ملخص: يتطلب تفوّق الشركات على المنافسين أن تتبنى نظاماً قائماً على جمع رؤى ثاقبة سرية؛ أي معلومات فريدة متعلقة بالزبائن يتعذّر على المنافسين الوصول إليها. ويوضح المؤلفون استناداً إلى بحث أُجري على 12 شركة، الطرائق التي تتيح للشركات كسب رؤى ثاقبة سرية، بما فيها خلق تجربة خدمة عملاء أكثر قوة وتفاعلاً، وإشراك الزبائن في عمليات تطوير المنتجات والخدمات، ومراقبة الزبائن والتفاعل معهم في أثناء استخدامهم المنتجات. كما أنهم يوضحون ماهية أفضل الممارسات المختلفة بالتفصيل. ولعلّ أهمها هو بناء الثقة، فالزبائن الذين يجدون أن حياتهم أو أعمالهم أصبحت أكثر ترابطاً وتطوراً بشكل جوهري نتيجة ما تقدمه الشركة هم أكثر ميلاً إلى الارتباط بالشركة وأكثر استعداداً لتبادل المعلومات الفريدة والرؤى الثاقبة حول احتياجاتهم وتحدياتهم الأساسية. وثانياً، يجب تضمين الرؤى الثاقبة السرية في نقاط التماس الحالية مع الزبائن (على سبيل المثال، خدمة العملاء، وخدمات الكفالة، وتسليم المنتجات، وما إلى ذلك). وثالثاً، يجب تمكين كل وحدة عمل من اتخاذ قرارات استناداً إلى تلك الرؤى الثاقبة الفريدة.
تنفق الشركات مليارات الدولارات كل عام للحصول على معلومات حول زبائنها، وذلك من خلال شراء البيانات من شركات بحوث السوق، وإجراء دراسات متتالية، واستخدام البيانات الضخمة والنماذج التحليلية المتطورة لتحليل تلك البيانات. لكن من المحتمل أن تكون معظم تلك البيانات متاحة لمنافسيها ولا ترقى إلى مستوى تطلعاتها في كسب فهم سلوكي هادف حول زبائنها.
من جهة أخرى، يتطلّب التميّز الحقيقي والبقاء في وجه الصدارة أن تتبنى الشركات نظاماً قائماً على الرؤى الثاقبة السرية؛ أي المعلومات الفريدة المتعلقة بالزبائن والحصرية للشركة.
توفر الرؤى الثاقبة السرية معلومات حول الاحتياجات الحقيقية للزبائن ورغباتهم وتجاربهم، على عكس بحوث السوق. ويمكن كسب تلك الرؤى الثاقبة بعدة طرائق، لكن عموماً، يتطلب الحصول عليها التعامل مع الزبائن بطرق تهدف إلى غرس الثقة وتعزيز القيمة بشكل مباشر. قد تشتمل تلك الطرق على تقديم خدمات وحلول تتجاوز مجرد عرض المنتجات، بمعنى خلق تجربة خدمة عملاء أكثر قوة وتفاعلاً، وإشراك الزبائن في عمليات تطوير المنتجات والخدمات، ومراقبة الزبائن والتفاعل معهم في أثناء استخدامهم المنتجات.
أجرينا في كتابنا الأخير الذي يحمل عنوان "ما وراء الرقمية: كيف يغيّر القادة العظماء مؤسساتهم ويشكّلون المستقبل؟" (Beyond Digital: How Great Leaders Transform Their Organizations and Shape the Future) بحثاً على أكثر من 12 شركة أجرت تحوّلات كبيرة لتضمن تحقيق النجاح في العصر الرقمي، بما فيها شركات أدوبي وكليفلاند كلينك (Cleveland Clinic) وسيتي غروب (Citigroup) وإلي ليلي (Eli Lilly) وهيتاشي (Hitachi) وهانيويل (Honeywell) وإنديتكس (Inditex) وكوماتسو (Komatsu) ومايكروسوفت وفيليبس وإس تي سي باي (STC PaY) وتيتان (Titan). ولا يعني ذلك أن هذه الشركات هي أفضل من يستغل التكنولوجيا لصالحه أو أنها أول من أنشأ بحيرة بيانات المستهلكين، بل يعني أنها تركز بشكل جدي على ترسيخ مهمة فهم سلوكيات زبائنها في نماذج أعمالها وعملياتها وكيفية اتخاذها القرارات اليومية، ويعني أنها تركز بشغف على زيادة القيمة لزبائنها، إلى جانب اهتمامها بجمع ثروة من المعلومات التي لا يملكها منافسوها والاستفادة منها، وهو ما أتاح لها التميّز والبقاء في وجه الصدارة.
كيف يمكنك الشروع في بناء مثل هذا النظام القائم على الرؤى الثاقبة السرية التي تعزّز نجاح شركتك؟ إليك بعض الدروس المستفادة من الشركات التي أجرينا دراسة عليها وتلك التي عملنا معها.
وضع أساس قائم على الثقة والقيمة
كن واضحاً بشأن كيفية كسب ثقة الزبائن ليزيد ارتباطهم بشركتك ولتعظيم الفوائد التي تنتظرهم. وذلك يعني التركيز على الأساليب التي تعزز ثقة الزبائن بشركتك لتتمكن من تقديم النتائج التي يولونها الاهتمام والتقدير. فالزبائن الذين يرون أن حياتهم أو أعمالهم أصبحت مترابطة وتحسّنت بشكل جوهري نتيجة ما تقدمه الشركة هم أكثر ميلاً للارتباط بالشركة وأكثر استعداداً لتبادل المعلومات الفريدة والرؤى الثاقبة حول احتياجاتهم وتحدياتهم الأساسية.
يتطلّب بناء أساس قائم على الثقة التزام الوضوح التام بشأن قيمك ومبادئك وأسلوب حوكمتك حول كيفية تعاملك مع بيانات الزبائن. هل ستستخدم البيانات لتعزيز وضعك التجاري فقط، أم لتحسين تجربة العملاء ومزاياهم؟ هل ستتحمل مسؤولية عدم إساءة استخدام البيانات؟ هل ستتبع سياسة التنفيذ الصارم للقوانين في حال حدوث مشكلة ما؟ على القادة ضمان أن يفهم موظفوهم في جميع أنحاء المؤسسة أن الأمر لا يتعلق باستخلاص بيانات من الزبائن كما يستخلصون بيانات عن المنتجات، لكن يتعلق بجعل الزبائن شركاء أساسيين في سلسلة القيمة.
كانت النائبة الأولى للرئيس والمديرة العامة للوسائط الرقمية في شركة أدوبي، آشلي ستيل، واضحة تماماً بشأن المبدأ التوجيهي للشركة حول كيفية استخدام بيانات الزبائن قائلة: "نحن ملزمون بالحفاظ على خصوصية البيانات ومراعاة كيفية استخدامنا لها. فالاستخدام المسؤول لبيانات الزبائن يخلق تجارب أكبر، لكن في اللحظة التي نستخدم فيها تلك البيانات لاكتساب ميزة تكتيكية، فسنكون أخطأنا الهدف".
وإلى جانب الثقة والقيمة المضمنة في تجربة المستخدمين وعرض القيمة الذي تقدمه شركة أدوبي، تضع هذه الممارسات الأساس الذي يُقوم عليه نظام الرؤى الثاقبة السرية.
دمج عملية جمع الرؤى الثاقبة السرية في الإجراءات اليومية
اجعل عملية جمع رؤى ثاقبة نتاج ارتباطك مع الزبائن وعلاقاتك معهم، وليس عملية منفصلة، إذ سيتيح لك ذلك كسب رؤى الزبائن الثاقبة في أثناء خلق قيمة لهم، سواء كان ذلك من خلال التفاعلات التقليدية أو الرقمية.
ويجب أن تبدأ تلك العملية عند نقاط التماس الحالية مع الزبائن (على سبيل المثال، خدمة العملاء، وخدمات الكفالة، وتسليم المنتجات، وما إلى ذلك) وصولاً إلى العديد من الفرص الجديدة لتعزيز الارتباط وتحسين عرض القيمة. ويتمثّل السؤال الأخير الذي عليك الإجابة عنه فيما إذا كان الزبائن يتأثرون بشكل إيجابي بالمعلومات التي تجمعها.
لنتأمل مثال شركة الموضة السريعة إنديتكس (Inditex)، مالكة العلامة التجارية زارا (Zara). حيث يتم تدريب موظفي التجزئة في الخطوط الأمامية على الإصغاء إلى الزبائن بإمعان، وتتبع بياناتهم، ومراقبة سلوكياتهم، وجمع الانطباعات غير الرسمية عنهم، إلى جانب مساعدتهم في العثور على الطراز الذي يناسب احتياجات كل منهم. وتجمع المتاجر معلومات حول الخيارات التي يتخذها الزبائن وحول استفساراتهم وحول العناصر المفقودة واقتراحاتهم. هل يبحث المتسوقون عن التنانير أم البناطيل؟ هل يبحثون عن ألوان جريئة أم هادئة؟ وتُرسل هذه الانطباعات مباشرة إلى مجموعة من المصممين والخبراء التشغيلين في المقر الرئيسي إلى جانب بيانات يومية مفصّلة حول المنتجات المباعة والمتجر الذي بيعت فيه.
وتكتسب الشركة ميزة واضحة على شركات الأزياء عبر الإنترنت من خلال الجمع بين الرؤى الثاقبة العميقة لما يبحث عنه الزبائن ويشترونه عبر الإنترنت. حيث تُجمع كل تلك الرؤى الثاقبة على نطاق واسع وتُحلل بشكل فوري تقريباً وتُحوّل إلى تصميمات لملابس جديدة أو إلى ممارسات إنتاجية ولوجستية وتسويقية محسّنة.
باختصار، ينطوي السر على المرونة في التكيّف مع تفضيلات الزبائن والدقة في تصميم ما يطلبه الزبائن وإنتاجه في الوقت الذي يطلبونه فيه. وبحلول نهاية هذا العام، سيكون أكثر من 700 مصمم من شركة إنديتكس قد ابتكروا ما يصل إلى 60,000 تصميم مختلف، وستكون المتاجر في جميع أنحاء العالم قد تلقّت تصميمات جديدة مرتين في الأسبوع.
الالتزام بترسيخ الرؤى الثاقبة السرية في نموذج العمل
التزم بترسيخ الرؤى الثاقبة في نموذج عملك من خلال ربطها بعملياتك، كتغيير الهياكل والعمليات والحوافز والمقاييس وتدفق المعلومات بهدف تمكين كل قسم في الشركة من اتخاذ قرارات مستندة إلى رؤاك الثاقبة الفريدة.
ولعلّ المثال الأبرز على ذلك (على الرغم من عدم تنفيذه على أكمل وجه دائماً) هو دمج الرؤى الثاقبة السرية في عملية الابتكار في شركتك، وذلك من خلال استخدامها كأساس لابتكار الأفكار والبحث عن طرق تتيح دمج الزبائن في عملية التطوير الفعلية (على سبيل المثال، في المراحل التجريبية). لكن لا بدَّ من ربط الرؤى الثاقبة السرية أيضاً بالعديد من المجالات الأخرى، بما فيها تحديد الاستثمارات في الأدوات والتكنولوجيا التي تسّهل إجراء التجارب بشكل مستمر، والتفاعل بين فرق المبيعات والزبائن، والتنبؤ والتخطيط الاستراتيجي. وكن مستعداً لنتائج تلك الرؤى الثاقبة، فهي لا تؤدي إلى تغييرات تدريجية أو إلى إضافة ميزات جديدة في بعض منتجاتك فحسب، وإنما إلى تغييرات جوهرية في أساسيات عملك. وأعد النظر في كيفية قياس أثر رؤاك الثاقبة السرية؛ فالمقاييس التي تستخدمها معظم الشركات اليوم ليست شاملة بما يكفي، ويجب على الشركات التي تسعى إلى التميّز في هذا المجال وضع مقاييس أكثر ابتكاراً مثل، العائد على الخبرة (RoX).
لنتأمل شركة سيلز فورس (Salesforce). أدركت الشركة منذ إنشائها الحاجة إلى بناء أعمالها على أساس الثقة، ولم يكن ذلك مفاجئاً نظراً لحساسية البيانات التي يشاركها الزبائن على المنصة. وأتاحت هذه العلاقة القائمة على القيم مع المستخدمين للشركة كسب رؤى ثاقبة عميقة حول ماهية الأساليب الناجحة والأساليب التي تحتاج إلى تحسين، والخدمات الإضافية التي يرغب الزبائن في الحصول عليها.
وأسهمت هذه الرؤى الثاقبة في تعزيز استراتيجية تطوير منتجات شركة سيلز فورس بشكل مباشر وأتاحت لها توسيع عرض قيمتها. وطوّرت الشركة بعد نجاح تجربة العملاء وازدهار العلاقة التي بنتها مع زبائنها منصة فريدة أتاحت لها الاستفادة من الرؤى الثاقبة المستخلصة من بيانات الزبائن لمشاركة الاستراتيجيات التي تعزز قيمة الزبون على المدى الطويل وتشجع بالتالي على استبقائه ونموه. وتمكّن هذه الرؤى الثاقبة شركة سيلز فورس من تطوير حلول فعّالة مع الشركاء والزبائن، وتكييفها مع مختلف القطاعات، وعرضها على منصتها بصفتها خدمات سحابية متخصصة جديدة. ويُعد هذا النظام الفريد لتطوير المنتجات والابتكار المدعوم برؤى الزبائن الثاقبة المملوكة للشركة أحد العوامل الرئيسية التي جعلت شركة سيلز فورس شركة البرمجيات الأسرع نمواً على الإطلاق.
تنبع قوة نظام الرؤى الثاقبة السرية من طبيعته الذاتية التعزيز: فكلما زادت ثقة الزبائن بشركتك واستمدوا قيمة من منتجاتك وخدماتك، زاد مستوى صراحتهم وارتباطهم معك. وكلما ازداد مستوى ارتباطهم معك، اكتسبت مزيداً من الرؤى الثاقبة حول رغباتهم واحتياجاتهم؛ وكلما حصلت على مزيد من الرؤى الثاقبة وتمكنت من ترسيخها في نموذج عملك، زادت قدرتك على تحسين تجربة العملاء والمنتجات والخدمات وتعزيز الثقة والقدرة على التواصل مع الزبائن. فكّر في عجلة التوازن،
فلكي تضمن تحقيق التوازن في شركتك، عليك التركيز على تلك المجالات الثلاثة، بدءاً بإجراء تقييم صريح وجدّي للفجوات في كل مجال، مع إدراك أن إنشاء نظام قائم على الرؤى الثاقبة السرية سيتبعه تحوّل هادف.
ومن المهم أن ندرك أن إهمال مجال ما سيؤدي إلى تقويض عمل النظام بأكمله. في الواقع، إذا كان الزبائن لا يثقون بك، فلن يكونوا صادقين وصريحين معك. وإذا كان تقديم الرؤى الثاقبة يقدّم منفعة لطرف واحد، فلن يروق إلا لزبائنك الأكثر ولاءً وحماساً. وإذا كنت تخذل زبائنك ولا تتصرف بناءً على التقييمات التي تتلقاها منهم، فمن المحتمل ألا تحصل على فرصة ثانية لفهم احتياجاتهم.
وهي مهمة صعبة بالطبع وتتطلب طريقة مختلفة اختلافاً جوهرياً في التفكير في البيانات والبحوث ونقاط التماس مع الزبائن. لكنها مهمة يجب على أي شركة في أي قطاع أداؤها لتبقى في وجه الصدارة، ولتحقق النجاح على مستوى العالم.