ملخص: يتخذ الخوف الكثير من المظاهر، سواء في ممرات الشركات أو عبر قنوات التواصل الافتراضي. ويتسبّب الذعر في الحدّ من قدرتنا على التصرف ويؤدي إلى سلوكيات تنعكس سلباً على النتائج. فنؤجل اتخاذ إجراءات حاسمة لأننا نخشى أن تزداد الأمور سوءاً. ونركز كل اهتمامنا على المطالب الآنية لأننا لا نريد مواجهة المستقبل. ولكي تنتقل من حالة الجمود إلى الحركة، فكّر في التحوُّلات الأربعة التالية التي يمكن أن تساعدك على مواجهة الخوف في العمل. أولاً: حوّل عقليتك من الندرة إلى الوفرة، وذلك من خلال تحديد الموارد المحدودة والموجودة في متناول يدك. ثانياً: تحوَّل من الانغلاق إلى الانفتاح، وذلك من خلال إيجاد طرائق لإشراك أشخاص جدد بصورة تدريجية. ثالثاً: اتخذ خطوات تقدُّمية بسيطة لتحرير نفسك. حدِّد خطوة واحدة في كل مرة للانطلاق والتحرُّك. رابعاً، وأخيراً: واجه مخاوفك. خصّص 15 دقيقة في جدول مواعيدك اليومي للتعرُّف إلى خوفك وفكِّر في أفضل السيناريوهات وأسوئها.
يتعيّن على المسؤولين التنفيذيين والمدراء التعامل مع مهمات متناقضة، متمثّلة في الضغوط المتزايدة في كلٍّ من السوق وقوة العمل، وإدارة مكان عمل هجين، والتعاطي مع تحديات جسيمة كالاحتباس الحراري من خلال استراتيجيات مكان العمل، والصمود في مواجهة حالة عدم اليقين. علاوة على ذلك، فإن تزايد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية وأعمال العنف يعني أن المخاوف العالمية بمفهومها الأوسع ستؤثر في موظفيهم بطرائق متنوعة.
وفي ظل حالة التوتر الناجمة عن هذه الضغوط، فإن كل محادثة تدريبية أجريها مع المسؤولين التنفيذيين تكشف عن شعور مشترك يطفو على السطح، ألا وهو الخوف.
حيث يتسبّب الخوف في إصابتنا بحالة من الشلل ويؤدي إلى سلوكيات تنعكس سلباً على النتائج. فنؤجل اتخاذ إجراءات حاسمة لأننا نخشى أن تزداد الأمور سوءاً. ونركز كل اهتمامنا على المطالب الآنية لأننا لا نريد مواجهة المستقبل. تسمح لنا هذه الإجراءات بالتواري بعيداً والاختباء من مشاعرنا الحقيقية.
وثمة عامل مشترك بين الاستجابة للمخاوف بهذه الطريقة، ويتمثّل في أنها استجابة استباقية: فنحن نخاف ممّا لم يحدث بعد. حيث تتصارع عقولنا مع المجهول، ونملأ الفراغات بنتائج وخيمة. ونقنع أنفسنا بأننا إذا توقعنا الأسوأ، فسنكون أكثر استعداداً له، في حين أن توقعاتنا القاتمة تلك تشجّعنا في واقع الأمر على التراجع عن التحركات الجريئة.
ويتخذ الخوف الكثير من المظاهر، سواء في ممرات الشركات أو قنوات التواصل الافتراضي. على سبيل المثال، يستعد الكثير من الشركات لاستمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي من خلال ضغط الإنفاق وتقليص التعويضات والأجور. ويتردد المدراء في إبلاغ مرؤوسيهم بالتقييمات السلبية خوفاً من مغادرة الموظفين المرهقين أساساً. وينعكس هذا الجمود على الأفراد الذين يظلون عالقين في عملياتهم وروتينهم الحاليين، ويخافون بشدة من طرح أفكار جريئة لأن عدم اليقين بشأن المستقبل يجعلهم يخشون التفكير الطَموح. فيما يحاول آخرون تحاشي أقرانهم ومدرائهم لأنهم يخشون أن يتسبب الخلاف معهم في تعريضهم للانتقاد أو لتداعيات أسوأ.
وقد توصَّلنا من خلال مناقشاتي مع العملاء إلى 4 تحوُّلات في التفكير يمكن أن تسهم في مواجهة الخوف في العمل ومعالجته حتى يتمكنوا من الانتقال من حالة الشلل إلى العمل.
من الندرة إلى الوفرة
يخشى الكثير من المسؤولين التنفيذيين عدم توافر الحد الكافي، مثل عدم توافر العدد الكافي من الموظفين والعملاء وعدم توافر القدر الكافي من المال، وغير ذلك. ونتيجة لذلك، فإنهم يشدُّون الأحزمة ويلجؤون إلى وأد أي محاولات للابتكار في مهدها. ومن المعروف أن عقلية الندرة تعيق التفكير الابتكاري التوسعي.
ولمعالجة هذا النوع من الخوف، جرّب أداء التمرين التالي: ارسم عمودين على ورقة بيضاء. واكتب قائمة بالعناصر المتناقصة أو النادرة في العمود الأول، مثل خفض الميزانية وإحصائيات استنزاف الموظفين أو العملاء. واكتب في العمود الثاني قائمة بالعناصر المستقرة، مثل مواطن القوة في فريقك أو البنية التحتية الحالية والعمليات التي يمكنك الاستفادة منها في تحقيق الفاعلية المالية. يساعدك هذا التمرين على وضع المخاوف مقابل الحقائق بطريقة ملموسة. واسأل نفسك: ما الدليل المتوافر لديك على الندرة، وأين وجدتَ الوفرة؟
من الانغلاق إلى الانفتاح
أدى العمل عن بُعد إلى توسيع آفاقنا، وسمح لنا بتنفيذ فكرة العمل التعاوني من مختلف أنحاء العالم. لكن للأسف غالباً ما يتم تنفيذ مفهوم العمل التعاوني عبر مواقع جغرافية مختلفة بشكل لا تزامني، وقد يتسبب في إهدار الكثير من الوقت ويستلزم عقد اجتماعات مكثفة بصورة تفوق العمل الحضوري، لذا فمن السهل علينا أن نعطي الأولوية لعلاقاتنا مع أولئك الذين نعمل معهم من قرب. ويتسبّب هذا التركيز على البيئة الداخلية في حرماننا من اغتنام فرصة العمل عن بُعد لتحقيق التنوع.
إذ يقول الكثيرون من عملائي إن بيئاتهم الهجينة قد أدّت إلى تعزيز التوطين، ما أدى بدوره إلى انكماش محيط العمل وتراجع السفر. وقد أدّت أيضاً إلى تقليص عدد الأشخاص الذين يتفاعلون معهم وجهاً لوجه. على سبيل المثال، أدّى تلاحم مكالمات الفيديو المتلاحقة إلى عدم التقاء إحدى عميلاتي الآن إلا مع أولئك الذين تعمل معهم بشكل مباشر. وفيما يتعلّق بفِرق العمل الموجودة خارج منطقتها الزمنية أو التي لا تتفاعل معها مباشرة، فإنها تكتفي بطلب التحديثات عبر تطبيق تيمز (Teams) الإلكتروني بدلاً من التحدث معهم وجهاً لوجه. وينطبق هذا على الكثير من العملاء الذين تقتصر اجتماعاتهم على أولئك الذين يعملون معهم بصورة يومية.
لكن التركيز على البيئة الداخلية يولِّد أيضاً الخوف من الخارج أو الخوف من الأشياء غير المألوفة أو غير المُعتادة. ولمكافحة هذه المخاوف، فكّر في المواجهة التدريجية. اسأل نفسك: ما الشيء الذي يمكنك فعله هذا الأسبوع للتعرُّف على أشياء تقع خارج محيطك المعتاد؟ إذا كنت تخشى كيفية رد فعل فريق التصميم تجاه قرارك الهندسي، فهل يمكنك دعوة أحد أعضاء فريق التصميم لإجراء محادثة فيديو تشربان خلالها الشاي أو القهوة للتعرُّف إلى رأيه في التعديلات التي تريد إجراءها على تغيير خاصية معينة؟ وجرِّب طرائق مختلفة بحيث تتمكّن من إشراك شخص أو شخصين مختلفين هنا وهناك لتوسيع نطاق تفاعلك.
من الجمود إلى التحرُّك
عندما نخشى العواقب، قد نعتقد أن أفضل شيء نفعله هو ألا نتخذ إجراءً على الإطلاق. لكن عدم اتخاذ خيار هو في حد ذاته خيار. فإذا أدى الجمود إلى تعطيل مسيرة التقدُّم، فإن الحركة ستُبطِل مفعوله. ابدأ بخطوات صغيرة. وبدلاً من تجاهل طلبات اتخاذ قرار أو تخصيص الموارد أو بدء مشروع معين، حدّد خطوة واحدة يجب اتخاذها في المرحلة التالية للتحرُّك. على سبيل المثال، يمكنك استطلاع رأي 6 عملاء حول كيفية استخدامهم لمنتجاتك حتى تعرف كيفية مواصلة مسار التقدُّم بمزيد من الوضوح.
يمكنك أيضاً تجربة التمرين التالي: لنفترض أن العمل في شركتك مصاب بالشلل بسبب الخوف من إصابة أي شخص بالإحباط أو إثارة الخلاف حول مشروع معين. استخدم مقياساً من 1 إلى 5 (حيث تعبّر الدرجة 1 عن عدم التوافق والدرجة 5 عن التوافق التام)، للتعرُّف على رؤى كل مجموعة من أصحاب المصلحة، واكتب درجة توافقها مع رؤيتك. ومن خلال مطالعة الدرجات المرصودة، يمكنك بعد ذلك تحديد الوقت المناسب للتباحث معهم. فإذا وجدتَ أن أحدهم حصل على درجة منخفضة للغاية، فإن هذا الشخص يستحق عقد اجتماع ثنائي معه، حتى لا يثير الشك لدى أفراد المجموعة بأكملها. ويمكنك التعامل مع الشخص الذي يحصل على درجة أعلى (ولكنها ليست مرتفعة جداً) بشكل أفضل في إطار المجموعة من أجل ملء الفراغات حتى لا يتسبب في تشويش الآخرين أيضاً. وقد تدرك أن هناك توافقاً أكبر ممّا كنت تعتقد، أو تكتشف أشخاصاً يمكنك التحالف معهم لتغيير رأي المعارضين، أو تجد أنك الشخص الذي يحتاج إلى تغيير رأيك نظراً للاختلاف الهائل في وجهات النظر بينك وبين الآخرين. يمكنك في هذه المرحلة معرفة الخطوة التالية.
من الذعر إلى مواجهة مخاوفنا
عندما نشعر بالخوف، قد نصاب بالذعر ونضع قائمة تحفل بالكثير من الأنشطة، لا لشيء إلا لنتجنب مواجهة خوفنا. فلم نكن مضطرين من قبل للرد بكل جدية على كل بريد إلكتروني أو رسالة عبر منصة سلاك أو رسالة نصية أو دعوة لحضور اجتماع. وكلما زاد خوفنا، كنا أكثر حرصاً على التراجع عمّا يخيفنا من خلال إقناع أنفسنا بأننا مشغولون جداً حتى إننا لا نستطيع معالجته.
احرص بدلاً من ذلك على تخصيص 15 دقيقة في جدول مواعيدك لإغلاق جميع تطبيقات التراسل الفوري وعدم الانشغال بالعمل. وحدِّد العدو المتخيَّل الذي تتجنبه. واكتب 3 أعمدة، وضع الأول تحت عنوان: "السيناريو الأسوأ" والثاني تحت عنوان: "الوضع الحالي" والثالث تحت عنوان: "أفضل نتيجة ممكنة". ثم حدّد ما يجب أن يحدث ليؤدي إلى كل احتمال. على سبيل المثال، قد يعني الفشل التام فقدان عميل مهم، ما يؤدي إلى مغادرة سلسلة من العملاء. وسيؤدي النجاح البالغ إلى زيادة العملاء المهمين بنسبة 50%. ويعبّر عمود "الوضع الحالي" عن عميل رائع وعميلين على المحك. وعند كتابة التفاصيل أسفل كل عمود، قد تكتشف أن فرص تحقُّق أسوأ الحالات ستزداد إذا التزمت باختياراتك الحالية أكثر ممّا لو أقدمتَ على حشد فريقك في اتجاه آخر.
يزيد الخوف الاستباقي من فرص تحقُّق أسوأ توقعاتنا، لأنه يسلبنا الحاضر والخيارات التي يمكننا اتخاذها لتحسين مناخ عملنا وتطوير أنفسنا. وبدلاً من أن تظل جامداً في مكانك، اتبع هذه الاستراتيجيات للتطلع إلى المستقبل وتشكيله.