يعتبر تحضير استجابة حاسمة لسلسلة التوريد الخاصة بك لمواجهة تفشي فيروس كورونا أمراً صعباً للغاية بالنظر إلى اتساع نطاق الأزمة ومعدل تطورها.
تتمثل الاستجابة الأفضل بالطبع في أن تكون مستعداً قبل أن تحدث أزمة مماثلة، نظراً إلى أن الخيارات تصبح أكثر محدودية عندما تكون الزعزعة في أوجها. ومع ذلك، يوجد تدابير يمكن اتخاذها الآن حتى لو لم تكن مستعداً بالكامل. وعلى الرغم من أن تبعاته طويلة الأجل لم تنتهِ بالكامل بعد، يقدم تفشي فيروس كورونا بالفعل بعض الدروس حول طريقة إعداد شركتك بشكل أفضل لتتعامل مع أزمة مستقبلية واسعة النطاق.
ما يمكنك فعله الآن
لنستطلع أولاً بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتخفيف من حدة تأثيرات الأزمة على سلاسل التوريد.
ابدأ بموظفيك. إنّ سعادة الموظفين هو أمر بالغ الأهمية ومن الواضح أن الناس يمثلون مورداً حيوياً. إذ كانت الشركات التي تمكنت من التعافي بأقصى سرعة بعد أن ضربها إعصار كاترينا عام 2005 هي تلك التي تعقبت جميع موظفيها الذين تفرقوا عبر جنوب شرق الولايات المتحدة. ومضت شركة "بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble) حتى أبعد من ذلك بحيث شيدت قرية للموظفين المحليين على أرض مرتفعة تحتوي بيوتاً ومواد غذائية وسلفاً نقدية للموظفين وعائلاتهم.
قد يكون من الضروري أن تعيد التفكير في ممارسات العمل. إذ عندما أدت عاصفة ثلجية إلى إغلاق مدينة لويسفيل في ولاية كنتاكي عام 2009، لم يستطع العمال المحليون الوصول إلى مركز الفرز التابع لشركة "يو بي إس" (UPS). لكن كان لا يزال بوسع العمال السفر جواً، لذا نقلت الشركة الموظفين جواً من المدن الأخرى ليستمر المركز بالعمل. واعتمد تبادل الأدوار هذا على التوحيد القياسي للعمل والمعدّات.
الحفاظ على ارتياب إيجابي. تعدّ المعلومات الدقيقة سلعة نادرة في المراحل الأولى من الكوارث الناشئة خاصة عندما تُشجع الحكومات على الحفاظ على الهدوء بين السكان ومجتمع الأعمال لتجنب الذعر. وتميل التقارير حول آثار الكوارث إلى أن تكون غير واقعية نوعاً ما. ومع ذلك، يمكن للسكان المحليين أن يكونوا مصدراً قيماً وأكثر موثوقية للمعلومات، لذا حاول الحفاظ على صلات محلية.
إجراء سيناريوهات انقطاع لتقييم إمكانية حدوث تأثيرات مفاجئة. توقع حدوث أمور مفاجئة خاصة عندما يكون المورّدون الرئيسيون في طليعة المتأثرين بالزعزعة. في حالة أزمة فيروس كورونا، فإن تأثير الصين واسع النطاق للغاية بحيث يكاد يكون من المحتم أن تحدث تبعات مفاجئة. كما أن مستويات المخزون ليست عالية كفاية لتغطي الانقطاعات المادية على المدى المنظور، لذا توقع حدوث عمليات تشغيل واسعة الانتشار على المكونات والمواد الشائعة الرئيسة.
في عام 2005، ضرب إعصار ريتا مدينة هيوستن وغرب لويزيانا مسبباً أعطالاً على نطاق واسع في أصول تكرير النفط الموجودة في المنطقة. وما كان مفاجئاً بالنسبة إلى شركات البضائع الاستهلاكية المعبّأة بعد حوالي ستة أشهر هو أن التغليف القائم على البترول عانى نقصاً من حيث العرض بسبب تأثير إعصار ريتا على إمدادات المواد الخام اللازمة لصنع هذه المواد. وتحركت شركات كثيرة سريعاً لتعيد تصميم التغليف باستخدام أوراق وورق مقوى من الطراز القديم.
إيجاد مركز عمليات طوارئ شامل. لدى معظم المؤسّسات حالياً ما يشبه مركز عمليات الطوارئ (EOC)، لكننا لاحظنا في دراساتنا أن هذه المراكز تميل إلى أن تكون موجودة على مستوى الشركة أو وحدة العمل فقط. ولا يعتبر ذلك كافياً، إذ من الضروري توافر هيكل وتجهيزات أكثر عمقاً وتفصيلاً لمركز عمليات الطوارئ. ويجب أن يتواجد مركز عمليات الطوارئ على مستوى المنشأة وأن يكون مزوّداً بخطط عمل محددة مسبقاً للاتصال والتنسيق ومناصب معينة للممثلين الوظائفيين وبروتوكولات للاتصالات وصناعة القرار وخطط عمل في حالات الطوارئ تشمل الزبائن والموردين.
التصميم من أجل الاستجابة
لا شكّ في أن قصة فيروس كورونا ستوسع معارفنا فيما يتعلق بالتعامل مع الزعزعة واسعة النطاق لسلاسل التوريد. وحتى في هذه المرحلة المبكرة نسبياً، يمكننا أن نستقي دروساً هامة حول إدارة أزمات من هذا النوع يجب تطبيقها في المستقبل.
معرفة جميع مورّديك. ارسم مخططاً لمورّدي المنشأ بالعودة عدّة مستويات إلى الوراء. إذ إن الشركات التي تفشل في القيام بهذا تكون أقل قدرة على الاستجابة للتأثيرات المحتملة أو تقديرها عند وقوع أزمة. بعد حدوث زلزال سنداي عام 2011 في اليابان، استغرقت الكثير من الشركات أسابيع لتدرك مدى تعرضها للكارثة لأنها لم تألف مورّدي المنشأ. واختفت أي إمكانيات متاحة في تلك المرحلة. وبالمثل، طوِّر بشكل مسبق علاقات مع الموارد الأساسية إذ سيكون الوقت قد فات بعد حدوث الزعزعة.
فهم نقاط ضعفك الحرجة واتخاذ إجراءات الفحص النافي للجهالة لتحفيف المخاطر. لدى العديد من سلاسل التوريد تبعيات تعرض الشركات إلى الخطر. ومن الأمثلة على ذلك عندما تعتمد شركة على مورّد لديه منشأة واحدة لها حصة كبيرة في السوق العالمية. سلطت كارثة زلزال سنداي الضوء على هذا النوع من المخاطر. على سبيل المثال، صنّعت شركة "هيتاشي" (Hitachi) حوالي 60% من الإمدادات العالمية لأجهزة استشعار تدفّق الهواء التي تعتبر مكوّناً هاماً للغاية بالنسبة إلى شركات صناعة السيارات. وأجبر النقص المتوقع في هذه القطع بعض الجهات المصنّعة لمعدات السيارات الأصلية (OEMs) على تقنين مستشعرات تدفق الهواء المتبقية لصالح خطوط إنتاجها ذات هوامش الربح الأعلى. كما كشف تفشي فيروس كورونا اعتماد شركة "آبل" والعديد من الجهات المصنّعة لمعدات السيّارات الأصلية على استمداد خاماتها من الصين.
إيجاد خطط لاستمرارية تصريف الأعمال التجارية. يجب أن تحدد هذه الخطط بدقة حالات الطوارئ في الأماكن الحيوية وأن تتضمن خططاً احتياطية للنقل والاتصالات والإمداد والتدفق النقدي. أشرِك مورّديك وزبائنك في وضع هذه الخطط.
لا تنسَ موظفيك. هناك حاجة إلى خطة احتياطية من أجل الناس أيضاً. وقد تتضمن الخطة حالات الطوارئ المتعلقة بزيادة الأتمتة أو تدابير العمل عن بعد أو إيجاد موارد بشرية مرنة أخرى رداً على القيود المفروضة على الموظفين.
راجِع تصميم سلسلة التوريد لديك
تمكنت معظم الشركات العالمية حتى فترة قريبة جداً أن تستند في تصاميم سلاسل توريدها على الافتراض القائل بأن المواد تنساب بحرية على الصعيد العالمي، متيحة لها أن تستمد المنتجات وتنتجها وتوزعها في المواقع الأقل تكلفة حول العالم. إن ضربات سياط السياسة التجارية بين الصين والولايات المتحدة وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأزمة فيروس كورونا تطعن كلها حالياً في صحة هذا الافتراض الأساسي. ويوضح فيروس كورونا تحديداً الهشاشة التي يمثّلها تموضع مصادر كثيرة في مكان واحد ومكان بعيد عن الأسواق الحيوية الموجودة في شمال أميركا وأوروبا وأميركا اللاتينية.
ونحن نعتقد أن هناك حاجة إلى نوع جديد من التصميم يتيح للشركات أن تعيد تشكيل سلاسل توريدها سريعاً بحيث تكون رشيقة للغاية وسريعة الاستجابة للسياسات التجارية العالمية المتغيرة سريعاً وديناميات الإمداد والاضطرابات. وبالتالي، فإن السؤال المطروح هو: كيف يتعيّن على الشركات تصميم سلاسل توريدها لتعمل بفاعلية في عالم شديد التقلب حيث لا يتحمل المستهلكون فيه الاستجابة المتأخرة؟ ثمّة خيارات كثيرة، وتتضمن كل منها مقايضات بين مستوى المخاطرة التي تستطيع الشركات تحملها وقدر المرونة التشغيلية التي تريد تحقيقها. وفيما يلي مثالان على ذلك:
إعادة التصميم بالاستعانة بموارد ثانوية. يوفر هذا التصميم لسلسلة التوريد قدرة احتياطية لانقطاع الإمداد والإنتاج والتوزيع. وتخفف القدرة الاحتياطية من خطر الزعزعة من خلال توزيعها على مصدرين (طالما لا تؤثر الزعزعة أيضاً على موقع المصدر الثاني). وبناء على ذلك، يفضل وجود مصدر ثانٍ خارج منطقة المصدر الرئيسي. وعلى الرغم من أن تصميم سلسلة التوريد هذا يخفض مستويات الخطر، فهو يستجلب تكاليف إدارية وتكاليف مراقبة جودة وتكاليف أعلى للوحدة. كما تتباين وفورات الحجم أيضاً وفقاً لكمية العرض المخصص لكل مصدر إمداد.
إعادة التصميم من أجل التزود من مصادر محلية. يستدعي هذا التصميم من الشركة أن تمتلك منشآت إنتاج ذات مصادر إمداد محلية في كل سوق من أسواقها الأساسية. وعلى غرار المثال الوارد أعلاه، فهو يخفف من المخاطر. وبما أن هذه المصادر مبعثرة، تقل وفورات الحجم وترتفع التكاليف الرأسمالية، لكن تنخفض تكاليف النقل.
هذا تبسيط كبير للعديد من خيارات التصميم التي تستطيع الشركة اتخاذها لتقليل المخاطر وضمان قدرتها على الاستجابة. ولا بد من تحليل وتقييم أكثر تفصيلاً. ومن الواضح أثناء اختيار التصميم أنه يتعين على الشركات قياس تكاليف كل تصميم وتأثيره على قدرتها على تلبية زبائنها ومنافسة الشركات الأخرى. كما أن تحديد التصميم المثالي ليس عملية تُجرى مرة واحدة. إذ يتعين على الشركات القيام بمراجعة دورية لخيارات تصاميمها وتحدي الخيارات والاستراتيجيات التي تسندها.
يستحيل توقع وصول أزمة عالمية مثل تفشي فيروس كورونا، لكن تستطيع الشركات تخفيف آثارها من خلال رفع درجة جهوزية سلسلة التوريد. كما يجب عليها أن تتصرف قبل حدوث الانقطاع وأن تعدل الخطط الجديدة وتنفذها لاحقاً بدلاً من البدء من الصفر كل مرة تغرق في أزمة جديدة.