حذت شركة غانيت كوربوريشن (Gannett Corporation)، حذو شركات إعلامية أخرى مثل شركتَي تايم وارنر (Time Warner) ونيوز كورب (News Corp)؛ إذ أعلنت مؤخراً أنها ستفصل شركات الصحف الإخبارية المطبوعة، مثل صحيفة يو إس أيه توداي (USA Today) و80 صحيفة أخرى عن شركاتها الإعلامية الأخرى، التي تشمل القنوات التلفزيونية وموقع كارز دوت كوم (Cars.com) وغيرها من المنصات الإلكترونية.
لا يمثل مثل هذا التقسيم حدثاً جديداً؛ فمنذ أكثر من 20 عاماً، اتجهت الشركات نحو تقسيم أعمالها وإعادة هيكلتها، وذلك لأسباب واضحة للمختصين وغير المختصين على حد سواء. يمكن تبرير أسباب عمليات التقسيم أو التجزئة إلى شركات فرعية من خلال النمذجة المالية التي تركز على الربحية النسبية وآفاق النمو للأقسام المعنية، أو من خلال مساعدة الشركة على توجيه تركيزها نحو نشاط محدد أو السماح لها بالتخلص من الأقسام التي تشكل عبئاً يعوق نموها.
لكن على الرغم من قدرة المراقب غير المتخصص على فهم أسباب تقسيم الشركات، فإن الأطر والأفكار التي تستند إليها نظرية الاستراتيجية لا تساعد في تقييم جدوى تنفيذ عملية التقسيم.
لنلقِ نظرة على نظرية الاستراتيجية السائدة حالياً، وهي الرؤية القائمة على الموارد (RBV)، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصادي، جاي بارني. وفقاً لهذه النظرية، فإن نجاح شركة ما أو فشلها يعتمد على الموارد التي تمتلكها، وبالتالي، فإن صناعة القرارات الاستراتيجية تتعلق ببناء الموارد أو الاستفادة منها.
ما هو المقصود بالمورد بالضبط؟ تُعرِّف النظرية المورد بأنه أصل يمكّن الشركة من تحقيق أرباح جيدة، ولكي يحدث هذا، يجب أن يتمتع المورد بـ 3 خصائص. يجب أن يكون:
- ذا قيمة بالنسبة للعملاء أو أن يمكّن الشركة من إنشاء منتج أو خدمة تكون ذات قيمة للعملاء
- نادراً، أي غير متوافر لدى معظم المنافسين
- من الصعب تقليده أو استبداله، بحيث لا يستطيع المنافسون إنشاء موارد مماثلة أو تطوير بدائل لها.
عادةً، تكون الموارد التي تلبي هذه الشروط هي قدرات أو خبرات تطورت بمرور الوقت ويصعب نقلها أو توثيقها لاستخدامها في مكان آخر، لكن يمكن أن تشمل الموارد أيضاً الممتلكات أو براءات الاختراع أو العلامات التجارية أو العقود.
من الواضح أن شركة غانيت تمتلك موارد في كل من شركات الصحيفة التقليدية والشركات الإعلامية الأحدث، نحن نعلم ذلك لأن هذه الشركات تحقق عائدات معقولة بالنسبة للقطاعات التي تنتمي إليها، ولن يكون هذا ممكناً إلا إذا كانت تمتلك بعض الموارد التي تتوافق مع التعريف السابق.
إذاً، كيف تفسر لنا نظرية الرؤية القائمة على الموارد قرار تقسيم الشركة إلى شركتين منفصلتين؟ لفهم ذلك، يجب أن نؤمن أن فصل شركات الصحافة المطبوعة عن شركات وسائل الإعلام الأخرى سيؤدي إلى إنشاء مورد جديد أو تعزيز قدرة الشركة على الاستفادة من مورد موجود فعلاً. من الواضح أن عملية التقسيم لا تؤدي إلى إنشاء مورد جديد، ولا نعرف السبب الذي ستؤدي من خلاله هذه العملية إلى تعزيز قدرة فريق الإدارة على الاستفادة من الموارد الموجودة بطريقة أفضل، لذلك، من الصعب تفسير هذا القرار باستخدام نظرية الرؤية القائمة على الموارد.
ربما لاحظتَ أيضاً أن هذه النظرية لا تتضمن مفهوم التركيز على نشاط معين أو مجال محدد لتحقيق الميزة التنافسية. في الواقع، إذا كانت تتوافر لديك موارد متعددة، فإن هذه النظرية تفترض ضرورة صياغة استراتيجية تهدف إلى تطوير هذه الموارد جميعها والاستفادة منها، ولكنها لا تقدم أي تفسير لاتخاذ قرار بفصل بعض الموارد والتركيز على موارد محددة فقط.
إذاً، ربما توجد نظرية أفضل للاستراتيجية. يتمثل البديل الرئيسي لهذه النظرية في مدرسة التموضع (Positioning School)، التي شرح أفكارها الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، مايكل بورتر بوضوح أكبر، وهي تنص على أن النجاح يعتمد على تموضع شركتك في سوق مربحة حيث تحظى بميزة تنافسية أو يمكنها اكتسابها.
للأسف، لا تفسر هذه النظرية أيضاً قرار التقسيم، فعملية تقسيم الشركة إلى جزأين لا تؤثر على موقع كل جزء في السوق؛ إذ تظل شركات الصحف المطبوعة تعمل في سوق غير جذابة، في حين تظل شركات وسائل الإعلام الأخرى تعمل في سوق جذابة، كما أن عملية التقسيم لا تؤدي إلى تغيير المزايا التنافسية.
علينا إجراء بعض التعديلات على نظرياتنا الاستراتيجية لتفسير قرارات مثل تقسيم شركة غانيت، لذلك أقترح إضافة مفهوم إلى نظرية الرؤية القائمة على الموارد.
في الوقت الحالي، تعتمد نظرية الرؤية القائمة على الموارد بالكامل على الأصول التي تمتلكها الشركات، ولكنها تتجاهل الأعباء التي تعانيها الشركة بخلاف غياب الموارد، وبالتالي يجب على خبراء الاستراتيجية التركيز على الموارد التي يمتلكونها والموارد التي يمتلكها منافسوهم، ووضع خطة مستقبلية تهدف إلى تطوير مواردهم والاستفادة منها مع تقويض الموارد التي يمتلكها المنافسون أو تجنب التنافس المباشر معهم في نقاط قوتهم.
يمكن تعزيز نظرية الرؤية القائمة على الموارد من خلال إدراج مفاهيم لكل من الموارد والأعباء التي قد تواجهها الشركات. يمكن تعريف الأعباء بأنها سمة من سمات الشركة تتميز بأنها:
- تقلل القيمة المقدمة للعملاء أو تعوق قدرة الشركة على إنشاء قيمة لهم.
- نادرة ولا تتوافر لدى معظم المنافسين.
- يصعب القضاء عليها أو التخلص منها أو نقلها إلى جهات أخرى.
تشمل الأمثلة على هذه الأعباء السمعة السيئة التي لحقت بصحيفة نيوز أوف ذا وورلد (News of the World) البريطانية من خلال التنصت غير القانوني على المكالمات الهاتفية، ما دفع شركة نيوز كورب (News Corp) إلى إغلاقها، بالإضافة إلى أنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة في البنوك التي تقدم خدماتها للأفراد؛ إذ تعوق هذه الأنظمة قدرة البنوك على الاستجابة السريعة لتغيرات السوق، وكذلك عمليات التشغيل ذات التكلفة المنخفضة والكفاءة العالية في سوق متقلبة أو مجزأة، مثل وضع شركة آي بي إم (IBM) عندما كانت تعتمد على أجهزة الكمبيوتر المركزية التي كانت تمثل عماد أعمالها، في الوقت الذي بدأت فيه أجهزة الكمبيوتر الصغيرة وأجهزة الكمبيوتر المكتبية بالظهور والانتشار؛ ووجود موظفين ذوي مهارات متميزة وأجور عالية في سوق السلع الأساسية؛ والاعتقاد أن الاستثمارات في التكنولوجيا ستحل معظم المشاكل في سوق تتجاوز فيها التكنولوجيا بالفعل احتياجات العملاء، مثل نظرية كلايتون كريستنسن حول الابتكار المزعزع (disruptive innovation).
إذاً، كيف يمكن أن تسهم إضافة مفهوم الأعباء إلى نظرية الرؤية القائمة على الموارد في تفسير قرار شركة غانيت؟ توضح الرئيسة التنفيذية لشركة غانيت، غريسيا مارتوري، أن أحد أسباب التقسيم هو أن الشركات قبل التقسيم تواجه بعض الأعباء التي تتمثل في قيود مكافحة الاحتكار.
نظراً لأن غانيت كانت تمتلك مجموعة من الشركات الإعلامية، فقد واجه كلا القسمين صعوبة في إجراء بعض عمليات الاستحواذ. تقول مارتوري: "لقد واجهنا صعوبات في استكشاف بعض فرص الاستحواذ، أما الآن، فلدينا شركتان غير مقيدتين وتتمتعان بحرية كاملة في العمل، على سبيل المثال، يمكننا في مجال الصحف المطبوعة الآن إجراء عمليات استحواذ تراكمية ذكية على الصحف المحلية التي لا تعاني مشكلة الديون، ما يتيح تحقيق مزايا تآزرية هائلة جراء تكامل العمليات بين الشركتين". لذلك، تشير غريسيا مارتوري إلى أن عملية التقسيم كانت تهدف إلى إزالة الأعباء المتمثلة في قيود مكافحة الاحتكار، التي كانت تؤثر سلباً على قيمة الشركة.
ربما توجد أعباء أخرى دفعت غانيت لاتخاذ هذا القرار. ربما يكون من الصعب إدارة الشركات التي تتوسع بالتزامن مع إدارة الشركات التي تشهد تراجعاً، إذ أثبتت شركات الأسهم الخاصة أنه من الأفضل غالباً فصل المشاريع التي تولد التدفقات النقدية عن المشاريع الأخرى؛ حتى يتمكن المدراء من التركيز على مهامهم وضمان عدم التشتت والشعور بالغيرة بسبب المقارنات التي قد تحدث مع مدراء الشركات الأخرى الآخذة بالتوسع. على سبيل المثال، يمكن أن تشكّل المناقشات حول أجور الصحفيين تحدياً إدارياً صعباً في حال كانت الشركتان تشكلان كياناً واحداً. قد ترغب الشركات الإعلامية في زيادة الأجور لجذب مزيد من المواهب، في حين قد ترغب شركات الصحافة المطبوعة في خفض الأجور لتقليص التكاليف. وبالتالي، قد يشكل وجود الشركات المتنامية والشركات المتدهورة معاً عبئاً على كلا الطرفين فيما يتعلق بإدارة المورد الأساسي والأهم، الذي يتمثل بالصحفيين.
من خلال إضافة مفهوم الأعباء، ستتمكن نظرية الرؤية القائمة على الموارد من تفسير قرار التقسيم. قد يستلزم ذلك تغيير تسميتها إلى "الرؤية القائمة على الموارد والأعباء" (Resources and Liabilities View) لتعكس شموليتها في تحليل "نقاط القوة والضعف". قدمت لنا نظرية الرؤية القائمة على الموارد فهماً واضحاً لمفهوم نقاط القوة، لكنها في الوقت نفسه تجاهلت مفهوم نقاط الضعف علماً أنه يتمتع بالأهمية نفسها. من خلال إضافة مفهوم الأعباء، يمكن أن تصبح النظرية أكثر شمولية وبالتالي ستوفر لمجال الاستراتيجية أساساً أكاديمياً أقوى مما هو عليه حالياً لتوجيه المدراء خلال اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتفسير أسباب النجاح والفشل بدقة.