياً على الآخرين ("دافع مؤيد للمجتمع")، أو يكونوا جزءاً من مجتمع اجتماعي ("دافع اجتماعي"). وليس من المستغرب أن يركز بعض الأعضاء بالدرجة الأولى على الفوز بالجائزة المالية أو غير ذلك من مزايا مثل التقدير والآفاق المهنية الأفضل ("دافع خارجي").
وأظهرت النتائج أيضاً أن هذه الدوافع لها آثار مختلفة على جودة الحلول. فقد ارتبطت الدوافع الداخلية والخارجية بحلول أعلى جودة، بينما ارتبطت دوافع التعلم والدوافع المؤيدة للمجتمع بشكل سلبي بجودة الحلول. ولم يكن الدافع الاجتماعي مؤشراً مهماً على جودة الأفكار.
ومن بين تفسيرات هذه النتائج أن بعض الدوافع تصرف الانتباه والمجهود بقدر أكبر إلى التعاطي مع قيود المشكلة (كالمتطلبات الفنية والأهداف المحددة)، ويؤدي ذلك إلى حلول أعظم قيمة. على سبيل المثال، قد يجلب الدافع الداخلي في طياته تركيزاً أقوى على المشكلة وتفاصيلها، حيث تكون المشكلة ذاتها هي السبب الرئيس للمشاركة. وبالمثل، قد يعتني الأشخاص أصحاب الدافع الخارجي بتفاصيل المشكلة لأن الفوز بالجوائز غالباً ما يعول على الالتزام بقيود المشكلة. وفي المقابل، فالتركيز على التعلم أو فعل الخير أو الانضمام إلى مجتمع ما قد يؤدي إلى حلول بعيدة عن الصواب، حيث ينصب التركيز على جوانب أخرى بخلاف المشكلة الأساسية.
وبالتالي، لتفادي سيل الأفكار العقيمة، ينبغي أن تبحث الشركات فكرة تصميم مبادرات التعهيد الجماعي للأفكار الخاصة بها بطريقة تشجع ذوي الدوافع الداخلية والخارجية، وتجعل المزايا المقدمة لأصحاب الدوافع المؤيدة للمجتمع ودوافع التعلم في الوقت ذاته أقل وضوحاً.
ولتعزيز الدافع الداخلي، يمكن للمدراء مثلاً تسليط الضوء على متعة حل المشكلات، وتقديم ملاحظات إيجابية، وتحديد المستوى السليم للقيود في مبادرات التعهيد الجماعي للأفكار الخاصة بهم. وبوسعهم أيضاً تقديم العديد من الجوائز الخارجية. إن الجائزة المالية الكبيرة بقدر كاف مهمة، ولكن من المفيد أيضاً أن يتجاوز تفكير المرء موضوع المال: فالمزايا غير النقدية، كالتقدير والتقدم الوظيفي، عوامل محركة مهمة للجودة أيضاً. وتتضمن أمثلة تلك المزايا طرح الحلول الفائزة وأسماء الأعضاء الفائزين على العديد من المنافذ (على سبيل المثال، على المنصة نفسها ومدونات الشركة وصفحات التواصل الاجتماعي، إلخ)، أو استغلال أدوات ألعاب التحفيز (توظيف الألعاب لغير أغراض اللعب)، كقوائم المتصدرين وشارات الحالة لتقدير الأعضاء الناجحين.
وبينما يستطيع المدراء التقليل من شأن فرص التعلم والفرص الاجتماعية (على سبيل المثال، الوصول إلى الخبراء أو الموجهين أو الموارد) والتي ينطوي عليها التعهيد الجماعي للأفكار، من المهم بحث الهدف الكلي للمبادرة قبل استبعاد هذه الدوافع كلياً. إن دافع التعلم ليس بالضرورة عقيماً عندما تعول المبادرة أساساً على المشاركة المتكررة للأعضاء على مدار فترة زمنية طويلة (على سبيل المثال، منصة "Lego Ideas")، لأن الأعضاء يستطيعون استغلال ما تعلموه للتوصل إلى أفكار أفضل في نشاطات مستقبلية. وبالمثل، على الرغم من أن الأعضاء المدفوعين بالتأييد المجتمعي يخلصون إلى أفكار متدنية الجودة، فربما يخلقون قيمة عندما يتوصلون إلى أفكار بشكل جمعي (على سبيل المثال، منصة "أوبن أي دي إي أو" (OpenIDEO))، حيث من المرجح أن يبذلوا جهداً مضاعفاً لمساعدة الآخرين على تحسين أفكارهم والارتقاء بها.
ويمكن أن يساعد تنفيذ هذه الرؤى المتعمقة المدراء في الحصول على مجموعة من الحلول المثالية من جهود التعهيد الجماعي للأفكار التي يبذلونها، مجموعة تتضمن عدداً أسهل في التعاطي معه من الحلول، دون استبعاد أي حل ربما كان يتمتع باحتمال ولو ضئيل في أن يقدم تطوراً فائقاً في حل المشكلة المتعلقة بالإبداع.
في المرة القادمة التي تبادر فيها إلى تصميم مبادرة تشاور جماعي للأفكار، ضع في اعتبارك الجوانب التي تحفز الجمهور، وتداعيات تلك الحوافز على أفكارهم، كما عليك الانتباه من سلبيات التعهيد الجماعي. إن مفتاح تسخير الإمكانات الإبداعية للتشاور الجماعي للأفكار ليس تحفيز الجميع واستخلاص أكبر عدد ممكن من الأفكار، وإنما تصميم هيكل تحفيزي يستقطب الأشخاص المناسبين. ربما كانت البركة في القليل متى تعلق الأمر بالحصول على أفضل قيمة من التعهيد الجماعي للأفكار.