الأبحاث تثبت أن لكل زمان مقاربته المختلفة.
قبل أكثر من 20 عاماً، أطلقنا أنا وزميلي أنطوني مايو أكثر المشاريع البحثية التي اضطلعت بها طموحاً على الإطلاق. وقد انطلقنا عبر طرح السؤال التالي: ما هي الصفات التي تميّز القادة الاستثنائيين في قطاع الأعمال؟ ولكي نُجيب عنه، وضعنا قائمة تضم أسماء ألف من قادة الشركات الأميركية البارزين في القرن العشرين، ودرسنا كل واحد منهم دراسة عميقة.
كانت النتيجة التي توصّلنا إليها مفاجئة لنا: فقد كان ثبات الخصال التي تميّز القادة العظام أقل أهمية مقارنة بقدرتهم الأكبر على إدراك الفرص التي تنشأ في لحظة معيّنة والتكيف معها. لقد كانوا قادرين على التقاط روح العصر، ومزاجه، وأفكاره، والمعتقدات السائدة فيه، واغتنام هذه الفرص.
بعبارة أخرى، ترتبط القيادة الفاعلة ارتباطاً شديداً بالسياق المحدد: فالشخص ذاته الذي ينجح في عصر من العصور أو حقبة ما قد يفشل فشلاً ذريعاً في عصر آخر أو حقبة أخرى. وروح العصر، بموجب بحث نشرناه للمرة الأولى في هارفارد بزنس ريفيو في 2005، تتحدد وفقاً لستة عوامل هي: الأحداث العالمية، وحجم التدخل الحكومي، وعلاقات العمل، والعوامل الديموغرافية (السكانية)، والمعايير الاجتماعية، والمشهد التكنولوجي. والأفراد القادرون على إدراك التحولات الحاصلة في هذه العوامل واستغلالها يتمتعون بما نسميه "الذكاء السياقي".
يبيّن أحدث تحوّل حصل في قيادة آبل مدى أهمية الذكاء السياقي. ففي العقد الأول من سنوات الألفية الثانية، استطاع ستيف جوبز تمكين الشركة من تحقيق الازدهار من خلال الربط بين سلسلة من الاختراقات الهامة في مجال الابتكار، بما في ذلك جهازا آيبود وآيفون. ومنذ أن توفّي جوبز في عمر مبكر في 2011، تقدّم تيم كوك لمساعدة آبل في حقبة شهدت تزايداً في المنافسة في مجال الهواتف الذكية. ويُعتبر كوك، الحاصل على الماجستير في إدارة الأعمال، والذي شق طريقه المهني من خلال إدارة سلاسل التوريد في آبل، مناسباً جداً لهذه الأوقات، وهو الشخص المثالي لتولي الإدارة، حيث إن تركيزه لا ينصبّ على المنتجات الجديدة وإنما على الخدمات التي تُسْهِم في إنشاء منظومة حيوية ومُربِحة لنظام التشغيل "آي أو إس" (iOS). فكوك الذي أدرك أن الابتكار في المنتجات سيكون متدرجاً على الأغلب، صنع مساراً جديداً يقود آبل نحو النجاح. وفي عصر يتوقع الموظفون فيه من قادتهم أن يرفعوا صوتهم للتعبير عن هموم المجتمع، فقد أصبح كوك من المدافعين الصريحين عن قضايا تخص الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. صحيح أنه من طينة مختلفة عن طينة جوبز عندما يتعلق الأمر بصفات القائد، لكن تمتعه بالذكاء السياقي ساعده على التجاوب مع التغير الحاصل في روح العصر. وكانت النتائج مذهلة: فتحت ناظريه تضاعفت القيمة السوقية لشركة آبل ثماني مرّات.
العلامات الدالة على حصول تحوّل
لماذا نعود للإشارة إلى هذا البحث الآن؟ السبب هو أنه مع تحوّل جائحة كوفيد–19 إلى مرض مستشرٍ، وبما أن الحرب في أوكرانيا تعيد إحياء الحرب الباردة، فمن الواضح أننا نشهد تحوّلاً في روح العصر. دعونا نراجع العوامل الستة التي ذكرتها سابقاً:
الأحداث العالمية. حتى وقت قريب قبل غزو روسيا لأوكرانيا، كانت كل من روسيا والصين قد أرسلتا إشارات بخصوص نفاد صبرهما من هيمنة أميركا على النظام العالمي. بيد أن الحرب في أوكرانيا أسهمت في حدوث تغيّر جذري في الوضع الجيوسياسي، وهذا أمر له تبعات عميقة على قادة الشركات. فالعديد منهم اضطر إلى اتخاذ قرار بخصوص التوقف عن مزاولة الأنشطة التجارية في روسيا – وهو خيار ينطوي على اعتبارات أخلاقية، واقتصادية، وسياسية يشعر بعض الرؤساء التنفيذيين أنهم غير جاهزين لدراسته. كما دفع المزيج المؤلف من الصراع الجيوسياسي والجائحة القادة إلى إعادة النظر في المناطق الجغرافية التي يتواجدون فيها، وسلاسل التوريد الخاصة بشركاتهم. وثمة شعور لدى العديد منهم أن حقبة العولمة التوسعية ربما انتهت، وهم يستكشفون الفرص لإضفاء الطابع المحلي على أنشطتهم التجارية وشركاتهم لزيادة درجة مرونتها في وجه الشدائد والاضطرابات الدولية.
التدخل الحكومي. في الولايات المتحدة، تُسْهِم حالة الاستقطاب في أوساط الناخبين وما ينتج عن ذلك من حالة استعصاء سياسي في العاصمة واشنطن في إشاعة جو من عدم اليقين بخصوص حجم التشريعات التي يمكن أن تصدر خلال العقد المقبل. ومع ذلك، لنأخذ بحسباننا حجم الاستجابة الحكومية لجائحة كوفيد–19 عبر سياسات التحفيز المالية والنقدية، والجهود التي تبذلها الآن لكبح جماح التضخم المتصاعد. فأسعار الفائدة الأعلى ستشكل انقلاباً في المسار، وتراجعاً عن فترة طويلة من سياسات التيسير النقدي، وستزيد من تكاليف رأس المال، وستترك تبعات يتردد صداها في عموم الاقتصاد. كما تُتداول في الأروقة أيضاً مقترحات بخصوص تشديد الرقابة على شركات التكنولوجيا، وفرض ضرائب جديدة على أصحاب الثروات الطائلة. قد لا تجد هذه المقترحات طريقها إلى طاولة المشرّع، لكن الدعم الذي تحظى به من السياسيين البارزين هو إشارة إلى أننا قد نشهد تزايداً في التدخل الحكومي في السنوات المقبلة.
القوى العاملة. بينما نسعى إلى الخروج من آثار الجائحة، نجد العمّال يعيدون النظر في مسيراتهم المهنية – وعلاقتهم بالعمل ذاته. فخلال ما يزيد عن ثلاثين سنة قضيتها في التعليم في كلية هارفارد للأعمال، أصبحت معتاداً على رؤية طلاب الماجستير في إدارة الأعمال من ذوي الإمكانيات العالية يتّجهون إلى أحدث القطاعات وأكثرها سخونة، وتحديداً ما يَعِد منها بأفضل الفرص والمكانة الأعلى. كان ذلك يعني العمل في وول ستريت في أحد العقود، وفي قطاع الاستشارات في العقد الذي يليه، ومن ثم الانتقال إلى ريادة الأعمال وقطاع الاستثمارات الخاصة. أما اليوم، فإن العاملين الموجودين على مختلف درجات السلم الاقتصادي الاجتماعي باتوا يُعيدون النظر في التزامهم مع أصحاب العمل، ومدى الإنصاف الذي تنطوي عليه الصفقة الحالية بين رأس المال والقوى العاملة. ففي أمازون، يتّضح ذلك في أول تصويت أجراه العاملون على إنشاء نقابات عمالية. وفي شركات أخرى، بات الموظفون يطالبون بالاستقلال الذاتي وبالحق في العيش والعمل في الأماكن التي يختارونها. كما أصبحت أعداد أكبر من الناس تختار العمل في اقتصاد الأعمال المستقلة. وفي الوقت ذاته، يشكّل التقدم الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي تهديداً مستمراً للوظائف الحالية حيث يواصل التعدي عليها وقضم جزء منها. وقد تتطلب هذه التطورات جميعها من قادة الشركات إعادة النظر في مستقبل العمل.
العوامل الديموغرافية (السكانية). في أنحاء العالم، ثمة تراجع في معدلات الخصوبة. وفي الولايات المتحدة، نلاحظ حصول تقلّص في الفئة السكانية التي في عمر العمل، في حين بدأ مواليد جيل الطفرة والجيل إكس مجتمعين يشكّلون طبقة ضخمة من المتقاعدين، بينما سيهيمن أبناء الألفية والجيل زد قريباً على القوى العاملة. وتنطوي هذه التغيرات السكانية على تحديات وفرص في الوقت ذاته. فتكاليف الرعاية الصحية، المرتبطة بالعمل، قد تواصل ارتفاعها، ما يشكّل ضغطاً على الموازنات الحكومية والشخصية، ويتطلب حلولاً مبتكرة لتحسين جودة الرعاية وتقليل التكاليف. ومع تزايد أعداد الأشخاص الذين يستفيدون من منافع التقاعد، فإننا قد نرى تنامياً في التوترات السياسية بين الأجيال. كما أن أبناء الجيل زد البارعين رقمياً قد يُبدون حماسة أكبر لتبنّي الميتافيرس، في حين قد يسعى الأشخاص الأكبر عمراً إلى المزيد من العلاقات القائمة على اللقاء وجهاً لوجه. وبالتالي، فإن الشركات قد تشهد تقسيماً فئوياً يتزايد حدة بحسب العمر.
المعايير الاجتماعية. في وقت من الأوقات، كان من غير اللائق الحديث في السياسة مع الآخرين في مكان العمل أو على مائدة العشاء. وكم يبدو هذا الكلام غريباً. فالتحولات الحاصلة عبر الأجيال وشبكات التواصل الاجتماعي تضافرت معاً لتنقلنا نحو حقبة من غير الممنوع فيها خوض نقاش بخصوص أي شيء، ناهيكم بالتوقعات السائدة بأن يكون القادة والموظفون جاهزين لاتخاذ مواقف بخصوص المسائل المثيرة للجدل. وتُوْضِح السرعة التي تحوّل بها التنوع والمساواة والشمول إلى أولوية، هذا التحول. كما ستتطلب القضايا الاجتماعية الأخرى – ولاسيما عدم المساواة الاقتصادية، والصحية، والتعليمية؛ والجمود في التنقل الاقتصادي للأفراد – العناية بها.
التكنولوجيا. مع اقتراب شبكتي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر من بلوغ سن العشرين، لا يتوقف تأثيرهما على المجتمع عن التنامي. وفي الوقت ذاته، ثمة تحولات أحدث عهداً تحصل في ميدان التكنولوجيا. فقد بدأت التكنولوجيا المالية "فينتك" والعملات المشفرة بإيجاد بدائل للنظام المصرفي التقليدي. كما آذن الجيل الثالث للإنترنت والميتافيرس بدخول العمل، والتجارة، والترفيه في حقبة رقمية جديدة. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات التكنولوجية التي أدرِجت في البورصة في عام 2021 كانت أسهمها تُتداول خلال فصل الربيع من هذا العام دون سعر سهمها في اليوم الأول لإدراجه. وقد يؤدي هذا الوضع إلى موجة من عمليات الاستحواذ والاندماج في بعض القطاعات، بما يشبه ما رأيناه طوال تاريخ قطاع الأعمال. فعلى سبيل المثال، قبل قرن من الزمن، كان عدد الشركات التي تعمل في قطاع صناعة السيارات وحبوب الإفطار التي تستخدم في الوجبات الغربية بالمئات؛ أما الآن فقد بات لدينا الشركات الضخمة الثلاث في كل قطاع منها، وتحديداً جنرال موتورز، وفورد، وكرايسلر في عالم صناعة السيارات، وكيلوغز، وجنرال ميلز، وبوست في مجال صناعة الحبوب. ويُظهِر التاريخ أن التعامل مع فترات الاندماج والاستحواذ يتطلب صفات قيادية مختلفة عن تلك التي تتطلبها فترات الإنشاء والبناء.
في الشركات التي يقودها تنفيذيون مبذّرون في نفقاتهم الشخصية، وجدنا قدراً أكبر من الاحتيال وأخطاء غير مقصودة أكثر في التقارير.
ما نوع القادة الذين نحتاجهم الآن؟
ستتطلب روح العصر الجديد وجود تنفيذيين يمتلكون غريزة تساعدهم على التعامل مع القوى الخارجية الآخذة بالتحول، وقادرين على استشعار الفرص الاقتصادية الجديدة، ويتمتعون بالمهارات التي تمكّنهم من القيادة والإدارة في حقبة مختلفة.
بالنسبة لروّاد الأعمال، يُعتبر هذا الوقت مناسباً لتحديد الابتكارات المتاحة وتطويرها، ليس فقط في مجال التكنولوجيا التي سلّطت الضوء عليها أعلاه، وإنما في أنواع أخرى منها أيضاً. فعلى سبيل المثال، نستطيع أن نتوقع إنشاء أدوات جديدة لدعم الأنشطة التي ازدهرت خلال حقبة الجائحة، مثل العمل من أي مكان، والترفيه، والبث المباشر عبر الإنترنت، والطبابة عن بعد. وبالنسبة للمدراء الذين يتميزون في الاستفادة من وفورات الحجم والانتشار الواسع لشركاتهم، ويبرعون في التعامل مع عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاعات التي تضم الكثير من الشركات، فقد تكون هناك فرص في بعض المجالات الآخذة بالنضج مثل الحوسبة السحابية، والبرمجيات كخدمة، والأمن السيبراني. أخيراً، ستتطلب القطاعات التي تُبدي علامات على التراجع – بما في ذلك متاجر التجزئة التقليدية، والبنوك التي تقدّم خدماتها عبر الفروع، والتصنيع والتوزيع – قادة يجيدون عمليات إعادة الهيكلة وإعادة الابتكار.
كما تستدعي هذه الحقبة الجديدة وجود تنفيذيين يتمتعون بموهبة فهم العلاقة المتداخلة بين السياسة والرأي العام، وتأثيرها على عملية صنع القرار، لأن أثمان الحسابات الخاطئة باتت تتزايد. لنأخذ مثلاً الوضع الذي واجهه الرئيس التنفيذي لديزني بوب تشابيك هذا الربيع. فديزني هي شركة كبيرة لديها الكثير من الموظفين في فلوريدا حيث اقترح المشرّعون قانوناً مثيراً للجدل يحد من قدرة المدارس على مناقشة مسائل تتعلق بالهوية الجندرية للطلاب. وقد انتقد موظفو ديزني وغرباء آخرون الشركة على إخفاقها في معارضة مشروع القانون علناً إلى ما بعد إصداره. وفي غضون أسابيع، نظّم الموظفون وقفات احتجاجية، فيما اقترح بعض الزبائن مقاطعة الشركة. وقد وصفت مقالة في صحيفة وول ستريت جورنال الوضع على أنه "مثال دراماتيكي على الاحتكاكات التي بدأت شركات عديدة تشهدها بعد أن بدأ العاملون بممارسة نفوذهم للتأثير في ثقافة الشركة وقراراتها، ومطالبة شركاتهم باستغلال وزنها للمشاركة في السياسة علناً". اعتذر تشابيك عن عدم اشتراكه كحليف قوي في المحاربة من أجل الحقوق المتساوية وقال إن ديزني ستعمل على إلغاء القانون. وعندها انتقم مشرّعو فلوريدا وحاكم الولاية بإلغاء الوضع الضريبي الخاص الذي كانت تحظى به الشركة.
يبدأ تفادي الألغام الأرضية بتوقع ردود أفعال مختلف أصحاب المصلحة تجاه الأحداث التي تحصل داخل الشركة وخارجها. ويتطلب ذلك من القادة أولاً توسيع الزاوية التي يعيدون من خلالها النظر في الأشياء التي تهم شركتهم. ففي وقت من الأوقات، كان الرئيس التنفيذي يقول: "ولكن ما علاقة هذا الشيء بشركتي؟ أليست هذه مسألة شخصية أو سياسية؟" من غير المرجّح أن تكون وجهة النظر هذه مفيدة لأي تنفيذي في المستقبل. وعوضاً عن أن يُبدي الرؤساء التنفيذيين مقاومة، ينبغي لهم تقبّل المسؤولية الأوسع التي سيجدون أنفسهم هم وشركاتهم مندفعين نحوها. وسيكونون بحاجة إلى التعاطف مع الأشخاص الذين قد تكون لديهم هويات أو مصالح مختلفة عن تلك التي تخصّهم. وبالتالي، فإن جمع مجموعة متنوعة من الآراء والإصغاء بعناية – حتى إلى الأفكار والآراء التي قد تبدو غريبة عجيبة – سيمكّن الرؤساء التنفيذيين من إبداء قدر أكبر من التناغم مع الأشخاص الذين يتولون قيادتهم.
يُوصف التنفيذيون الذين يعملون بهذه الطريقة أحياناً على أنهم "دبلوماسيون" أو "رجال دولة". ومن يقود بأسلوب رجل الدولة لن يكون قادراً على جس نبض ناخبيه المختلفين فحسب، وإنما يستطيع حشدهم والمضي بهم إلى الأمام أيضاً. وثمة مثالان جيدان على هذا النوع من القادة هما الرئيس التنفيذي السابق لأميركان أكسبرس، كين تشينو، ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي (والرئيس التنفيذي السابق) لميرك، كين فريزر، وهما من بين أفضل التنفيذيين المشهورين من ذوي البشرة السوداء في الولايات المتحدة. عندما انطلقت حركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) بعد مقتل جورج فلويد، كان الرجلان في طليعة من قاد الاستجابة التي أبدتها الشركات الأميركية الكبرى. فبعيداً عن إعلانات الدعم والتضامن التي كان يُخشى أن تبدو مبادرات فارغة من أي مضمون، أطلق تشينو وفريزر مبادرة "واحد عشرة" (OneTen)، وهي مبادرة تتعاون بموجبها الشركات الأساسية لتوفير التدريب، والتوظيف، والترقية لمليون أميركي أسود – وتحديداً غير الحاصلين على شهادة جامعية – في غضون عشر سنوات. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك لاري فينك من بلاك روك الذي حشد جهود المستثمرين وقادة الشركات للتركيز على الاستدامة على المدى البعيدة في المشاريع وعلى كوكب الأرض.
ستتطلب روح العصر الجديد أيضاً قدراً أكبر من التأكيد على التمتع بمهارات إدارة الأزمات. إذ لم يعد بمقدور القادة الافتراض أن المتاعب قد تحصل مرة كل ثلاث أو أربع سنوات، وأن من سيتولى التعامل معها هم استشاريون خارجيون متخصصون بالأزمات. بل يجب على الشركات أن تحضّر نفسها لسلسلة متصلة من الاضطرابات، وأن تصقل مهارات موظفيها للتعامل معها. فهي لا تستطيع الاكتفاء بإبداء ردود الأفعال؛ وإنما يتوجب عليها توقّع التحديات المحتملة، والتخطيط لها، وتنظيم كيفية التعامل معها. فعلى سبيل المثال، لا شك أن حكم المحكمة العليا في الولايات المتحدة بخصوص الحق في الإجهاض سيظل يُشعِل فتيل السجالات السياسية المحتدمة، وسيضغط على الرؤساء التنفيذيين لكي يأخذوا موقفاً معيّناً. ويجب أن يكونوا جاهزين لذلك.
سيكون قادة الشركات بحاجة أيضاً إلى التمتع بمجموعة من المواهب الضرورية الأخرى التي تشمل استعمال شبكات التواصل الاجتماعي ببراعة، وتحفيز الموظفين الذين يبحثون عن الغاية والمعنى في شركاتهم، وإرضاء جميع أصحاب المصلحة وليس فقط المساهمين، وقيادة عملية التحول الرقمي. وقد بدأت أهمية هذه المهارات تتزايد وضوحاً منذ أكثر من عقد من الزمن؛ لكن روح العصر الجديد ستضعها في المقدمة.
تهدف هذه المقالة إلى التوعية بحقيقة تاريخية مفادها أن بيئة قطاع الأعمال تشهد تحولات هائلة كل عقد أو عقدين من الزمن. ويُسهِم كل تحوّل من هذه التحولات في إيجاد فرص جديدة في عالم الأعمال، ويتطلب إدخال تغييرات على المنهجيات المستعملة في القيادة. وثمة علامات واضحة على أننا نمر بتحوّل من هذا النوع في الوقت الحاضر. والقادة الأذكياء سيدرسون التبعات الضمنية لذلك، وسيحضّرون أنفسهم لمواجهتها.