غالبا ما يكون تدشين المشروع أسهل من إدارته وتنميته، في كل مرحلة رئيسية، بداية من بدء المشروع وحتى تحقيق النجاح المستدام، تواجه رائد الأعمال أسئلة صعبة تتعلق بتغيير المسار وإحداث تغييرات كبيرة والتخلي عن موظفين وشركاء ومنتجات. وبالنسبة للشركات الجديدة، يؤدي العجز عن التغيير أو عدم الرغبة فيه إلى ارتفاع معدلات الفشل بعد مرور 5 سنوات على التأسيس، أما بالنسبة للمؤسسات غير الربحية فمآل التشبث بالماضي هو التهميش والركود. يتطلب إبقاء الشركة على المسار الصحيح في أثناء مراحل النمو والتي تمثل تحد ممتع غالباً، إجراء تعديلات مؤلمة أحياناً في هذه المجالات الخمسة:

الأشخاص

يتعلق أحد أصعب هذه الأسئلة بالتوقيت المناسب لتغيير الأفراد، وهنا لا نتحدث عن المستوى الفردي، بل عن الطاقم بأكمله. كثيراً ما تكون بداية المؤسسين مع الأصدقاء والداعمين المخلصين الذين يعملون بجد، سواء كانوا متحمسين تجاه قضية معينة أو آملين تحقيقَ عوائد في المستقبل. وهم يشغلون مناصب متعددة ومتداخلة، ولكن، هل يتمتع الأفراد ذوو المكانة الخاصة في الشركة أو أعضاء الجيل المؤسس لها بالمهارات التي تحتاج الشركة إليها في مرحلة تأسيس روتين العمل المستقر التي تتطلب التعمق في جميع التخصصات أكثر؟ ومن هو المسؤول عن قرار تخفيض عددهم؟ أتابع مصنعاً منذ تأسيسه، وأعرف أن مجموعة الأفراد الأصلية بقيت أطول مما يمكن للمصنع تحمله، فصار الولاء عائقاً أمام السعي لاجتذاب أفراد ذوي خبرة ليشغلوا أدواراً “أعلى” ممن شعروا بأنهم مخولون باتخاذ القرارات لأنهم أسسوا المصنع. وهنا علينا أن نحيّي القائد الشجاع الذي لا يتورّع عن مصارحة أفراده بضرورة أن يطوروا من أنفسهم أو أن يغادروا الشركة.

التدابير المالية

تفرض كل مرحلة من مراحل النمو على الشركة تغيير قناعاتها وبالتالي تغيير ممارساتها؛ سواء كان مصدر أموالها الأصلي رأس مال جريئاً أو عملاً خيرياً أو قاعدة مستثمرين أو قاعدة مانحين. وقد يتوقع المستثمرون أن يتولى العملاء دور ممولي النمو من خلال دفع المزيد من الأموال لقاء منتجاتهم (أو البدء بشرائها في المقام الأول)، وهو التحدي الذي واجهته شركات طفرة الويب الأولى وتواجهه شركات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم. وبدورها، تنمو المنظمات غير الربحية لتتجاوز الاستثمارات الملائكية من الأصدقاء والعائلة أو مصادر التمويل المحلية، وبالتالي يجب أن توفر الإيرادات ومصادر رأس المال المستدامة. كيف يمكنك أن تنتقل بمشروعك من خيار لا بأس به ضمن محفظة استثمارية إلى مشروع مهم من الضروري تمويله؟ أين الموارد الجديدة المناسبة لحجم جديد أكبر؟ خذ مثلاً مؤسسة غير ربحية تنشط في عدة مناطق، إذ كانت تحصل على التمويل من الشركات المحلية القريبة من المدينة المؤسسة، ثم من المؤسسات الممولة الوطنية الحكومية والخيرية، ثم تبنت نموذج إيرادات قابلاً للتكرار في كل منطقة تعمل فيها من خلال ميزانيات المدارس المتنامية القائمة على الرسوم مقابل الخدمات.

شركاء وحلفاء

تدرك الشركة النموذجية الحاجة إلى بناء علاقات خارجية رئيسية تكفل لها الموارد والدعم، وفي الوقت نفسه، يجب ألا يبقى رائد الأعمال أسيراً لاحتياجات شركائه الأوائل ورغباتهم، سواء كانوا شركاء التوزيع أو موردي المكونات أو شركات التوظيف أو حلفاء التسويق. ومن الصعب أن تتعرف على كيفية تطوير العلاقة مع الشركاء الرئيسيين والانتفاع منها دون أن تسيطر عليك، أو أن تتضرر منها إذا تعثر الشركاء، وأن تعقد شراكات جديدة دون تأجيج صراعات. أي الشركاء ينبغي تحجيم أدوارهم أو استبدالهم مع نمو الشركة؟ كيف ندير العلاقات مع الشركاء الأساسيين بهدف تقليل الاعتماد عليهم مع البحث عن حلفاء جدد أهم في الوقت نفسه؟ تصاحب النمو حاجة إلى بناء أنماط جديدة تماماً من العلاقات؛ وهذا هو سبب امتلاك فيسبوك اليوم مقراً كبير في واشنطن.

الثقافة المؤسسية

هل توضح ما تمثله الشركة بأساليب ملموسة يمكن نقلها واستمرارها؟ هل تحرص على ألا تحيد الشركة عن هذه الثقافة؟ يتبين من دراستي ودراسات عدة أخرى أن التركيز على ثقافة الشركة مرتبط بالتميز المستمر، وتعد القيم وقصص النجاح والمنجزات وعادات الشركة وتقاليدها ركيزة هوية الشركة التي تشعرها بذاتها، خلال سعيها لتحقيق رسالتها الثابتة على الرغم من كل المتغيرات. فالثقافة بمثابة الُلحمة الداخلية للشركة، ومع نمو الشركة يجب توثيق القيم التي لم تكن رسمية في السابق وتصنيفها وتثبيتها ونقلها إلى الموظفين الجدد. يحرص رائد الأعمال الحصيف على استمرارية شركته من خلال التركيز على ثقافتها وتأكيدها، وعليه في كل مرحلة أن يستثمر في الحفاظ على قيمها ومبادئها الجوهرية مع تعزيزها بقصص مميزة جديدة.

النتائج والتأثير

ما النتائج التي تتحقق، ولصالح مَن، وهل هي كافية؟ يكفي في البداية تبيان إمكانية تحققها من الأساس لمعالجة مسألة وجيهة أو إثبات نجاعة نشاط بعينه في عدد من الأسواق. وفي المرحلة التالية، يمكنك مراقبة مؤشرات النمو ومقارنته بالأعوام السابقة. تذكّر اللافتات التي نشرتها شركة ماكدونالدز خارج متاجرها خلال مرحلة نموها المتسارع لتحتفي بتقديم عدة ملايين من شطائر الهامبرغر. سوف تطرح أسئلة جديدة نفسها عاجلاً أم آجلاً: هل تحققون أثراً يزيد أهمية المشروع وضرورته؟

تتحول المشاريع التي تنتقل من مرحلة إثبات المفهوم إلى اكتساب مكانة دائمة في السوق إلى أيقونات، أو علامات تجارية مشهورة على نطاق واسع، أو عناصر لا يمكن الاستغناء عنها لما تظهره من فوائد متنوعة للمستخدمين أو المتلقين أو للدولة نفسها؛ إذ يتجاوز تأثيرها عملاءها المباشرين ليشمل القطاع بأسره. ونعلم جميعنا أن النجاح يشجع الآخرين على محاكاته. ومع نمو الشركة يصعب حفاظها على تميزها، ولكن في كثير من الأحيان يهيمن اعتقاد داخل الشركة وحولها أن وجودها في حد ذاته دليل كافٍ على أهميتها، وهذا هو الفخ الذي تقع فيه المؤسسات غير الربحية بالذات. ومن شأن طرح السؤال “ماذا لو لم نكن هنا؟” فيما يتعلق بتحقيق الأثر أن يحفز على التمعن في الذات وتغيير الاستراتيجية.

خلاصة القول: بالإضافة إلى تحديات الابتكار لضمان استمرار تقديم العروض الجديدة واكتساب قدرات أحدث، يجب على رواد الأعمال ومؤسسي الشركات الانتباه بشدة لأنماط تغير الشركة نفسها نتيجة لنموها. فمن المهم توقع تلك التطورات وطرح الأسئلة الخمسة الرئيسية في كل مرحلة من مراحل النمو، لاستباق التغيير وإتقانه.