قد يمثل الحفاظ على علاقات قوية ومثمرة مع العملاء وزملاء العمل تحدياً عندما لا ترى مطلقاً الشخص الذي تعمل معه. ومع ذلك، فمن الشائع أن تنشأ علاقات عمل دائمة، تستمر أحياناً لسنوات مع أشخاص لم تقابلهم شخصياً قط.
نفكر في كثير من الأحيان في "العمل الافتراضي" على أنه العمل مع شخص موجود خارج المكتب أو في مدينة أخرى أو في بلد آخر. هذا النوع من العمل آخذ في الازدياد إذ أفاد تقرير معهد غالوب لعام 2017 أن 43% من الموظفين الأميركيين يعملون عن بعد. وفي استطلاع آخر، أفاد 48% من المستجيبين أن معظم فرقهم الافتراضية تضم أعضاء من مناطق ثقافية أخرى.
مع ذلك، يشمل العمل الافتراضي أيضاً اعتمادنا على التكنولوجيا للتواصل في إطار العمل مع زملاء قريبين منا، وأحياناً داخل المبنى أو المجمع. في شركة كبيرة للمنتجات الاستهلاكية، حيث كنا نجري بحثاً، شرحت مديرة في قسم الموارد البشرية التغيرات التي شهدتها لدى الموظفين الموجودين في مبنيين تبعد بينهما بضعة أميال: "قبل عشر سنوات، كنا نتنقل بانتظام بين المبنيين لنجتمع ببعضنا، لكننا لم نعد اليوم نفعل ذلك بتاتاً؛ فالاجتماعات تُعقد عن طريق مؤتمرات الفيديو الافتراضية ويتم التعامل مع كل شيء آخر عبر البريد الإلكتروني والمراسلات الفورية".
في المقابلات والاستبانات المتصلة ببحثنا، نجد أن الناس يميلون إلى التقليل إلى حد كبير من حجم العمل الافتراضي الذي يقومون به، وذلك إلى حد كبير لأنهم يعتقدون أن العمل الافتراضي يحدث خارج المكتب. ولكن من المهم بالنسبة لنا أن ندرك الحجم الحقيقي للعمل الافتراضي، لأن العمل الافتراضي الناجح يتطلب مجموعة مختلفة من المهارات والسلوكيات الاجتماعية ومهارات التواصل مع الآخرين مقارنة مع العمل الذي يجري عبر التواصل وجهاً لوجه بين شخص وآخر.
تشير الأبحاث باستمرار إلى أن مهارات العمل الافتراضي، مثل القدرة على الإدارة الاستباقية للتفاعلات المتولدة عن وسيلة الاتصال المستخدمة وإرساء قواعد الاتصال وبناء علاقة اجتماعية مع الزملاء وإظهار التعاون، جميعها تعزز الثقة داخل الفرق وتحسّن الأداء. وتشير استباناتنا إلى أنّ حوالي 30% فقط من الشركات تدرب الموظفين على مهارات العمل الافتراضي، والأرجح حين يحدث ذلك، أن يركز التدريب على مهارات التعامل مع البرمجيات وسياسات الشركة أكثر من التركيز على المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل مع الآخرين. وتتماثل هذه النتائج التي توصلنا إليها مع مسح يعود لعام 2006 لقادة الموارد البشرية حول تدريب الفرق الافتراضية، الأمر الذي يشير إلى أنه في حين تقدمت التكنولوجيا والعمل الافتراضي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فإن إعدادنا للعمل الافتراضي لم يحقق تقدماً مماثلاً.
وتظهر مراجعة أجريناها مؤخراً لثلاثين عاماً من الأبحاث المتصلة بالعمل الافتراضي أن أكثر العاملين فاعلية ينخرطون في مجموعة من الاستراتيجيات والسلوكيات التي نسميها "الذكاء الافتراضي". يميل بعض الناس بصورة طبيعية إلى أن يكونوا أكثر مهارة لدى العمل افتراضياً من غيرهم؛ ومع ذلك، يمكن للجميع تحسين ذكائهم الافتراضي. هناك مجموعتان من المهارات المتخصصة التي تسهم في الذكاء الافتراضي هما: 1) إنشاء "قواعد التواصل" للتفاعلات الافتراضية، 2) بناء الثقة والحفاظ عليها. إنّ مجموعات المهارات هذه مهمة لجميع الأفراد الذين يقومون بعمل افتراضي بمن فيهم زملاء العمل في المكتب نفسه الذين يتفاعلون مع بعضهم بصورة افتراضية.
مهارات العمل الافتراضي
إرساء "قواعد التواصل"
عند العمل مع شخص ما وجهاً لوجه، تتطور "قواعد التواصل" المتصلة بعمل كل منهما معاً بشكل طبيعي على الأرجح، إذ يتعلمان بمرور الوقت، معرفة الأوقات المثلى للتواصل خلال اليوم ومتى يحتاجان لعقد اجتماع مثمر، ويعرفان الصيغة الأكثر فائدة للاجتماعات. ولكن في العمل الافتراضي، تتطلب "قواعد التواصل" تخصيص وقت للحديث بشأنها. وفي الحد الأدنى، يجب على الزملاء الافتراضين مناقشة القواعد التالية حول:
- تكنولوجيا الاتصال. بمجرد أن تعرف أنك ستعمل افتراضياً مع شخص ما على أساس منتظم، ابدأ بمحادثة قصيرة حول التكنولوجيا المتاحة لديه واتفقا على أفضل وسائل الاتصال بينكما (على سبيل المثال: "سنتواصل عبر البريد الإلكتروني في الأمور البسيطة غير العاجلة على أن نتواصل عبر سكايب عندما نكون أمام مسألة معقدة قد تتطلب مشاركة الشاشات. واعلم أنّ الرسائل النصية جيدة إذا كنا بحاجة إلى التواصل بشكل عاجل، على ألا تستخدم على أساس يومي").
- الأوقات المثلى للتواصل. قد تسأل زميلك الافتراضي: "ما هي الأوقات المفضلة عادة للاتصال أو إرسال الرسائل النصية؟ هل هناك أيام معينة من الأسبوع (أو الشهر) يجب تجنبها؟". إنّ الاتفاق على هذه القاعدة في وقت مبكر من علاقة العمل الافتراضية يضمن الاحترام المتبادل لوقت كل طرف ويوفر الوقت من خلال تجنب محاولات الاتصال غير المثمرة.
- أفضل طريقة لتبادل المعلومات. إذا كنت تتعاون بشأن مستندات أو ملفات إلكترونية أخرى، فعليك إنشاء آلية لضمان عدم حذف التحديثات عن غير قصد أو إنشاء نسخ متضاربة. يمكن أن تساعد خدمات مشاركة الملفات مثل دروب بوكس في رصد تنقيحات الوثائق المملوكة بشكل مشترك (غالباً ما يطلق على هذه الآلية "ضبط التحكم بالنسخ")، ولكن يبقى من الحكمة وضع بروتوكول بسيط لتجنب ضياع العمل أو التكرار.
بناء الثقة والحفاظ عليها
يتعلق الأمر بنوعين من الثقة في العمل الافتراضي: الثقة العلائقية (الثقة بأن زميلك حريص على مصلحتك)، والثقة القائمة على الكفاءة (الثقة بأن زميلك قادر ويمكن الاعتماد عليه).
لبناء الثقة العلائقية:
- أضف عنصراً اجتماعياً إلى علاقة العمل الافتراضية. يفعل البعض ذلك عن طريق خوض حديث حول أمور لا علاقة لها بالعمل، مثل "كيف تسير الأمور عندك؟" أو "كيف كانت إجازة نهاية الأسبوع؟". تجنب طرح الأسئلة الشخصية ولا تغرق زميلك بكل تفاصيل حياتك. احرص على البساطة والصدق وسوف يتطور الحديث بينكما بشكل طبيعي مع مرور الوقت.
- دع حماسك وشخصيتك تظهران من خلال تواصلك الافتراضي. ابق الأمور في المستوى المهني ولكن حاول إضافة القليل من "وجهة نظرك" لإعطاء زميلك الافتراضي فكرة عمن تكون، تماماً كما هي الحال في اجتماع مباشر وجهاً لوجه.
لبناء الثقة القائمة على الكفاءة:
- شارك زميلك ما لديك من خبرة ذات صلة بعملكما وأوضح كيف سيساعد ذلك في دعم المشروع الذي تعملان عليه. على سبيل المثال، لدى العمل على مشروع تطوير منتج جديد، قد تقول: "أتطلع حقاً للمساهمة في تحليل السوق لأن السوق التي نركز عليها درستها السنة الماضية في إطار مشروع آخر".
- المبادرة بإكمال المهام كلما أمكن وتواصل مع زميلك لتخبره أنك بصدد فعل ذلك عبر البريد الإلكتروني مع اطلاعه بصورة منتظمة على تطور العمل. يظهر القيام بهذا أنك ملتزم بالمهمة المشتركة.
- الرد على البريد الإلكتروني بسرعة وبشكل مناسب. نخشى أن ما نقوله بديهي هنا، لكن العديد من علاقات العمل الافتراضية تفشل بسبب عدم اتساق التواصل عبر البريد الإلكتروني. فالصمت يعمل بسرعة على تدمير الثقة في زميل افتراضي. نوصي بالرد على رسائل البريد الإلكتروني غير العاجلة خلال يوم عمل واحد (وبسرعة أكبر إذا كان الأمر عاجلاً). إذا كنت بحاجة إلى مزيد من الوقت، يمكنك إرسال إشعار سريع باستلام الرسالة وإبلاغ زميلك متى تتوقع أن تجيبه.
بما أن استخدام التكنولوجيا لجميع أنواع التواصل بات منتشراً في كل مكان، لم تعد الحاجة إلى مهارات العمل الافتراضي تقتصر على العاملين عن بعد والفرق العالمية؛ لقد بات العمل الافتراضي اليوم يشمل أولئك الذين لا يتطلب عملهم خروجهم من المكتب. قد لا يبدو مريحاً بذل جهد منسق لتطوير هذه المهارات من خلال وضع قواعد التواصل وتأسيس الثقة في وقت مبكر خصوصاً بالنسبة لمن اطلعوا حديثاً على فكرة العمل الافتراضي. اعتاد معظمنا على ترك هذه الديناميات تتطور بشكل طبيعي في العلاقات التي نبنيها وجهاً لوجه، مع قليل من المناقشة أو حتى في غيابها. ومع ذلك، يعرف من يملكون مستوى أعلى من الذكاء الافتراضي أنه من غير المحتمل أن تتطور هذه المهارات دون ايلاء اهتمام واضح بها، وأن الاستثمار قصير الأجل في تطوير العلاقة الافتراضية سيعود بفوائد طويلة الأجل.