ملخص: مع زيادة اعتماد الشركات على البيانات، ودخولها في أجزاء أكثر من الأعمال، أصبح الإلمام بالبيانات مهارة يجب أن يمتلكها الجميع في الوقت الحالي. لكن تشير الأدلة إلى أن معظم الشركات لا تزال تكافح لبناء هذه المهارة، حتى بعد تحديدها على أنها مهمة للغاية: أفاد ربع الموظفين فقط بأنهم يشعرون بالثقة حيال مهاراتهم ذات الصلة بالبيانات. فيما يلي 5 استراتيجيات لمساعدة الشركات على توسيع نطاق إلمامها بالبيانات: 1) جعل هذه المهارات أولوية على مستوى المؤسسة. 2) وضع لغة مشتركة للتحدث عن البيانات وكيفية اتصالها بعملك. 3) إفساح المجال للربط بين مفاهيم الأعمال ومفاهيم البيانات. 4) التحفيز على صناعة القرارات المستندة إلى البيانات. 5) تعليم مهارات الإلمام بالبيانات في سياق عملك المحدد مع استخدام الأدوات والبرامج التي تُشرك موظفيك بالفعل.
قرأنا جميعاً قصصاً عن برامج التعرف على الوجه التي تفشل في التعرف على وجوه أصحاب البشرة السمراء، أو مسؤولي القروض الآليين الذين يرفضون منح قروض الرهن العقاري لفئات معينة. وكما أظهرت مجموعة متزايدة من البحوث، فقد أدت الخوارزميات التي أنشأتها مجموعات غير تمثيلية إلى استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يطيل أمد أوجه عدم المساواة المنتشرة بالفعل في مجتمعنا. ومع زيادة اعتماد المزيد من الشركات على البيانات والذكاء الاصطناعي، فقد تزداد مشكلات التمييز الخوارزمي سوءاً.
معظم الشركات تعرف هذا الأمر في الوقت الحالي، ولكن ما تحاول اكتشافه هو: كيف يمكنها تجنب أن تصبح نموذجاً سيئاً آخر؟
الإجابة المختصرة هي أن التفكير بشكل نقدي في البيانات التي تجمعها وكيفية استخدامها يجب أن يكون مهمة الجميع. فتوسيع دائرة الأشخاص الموجودين في الشركة بهدف المساعدة في التحقق من الخوارزميات وبنائها ومراقبتها هو الطريقة الوحيدة لتطوير ذكاء اصطناعي جدير بالثقة. يتطلب القيام بهذه المهمة اكتساب مهارات الإلمام بالبيانات؛ أي القدرة على تحليل البيانات المعقدة وتنظيمها، وتفسير المعلومات وتلخيصها، ووضع تنبؤات، وتقدير الآثار الأخلاقية المترتبة على الخوارزميات. ومثل الرياضيات، يمكن للمبتدئين والخبراء تعلمها، وهي تشمل عدة تخصصات وغالباً ما تكون عملية أكثر مما هي أكاديمية.
بناء مهارات الإلمام بالبيانات في المؤسسة يمكن أن يساعد أيضاً في تنويع الفِرق المعنية بالبيانات التي تتصدر صناعة القرارات الحاسمة حول كيفية جمع البيانات ومعالجتها واستخدامها. ولفِرق البيانات المتنوعة أهمية كبيرة علمتها بشكل مباشر من خلال عملي على مدار أكثر من عقد مدير صندوق استثماري كمّي. هناك اعتقاد شائع بأن المحافظ الاستثمارية الأكثر تنوعاً تتفوق في الأداء لأنها تقلل المخاطر. ومن المؤكد أيضاً أن الفِرق المتنوعة تتفوق في الأداء لأنها تقلل من مخاطر التفكير الجماعي. فمن خلال الاستثمار في مهارات الإلمام بالبيانات على صعيد الشركة، يمكن للشركات جمع المزيد من وجهات النظر المتباينة والإبداعية للتخفيف من مخاطر التحيز الخوارزمي وتحديد الكفاءات والفرص الأخرى التي غالباً ما تكشف عنها البيانات.
لكن بإلقاء نظرة على البيانات، سنعلم أن معظم الشركات لا تزال تكافح لبناء مهارات الإلمام بالبيانات. يعتبر 90% من قادة الشركات أن الإلمام بالبيانات أمر أساسي لنجاح الشركة، ولكن يشعر 25% فقط من العاملين بالثقة في مهاراتهم ذات الصلة بالبيانات. ليس ذلك فحسب، بل تشير بعض التقديرات إلى أن ما يقرب من 9 من كل 10 متخصصين في علم البيانات من أصحاب البشرة البيضاء وأن 18% منهم فقط من النساء. وتشير بحوث أجرتها مؤسسة "جنرال أسمبلي" (General Assembly) إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالتنوع، فإن علم البيانات يأتي في مرتبة متأخرة حتى عن التخصصات الأخرى ذات التوجه التكنولوجي مثل التسويق الرقمي وتصميم تجربة المستخدم.
لماذا لا ندرّس مهارات الإلمام بالبيانات بشكل منهجي وعلى نطاق واسع، على الرغم من الحاجة الواضحة والملحة إليها؟ هذا هو السؤال الذي حفّزني في عملي خلال السنوات العديدة الماضية. في شركة "كوريلاشن وان" (Correlation One)، التي شاركت في تأسيسها بعد مغادرة الصندوق الاستثماري عام 2018، يعمل فريقي مع شركات الخدمات المالية وشركات مدرجة على قائمة "فورتشن 500" لبناء خطوط إمداد أكثر شمولاً بالمواهب في مجال علم البيانات. ومن خلال مساعدة أصحاب العمل، مثل شركة "تارغت" (Target) وشركة "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson) وحكومة كولومبيا، على تقييم قدرات قوتها العاملة الحالية وتقديم تدريب مجاني لعلماء البيانات الطموحين (مثل شراكتنا مع "سوفت بنك" (SoftBank) ومدينة ميامي)، فقد كنا في أفضل موقع يمكّننا من فهم الحاجة الملحة إلى قوة عمل أكثر إلماماً بالبيانات ومساعدة الشركات على تطبيق ممارسات محددة لتحقيق هذا الهدف.
فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي نستخدمها.
جعل مهارات الإلمام بالبيانات أولوية على مستوى المؤسسة، وليس فقط على مستوى موظفي الأقسام المعنية بالتكنولوجيا.
مهارات الإلمام بالبيانات ليست مهارات تكنولوجية، بل مهنية. شجع جميع موظفيك، من المسوقين والعاملين في مجال المبيعات وموظفي العمليات ومدراء المنتجات وما إلى ذلك، على تطوير معرفتهم بالبيانات من خلال استضافة جلسات عمل ربع سنوية تغطي موضوعات مثل عملية صنع القرار المستندة إلى البيانات، وفن الممكن في مجال الذكاء الاصطناعي، والكيفية التي تتصل بها البيانات بعملك، والأخلاقيات والذكاء الاصطناعي، وكيفية التواصل باستخدام البيانات. فهذا النوع من التركيز على مستوى المؤسسة هو الأساس للتحول إلى ثقافة "البيانات أولاً".
وضع لغة داخلية مشتركة للتحدث عن البيانات، وكيف تتداخل مع عملك وقطاعك، وكيف تغير أدواراً معينة في شركتك.
عالم البيانات كبير ومليء بالعبارات الطنانة والمغالطات. لذا، كوّن نظرة عن مؤسستك تُبين أن مهارات الإلمام بالبيانات هي الأهم بالنسبة إليها، إذا كنت شركة خدمات مالية، فقد يتمثل ذلك في قياس الاحتمالات والمخاطر، وإذا كنت شركة تكنولوجية، فقد يتمثل ذلك في التجريب والتصور. وفي جلسات التعلم والتطوير التي تعقدها، جهّز محتوى تعليمياً يستخدم هذه اللغة ويوضح كيفية اتصالها بعملك في أقسام متعددة، بحيث يمكن للموظفين الربط بين الإلمام بالبيانات وسير عملهم.
إفساح المجال للعاملين في مؤسستك للربط بين مفاهيم الأعمال ومفاهيم البيانات.
نوصي جميع عملاء "كوريلاشن وان" بتمكين الموظفين من طرح أفكار جديدة في العمل يطبقون من خلالها معرفتهم بالبيانات. على سبيل المثال، افترض أن شركتك تعمل في قطاع الموسيقى. كجزء من برنامجك للتعلم والتطوير، اطلب من الموظفين وضع مقترحات بشأن المشاريع بحيث تعزز فهمهم الجديد لمهارات الإلمام بالبيانات، وبدمجها مع المعرفة التي يمتلكونها حول القطاع، سوف يتوصلون إلى أفكار جديدة ومدهشة حول تحقيق وفورات في التكاليف أو توليد الإيرادات. والأهم من ذلك أنك ستمكّنهم من تبنّي ثقافة جديدة تولي الأولوية للبيانات من القاعدة إلى القمة.
إنشاء هياكل تحفيزية للمكافأة على صناعة القرارات المستندة إلى البيانات.
استخدم عمليتك الحالية المتعلقة بالموافقة على الأفكار أو وضع الميزانيات، ثم أضف آليات تكافئ على التفكير المستند إلى البيانات. على سبيل المثال، اطلب من المدراء تضمين تصورات واضحة في مقترحاتهم أو بناء أدوات متابعة تتعقب مؤشرات الأداء الرئيسية التي يستخدمونها من الناحية الكمية وبصورة آنية. إذا تمكنت من تحويل عملية صنع القرار التي يستخدمها مدراؤك من اعتمادها على الحدس إلى اعتمادها على البيانات عن طريق منح موافقات أسرع على المشاريع أو تخصيص ميزانيات أكبر للمقترحات المقدمة باستخدام التفكير المستند إلى البيانات، فسيتبنى المدراء السلوك الذي تسعى إليه من خلال تكييف الحوافز.
استخدام برامج التعلم والتطوير التي تُعلّم الموظفين مهارات الإلمام بالبيانات في سياق المشكلات التي يواجهونها في العمل، وتُشركهم بالفعل.
في الغالب لا تؤدي الاشتراكات في منصات التعليم والتدريب، مثل "كورسيرا" (Coursera)، إلى نتائج في المؤسسات التي تسعى إلى إحداث تحول دائم. وذلك لأن التعلم يكون أكثر فعالية عندما يكون تشاركياً (أي يتم مع الآخرين) ومخصصاً (من خلال تقديم ملاحظات من الخبراء) وسياقياً (أي يرتبط مباشرة بمشكلات العمل التي تحاول حلها). وضع برامج التعلم المخصصة والتشاركية والسياقية هذه يتطلب الكثير من الموارد، ولكن الفوائد المتأتية منها، فيما يتعلق باندماج الموظفين مع المواد واحتفاظ الموظفين بالمادة وتمكين موظفيك، تستحق هذه الموارد الضخمة.
ربما الأهم من ذلك، أن تجربتي قبل تأسيس "كوريلاشن وان" وفي أثناء عملي فيها ساعدتني على فهم أن المهارات المتصلة بالبيانات ليست عمودية؛ أي إنها لا تتعلق بمجوعة واحدة من الوظائف، مثل عالم البيانات أو مهندس البيانات. لكنها أفقية؛ فهي مهارات مشتركة بين عدد متزايد من الوظائف في كل مجال. فالمسوق يصبح مسوقاً أفضل إذا اكتسب المهارات المتصلة بالبيانات، ومدير المنتج يصبح مديراً أفضل إذا اكتسب المهارات المتصلة بالبيانات. والأمر نفسه ينطبق على العاملين في أقسام العمليات والهندسة والمبيعات وحتى الموارد البشرية. لا يحتاج الجميع إلى معرفة كيفية كتابة الشفرة البرمجية، ولكن قريباً سيحتاج الجميع إلى مهارات الإلمام بالبيانات.
وأخيراً، تتعلق مهارات الإلمام بالبيانات بأكثر من مجرد تعلم الآلة وعلم البيانات والذكاء الاصطناعي؛ فهي تتعلق ببساطة بتعامل البشر على نحو أفضل مع عالم حافل بالبيانات، وهذا هو سبب حاجتنا إليها الآن أكثر من أي وقت مضى.