3 أسباب تشجع الشركات العالمية على مواصلة الاستثمار في الهند

5 دقائق
الاستثمار في الهند

إليك هذا المقال الذي يتحدث عن الاستثمار في الهند تحديداً. يدور اليوم نقاش كبير بشأن مستقبل الهند الاقتصادي. فقد أعلن رئيس الوزراء مودي في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2018 أنّ الاقتصاد الهندي يحل في المرتبة الخامسة على مستوى العالم وسيتضاعف حجمه إلى 5 تريليونات دولار بحلول عام 2025. ومن جهة ثانية، تشير وسائل الإعلام إلى أنّ الطبقة المتوسطة هشة في الهند، إلى جانب زيادة الفوارق الاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة. وهناك تخوف يحاوط مجموعة شركات متعددة الجنسيات من عدم تمكن الهند من تحقيق نجاح مواز للنجاح الذي حققته الصين.

وفي حين تظل الهند سوقاً مليئاً بالتحديات، إلا أنّ هناك ثلاثة أسباب على الأقل تشجع على مواصلة الاستثمار في الهند ولا يسع الشركات العالمية إغفالها من دون أن تتحمل عواقب ذلك.

أولاً: زيادة الإنفاق على البنى التحتية في الهند

لقد زاد الانفاق على البنى التحتية في الهند مثل المطارات والمدن والفنادق والمرافئ والطرق والجسور والمستشفيات ومحطات توليد الكهرباء. وخلال السنوات الثلاث الماضية، على سبيل المثال، خصصت ولاية أندرا براديش التي انفصلت عنها حديثاً تلنغانا لتصبح ولاية جديدة في العام 2014، استثمارات ضخمة للبنى التحتية. لقد ضاعفت الهند قدرتها على استغلال الطاقة الشمسية 9 مرات منذ العام 2014، وحققت هدف إنتاج 20 غيغاواط قبل 4 سنوات من الموعد المحدد. وتخطط لجمع استثمارات جديدة بقيمة 200 إلى 300 مليار دولار وضخها في بنى الطاقة المتجددة التحتية خلال العقد المقبل.

لقد وظفت شركات صناعية متعددة الجنسيات مثل الإنجليزية جيه سي بي (JCB)، والأميركية كامينز (Cummins) وايكوم (AECOM) وجنرال إلكتريك ومستثمرون مثل بروكفيلد (Brookfield) رؤوس أموال طائلة استثمرتها بنجاح في البنى التحتية في الهند. وفي الواقع، جنت جيه سي بي نصف أرباحها على المستوى العالمي من استثماراتها في الهند. وتقدر حاجة الهند إلى 5 تريليونات دولار من الاستثمارات في البنى التحتية لدعم استدامة النمو الاقتصادي، لكن الشركات الهندية لا تمتلك المؤهلات المطلوبة لذلك. وهذا يفتح فرصاً كبيرة لتحقيق النمو أمام الشركات متعددة الجنسيات التي تملك كفاءات أساسية لتوفير حلول البنى التحتية التي تعتمد على التكنولوجية المتطورة مثل المحركات النفاثة والتوربينات وأجهزة المسح بالأشعة المقطعية والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.

ثانياً: طبقة وسطى هندية ناشئة قوية

صحيح أنّ بيئة الأعمال التجارية تطرح تحديات في الهند أمام جميع الشركات التي تعمل في مجال الاقتصاد الاستهلاكي، إلا أنّ بعض الشركات الاستهلاكية العالمية مثل يونيليفر وشاومي وسوزوكي وهيونداي وهوندا وإل جي وسامسونج وكولغيت استطاعت التغلب على التحديات والصعاب هناك وحققت نجاحاً منقطع النظير في منتصف الهرم الاقتصادي.

يمكننا على سبيل المثال أن نذكر قصتي نجاح في الاقتصاد الاستهلاكي ضمن الهند، وهما شركة أمازون وسيارة كويد منخفضة التكلفة التي أنتحتها شركة رينو. لقد دخلت شركة أمازون الهند في عام 2013 حيث كانت شركتا فليبكارت (Flipkart) وسنابديل (Snapdeal) الهنديتان تهيمنان على التجارة الإلكترونية، ومع ذلك استطاعت أمازون أن تصبح أكبر متجر تجزئة عبر الإنترنت في الهند. لقد سجلت قاعدة مستهلكي أمازون في الهند نمواً هو الأسرع في تاريخ الشركة في عملياتها حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.

وبالمثل، عندما دخلت رينو الى الهند وعرضت سيارة كويد في سنة 2015، كانت شركتا ماروتي وهيونداي تستحوذان على قرابة 70% من سوق السيارات الصغيرة الواسع وسريع النمو في الهند. وخلال عامين لا أكثر، استحوذت كويد على 15% من السوق. والأهم من ذلك، أنّ رينو طرحت بعدها كويد في عدة أسواق اخرى بما في ذلك أميركا الجنوبية.

لقد أتاحت ثلاثة أمور لشركتين مثل أمازون ورينو تحقيق النجاح في سوق السلع الاستهلاكية بالهند. أولها: أنّ الرئيسين التنفيذيين للشركتين التزما التزاماً استراتيجياً وطويل الأمد بالسوق. فقد وضع رئيس شركة أمازون جيف بيزوس ورئيس شركة رينو كارلوس غصن خطط استثمار طويلة الأمد في الهند بصفتها مركزاً لتسويق منتجات مبتكرة تستهدف الطبقة التي تشغل منتصف الهرم الاقتصادي كي يصبح هذا المركز منطلقاً لكل الأسواق الناشئة وحتى المتقدمة. وثانياً: بنت الشركتان فرقاً قوية من الكفاءات الهندية ونقلت الموارد وسلطة اتخاذ القرار إلى الهند. ويحظى المدير التنفيذي لشركة أمازون في الهند أميت أغاروال ومدير رينو التنفيذي في الهند سوميت ساوني بسلطات كبيرة للابتكار في السوق المحلي. وثالثاً: تعمل الشركتان على تكييف نماذج أعمالهما وتطوران منتجات تلبي احتياجات الطبقة الوسطى الناشئة وترضي أذواقها وتغدو في متناولها؛ فسيارة كويد التي تصنعها رينو ونموذج التجارة الإلكترونية الذي تعتمده أمازون يناسبان تماماً احتياجات الطبقة المتوسطة الهندية.

إنّ ما قامت به هاتان الشركتان، على سبيل المقارنة، يخالف تماماً ما تفعله مثلاً شركة آبل في ثاني أكبر أسواق العالم استهلاكاً للهواتف الذكية. إذ يستحوذ هاتف آيفون على 2% فقط من الحصة السوقية، في حين تأتي سامسونج وشاومي في الطليعة بنسبة 23% لكل منهما. ويمكن تفسير ذلك بأن آبل تنتظر على ما يبدو أن يزداد سكان الهند ثراء ويتناسب مع نموذج أعمالها. في حين تعرض الشركتان المنافستان لها وهما سامسونج وشاومي منتجات تناسب احتياجات المستهلكين الهنود وبأسعار معقولة.

مهما كانت الصعاب التي تواجه المستثمرين في الهند، فإنّ التحدي الأكبر أمام الشركات العالمية هو أن تتعلم كيف تكيّف طرق عملها مع الأسواق الأخرى بدلاً من أن تنسخ نماذجها المعتمدة في الأسواق المتقدمة ضمن أماكن أخرى من العالم وتطبقها كما هي. ولتحقيق النجاح في الهند، تحتاج الشركات إلى أن تبدأ صفحة بيضاء وتضع تصاميم جديدة تناسب من يقعون في منتصف الهرم الاقتصادي.

ثالثاً: ازدهار قطاع شركات التكنولوجيا الناشئة

لا يكمن أكبر الأسباب التي تجعل من الهند سوقاً واعدة وجاذبة للشركات العالمية في حجم السوق بحد ذاته وإنما في فرص المشاركة في إحدى أغنى بيئات الأعمال الابتكارية بشركات التكنولوجيا الحديثة في العالم. إنّ بيئة الشركات الحديثة في الهند، وتأتي في المرتبة الثالثة على مستوى العالم، تتطور سريعاً إلى مرحلة النضج ولم تعد تهيمن عليها شركات التجارة الإلكترونية ذات النماذج المكررة. وفي الواقع، جذبت شركات التكنولوجيا حديثة النشأة استثمارات تزيد على 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية.

ثمة ثلاثة عوامل تقف خلف هذا الازدهار. يتمثل العامل الأول في الاستثمارات الهندية في البنى التحتية التكنولوجية. فقد وحدت الهيئات الحكومية وخبراء التكنولوجيا المتطوعون جهودهم لإنشاء "إنديا ستاك" (India Stack) وهي عبارة عن مجموعة من واجهات برمجة التطبيقات (APIs) التي توفر للحكومات وشركات الأعمال والشركات الحديثة النشأة والمطورين بنية تحتية رقمية مشتركة يمكنهم الاعتماد عليها لتقديم خدمات لا تتطلب الحضور الشخصي أو تعبئة استمارات أو دفع المال نقداً. على سبيل المثال، يمكن لشركات الاتصالات والبنوك اليوم فتح حسابات جديدة خلال خمس دقائق من دون استخدام ورقة واحدة. ولقد تجاوزت عمليات الدفع الرقمي باستخدام واجهة برمجة تطبيقات مجانية باسم "واجهة الدفع الموحدة" (Unified Payment Interface) أو "يو بي آي" مجمل التحويلات ببطاقات الائتمان في عام ونيف. وازداد الاتصال اللاسلكي بشبكة الإنترنت بصورة كبيرة جداً في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد إطلاق شركة ريلاينس جيو (Reliance Jio) خدمة الجيل الرابع (4G). وقد أضافت شركة ريلاينس وحدها 160 مليون مستخدم جديد خلال عام واحد. وللتعرف على الهوية الشخصية ومنح كل مواطن في الهند رقماً قومياً فريداً مكوناً من 12 رقماً استناداً إلى بياناته البيومترية، بات عدد المسجلين في برنامج "أدار" 1,2 مليار مواطن. وقد استُخدم للتثبت من صحة 9 مليارات إجراء تم من خلال البرنامج في العام 2017. ويوجد بالهند 350 مليون هاتف ذكي وهو عدد يزداد بمعدل 25% وفق معدل النمو السنوي المركب (CAGR).

العامل الثاني هو العدد الكبير من المستهلكين والقاعدة الواسعة للمواهب الشابة ذات المؤهلات التعليمية العالية. لا يوجد من ينافس الهند في هذا المضمار، فمعاهدها الهندسية العشرة آلاف تخرج أعداداً من المهندسين تفوق الأعداد التي تتخرج في الصين والولايات المتحدة الأميركية مجتمعتين، وينضم 10 إلى 12 مليون شاب إلى سوق العمل في الهند كل عام.

ويتمثل العامل الثالث في أنّ مشاكل الهند لا يمكن حلها من دون الاستعانة بالتكنولوجيا. على سبيل المثال، تعاني الهند نقصاً هائلاً في أسرّة المستشفيات والطواقم الطبية نسبة إلى سكانها البالغ عددهم 1,2 مليار نسمة. ويعاني قطاع التعليم بالمثل من نقص في عدد المدرسين والجامعات. ويحتاج سلك القضاء ربما الى 30 عاماً للفصل في الدعاوى القضائية التي لم يبت فيها بعد. ولا يمكن تقديم الخدمات المالية والتعليمية والرعاية الصحية والقضائية وغيرها الكثير من الخدمات إلا من خلال الاستعانة الفعالة بالتكنولوجيا. وهذا يترجم إلى فرص هائلة أمام شركات التكنولوجيا حديثة النشأة التي تقدم حلولاً في هذه القطاعات، ونحن نرى بالفعل شركات تكنولوجيا ابتكارية تدخل السوق الهندي.

في الختام، تمثل الهند مفارقة فهي مليئة بالمتناقضات؛ وعلى الرغم من المصاعب الهائلة التي تنطوي عليها، فإنها توفر كذلك فرصاً هائلة من أجل الاستثمار في الهند بنجاح. وتشمل المنغصات والصعوبات النظم والقوانين البيروقراطية، ونقابات العمال القوية، والفساد، وتخلف المؤسسات، وعدم ملاءمة البنى التحتية المادية، وصعوبة حيازة الأراضي. ولكن بمجرد تغلب أية شركة على هذه الصعاب، فستحظى بجائزة كبيرة. وقد أوردنا العديد من الأمثلة لشركات نجحت في شق طريقها في الهند، وينبغي أن تحذو شركات أخرى حذوها.

اقرأ أيضاً:

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي