يواجه القادة باستمرار تلك المواقف المعقدة وغير المؤكدة، على غرار: كيف ستكون المبيعات العام المقبل؟ هل سيحقق منتجنا الجديد النجاح؟ كيف سنتمكن من مواجهة المنافسة؟ وغيرها الكثير من المواقف المعقدة. وتزداد صعوبة مواجهة تلك الظروف طرداً مع مقدار المفاجأة التي تحدث لنا بسببها. بمعنى آخر، كلما كانت تلك الأمور غير متوقعة على الإطلاق، زادت صعوبة تعاملنا معها.
بعد حصولي على درجة الماجستير، قررت السعي لنيل شهادة الدكتوراه وتحقيق سيرة مهنية في المجال الأكاديمي. في ذلك الوقت، تقدمت إلى العديد من برامج الدكتوراه محاولاً معرفة أيها الأفضل لي، إلا أن المفاجأة كانت بالرفض الذي واجهته في جميع البرامج التي تقدمت لها. لم أدرك آنذاك أن ما ميزني للترشح لدرجة الماجستير هو نفسه سبب رفضي للترشح لدرجة الدكتوراه. بمعنى آخر، كانت رغبتي في دراسة العديد من التخصصات في درجة الماجستير وكان هذا أمراً جيداً، إلا أنه في الوقت ذاته كان أمراً غير مجدٍ في حالة الدكتوراه والتي تحتاج إلى تخصص المتقدم في موضوع واحد وبشكل دقيق. ولم أكن أعرف هذا، بالتالي رفضتني كل الجهات التي تقدمت إليها. لكن تعلمت مما سبق درساً مهماً وهو أنه يجب عليّ معرفة نقاط ضعفي. كانت الخطوة التالية في معرفة كيفية تحقيقي لذلك، وهو ما تحقق عبر استخدامي الاستراتيجيات الثلاث التالية:
ابحث عمّن يمكنه مساعدتك من "الداخل"
كان السبب الرئيسي لعدم قبولي هو أنني لم أكن أعرف أشخاصاً من "الداخل" خلال محاولتي التقدم لبرامج الدكتوراه، حيث لم يكن لدي أي أصدقاء في برامج دكتوراه، ولم أتمكن من جعل الأساتذة المشرفين على رسالتي الماجستير مرشدين لي لما بعد تلك المرحلة على الرغم من حبهم لي. كان يمكن لأي شخص خاض تلك التجربة مساعدتي وتقديم بعض النصائح التي يمكنها أن تساعدني على معرفة الفرق بين عمليات القبول بين برامج الماجستير والدكتوراه، وكنت تمكنت وقتها من الحصول على القبول في إحداها. لكن اعتقدت أنني أعرف كيفية عمل الأوساط الأكاديمية، لذلك لم يخطر ببالي ما حصل معي.
يفسر ما سبق أهمية محاولتك التواصل مع أشخاص خاضوا التجربة التي أنت على وشك مواجهتها وطلب المشورة منهم، وعليك أيضاً ألا تجد الأعذار لعدم فعل ذلك. على سبيل المثال، عندما تقدمت مؤخراً إلى منحة زمالة مرموقة، عيّنت شخصاً سبق له أن تقدم سابقاً لها بصفة مدرب لمساعدتي على المضي في تلك العملية بطريقة سليمة. ما أدى في النهاية إلى قبولي فيها.
ومن المهم أيضاً طرح الأسئلة الصحيحة على هذا الشخص. عليك مثلاً عدم طرح أسئلة على غرار "ما هي الأسئلة التي عليّ أن أطرحها عليك؟"، أو "ما هي الأمور التي لم استفسر عنها منك وكان يجب عليّ معرفتها؟"، حيث تضع تلك الأسئلة حملاً كبيراً على من تطلب مساعدته، وستكون اللبنة الأولى في الفشل. وبدلاً من جعلهم يخمنون ماذا تريد، عليك طرح أسئلة تجعلهم يتحدثون عن تجربتهم الخاصة (وهو ما يمكنهم الإجابة عنه بسهولة أكبر)، ومن ثم يمكنك أخذ العبَر منها وتطبيقها على حالتك. على سبيل المثال، يمكن أن تسأل: "ما هي الأمور التي تتمنى لو أنك عرفتها أثناء قيامك بذلك؟"، أو "ماذا تعلمت من هذه التجربة ولم تكن تتوقعه؟"، أو "ما الافتراضات كانت لديك أصلاً حول (كذا) وثبت أنها غير دقيقة؟".
فكر في الأمور التي ربما تتسبب في فشلك
أظهرت الدراسات أن إحدى الطرق الأكثر فعالية لتحسين النتائج هي ما يسمى بـ "التفكير بالأسوأ" (premortem)، بمعنى آخر، تخيل مقدماً أن ما تفعله قد فشل، ثم اعمل على تحليل الأسباب. سيساعدك هذا على جعل نظرتك تجاه المشروع أكثر وضوحاً وإزالة حماسك وافتراضك نجاحه، كما سيُجبرك على البحث عن أمور تتسبب للمشروع بالفشل وطرح أسئلة على غرار: إذا كان عليّ افتراض فشله، فما هي الأسباب التي تؤدي إلى ذلك؟ يمكن أن يؤدي هذا إلى حصولك على رؤى إبداعية وقضايا محتملة ربما كنت تجاهلتها سابقاً (على سبيل المثال، كان توجهي متعدد التخصصات نقمة لا نعمة خلال التقدم للدكتوراه).
اختبر الافتراضات الضمنية
يحمل كل شخص وكل مجال افتراضات ضمنية حول "كيفية أداء الأشياء" أو افتراضات حول "الطريقة التي تعمل بها الأشياء". وتكون هذه الافتراضات في العادة صحيحة وتوفر إطاراً مفيداً، لكن، تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية وقتل التقدم والحد من الإمكانيات لأن لا أحد يفكر في التشكيك فيها.
تتمثل إحدى الطرق الكفيلة بالخروج من تلك الحلقة وكسر التفكير النمطي في التماس المشورة من مصادر غير محتملة ممن يرون المشكلة بشكل مختلف، وذلك كما قال ستيفن شابيرو (Stephen Shapiro)، في خطابه ضمن مؤتمر "تيد إكس ناسا" (TEDxNASA): "إذا كنت تعمل على قضية صعبة متصلة بالطيران، لن يختلف وجود 100 مهندس طيران عن وجود 101. جرب أن يكون الشخص الإضافي هذا عالم أحياء أو عالماً في تقنية النانو أو حتى موسيقياً. سيقدم هذا منظوراً مختلفاً بالكامل عما لديك".
يمكننا أيضاً التشكيك في الافتراضات بأنفسنا عبر التساؤل حول "ما يفعله الجميع" أو "الطريقة التي تُدار بها الأمور دائماً". في كتابي الجديد "رائد الأعمال الذي في داخلك" (Entrepreneurial You)، تحدثت عن جون لي دوماس (John Lee Dumas)، الجندي في الجيش الأميركي الذي أصبح واحداً من أنجح مقدمي برامج "البودكاست" (Podcast) في العالم. كانت رؤيته الأساسية أن الجميع تقريباً ينشرون حلقات "بودكاست" أسبوعية، أو حتى كل بضعة أيام. لكن لم يكن هذا بسبب رغبة المستمعين في حلقات أسبوعية، ولكن لأن مقدمي تلك البرامج لديهم وظائف يومية ويملكون وقتاً محدوداً لإنتاج محتويات حلقاتهم.
أدرك دوماس أنه إذا أنتج "بودكاست" يومياً، سيتمكن من التقاط حصة أكبر من اهتمام المستمعين وعمليات تحميل واستماع أكبر لما يقدمه الآخرون، وهو ما سيجلب معلنين ودخلاً أكبر. لذلك فعل شيئاً لم يفعله أي شخص آخر وشكّك في الافتراضات الأساسية ضمن مجاله. وهو الآن يجني مئات الآلاف من الدولارات شهرياً.
لا يمكننا أبداً القضاء تماماً على جميع النقاط العمياء لدينا. ولكن مع الاستراتيجيات المذكورة أعلاه، يمكننا تقليلها بما فيه الكفاية لتحسين أدائنا وتجنيبنا الأخطاء التي يمكن أن تكون واضحة لنا، ولكن بعد فوات الأوان.