ملخص: يستخدم علماء البيانات في شركة كورسيرا (Coursera) البيانات المتاحة لتصنيف المهارات في 60 دولة وتقييمها؛ إذ تمثل هذه الدول مجتمعةً 80% من سكان العالم وتسهم في 95% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويقيس هؤلاء العلماء المهارات ويصنفونها في 10 قطاعات عالمية رئيسية. تتضمن النتائج الرئيسية التي توصلوا إليها على المستوى العالمي ما يلي: يعيش معظم سكان العالم في دول تفتقر إلى المهارات الأساسية؛ وتشهد الدول ذات الأنظمة الاقتصادية النامية التي تخصص قدراً أقل من الموارد للاستثمار في التعليم نقصاً كبيراً في المهارات؛ إذ يندرج 90% من هذه الدول ضمن فئة الدول المتأخرة في تطوير المهارات الضرورية أو الدول التي بدأت حديثاً في تطويرها لكنها لم تصل بعد إلى مستوى متقدم، في حين تشكّل الدول الأوروبية أكثر من 80% من فئة الدول المتطورة في مجالات الأعمال والتكنولوجيا وعلوم البيانات، وتتميز كل من فنلندا وسويسرا والنمسا والسويد وألمانيا وبلجيكا والنرويج وهولندا بأنها من الدول الرائدة والمتطورة باستمرار في هذه المجالات الثلاثة. على الرغم من ذلك، تظهر بعض الدول المعروفة بأنها مراكز ابتكار عالمية أداءً دون المستوى المطلوب، ومنها الولايات المتحدة الأميركية.
تجعل وتيرة التغير التكنولوجي الكثير من الأنشطة الوظيفية، والمهارات التي تتطلبها تلك الوظائف، أشياء عفا عليها الزمن. وتشير الأبحاث التي أجرتها شركة ماكنزي إلى أن أكثر من 50% من القوى العاملة على مستوى العالم مهددة بخطر فقدان وظائفها لصالح الآلات. كما يشير مسح أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن 42% من مهارات العمل الأساسية المطلوبة اليوم سوف تتغير بشكل كبير بحلول عام 2022. في ظل هذه الزعزعة المستمرة، يتصارع الأفراد والشركات والحكومات لضمان امتلاكهم المهارات التي تمكنهم من البقاء في دائرة المنافسة. فماذا عن ترتيب الدول حسب التكنولوجيا المستخدمة فيها؟
ولتسليط الضوء على مشهد المهارات العالمي، أصدرت منصة "كورسيرا" (Coursera) مؤخراً الإصدار الأول من تقريرنا بشأن مؤشر المهارات العالمية (GSI). تجمع كورسيرا بصفتها أكبر منصة للتعليم العالي في العالم 40 مليوناً من المتعلمين والدارسين في جميع أنحاء العالم يشاركون في أكثر من 3,000 دورة تعليمية تقدمها جامعات وشركات رائدة. ويستفيد مؤشر المهارات العالمية من البيانات التعليمية الفريدة التي توفرها المنصة من أجل قياس وترتيب مهارات 60 دولة تمثل مجتمعة 80% من سكان العالم، وتمثل 95% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما نقوم بقياس مهارات عشرة من القطاعات الصناعية العالمية الكبرى وترتيبها. (على الرغم من أن المتعلمين والدارسين على منصة كورسيرا ليسوا بالتأكيد عينة تمثيلية دقيقة تماماً، إلا أنهم مجموعة ذات أهمية خاصة بالنسبة للتحليل: هم تلك المجموعة الأكثر تحفزاً وقدرة على تحسين مهاراتهم. لمعرفة المزيد عن طريقتنا في حساب مجموعات المهارات على مستوى البلدان والقطاعات الصناعية، راجع الصندوق الجانبي).
بالنسبة لهذا الإصدار الأول، ركزنا على مهارات الأعمال والتكنولوجيا وعلوم البيانات التي تعتبر أساسية للإنتاجية في عصر الأتمتة والذكاء الاصطناعي. تتزايد حاجة الشركات والحكومات إلى العاملين المهرة في مجال التكنولوجيا وعلوم البيانات لخلق الابتكارات التي ستدفع عجلة نمو الإنتاجية، والعاملين المهرة في مجال الأعمال لتفعيل وقيادة المؤسسات خلال عملية التغيير.
وإننا نجد تباينات مهارية صارخة بين الأسواق المتقدمة والنامية، في المتوسط، حيث تتفوق أميركا الشمالية وأوروبا كثيراً على أميركا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط. وفي ضوء ما سبق، فشلت الولايات المتحدة في الوصول إلى الربع الأعلى من البلدان في أي من المجالات الثلاثة، وهي بذلك تظهر وجود تباين قوي على المستوى الإقليمي، مع تخلف جنوب الولايات المتحدة بصفة خاصة في مجالات المهارات الأساسية. أما في القطاعات الصناعية، تتبدى القوة المهارية الولايات المتحدة الأميركية في التصنيع والاتصالات السلكية واللاسلكية، كما تتفوق في صناعة التكنولوجيا (كما هو متوقع) وفي مجال التكنولوجيا وعلوم البيانات تحديداً، ولكنها أكثر ضعفاً في مهارات الأعمال.
ترتيب الدول حسب التكنولوجيا
عند ترتيب البلدان الـ (60) في التقرير حسب المهارات، فإننا نضع كل بلد في فئة من أربع فئات: البلدان المتطورة (المرتبة 1-15)، والتنافسية (المرتبة 16-30)، والناشئة (المرتبة 31-45)، والمتأخرة (المرتبة 46-60). ونحن نفعل الشيء نفسه عند تصنيف القطاعات الصناعية العشر الرئيسية. ومن البديهي أنّ أي دولة أو صناعة تحقق مرتبة أعلى عندما يتحسن أداء المتعلمين أو الدارسين في هذه الدولة أو الصناعة في التقييمات في إطار المهارات، وهو ما يوضح صعوبة هذه التقييمات.
منهجية مؤشر مهارات كورسيرا
وتشمل النتائج التي توصلنا إليها على المستوى العالمي ما يلي:
-
يعيش معظم العالم في بلدان متأخرة في المهارات الأساسية
تعاني البلدان ذات الاقتصادات النامية، والتي تقل فيها المخصصات التي تستثمرها في التعليم، من أكبر قصور في المهارات، حيث يحتل 90% منها مرتبة ضمن الفئات المتأخرة أو الناشئة. تتناسب مرتبة أي بلد في قطاعات الأعمال والتكنولوجيا وعلوم البيانات تناسباً عكسياً مع الناتج المحلي الإجمالي للفرد، بينما تتناسب تناسباً طردياً مع مخاطر الأتمتة، وهذا يعني أن الدول الأكثر مهارة تحقق أداء أفضل في الجوانب الاقتصادية، كما ينخفض فيها معدل مخاطر زعزعة سوق العمل من جراء الأتمتة.
-
هناك، بطبيعة الحال، دول تحتل مركز الصدارة على مستوى العالم، وهذه غالباً ما تكون الاقتصادات الأكثر ثراء والتي تزيد استثماراتها في التعلم على مدى الحياة ومبادرات التعليم العام
تشكل الدول الأوروبية أكثر من 80% من الفئة المتطورة في قطاعات الأعمال والتكنولوجيا وعلوم البيانات. فنلندا وسويسرا والنمسا والسويد وألمانيا وبلجيكا والنرويج وهولندا دول متطورة على نحو مستمر في جميع المجالات الثلاثة.
-
وحتى مع ذلك، فإن بعض البلدان المعروفة بأنها مراكز إبداع تذهلنا بأدائها المتواضع
تأتي الولايات المتحدة، والمعروفة بأنها رائدة أعمال في مجال الإبداع، في منطقة الوسط وليست في الفئة المتطورة في أي من المجالات الثلاثة. وفي داخل الولايات المتحدة نفسها، فإن الكفاءة المهارية تتوزع على نحو غير موحد: في حين أن الغرب يسبق المناطق الأخرى في مجال التكنولوجيا وعلوم البيانات، إلا أن الغرب الأوسط يتفوق ويبرز في مجال الأعمال.
جغرافية المهارات الحرجة في قطاعات الأعمال والتكنولوجيا والبيانات
على وجه العموم، البلدان التي تتمتع بأعلى الدرجات المهارية هي الدول الأكثر ثراء: العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي للفرد في أي دولة ومتوسط مرتبتها على مؤشر المهارات العالمية في قطاعات الأعمال والتكنولوجيا والعلوم البيانات -0.75. أما البلدان التي تتمتع بأدنى مستوى من الأداء المهاري فهي أيضاً تلك الدول التي تكون أكثر عرضة لخطر الزعزعة: العلاقة بين مخاطر الأتمتة في الدولة (حسب تقديرات مركز ماكنزي العالمي للأبحاث) ومتوسط مرتبتها على مؤشر المهارات العالمية عبر المجالات الثلاثة هي 0.45.
ما هي البلدان التي لديها أعلى وأدنى مستويات المهارات في الأعمال والبيانات والتكنولوجيا؟
تبدو الصورة العالمية أكثر تعقيداً على نحو متزايد عند تحليلها في مقابل النمو السكاني المتوقع. فعلى سبيل المثال، تضم أفريقيا وآسيا الكثير من الاقتصادات الناشئة ومعظمها عرضة لخطر فقدان الوظائف وفقدان نماذج النمو الحالية لديها لصالح التحول التكنولوجي، وهي من بين أدنى المستويات المهارية وفقاً لمؤشر المهارات العالمية. ومن المتوقع أن تضم هاتان القارتان 80% من سكان العالم بحلول عام 2050، مع زيادة في حصتهما من القوى العاملة على مستوى العالم بسبب زيادة معدلات الشيخوخة بين السكان في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا. وسوف تحتاج الحكومات والشركات في هذه المناطق إلى العمل جنباً إلى جنب لخلق برامج قوية لإعادة تدريب القوى العاملة لأجل الاستعداد والتحضير للمستقبل.
في حين أن العديد من الاقتصادات النامية لا تُبلي بلاء حسناً في المتوسط، إلا أن هناك نقاطاً مضيئة، لاسيما الأرجنتين التي تبرز في مجال التكنولوجيا. لقد وضعت الأرجنتين نموذجاً ناجحاً يشمل تركيز جامعاتها على تعليم مهارات التكنولوجيا العملية، والدخول في شراكات مع الحكومات لتحفيز ريادة الأعمال.
في العالم المتقدم، نرى أداء أقوى بكثير فيما يتصل بالمهارات على وجه العموم، بالنظر إلى زيادة الاستثمار في كل من التعليم العام والتعليم على مدى الحياة، وهو أمر غير مستغرب. وتُبلي أوروبا، كمنطقة، بلاء حسناً على وجه الخصوص، مع الكثير من البلدان، في فئة البلدان المتطورة. وتعود الهيمنة الشاملة للقارة الأوروبية جزئياً إلى نهجها الاستباقي تجاه رفع المهارات والمواهب. تعتبر المؤسسات الأوروبية من أشد الدعاة للجمع بين إعادة التدريب والتوظيف. وهناك أيضاً ذلك الزخم ضمن القارة الأوربية لجعل التعلم في مجال العمل حقاً أساسياً. تفرض فرنسا، على سبيل المثال، توفير حد أدنى من ساعات التدريب للعاملين الموظفين.
ولكن ليست كل اقتصاد متقدم يشغل مركز الصدارة في فئة البلدان المتطورة. على الرغم من أن الولايات المتحدة تشغل مركز الريادة على مستوى العالم، إلا أنها لا تتمتع بالتنافسية إلا في (الربع الثاني) على مستوى العالم في كل مجال، وثمة اختلافات جغرافية كبيرة في الأداء المهاري. إذا كان لنا أن نتعامل مع كل منطقة على أنها بلد قائم بذاته، فإن الشمال الشرقي، والوسط الغربي، والغرب سيأتي كل منها في الفئة المتطورة في مجال واحد على الأقل، حيث يبرز الشمال الشرقي والغرب في علوم البيانات، ويبرز الوسط الغربي في مجال الأعمال، بينما يأتي الجنوب باستمرار تحت الثلاثة الأخرى.
القطاعات الصناعية التي تتمتع بأقوى المهارات في قطاعات الأعمال والتكنولوجيا والبيانات
ونقوم نحن أيضاً بترتيب 10 قطاعات صناعية في مقابل بعضها البعض من حيث مهارات الأعمال والتكنولوجيا وعلوم البيانات. تتسم بعض القطاعات الصناعية الرائدة، وعلى وجه الخصوص قطاعي التكنولوجيا والماليات، بمجموعات مهارية غير متوازنة بشكل مدهش.
في حين أن شركات التكنولوجيا تشغل مركز الصدارة في قطاع التكنولوجيا وعلوم البيانات، على سبيل المثال، إلا إنها تفتقر إلى المهارات القوية في مجال الأعمال، فهي تحتل المرتبة الخامسة (5) في الأعمال من أصل 10 قطاعات صناعية شملها التحليل الذي أجريناه. ربما تنجح شركات التكنولوجيا الشابة بأقل جهد مع ميزة المحرك الأول والتمويل المدعوم بالمغامرة، ولكن مهارات الأعمال ستكون في نهاية المطاف هي الأسس المطلوبة لبناء نماذج تشغيلية مربحة ومستدامة.
ما هي القطاعات الصناعية التي توجد بها أعلى وأدنى مستويات المهارات في الأعمال والبيانات والتكنولوجيا؟
تأتي المالية، في نفس الوقت، في المرتبة الأخيرة بعد الأعمال وعلوم البيانات، وتحوم قرب المنتصف في مجال التكنولوجيا. تمتعت هذه الصناعة تاريخياً بنجاح قوي، بيد أن الكثير من الشركات اليوم تفتقر إلى البنية التحتية الحديثة، وما زال يتحتم عليها أن تتبني بشكل كامل الابتكارات من الذكاء الاصطناعي. وبينما تقاوم الصناعة التحول الرقمي الحالي، هناك الكثير لنتعلمه من القطاعات الصناعية التي نجحت بفاعلية أن تنجو من زعزعة مشابهة في الماضي.
وتشمل هذه النماذج مجالات التصنيع والاتصالات السلكية واللاسلكية، وكلاهما يتحركان باتجاه احتلال أعلى مرتبة في تحليلنا. يأتي التصنيع في المرتبة الأولى في مجال الأعمال والتكنولوجيا، بينما يشغل المرتبة الرابعة (4) في علوم البيانات. في الواقع، تطورت الصناعة التحويلية تطوراً سريعًا لتتكيف مع المشهد المتغير، بداية من وضع الروبوتات في خطوط التجميع وصولاً إلى عولمة سلاسل التوريد. جاءت الاتصالات السلكية واللاسلكية، في الوقت نفسه، في المرتبة الثالثة (3) بين القطاعات الصناعية في كل مجال. وقد استفادت شركات الاتصالات من التطورات الرقمية بشكل فعال، بما في ذلك ضمان قدرة شبكات هذه الشركات على التعامل مع الطلب المتزايد من جانب العملاء.
وفي نهاية الحديث عن ترتيب الدول حسب التكنولوجيا، تكاد الثورة الصناعية الرابعة تدهمنا الآن، وهي تنذر بتغييرات ضخمة وهائلة في طبيعة العمل. في حالة غياب التركيز المتضافر على تنمية المهارات، فسوف تنتشر الاضطرابات على نطاق واسع ويكون الإحساس بها أشد وطأة على الأكثر فقراً والأقل تعليمًا. وتتطلب مواكبة التحولات في السوق الأساسية استثمارات منسقة في تنمية المهارات، ليس فقط من جانب الأفراد، بل أيضًا من جانب الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم.
اقرأ أيضاً: