النظر لشركة ما على أنها “دخيلة” يُعد ميزة تنافسية عند التوسّع

5 دقيقة
سوق أجنبية
ميراج سي/غيتي إميدجيز

ملخص: يترافق دخول أي سوق أجنبية مع تحديات متأصلة، وتتغلب شركات عالمية عدة على هذه التحديات من خلال تقليل اختلافها الثقافي والاندماج في البيئات المحلية. ومع ذلك، قد يُسفر الحفاظ على الاختلاف الثقافي وتقبّله عن مزايا غير متوقعة. بعبارة أخرى، قد يصبح الاختلاف الثقافي ميزة تنافسية، سواء باستفادة الشركة من مكانتها بصفتها شركة أجنبية للوصول إلى أسواق العمل المحلية، أو سعيها إلى إقامة علاقات فعالة لبناء المصداقية، أو عقدها شراكات استراتيجية لتعزيز النمو الدولي المتبادل؛ فتبني نهج يعترف بالاختلاف الثقافي ويستفيد منه يتيح للشركات التغلب على التحديات في البيئات غير المألوفة والازدهار فيها حتى.

يفرض التوسع في الأسواق الدولية العديد من التحديات للشركات بسبب طبيعتها الأجنبية؛ إذ تواجه تحديات متعددة، منها عدم الإلمام ببيئة العمل المحلية والاختلافات الثقافية، ومواجهة مشكلات تتعلق بالمصداقية في جذب العملاء والموردين، وامتلاك موارد أقل مقارنة بالشركات المحلية. على سبيل المثال، عندما دخلت شركة أوبر السوق اليابانية، تصادم نموذجها المزعزع مع التشريعات والثقافة المحلية التي تمجّد الالتزام بالقوانين. وبالمثل، واجهت الشركة الهندية المتخصصة في مجال تكنولوجيا الإعلانات، إن موبي (InMobi)، عقبات في تنمية أعمالها في الصين بسبب صعوبة تمييز علامتها التجارية. كما هُزمت العلامة التجارية العالمية للقهوة، ستاربكس، أمام سلسلة المقاهي المحلية إيلي كافيه (Illycaffe) في إيطاليا التي تفوقت عليها من حيث عدد المتاجر والموارد.

تحاول شركات عدة التقليل من هذه التحديات من خلال الاندماج في السوق المحلية ومحاولة تقليد المنافسين المحليين، لكني لاحظتُ بعد سنوات من كتابة البحوث وإجراء أكثر من 100 مقابلة شخصية مع الشركات المتعددة الجنسيات من جميع أنحاء العالم أن تقبّل الاختلاف الثقافي بنهج مدروس قد يؤدي إلى تحقيق النمو والنجاح في الأسواق الأجنبية، وأوجز أدناه الأساليب التي أثبتت فعاليتها في الاستفادة من الاختلافات الثقافية لاكتساب ميزة تنافسية:

الاستفادة من "استثناءات الأجانب"

قد تجد الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات نفسها منعزلة عن الشبكات المحلية، لكن قد يوفر هذا الانفصال أيضاً فرصة لتجنب التقاليد المجتمعية التي تعوق تقدم الشركات المحلية. لنتأمّل الممارسة القائمة منذ أمد طويل في اليابان المتمثلة في توفير التوظيف مدى الحياة؛ بمعنى أن يواصل الموظفون عملهم في الشركة إلى حين التقاعد. على الرغم من أن هذا النظام يعزز الولاء والاستقرار، ويقلل تكاليف التوظيف التي تتكبدها الشركات، فقد ينتج عنه أيضاً هياكل مؤسسية غير مرنة تعوق الابتكار، وقد تشكّل قلة المرونة هذه تحدياً للشركات خلال فترات الركود؛ أي عندما ينخفض الأداء وتظهر الحاجة إلى تقليص الحجم. على سبيل المثال، خلال الأزمة الاقتصادية في اليابان، استفادت بعض الشركات الأميركية والأوروبية العاملة في اليابان من أنها شركات أجنبية واختارت تسريح الموظفين لاجتياز المحنة، في حين ترددت الشركات اليابانية المتشبثة بالنظام المحلي في اتخاذ إجراءات مماثلة خوفاً من التداعيات، بما فيها انتقادات وسائل الإعلام ورد فعل العملاء السلبي، ما أدى إلى تفاقم التحديات التي تواجهها.

يُعد هذا النهج فعالاً أيضاً في التخلص من نظام التراتبية الوظيفية وتعزيز استقطاب المواهب. على سبيل المثال، يتلقى الأفراد العاملون في المناصب العليا في العديد من الشركات الصينية معاملة تفضيلية، مثل الإقامة في فنادق فاخرة في أثناء رحلات العمل؛ في حين تُخصص للموظفين ذوي المراتب الوظيفية الأدنى أماكن إقامة أقل تكلفة. ومع ذلك، تحدّت شركة مواد كيميائية أميركية هذا المعيار من خلال تطبيق معايير سفر موحدة على جميع الموظفين بغض النظر عن مناصبهم (كانت المؤلفة خبيرة تسويق في هذه الشركة)، وأسفر هذا التغيير الذي يبدو بسيطاً لكنه مؤثر عن جذب أصحاب المواهب الصينيين لشعورهم بأن الشركة تقدّرهم وتحترمهم.

ومجدداً، من الصعب على العديد من الشركات المحلية الصينية تطبيق هذه الممارسة نظراً لثقافتها الراسخة القائمة على التراتبية. ومع ذلك، اكتسبت هذه الاستراتيجية أهمية خاصة اليوم، إذ أصبحت عدة من شركات التكنولوجيا الصينية وغيرها من الشركات المحلية تقدم رواتب عالية ومكافآت أداء مغرية لجذب أفضل المواهب، وبالنتيجة أصبحت حزم التعويضات التي تقدمها الشركات الأجنبية غير كافية للتفوق في هذه البيئة التنافسية، ما دفعها إلى استكشاف أساليب بديلة، ومنها الاستفادة من صفتها أجنبية لتوفير معاملة عادلة ومحترمة.

إقامة علاقات مؤثرة

قد تكون عملية بناء الثقة والاعتراف بالعلامة التجارية في سوق جديدة تحدياً صعباً. نجحت بعض الشركات بالفعل في إقامة علاقات مع شخصيات مؤثرة أو مواقع مرموقة أو حتى تحقيق إنجازات بارزة لتعزيز جاذبيتها ومصداقيتها، وتُعد هذه الاستراتيجية أكثر فعالية في الأسواق التي تحمل فيها هذه الروابط قيمة كبيرة في نظر العملاء. على سبيل المثال، عندما دخلت شركة سيكويا كابيتال (Sequoia Capital) السوق الصينية، عمدت إلى التعريف بنفسها بأنها "شركة رأس المال المخاطر في وادي السيليكون التي استثمرت في ستيف جوبز وإيلون ماسك". وعندما بدأ ازدهار قطاع التكنولوجيا في الصين أصبح وادي السيليكون مصدر إلهام للعديد من الشركات، وحظي كل من جوبز وماسك بشعبية كبيرة في الصين. وأسهمت هذه الروابط في جذب رواد الأعمال الصينيين الموهوبين للعمل مع شركة سيكويا، ما أدى إلى تحقيقها نجاحاً ملحوظاً في السوق الصينية، وأبرزهم المؤسس المشارك لمنصة التسوق والتسليم ميتوان (Meituan)، شينغ وانغ، ومؤسس شركة التجارة الإلكترونية في آي بي شوب (Vipshop)، يا شين، ومؤسس شركة الطائرات من دون طيار (الدرون)، دي جي آي (DJI)، فرانك وانغ.

كما تبنت العلامة التجارية الإيطالية الفاخرة للملابس الرجالية، زينيا (Zegna) هذه الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط؛ تتمتع الملابس الرجالية الإيطالية بشعبية كبيرة بين عشاق الموضة في جميع أنحاء العالم، وأبرزت شركة زينيا تراثها الإيطالي وحرفيتها في تصميماتها بالفعل، ما جعلها محط أنظار الرجال المحليين الأثرياء الذين يقدّرون الجاذبية والفخامة المرتبطتين بالملابس الرجالية الإيطالية.

كما أنها استفادت من العصر الرقمي الحالي في تقديم أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتوفير خدمات وأساليب تصميم شخصية؛ إذ استخدمت منصة ثلاثية الأبعاد لتمكين العملاء من تجربة ما يصل إلى 49 خياراً ممكناً لتخصيص الملابس. تُستخدم الأداة حالياً في فئة الملابس المصممة بحسب الطلب، حيث يساعد مستشارو العلامة التجارية العملاء على اختيار أفضل خيارات التصميم استناداً إلى أذواقهم وتفضيلاتهم الفريدة. وأتاح دمج هذه الأداة الثلاثية الأبعاد توسيع نطاق الخيارات المتاحة في فئة الملابس المصممة بحسب الطلب، ما عزز شهرة شركة زينيا في صناعة الملابس الإيطالية الفاخرة.

عقد تحالفات استراتيجية

يمكن للشركات المتعددة الجنسيات الاستفادة من وجودها العالمي لجذب الجهات الفاعلة المحلية وإقامة شراكات ذات منفعة متبادلة، وتبرز فعالية هذه الاستراتيجية عندما تعتزم الجهات الفاعلة المحلية التوسع خارج الحدود. على سبيل المثال، عندما دخلت منصة لينكد إن السوق الصينية، واجهت صعوبات في جذب مستخدمين جدد على الرغم من محاولاتها تقليد استراتيجيات المنافسين المحليين، مثل الإعلانات التقليدية خارج البيئة الرقمية وإقامة الفعاليات وحشد تأييد المشاهير، ولكنها لم تتمكن من تعزيز انتشارها فعلاً وجذب عدد كبير من المستخدمين الجدد إلا حين أبرمت صفقة مع منصة التواصل الاجتماعي المهيمنة في الصين، وي تشات (WeChat)، وضمّنت منصة لينكد إن في حسابات مستخدميها؛ وافقت منصة وي تشات على الشراكة مع منصة لينكد إن لأنها كانت تسعى إلى توسيع وجودها خارج الصين، ومكّنتها شبكة لينكد إن العالمية من جذب جمهور أوسع من المستخدمين الدوليين.

وبالمثل، عقدت شركة وول مارت شراكة استراتيجية مع عملاق التجارة الإلكترونية الياباني راكوتن (Rakuten) لتوسيع وجودها في اليابان، وافتتحت متجرها عبر الإنترنت في موقع راكوتن بالاستفادة من منصته المتطورة للتجارة الإلكترونية وقاعدة عملائه الضخمة، فأتاح هذا التعاون لشركة وول مارت التوسع في السوق اليابانية المربحة. في المقابل، استفادت منصة راكوتن من موقع شركة وول مارت الإلكتروني في الولايات المتحدة لبيع كتبها الإلكترونية، ومن متاجرها التقليدية لتوزيع بطاقات رقمية لمجموعة منتقاة من 40 كتاباً إلكترونياً. عزز هذا التحالف الاستراتيجي جهود التوسع التي تبذلها شركة راكوتن في السوق الأميركية.

يترافق دخول أي سوق أجنبية مع تحديات متأصلة، وتتغلب شركات عالمية عدة على هذه التحديات من خلال تقليل اختلافها الثقافي والاندماج في البيئات المحلية. ومع ذلك، قد يُسفر الحفاظ على الاختلاف الثقافي وتقبّله عن مزايا غير متوقعة. بعبارة أخرى، قد يصبح الاختلاف الثقافي ميزة تنافسية، سواء باستفادة الشركة من مكانتها بصفتها شركة أجنبية للوصول إلى أسواق العمل المحلية، أو سعيها إلى إقامة علاقات فعالة لبناء المصداقية، أو عقدها شراكات استراتيجية لتعزيز النمو الدولي المتبادل؛ فتبنّي نهج يعترف بالاختلاف الثقافي ويستفيد منه يتيح للشركات التغلب على التحديات في البيئات غير المألوفة والازدهار فيها حتى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .