“قيل عن الأب أغاثو إنه وضع حجراً في فمه لمدة 3 سنوات حتى تعلم الصمت”. كنت أفكر في تلك القصة التي كتبها توماس ميرتون خلال اجتماع مجلس الإدارة الأخير.

خلال الاجتماع، كان الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية يقدمان بسرعة عرضاً تقديمياً مطولاً مكوناً من 112 شريحة، يتناولان فيه آخر تحديثات السوق وتحليلاً فنياً للاتجاهات المختلفة متبوعاً بأطر عمل المنتج.

تنهد أحد أعضاء مجلس الإدارة بعمق. نظر آخر خلسة إلى هاتفه المحمول الموجود في حجره معتقداً أن أحداً لن يلاحظه. كان البعض الآخر في الاجتماع ينظر عبر النافذة متأملاً الطقس الكئيب في ذلك اليوم. افتقرت هذه اللحظات إلى المشاركة الفعالة، ولكن هذا السيناريو كان شائعاً في أغلب الاجتماعات للأسف.

هل كان سبب عدم مشاركة أعضاء مجلس الإدارة الملل من العرض التقديمي أم إدمان الهواتف المحمولة؟ أم أن ثمة سبباً أهم لسلوك أعضاء مجلس الإدارة هذا؟ هل كانوا “يضعون حجارة في أفواههم” إن جاز التعبير؟ ماذا لو كان الصمت السائد قراراً مبنياً على الحكمة وليس بسبب اللامبالاة؟

ربما يتساءل الناس إن كان التعبير عن آرائنا يستحق العناء. هناك عوامل مختلفة يمكن أن تؤثر في قرار المرء التعبير عن آرائه من عدمه، مثل الحماس والشعور بالسذاجة والخوف من التداعيات والالتزام بمعايير المجموعة وحتى الحكمة.

قد لا يتعلق الأمر بسؤال “هل يجب أن أعبر عن رأيي؟” بقدر ما يتعلق بسؤال “متى يجب أن أعبر عن رأيي؟”. من أجل تحديد الوقت المناسب للتحدث، يجب أن تطرح على نفسك أسئلة أدق، مثل:

  • هل سيعزز التعبير عن رأيي العملية أو الموقف المطروح؟
  • هل ما أعرفه مفيد للمؤسسة؟
  • والأهم من ذلك بالطبع، هل هناك ضرورة لقول أي شيء؟

في هذا السياق، قد يكون الصمت الذي لوحظ بين أعضاء مجلس الإدارة في أثناء الاجتماع قراراً متعمداً. في المؤسسات المعقدة وخلال الأوقات الصعبة، يواجه الأفراد خيارات معقدة وصعبة. لا يمكننا تحسين المنتجات جميعها أو متابعة جميع الأسواق المتاحة أو دمج البرامج المقترحة كلها. هناك قرارات متعلقة بتخصيص الأموال والموارد يجب اتخاذها، حتى عند التعبير عن آرائنا. يمكن لكل شخص أن ينتظر لحظة خاصة للتعبير عن أفكاره، أو قد يسمح للعرض التقديمي بالاستمرار قبل أن يتدخل. قد يكون اختيار التزام الصمت قراراً حكيماً بالفعل أيضاً.

أو ربما تكون سلبية أعضاء مجلس الإدارة حالة من الإنكار أو عدم الرغبة في المشاركة في النقاش أو تجنب الدخول في صراع غير ضروري أو خشية الاختلاف عن البقية. يمكن أن يكون هذا السلوك ضاراً، خاصة بالنظر إلى تكلفته المحتملة على المؤسسة.

الصمت في مواقف معينة له عواقب سلبية

عند تحليل الكوارث الكبرى، يتبين غالباً أن المشكلة الرئيسية وراء حدوث الأخطاء كانت عدم تعبير الأفراد عن مخاوفهم. لقد حدث ذلك في أثناء فشل إدارة كينيدي في خليج الخنازير حيث كان التفكير الجماعي هو السائد. وحدث ذلك مرة أخرى عندما انفجر مكوك الفضاء تشالنجر في أثناء الإقلاع بسبب ضعف عملية صنع القرار. ربما كان من الممكن تجنب التسرب النفطي الأخير الذي تسببت به شركة بي بي، وهو أكبر تسرب نفطي بحري في التاريخ، لو جرى حوار صحيح داخل المؤسسة؛ كان الكثيرون داخل المؤسسة يدركون أن غلاف البئر ومانع الانفجار غير كافيين لمنع التسرب، لكن المؤسسة قررت تجاهل ذلك كله والمضي قُدماً على أي حال.

إذا كنت عضواً في مجلس الإدارة أو مسهماً فردياً في اجتماع أسبوعي للموظفين، فإن معرفة متى يجب التغاضي عن بعض الجوانب ومتى يجب مواجهة جوانب أخرى، وكذلك متى تجب مناقشة قضية ما علناً أو بصورة خاصة، يتطلب الحكمة والقدرة على التمييز، وأساس ذلك يكمن في لحظة القرار الواعي الذي نتخذه بشأن التعبير عن رأينا أو التزام الصمت.

ما الوقت المناسب للتعبير عن رأيك؟ هناك 3 معايير حاسمة لتحديد ذلك:

عندما يكون من الممكن تعزيز نتائج المجموعة

لقد ثبت أن آراء الأقلية تحسّن جودة صنع القرار في سياقات مختلفة، بما في ذلك في هيئات المحلفين والفرق، ولغرض الابتكار. وأثبت بحث نُشر أول مرة في مجلة علم النفس التطبيقي أنه حتى لو كانت آراء الأقلية خاطئة، فإنها تحفز بقية أفراد المجموعة على التفكير بصورة أفضل وتولد حلولاً أكثر وتحسّن الإبداع في حل المشكلات.

عندما يُمكّن الآخرون من قول آرائهم بصدق

في دراسة مثيرة للاهتمام حول التوافق، قُسم الأشخاص في مجموعات ووُجه الأغلبية للكذب بشأن طول خطّ مرسوم. في السيناريو الذي كذبت فيه غالبية المجموعة ولم يكن هناك صوت مخالف، قبِل 70% من المشاركين بصورة سلبية تقييم المجموعة الخاطئ. ولكن عندما كان هناك صوت مخالف واحد، وافق 30% من المشاركين فقط على إجابة الأغلبية الخاطئة. بعبارة أخرى، عندما يمتلك فرد ما الشجاعة للتعبير عن رأيه بصدق، فإن ذلك يلهم الآخرين الشجاعة ويمكّنهم من فعل الشيء نفسه.

عندما تكون عواقب التزام الصمت كبيرة جداً

تعتمد النقطة الأخيرة أكثر على الحكم الذاتي مقارنة بالمعيارين السابقين. أنت وحدك من يستطيع أن يقرر إن كان التعبير عن رأيك يستحق العناء أم لا، ومتى تسمح للآخرين بتحديد ما تؤمن به وصحة ما تقوله. إذا كانت القضية تتعلق بالعدل أو النزاهة، أو إذا ما كان لارتكاب خطأ ما آثار واسعة النطاق على الكثيرين، فربما تكون تكلفة الصمت باهظة جداً. في مثل هذه المواقف، ومن أجل مصلحة مؤسستك ونزاهتك، من المهم أن تعبر عن رأيك.

هناك أوقات يؤثر فيها ما نقوله أو لا نقوله في قدرة مؤسستنا، وحتى قدرتنا، على النجاح. ومع ذلك، فإن تحديد الوقت الذي يجب أن نعبر فيه عن أفكارنا أو نبقى صامتين ليس بالأمر السهل دائماً، تماماً مثل معرفة متى يجب أن نضع حجراً في فمنا أو متى نزيله. معرفة الوقت المناسب للتعبير عن رأيك هو فن، ومثل أي فن، يتطلب مهارة وخبرة، لكنها مهارة ذات قيمة وتستحق جهدنا لتنميتها.