كثيراً ما نسمع القول المأثور الشائع “الموظفون السعداء يصنعون العملاء السعداء”، لكن البيانات الجديدة تكشف حجم أثر تجربة الموظف وكيف يمكن الاستفادة منها لإطلاق عنان النمو المؤسسي.

تحثُّ الاستراتيجية التنافسية القادة منذ عقود على تركيز الجزء الأكبر من جهود أعمالهم على تجربة العملاء. أظهرت دراسة حديثة أُجريت في جامعة كولومبيا أن المسؤولين التنفيذيين يذكرون العملاء أكثر بـ 10 مرات من ذكرهم الموظفين في مكالمات الأرباح، لا بل ينظرون في أثنائها إلى العملاء بصفتهم فرصاً وللموظفين بصفتهم مخاطر. وفي حين أن بعض الشركات تدّعي الاهتمام بتجربة موظفيها، فهي لا تزال تركز فعلياً على تجربة العملاء.

قد يؤدي إعطاء الشركات الأولوية للعملاء لا الموظفين إلى نمو الإيرادات على المدى القصير، لكن ذلك سيضر باستبقاء الموظفين ومشاركتهم على المدى الطويل. وفقاً لبحث أجريته مع زملائي في شركة سيلز فورس، يمكن للشركات زيادة الإيرادات بنسبة تصل إلى 50% من خلال تحسين تجربة الموظف،

كان هدفي هو تحديد العوامل الرئيسية لتجربة الموظف من أجل مساعدة المسؤولين التنفيذيين في تحسينها. سأعرض في كتابي الذي سيصدر قريباً بعنوان “عقلية تجربة الموظف” (The Experience Mindset) دراسة جديدة أجريتها مع زملائي تناولت آلاف الموظفين والمسؤولين التنفيذيين من جميع أنحاء العالم وفي قطاعات متعددة، وحددنا فيها باستخدام تحليل الانحدار العوامل الخمسة الأهم لخلق تجربة أفضل للموظفين:

1. الثقة المتبادلة

هناك نوعان من الثقة: ثقة الموظفين في مؤسستهم وثقة المؤسسة في موظفيها.

تؤدي الثقة المتبادلة إلى تمكين الموظفين. يُظهر هذا التمكين ثقة الإدارة في قوة العمل، ما يعزز ثقة الموظفين في القيادة وثقة بعضهم ببعض، كما يحفز الموظفين ويعزز الإبداع والعمل التعاوني ويحسن الاستبقاء ويقلل عقلية تفادي المخاطرة، ويساعد ذلك كله على تعزيز الأرباح ويسهم في نمو الشركة. على سبيل المثال، يظهر أثر هذا التمكين الإداري والثقة في شركات مثل آبل، إذ لا يحتاج موظفو المتاجر إلى طلب موافقات خاصة لحل العديد من مشكلات العملاء، وفي شركة فنادق ريتز كارلتون، حيث يستطيع الموظفون إنفاق حتى ألفي دولار لحل مشكلة الضيف دون الحاجة إلى موافقة إدارية.

كما تولّد الثقة المتبادلة شعوراً لدى الموظفين بأنهم يحظون بالتقدير وأن رأيهم مسموع. وفقاً لشركة ماكنزي، يؤدي هذا النوع من الشمول إلى زيادة احتمال بقاء الموظفين في الشركة بنسبة 47% وزيادة احتمالية بذل قصارى جهدهم لمساعدة بعضهم لبعض بنسبة 90%.

عندما بدأ النمو السريع بشركة كلير كو (Clear Co) للإقراض المالي، التي تتخذ من مدينة تورنتو مقراً لها، أرادت رئيستها التنفيذية ميشيل رومانو تحديث عملياتها مع الحفاظ على ثقافة ريادة الأعمال. لذلك أعدّت صندوق بريد إلكتروني بعنوان غير تقليدي: “الأشياء الغبية التي نفعلها”، وطلبت من الموظفين إرسال أفكارهم ومقترحاتهم حول تبسيط الأعمال وإزالة العقبات التي يمكن تجنبها.

حقق هذا الإجراء البسيط هدفين وفقاً لرومانو؛ أولاً، أعطى الموظفين إحساساً بالسيطرة والمشاركة في تحسين حياتهم اليومية ومساعدة الشركة. ثانياً، أنشأ حلقة ملاحظات أتاحت للقيادة بناء الثقة بالموظفين عند ظهور المشكلات ومعالجتها قبل أن تزداد الأمور سوءاً.

2. تحميل أصحاب المناصب التنفيذية العليا المسؤولية

يرتبط تحميل أصحاب المناصب التنفيذية العليا المسؤولية ارتباطاً وثيقاً بالثقة، ويشير إلى ضمان التزام قيادة الشركة واستجابتها للأعمال والموظفين على حد سواء.

تتعلق المساءلة في أحد المستويات بالاستعداد لطرح الأسئلة والاستماع بفعالية إلى الإجابات؛ فإذا كان القائد لا يعرف احتياجات موظفيه، فلن يتمكن من تلبيتها. وعلى نطاق أوسع، ترتبط المساءلة بالثقافة؛ فالمؤسسة التي تتبنى ثقافة مساءلة قوية لأصحاب المناصب التنفيذية العليا تدرك أهمية تجربة الموظف في العمل وتعطيها الأولوية.

هناك فرق بين ما تصرّح به الشركات وما تفعله غالباً. كشف بحثنا عن تباين كبير؛ في حين يعتقد 49% من أصحاب المناصب التنفيذية العليا أن شركتهم متميزة في ناحية اتخاذ الإجراءات بناءً على ملاحظات الموظفين (وهي نسبة منخفضة في الواقع)، لم يتفق سوى 31% من الموظفين مع ذلك. يمكن لهذه الفجوة أن تضر بنمو الشركة وزخمه وتستنزف المواهب فيها.

يجب إنشاء ثقافة يفهم الجميع فيها أن تجربة الموظف هي مسؤولية جماعية. على سبيل المثال، أنشأت شركة هيلتون فِرقاً متعددة الوظائف تضمن اطلاع أصحاب المناصب التنفيذية العليا على تجربة الموظفين بطريقة رسمية ومنظّمة. يقول الرئيس نائب الرئيس التنفيذي لشركة هيلتون والرئيس التجاري التنفيذي فيها، كريس سيلكوك، في هذا الصدد: “توجه الطريقة التي تعامل بها أعضاء فريقك كيفية تعاملهم مع العملاء”. اختارت مجلة فورتشن شركة هيلتون مراراً وتكراراً من بين “أفضل الشركات للعمل بها“.

في شركتك، يمكنك تجربة أشياء مثل مجلس استشاري لتجربة الموظفين للمساعدة في التغلب على العقبات التقليدية وتشجيع العصف الذهني وابتكار الأفكار؛ أو مركز تميز يقدم أفضل الممارسات عندما يكون هناك نقص في المعرفة أو المهارات؛ أو مجموعات الموظفين المتقاربين في السمات لتقديم دعم الأقران وتعزيز التطوير الوظيفي؛ أو استقصاءات آراء الموظفين لالتماس احتياجات الموظفين ورغباتهم وتوقعاتهم وجمعها.

3. مواءمة قيم الموظفين مع رؤية الشركة

يرغب الموظفون في العمل لدى شركات تتوافق قيمها مع قيمهم، لكن ذلك يتطلب من المناصب التنفيذية العليا التعبير عن هذه القيم بوضوح ومن ثم ضمان اتساق إجراءات الشركة معها.

تساعد الأهداف الواضحة ذات الخطوات والطرق المحددة لقياس النجاح على تعزيز ارتباط الموظفين برسالة شركتهم وفهمهم لدورهم في النهوض بها. أثبت بحثنا أن ضمان شعور الموظفين أنهم مهمون وأساسيون في رؤية الشركة عامل مهم جداً في زيادة الإيرادات المُبلغ عنها، والمثير للدهشة أن 36% من الموظفين فقط أبلغوا أنهم يشعرون على هذا النحو.

تدرك ثقافة الشركة التي تدعم عقلية تجربة الموظف العلاقة الجوهرية بين الطريقة التي تُعامل بها موظفيها داخل الشركة وتأثيرها على تجارب عملائها. على سبيل المثال، عيّنت شركة إير بي إن بي أول رئيس تنفيذي لتجربة الموظفين في شركة أميركية كبرى في عام 2013. كتب الرئيس التنفيذي للشركة، برايان تشيسكي، في منشور له على موقع ميديوم حمل عنوان “لا تفسد ثقافة الشركة” في هذا الصدد: “الثقافة هي ببساطة طريقة مشتركة لفعل شيء ما بشغف. كلما كانت الثقافة أقوى، قلّت العمليات المؤسسية التي تحتاج إليها الشركة. عندما تكون الثقافة قوية، يمكنك الوثوق بالجميع لفعل الشيء الصحيح”.

تعد المواءمة عنصراً حاسماً في تلك الثقافة، إذ تبدأ حتى قبل انضمام الموظفين إلى إير بي إن بي. تجري الشركة مقابلتين منفصلتين لـ “القيم الأساسية” يديرهما أعضاء فِرق مختلفة من خارج قسم التوظيف حتى يتمكنوا من تقييم الملاءمة الثقافية للمرشحين على نحو مستقل عن الاحتياجات المحددة للوظيفة الشاغرة.

4. تقدير النجاح

تقول الناشطة وفاعلة الخير، لين تويست: “ما تقدّره يزيد”. يمكن أن يكون التقدير وسيلة منخفضة التكلفة لتعزيز اندماج الموظفين الذي يؤثر إيجابياً بصورة غير مباشرة على ولاء الموظفين واستبقائهم وإنتاجيتهم. وفقاً لشركة كوانتوم وورك بليس (Quantum Workplace) التي تعمل في مجال إدماج الموظفين، فإن الموظفين الذين يعتقدون أن نجاحهم سينال التقدير أكثر عرضة بنسبة 2.7 مرة للاندماج إلى حد كبير مقارنة بأقرانهم الذين يعتقدون العكس تماماً.

لا يقتصر التقدير بالطبع على مجرد الإطراء، فهو ينطوي أيضاً على تحديد الإمكانات ورعايتها، ما يمنح الموظفين المهارات اللازمة للنمو والتقدم. على سبيل المثال، أنشأت شركة يونيليفر برنامجاً لتطوير القدرات القيادية يشمل المؤسسة بأكملها. ينشئ الموظفون في ورش عمل تطوير القدرات القيادية “خططَ ملاءمة للمستقبل” مصممة فردياً وتركز كل منها على غرض مهم للفرد ويتوافق أيضاً مع الغايات المنشودة للشركة. وما النتيجة؟ قال 92% ممن حضروا ورشة العمل بأن وظائفهم تلهمهم لبذل جهد إضافي، بينما قال 33% فقط ممن لم يحضروا الورشة إنهم شعروا بالطريقة نفسها.

5. تكنولوجيا سلسة لتقليل الاحتكاك اليومي الذي يواجهه الموظفون

يلجأ المسؤولون التنفيذيون في كثير من الأحيان إلى التكنولوجيا على أنها حل سريع لتحسين أداء الشركة وإنتاجيتها وتقليل التكاليف، لكنهم لا يخصصون القدر اللازم من التفكير والتدبير للتحقق من ملاءمتها لبقية البنية التحتية في المؤسسة وعملياتها الحالية وسير عمل الموظفين. يوضح المهندس والمستشار الإداري إدوادرز ديمينغ أنه منذ نحو 4 عقود وحتى الآن تُعزى نسبة 85% من الأسباب الرئيسية للفشل إلى أوجه القصور في الأنظمة والعمليات وليس إلى الموظفين، وبالتالي يتمثل دور الإدارة في تغيير العملية بدلاً من الضغط على الموظفين لأداء عمل أفضل”.

تتمثل شكوى الموظفين الشائعة في العدد الكبير من التطبيقات التي يحتاجون إلى التعامل معها لتنفيذ عملهم. في الواقع، تستخدم الشركات في المتوسط أكثر من ألف تطبيق مختلف، 29% منها فقط متكاملة (أي بعضها مرتبط ببعض).

لكن التكنولوجيا ليست غاية في حد ذاتها، بل هي أداة لزيادة الإنتاجية وتقليل الجهد، ومع ذلك يُظهر بحثنا أن التكنولوجيا هي أحد جوانب تجربة الموظف التي تحصل على أدنى التقييمات؛ فقد أفاد أقل من ثلث الموظفين أن تكنولوجيا شركاتهم تعمل بفعالية، بينما قال أقل من ربع الموظفين فقط إنهم يشعرون أن التكنولوجيا التي يستخدمونها سلسة. وحتى أصحاب المناصب التنفيذية العليا يوافقون على ذلك، حيث قال 52% فقط من المسؤولين التنفيذيين إن شركتهم توفر للموظفين تكنولوجيا فعالة.

تخيل لو طلبت من عملائك التبديل بين علامات تبويب متعددة فقط لإكمال طلب بسيط، من المحتمل ألا يحدث ذلك، فمعظم الشركات تسعى جاهدة لتقليل هذا النوع من الاحتكاك لعملائها. ولكن هذا ما نطلبه من موظفينا كل يوم عندما تكون الأنظمة التي يعتمدون عليها غير متكاملة، والنتيجة هي تدنّي الرضا الوظيفي وتجربة موظف سيئة للغاية. من الأهمية بمكان تخصيص الموارد بالتساوي لكل من تجربة العميل والموظف، وتوفير وقت العملاء لا يحقق سوى مكاسب ضئيلة أو معدومة إذا كنت تحيل هذا الجهد إلى موظفيك.

إعادة تنشيط تجربة الموظف

ألهمت جائحة كوفيد-19 وموجة الاستقالة الكبرى الموظفين لإعادة تقييم أولوياتهم وتمكينهم من العمل، وذكَّر ذلك الشركات بما كان في السابق أمراً مفروغاً منه: الموظفون هم أهم الموارد.

لعلنا نجد فرصة للنمو وتعزيز القدرة التنافسية فيما كان في البداية دعوة تنبيه للقادة لينقذوا شركاتهم من خطر هجرة المواهب، ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا تعلموا موازنة تجارب عملائهم مع تجارب موظفيهم من خلال التركيز على الثقة ومساءلة القادة في المناصب التنفيذية العليا ومواءمة قيم الموظفين مع رؤية الشركة وتقدير النجاح واستخدام التكنولوجيا السلسة.

هذه العناصر الخمسة مترابطة، ويعتمد كل منها على العناصر الأخرى لتأسيس تجربة موظف أقوى وإطلاق العنان لقيمة جديدة. الموظفون السعداء يصنعون عملاء سعداء، وإدارة العلاقة بين الاثنين بفعالية ستجعل القادة والمستثمرين سعداء أيضاً.