ثمة مشهد مألوف في ملاعب الأطفال؛ تجد طفلاً كبير الحجم يستهدف طفلاً ضئيل الحجم حتى لو كان لا يعرفه، فيضربه ويسخر منه بلا هوادة ولا رحمة، يحدث هذا وسط ضحكات أصدقاء الطفل المتنمر قبل أن ينصرفوا ساخرين. يخبرنا علم النفس بأن هذا الطفل المتنمر في الحقيقة جبان يفتقر إلى الشعور بالأمان. ومع أن الطفل الضئيل الحجم لا يخبر أحداً عما تعرض له من تنمر، لكنه يتعافى في نهاية المطاف من آثار العصي والحجارة والألقاب التي كادت تحطم نفسيته. تلك هي الصورة الأعم في مخيلتنا كلما سمعنا كلمة تنمر، ولو كان التنمر محصوراً بهذا النموذج فأنا لم أتعرض له قطّ، وربما هو حالك أنت أيضاً.

لكن التنمر في عالم الأعمال له معنىً أشد تعقيداً بكثير، المتنمر في عالم الشركات قائد محتمل يتطلع إلى تحويل الشركة إلى إقطاعيته الخاصة التي لا ينازعه عليها أحد، بدلاً من تسخير مواهبه في تقييم نقاط القوة والضعف في خدمة فريقه وشركته. الخيط رفيع بين المتنمر والقائد.

ومن واقع خبرتي، أقول إن المتنمر لا يقتحم الحصون، فالحقيقة أننا من يفتح بوابات الحصن على مصراعيها، وندعو المتنمر إلى تناول العشاء معنا، بل ونجلسه على رأس المائدة. يحب المتنمر أن يترك انطباعاً مفعماً بالثقة، ويروج نفسه على أنه المنقذ، وهكذا ندعوه إلى الدخول.

ولكنها لعبة ثقة بالأساس. وسواء كنت موظفاً صغيراً يبحث عن مرشد موجه، أو رجل أعمال يبحث عن شريك مؤسس، أو موظفاً متوسط المنصب يقتفي أثر مدير كبير رائع المسيرة، فأنت عرضة لتلاعب المتنمرين في مكان العمل.

المتنمر بارع في قراءة الشخصية التي يتعامل معها، ولربما كشفنا له عن تطلعاتنا وخططنا، وحتى لو لم نثق به فهو يُجري، بداهةً أو حتى صراحةً، تحليلاً لنقاط القوة والضعف فينا. عندئذ، وبدلاً من استيفاء دوره القيادي؛ أي تعزيز نقاط قوتنا وتعويض ضعفنا لتحقيق هدف أكبر، يستغل المتنمر نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا لتحقيق مكاسبه الخاصة.

ولكيلا تحبط ما إن تدرك أنك تعرضت للتنمر مرة واحدة على الأقل خلال حياتك، أعرض عليك دروساً تعلمتها كي أتقي شر المتنمر أو النجاة من براثنه إن حدث ووقعت ضحية له.

فتش في خبايا الشخصية

ادرس كل شيء جيداً، قبل أن تبني علاقة مع أي شخص. تقول: “ولكنني أتمتع بالفراسة”، والرد على كلامك هو أن فراستك هذه وحدسك مفيدان عندما تلتقي شخصاً تشعر بأنك لا تأمن جانبه، ولن يكون بوسعه النيل منك ما دمت متيقظاً له محاذراً إياه؛ فقد حصنت نفسك تماماً ضده.

وفي المقابل، يصعب عليك أن تقاوم من يخبرك بكل ما تحب أن تسمعه، حتى تكاد تهتف له متعجباً “لماذا لم تكن في حياتي من قبل؟” عملت مع مديرة بتلك الشخصية؛ كنت أتوق إلى سماع كلماتها الودودة المشجعة إلى حد أنني تورطت معها في لعبة سياسية قذرة ضمن المكتب، إذ كانت تكن العداوة لإحدى الموظفات وجعلتني أظن أنها “شريرة” فعلاً، وساعدتها في التخلص منها، وبعد فترة طويلة، عندما أبديت رغبة في مغادرة ساحتها، منعتني وهي تتساءل عما إذا كنت أنا الشريرة الحقيقية. نصيحتي لك: عندما تظن أنك لست بحاجة إلى إمعان النظر في شخصية أحدهم وسبر أغوارها (خاصة عندما لا تجد في نفسك الرغبة في ذلك)، فعندئذ عليك أن تفتش في خباياه، فهذه إحدى أفضل الممارسات المطلوبة للحماية من المتنمرين.

فكر في سبب سيطرة المتنمر عليك

انتبه لما يقوله أو يفعله فيدفعك إلى الخضوع إليه برغبتك. حين قررت أن أبدأ مشروعي الخاص، خططت لتأسيس شركة بالشراكة مع شخصين. عرفا بالغريزة (ونادراً ما تكون نوايا المتنمرين في ذلك خبيثة) أنني أتوق إلى ما كانا يعدان به، ولم أفتش في خبايا شخصية كل منهما، وللأسف لم أجد من ينبهني إلى قبح حقيقتهما. مضى زمن طويل على فشل ذلك المشروع، لكنني أرى اليوم بوضوح نقاط ضعفي التي استغلها شريكاي للانقضاض علي. ومنذ ذلك الحين، كانت معرفة نقاط ضعفي نعمة حمتني من المتنمرين الذين صادفتهم في حياتي، وزودتني بفهم أعمق لنقاط قوتي. وهكذا، فإن الإحاطة بنقاط قوتك وضعفك تحررك من براثن المتنمر.

انتبه لما يقول المتنمر بأنك لن تتمكن من إنجازه

عندما أفصحت إلى مديرتي عن رغبتي في الارتقاء إلى منصب آخر خارج نطاق إشرافها، قالت: “لا أرى طريقة ممكنة يمكنك بها تحقيق ذلك” علماً أنها كانت دائماً تردد على مسامعي: “يمكنك إنجاز أي شيء!” وعندما أستحضر الموقف، أجد أنه كان من الآمن جداً أن أنجز بالضبط ما قالت لي إنه لا يمكنني إنجازه، وهو ما فعلته بأساليب عدة. ولهذا السبب لم تكن ترغب في أن أخرج من نطاق سيطرتها.

ومما يؤسف له أن المتنمرين الذين تعاملت معهم يمتلكون مؤهلات القائد الناجح، فهم أذكياء وجذابون وأصحاب كاريزما متألقة أيضاً. اعلم أنك تتعامل مع متنمر ما إن تجد نرجسيته تغلب حرصه على الصالح العام، ولن يتوقف المتنمر عن محاولة الصعود والترقي على حسابك. فإذا وجدت أن “صديقاً”، سواء كان زميلاً أو مديراً أو رئيساً في العمل، يثبطك دوماً ويقول إنك “لا تستطيع النجاح”، فعليك أن تمعن النظر وتبحث عن الفائدة التي سيجنيها من إحباطك.

ولست أعني بهذا أن ننغلق على أنفسنا ونتجنب التعامل مع من حولنا، ونتوقف عن البحث عن أفضل المدراء والشركاء والمستشارين، فبئس المسيرة المهنية تلك التي تفتقر إلى الثقة والتعاون والتآزر. ولكن علاقات العمل النموذجية هي تلك التي تتشكل وتثبت أركانها مع مرور الوقت واكتساب الثقة في التعاملات اليومية.

وتذكر أنه من الضروري أن تؤمن بذاتك وقدراتك، وكل ما تريده بشدة، سواء كان الشجاعة أو الحكمة أو العاطفة، أو ببساطة أن تكون مرتاحاً، أي كل الأمور التي يعدك المتنمر بأن يحققها لك، كان بوسعك تحقيقها بنفسك من الأساس. وفي حين أن المتنمر قد يخدعك لتصدق أنك لن تتمكن من بلوغ ما تريد، فإن القائد الحقيقي هو الذي يذكّرك باستمرار أنك قادر على الفعل والإنجاز.