يدور الكثير من النقاش هذه الأيام حول أهمية أن يكون القادة أكثر تعاطفاً، وأن يخلقوا بيئات عمل آمنة من الناحية النفسية تُتيح للموظفين مشاركة مشاعرهم. ولكن ماذا يحدث عندما يتجاوز أحد الموظفين حدود مشاركة هذه المشاعر؟ وماذا عن الاحتياج العاطفي لدى الموظف تحديداً؟
واجهت إحدى عملائي التي تُدعى رنا هذه المشكلة مؤخراً. لقد طوّرت رنا بيئة عمل أتاحت لموظفيها الشعور بالأمان عند مشاركة أحاسيسهم. نتيجة لذلك، شعر تامر، أحد مصمميها الموهوبين، بالارتياح في الاعتراف بعدم شعوره بالأمان أمام فريقه. بيد أن شعور تامر بالحاجة إلى الطمأنينة تحول إلى التماسه الدعم من خلال حديثه عن مخاوفه في العمل إلى درجة جعلته منعزلاً عن أقرانه. وكلّما نبذه أقرانه زادت احتياجاته العاطفية. أخبرتني رنا قائلة: "لا أريد أن أخسر موهبته، إلا أنني غير قادرة على إدارة هذا الوضع".
وتُعتبر المشكلة التي خاضتها رنا مشكلة شائعة، حيث يُؤكد العلم السلوكي أن الموظفين الأكثر موهبة هم أكثر من يشعر بعدم الأمان في كثير من الأحيان، إذ إن قدرتهم على اختبار مجموعة كبيرة من الأحاسيس والتعبير عنها هو ما يغذي حسّهم الإبداعي، مثل الفرح الشديد والحزن العميق. ولكن بغض النظر عن مدى موهبة الموظف، إلا أنك لست مسؤولاً عن توفير الدعم اللامتناهي لأي فرد، خاصة عندما تسفر حاجاتهم العاطفية عن انخفاض معنوياتهم وتعيقهم عن إنجاز العمل.
الاحتياج العاطفي لدى الموظف
تتمثّل أفضل طريقة لحل المشكلة في معالجتها بشكل مباشر، سواء كنت تدير موظفاً يطرح السؤال نفسه مراراً وتكراراً، أو يفشي أسراره الشخصية، أو يحتاج إلى دعم مستمر، أو يواجه صعوبات في تلقي النقد. وفيما يلي أربع خطوات يمكنك اتباعها بغية إدارة فريق يضمّ عضواً يعاني من الاحتياج العاطفي.
اختبر درجة إدراك الموظف
غالباً ما يفقد الموظف الذي يحتاج إلى دعم عاطفي القدرة على إدراك الدرجة التي يستنزف بها الآخرين. وتُعتبر انفعالاتهم العاطفية بمثابة المقياس بالنسبة إليهم، لذلك قد لا يلاحظون أن لدى الآخرين مقاييس مختلفة.
ابدأ بعقد اجتماع فردي مع الموظف المعني بهدف معالجة المشكلة. واستغل هذا الوقت لطرح الأسئلة عليه وتقييم ما إذا كان يدرك تأثير سلوكه على أقرانه. بدأت رنا حديثها مع تامر بسؤاله إن كان يُدرك مقدار الدعم الذي يبتغيه من الفريق. ثم أبدت عزمها على تأكيد قيمته بقولها: "ربما لم أكن واضحة بما فيه الكفاية حول مدى تقديري لموهبتك عندما أخبرك عن أهمية وجودك في شركتنا".
اقرأ أيضاً: 4 طرق لتحسين ممارسات إدماج أصحاب الهمم في شركتك
وكن مستعداً لدعم أسئلتك بأمثلة سلوكية محددة أثناء المحادثة. وفي حال أبدى الموظف اندهاشه، فمن المحتمل أن تكون ملاحظاتك جديدة بالنسبة إليه. ويجب عليك أن تكون حازماً في هذه الحالة وأن توضح أوجه الاختلاف بين التعبيرات والاحتياجات العاطفية الملائمة، وبين الانفعالات الإشكالية وسبب ذلك. من ناحية أخرى، إذا أقرّ الموظف بالمشكلة، كما فعل تامر، فمن المحتمل ألا يكون مُدركاً لمقدار الضرر الذي يلحقه سلوكه بالآخرين. ويكون اتباع النهج المباشر هو الأفضل في هذه الحالة.
كن صريحاً بشأن حدودك العاطفية
لا تتجاهل المشكلة في حال لم تجر المحادثة كما هو مخطط لها. يحاول القادة عادة الحد من الوقت الذي يقضونه مع الموظفين الذين يحتاجون إلى الدعم العاطفي في محاولة لعزلهم، بيد أن هذا النهج خاطئ. فالقيود الزمنية تعالج الأعراض فقط، وتقلل من الجفاف العاطفي الذي يجتاح الموظف بشكل مؤقت. ومن المحتمل أن يجد الموظف أساليب بديلة لتلبية احتياجاته في حال فشلك في تلبيتها له. ويوجد طريقة أخرى أكثر فاعلية تتمثّل في وضع حدود حول مقدار الدعم العاطفي الذي يمكن للموظف التماسه من فريقه.
ضع حدوداً عاطفية واضحة أثناء اجتماعك مع الموظف. على سبيل المثال، يمكن لرنا متابعة حديثها مع تيم دون أن تكون قاسية أو انتقادية أو متسلطة بقولها: "لست واثقة من كيفية بث شعور الطمأنينة داخلك بشأن جودة عملك أكثر من ذلك. لذلك، أريد منك التفكير في سبب عدم كون التأكيد الذي قدمته لك مفيداً، وسبب حاجتك إلى تأكيد الإضافي، حتى تكون أكثر اكتفاءً ذاتياً عندما تشعر بعدم الأمان".
ويساعد وضع الحدود في إجبار الموظف على التفكير ملياً في الوقت الذي يمكنه طلب التعزيز العاطفي فيه، ووقت الامتناع عن ذلك. ويمكنك تذكيره بالحدود المتفق عليها في حال استمر في تجاوزها، وذلك من أجل تنمية الاحتياج العاطفي لدى الموظف لديك.
عامل الموظف الذي يحتاج إلى الدعم العاطفي على أنه شخص قوي وليس شخصاً ضعيفاً
لسوء الحظ، انعزل تامر عن بقية أفراد الفريق بعد اجتماعه مع رنا. وبدأ أقرانه في اتخاذ حذرهم في التعامل معه، وشعروا بالانزعاج بسبب التزامه الصمت، وبالذنب تجاه إحساسه بالضيق. ويوجد عدة طرق تمكّنك من التعامل مع هذا الموقف في حال حصوله بعد النقاش.
أولاً، حاول التمييز بين الضعف والحساسية المفرطة، إذ يوجد فرق مهم بين الاثنين. من المرجح أن يفقد الأشخاص الضعفاء عاطفياً سيطرتهم العاطفية ويكافحون لاستعادتها. وقد تُستثار عواطفهم بعدة أنواع من الضغوطات، مثل قرب المواعيد النهائية أو التعامل مع قوائم المهام. وعلى النقيض من ذلك، يركز الأشخاص الذين يعانون من الحساسية المفرطة انتباههم على العلاقات التي توفر الدعم. ويحاولون إبداء سيطرتهم العاطفية على الآخرين في كثير من الأحيان بهدف استخلاص الردود التي يرغبون في سماعها فقط. كان تامر مصمماً على حشد دعم فريقه، بيد أنه التزم الصمت عندما لم ينجح في التماس الدعم منهم. ظن أقرانه أن صمته هذا ناجم عن ضعفه، في حين أن تامر كان مفرط الحساسية في الواقع. ومع مرور الوقت، عززت رحابة صدر الفريق السلوكيات المحددة التي كانوا يحاولون تغييرها.
وكان الأسلوب الأفضل هو إخبار تامر عن مشاعرهم تجاه سلوكه. وإذا وجدت نفسك تدير موقفاً مشابهاً في العمل، يمكنك اتباع هذا الأسلوب بدلاً من ذلك: اعقد محادثة خاصة مع الموظف الذي يعاني من رغبتك في خلق بيئة تمكّن الفريق من طلب ما يحتاجون إليه. وأخبره أن الحاجة إلى تعزيزات عاطفية هو أمر طبيعي تماماً في بعض الأحيان. واجعله يُدرك أن البشر مختلفون، وأنه يوجد حدود لما يمكن أن يتحمله كل شخص. واستخدم أمثلة توضح له هذه الحدود، ولاسيما إن خضت موقفاً اختبرت فيه سلوكه على أنه عبء، وشجعه على إيجاد طرق ملائمة أكثر لتلبية احتياجاته. وقد يعني هذا اللجوء إلى الأصدقاء خارج مكان العمل، أو حتى أخصائي الصحة العقلية الذي يمكن أن يساعده في التحدث عن عواطفه في مكان آمن.
وتأكد من إدراك هذا الشخص اهتمامك به وبعلاقتك معه، حتى يعي وقوفك إلى جانبه. وتكون بذلك قدمت له مثالاً على كيفية إجراء المحادثات الناضجة عاطفياً.
لا تسمح بالثرثرة عن أحد أعضاء الفريق الذي يحتاج إلى دعم عاطفي
إذ كلما تحدث الموظفون عنه بدلاً من الحديث معه، زاد شعوره بالعزلة، وازدادت حاجته إلى الدعم. وقد تعزز شعور تامر بعدم الأمان نتيجة سلوكيات قرينه. كان من المهم أن تبين رنا أن عزل تيم أو التحدث خلف ظهره هو أمر غير مقبول. ويميل الأشخاص الذين يعانون من الحساسية المفرطة عاطفياً إلى توخي أقصى درجات الحذر حيال كيفية تحمّل الآخرين لسلوكهم الرامي إلى لفت الانتباه. ومن المحتمل جداً أن يكون سبب اتباعهم هذا النهج هو تجنب الآخرين التواصل معهم في الماضي. وكن مطمئناً من أن الموظف الذي يحتاج إلى الدعم العاطفي يُدرك انزعاج الفريق من انفعالاته، سواء عبّر الفريق عن انزعاجه للقائد أو مع بعضه البعض.
فقد يصبح هذا الموظف موضوع النكات السرية في بعض الأحيان، أو سبب تبادل الإيماءات بين أعضاء الفريق الآخرين. ومن الضروري أن تجتث هذا التواطؤ من جذوره، وألا تشارك فيه أو تتغاضى عنه. إذ في اللحظة التي تصبح فيها عيوب أحد أعضاء الفريق محل سخرية من قبل الآخرين أو موضوع ثرثرتهم، سيكون كل شخص آخر عرضة لهذا الموقف. وهو ما يسفر عن تآكل الثقة والأمان النفسي بشكل أسرع من أي شيء آخر، وسيحول فريقك بأكمله في النهاية إلى أشخاص يشعرون بعدم الأمان العاطفي مع احتياجات لا يمكن إشباعها إلى الطمأنينة.
إذا بدأ أعضاء الفريق الثرثرة، أو إذا قصدك الآخرون للتحدث عن مخاوف حقيقية، فإن أفضل طريقة هي إرسالهم إلى زميلهم المحتاج لمعالجة هذه المخاوف بشكل مباشر. قدّم إليهم النصح بشأن كيفية تقديم التعليقات، ودرّبهم على كيفية خوض المحادثة مع زميلهم. ولا تحاول إقحام نفسك في المشكلة والتدخل في حلها، لأن ذلك قد يُسفر عن تعزيز الاعتماد العاطفي بين فريقك.
بل تنطوي وظيفتك كقائد على دراسة الاحتياج العاطفي لدى الموظف وتطوير استراتيجيات يمكنك تكييفها حسب الطبيعة الفريدة لكل شخص. ومع ذلك، ليس من واجبك تقديم دعم عاطفي غير متناهي للأشخاص الذين يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الخاصة. ومن الضروري أن تتذكر أن تجاهل الموقف ليس هو الحل على الإطلاق. وأن أفضل طريقة هي مساعدة الموظف الذي يعاني من الاحتياج العاطفي في تحديد احتياجاته الخاصة وتلبيتها. وقيامك بهذا بأمان وباهتمام سيعود بالنفع على هذا الشخص وكل من حوله.
اقرأ أيضاً: 4 طرق للحصول على تعليقات ناقدة صادقة من موظفيك