هل أنت مستمع جيد حقاً؟

14 دقيقة
مهارات الإصغاء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
يمكن لكبار القادة أن يصبحوا منعزلين عن الإشارات المبكرة التي تنبئ بالخطر أو الفرص. وإليكم طريقة التغلب على ذلك. والتقدم في تعلم مهارات الإصغاء.

في العام 1992، أنضم أحدنا (ألا وهو كيفين) إلى شركة “آمجين” (Amgen)، وهي أكبر شركة للتكنولوجيا الحيوية في العالم، ليشغل منصبي الرئيس ومدير العمليات فيها. وحتى ذلك الوقت، كانت جميع التأثيرات المهنية الرئيسة التي خضع لها كيفين – في البحرية الأميركية التي بدأ فيها مسيرته المهنية، ومن ثم في “جنرال إلكتريك” (General Electric) و”إم سي آي” (MCI) – قد مثّلت نموذجاً يحتذى لبعض المبادئ الأساسية للقيادة.

كان زملاؤه واثقين، واستعملوا أسلوباً في القيادة يقوم على مبدأ التحكم والسيطرة، وكانوا يعبّرون عن توقعاتهم بمنتهى الوضوح. كان كيفين قد تبنّى هذا الأسلوب الذي بات جزءاً من طبيعته، ما سمح له بارتقاء السلم المهني بسرعة. يتذكر كيفين ما حصل معه قائلاً: “كانت مقاربتي تقوم على مبدأ أنني الشخص الأذكى في الغرفة، ولسان حالي يقول: دعوني أثبت لكم ذلك هنا في غضون الدقائق الخمس الأولى. لا بل كنت أقاطع الناس وأُخبِرُهم بما كانوا سوف يقولونه لي، لنوفر على أنفسنا الوقت بحيث يكون بمقدورنا الانتقال إلى معالجة المواضيع المهمة حقاً، وكان ذلك يعني إخباري لهم بما يجب عليهم فعله. وقد نفدت بجلدي بهذا الأسلوب. كانت طريقة ناجحة”. حتى جاء وقت لم تعد فيه هذه الطريقة ناجحة.

في العام 2000، تولى كيفين منصب الرئيس التنفيذي لشركة “آمجين”. ومن موقعه ذاك أنشأ فريقاً جديداً للقيادة ووضع الشركة على مسار قاد إلى زيادة إيراداتها وأرباحها. وتلا ذلك ظهوره في قصص تصدّرت أغلفة المجلات وغيره من أشكال التقدير، ما دفعه إلى ما يسميها اليوم عندما ينظر إلى الوراء إلى تلك الحقبة “منطقة الأنا الخطرة”. فقد أصبح أقل تفاعلاً مع الأحداث وأصيب بالكسل الفكري. وسرى في الشركة كلام، كما أخبره أحد مساعديه الموثوقين لاحقاً، يقول إن الموظفين يجب أن يتحاشوا لقاء المدير بعد الثالثة من بعد الظهر، لأن انتباهه كان يتراجع مع مرور ساعات النهار.

ثم حصلت الكارثة. فبعد مرور سبع سنوات على توليه لمنصب الرئيس التنفيذي، ظهرت إشارات في دراسات علمية إلى أن عقار “إيبوجين” (Epogen) الذي يحفز إنتاج خلايا الدم الحمراء، وكان يشكّل مصدراً لثلث أرباح “آمجين” ويُعتقد أنه لا يسبب أي مضاعفات أو آثار جانبية تقريباً، يمكن إذا ما أعطي بجرعات أعلى أن يتسبب بتزايد خطر حصول مشاكل في القلب لدى المرضى. وقد أمرت وكالة الغذاء والدواء الأميركية بإدخال تعديلات على طريقة وصف الدواء، ما أدى إلى انخفاض حاد في المبيعات. ومع هبوط الأرباح، اضطر كيفين إلى إعطاء أمر بعمليات تسريح جماعية كانت الأكبر في تاريخ الشركة، حيث خفّض أعداد موظفيها بواقع 14%.

في بادئ الأمر، غضب وأنحى باللائمة على الآخرين متهماً إياهم بالتسبب بهذه الورطة. يتذكر كيفين ما حصل قائلاً: “كنت في حالة إنكار تام. أصبحت شخصاً عديم الصبر ومغروراً، وافترضت أن الموظفين كانوا سيحلّون المشكلة”. ولكن ذات مساء، وجد كيفين نفسه جالساً لوحده في مطعم في سانتا مونيكا بانتظار ابنته وزوجها للانضمام إليه لتناول العشاء. كانت تلك اللحظة النادرة من الهدوء قد منحته الفرصة للتأمل وأفضت إلى حالة من التجلي. فقد أدرك أنه أساء التعامل مع أزمة “إيبوجين”، ومردّ ذلك إلى حد كبير إلى أنه شخصاً لا يجيد الإصغاء أبداً.

قطع كيفين على نفسه عهداً أن يحسّن أداءه اعتباراً من تلك اللحظة. وعوضاً عن أن يفكّر في ثمانية أشياء دفعة واحدة عندما يكون مجتمعاً مع شخص معيّن، قرّر أن يكون حاضراً بكل جوارحه. وعوضاً عن أن يتعامل مع كل محادثة بوصفها حديثاً عابراً، وأن يقاطع الناس ليخبرهم بما يتوجب عليهم فعله، كان يستوضح عن السياق ويطلب منهم تقديم اقتراحات. كما التزم بإنشاء آليات روتينية منتظمة لاستطلاعات الرأي، والحوارات، واستقبال الآراء التقويمية المصممة لفتح خطوط التواصل داخل الشركة وخارجها بما يسمح له بتحسين قدرته على التقاط الإشارات المبكرة التي تدل على وجود أخطار أو فرص سانحة.

أدرك كيفين أن فن الإصغاء بالنسبة للقادة ينطوي على مكونين رئيسين. أولهما هو الإصغاء دون تشتت أو إطلاق أحكام، من أجل الاستيعاب البحت. أما المكون الآخر فيشمل إنشاء أنظمة وعمليات لا تجعل الإصغاء فاعلاً فحسب وإنما ترفعه على جميع الجبهات أيضاً إلى حالة من اليقظة المفرطة. يقول كيفين: “لا يتعلق الأمر فقط بالإصغاء إلى الشخص الجالس قبالتك إلى المائدة. وإنما يجب أن تكون منتبهاً إلى كل المنظومة التي تعمل ضمنها. فالإشارات تردك بدرجات متفاوتة من الحدة ومن مصادر متنوعة – في تعليق من أحد المعنيين بالقوانين والنظم في وكالة الغذاء والدواء الأميركية، أو خلال أحاديث مع مجلس الإدارة، أو في قصص واردة في الصحافة، أو في روايات تسمعها داخل الشركة. السؤال المطروح هو: هل بوسعك أن تصغي إليها كلها وأن تميز الإشارة من التشويش؟”.

رغم أهمية مهارات الإصغاء لمواجهة الأزمات المحتملة، إلا أنها لا تقل أهمية لضمان ظهور الأفكار الجيدة من كل حدب وصوب.

فكرة المقالة باختصار

التحدي

يواجه كبار القادة المفارقة التالية: فهم مرتبطون بخطوط تواصل أكثر من أي شخص آخر، لكن المعلومات التي تردهم مشبوهة ومنقوصة، وإشارات التحذير تصلهم مخففة النبرة، وثمة حقائق أساسية محذوفة لا تجد طريقها إليهم، والبيانات تُطرح عليهم بصيغة إيجابية.

الاستنتاج

إذا ما أراد القادة الخروج من فقاعة المعلومات التي يجدون أنفسهم فيها، فإنهم بحاجة إلى إنشاء “منظومة إصغاء” أفضل. ويتعين عليهم الإصغاء دون تشتت أو إطلاق أحكام – لغرض الفهم البحت – وإنشاء أنظمة وعمليات ترفع الإصغاء إلى حالة دائمة من اليقظة المفرطة.

المنافع

عندما يصغي القادة بطرق مركزة ومتأنية ومنهجية، بوسعهم التقاط الإشارات المبكرة الدالة على الخطر، وتجنب الأزمات المحتملة، والتعرف على بوارق الأمل. وإذا ما أصبح القادة أقدر على الإصغاء، فإن ذلك باختصار يسمح لهم بإنجاز وظائفهم على نحو أفضل.

الوقوع في فخ الفقاعة

لن تجد مادة تدرّس مهارات الإصغاء في العديد من كليات الأعمال، لكن الإصغاء مهارة أساسية للقادة إذا كانوا يأملون بمواجهة القوى العديدة التي يمكن أن تخدرهم وتجعلهم يعتقدون أنهم يعرفون كل ما يتوجب عليهم معرفته بخصوص ما هو حاصل في مؤسساتهم. في صلب هذا التحدي ثمة مفارقة تكمن في حياة كبار القادة، ولاسيما الرؤساء التنفيذيون: فهم عموماً مرتبطون بخطوط تواصل أكثر من أي شخص آخر، لكن المعلومات التي تردهم مشبوهة ومنقوصة، وإشارات التحذير تصلهم مخففة النبرة، وثمة حقائق أساسية محذوفة لا تجد طريقها إليهم، والبيانات تُطرح عليهم بصيغة إيجابية. وعندما يدرك القادة ذلك، يمكن أن يجد واحدهم نفسه يحدّق في السقف في منتصف الليل متسائلاً: “كيف بوسعي العثور على ما أحتاج إلى معرفته؟”.

خصصنا الكثير من الوقت للتفكير في هذا السؤال. وقد أجرى آدم مقابلات معمقة مع أكثر من 600 رئيس تنفيذي وقائد آخر، ضغط عليهم خلالها كي يخبروه بأهم الدروس والعبر التي استخلصوها بخصوص كيفية أدائهم لوظيفتهم على أكمل وجه. ولدى كيفين خبرة شخصية عميقة يستطيع الاستقاء منها، ليس بوصفه تنفيذياً كبيراً ورئيساً تنفيذياً فحسب، وإنما أيضاً كأستاذ للاستراتيجية والإدارة في كلية هارفارد للأعمال وعضو مجلس إدارة في عدة شركات.

أدركنا أن الإصغاء يستدعي بذل جهد أكبر بكثير من الجهد الذي يتخيله القادة. فعشرات المشاكل تنشأ داخل المؤسسات، وبعضها قد يتسبب بحدوث شلل في الشركة إذا لم يُعالج. ورغم أن مهارات الإصغاء تعتبر أساسية لمواجهة الأزمات المحتملة، إلا أنها لا تقل أهمية لضمان ظهور الأفكار الجيدة من كل حدب وصوب. يقول تيم براون، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة التصميم “إديو” (IDEO)، التي سبق له أن شغل منصب رئيسها التنفيذي لمدة 19 عاماً: “أنت لا تدري من أين ستأتي أفضل الأفكار في المؤسسة. لذلك من الأحسن لك أن تجيد الترويج لها عندما تأتي وأن تكتشفها عندما تظهر، وألا تدع مناصب الناس تحدد حجم نفوذ أفكارهم”.

ومع ذلك، فإن التنفيذيين غالباً ما يأسرون أنفسهم في فقاعات المعلومات، وهذا الأمر ناجم عن ثقتهم المفرطة بأنفسهم وأفكارهم التي عفا عليها الزمن عن القيادة. فهم يعتقدون، كما كان كيفين يعتقد في المراحل الأولى من مسيرته المهنية، أنهم سابقون بخطوة على الجميع. وبعض الرؤساء التنفيذيين يقولون لأنفسهم إن أعضاء فريق القيادة لديهم يحصلون على مبالغ طائلة لأداء وظائفهم، التي تشمل حل المشكلات بحيث لا يضطر رئيسهم إلى حلّها. في كتاب بعنوان “انطفاء الأنوار: الاختيال والوهم وسقوط جنرال إلكتريك” (Lights Out: Pride, Delusion, and the Fall of General Electric)، يصف توماس غريتا وتيد مان كيف كان الرئيس التنفيذي السابق لجنرال إلكتريك جيف إيملت، يرد على مرؤوسيه الذين كانوا يثيرون الشكوك بخصوص مستهدفاته الطموحة للنمو، حيث كان يقول لهم: “أنتم لا تحرصون على تحقيقها بما يكفي من الحرص”. وقد قاد ذلك إلى ظاهرة “مهرجان النجاح”، بحيث كان الموظفون يتسابقون إلى توصيف النتائج بطرق تقوم على تجنّب خوض الحوارات الصعبة بخصوص المشاكل ويشيرون إلى أن كل الأمور تسير على ما يُرام.

لاحظت نيل ميناو، المديرة السابقة لصندوق “لينز” (Lens) للمساهمين الناشطين هذه الظاهرة بانتظام في تسعينيات القرن الماضي، عندما اشترت شركتها حصصاً في أكثر من عشرين شركة تقريباً، بما فيها “سيرز” (Sears)، و”ريدرز دايجست” (Reader’s Digest) و”ويست مانجمنت” (Waste Management). تتذكر ميناو ما حصل قائلة: “كانت الصفة الوحيدة المُميزة لكل شركة ضعيفة الأداء سعينا إلى الاستثمار فيها هي أن الرئيس التنفيذي كان قد أقام حول نفسه أسواراً تقيه من أي نوع من التشكيك. كان لدى هذه الشركات كلها رؤساء تنفيذيون اتخذوا عدداً هائلاً من الخطوات لضمان عدم تشكيك أي شخص البتة بهم”.

بعبارة أخرى، كانوا يعيشون في فقاعة منعتهم من الإصغاء على نحو جيد.

ست خطوات مفيدة

إذن كيف يمكن للقادة أن يخرجوا من تلك الفقاعة؟ فيما يلي بعض الحِكَم العملية من الرؤساء التنفيذيين لمن يريد أن يتعلم كيف يصغي بقدر أكبر من الفاعلية:

احموا أنفسكم من النقاط العمياء. اعتادت كيلي غريير، رئيسة مجلس الإدارة والشريكة الإدارية في إرنست ويونغ (Ernst & Young) في الولايات المتحدة الأميركية والشريكة الإدارية للقارة الأميركية في الشركة ولفترة طويلة إخبار الموظفين في فريقها بضرورة اطلاعها على كل ما يحصل. فعلى حد رأيها: “إذا لم تنشئوا ثقافة أو بيئة تمنح الناس حرية تحديكم كقادة، فإنكم ستكونون في وضع خَطِر لأنكم ستكونون محاطين بالنقاط العمياء”. تواظب غريير على قول هذه الرسالة، ليس لمرؤوسيها فحسب، وإنما لأعضاء مجلس إدارتها أيضاً. فهي تقول لهم: “تقع على عاتقكم مسؤولية مساعدتي على السعي دائماً إلى كشف النقاط العمياء. يجب أن تكونوا صرحاء. ويجب أن يسود بيننا هذا المستوى من الثقة”.

خففوا من التركيز على التراتبية الإدارية. عندما كان مارك تيمبلتون يشغل منصب الرئيس والرئيس التنفيذي في شركة “سيتريكس”، بين 2001 و2015، تبنّى شعاراً يضمن ألا يشعر الموظفون بالترهيب بسبب الألقاب أو المراتب الوظيفية. يقول تيمبلتون: “تخرج مؤسسات كثيرة عن جادة الصواب نتيجة الإرباك الذي يصيبها جرّاء عدم تحديد موقع الموظفين في التراتبية الإدارية من حيث الاحترام الذي يستحقونه. فالتراتبية هي شر لا بد منه لإدارة التعقيدات، لكن لا يجب أن تكون لها أي علاقة على الإطلاق بالاحترام الذي تمنحه إلى فرد من الأفراد. قلت ذلك مراراً وتكراراً في “سيتريكس” (Citrix)، ووجدت أن هذا الكلام يسمح للجميع في الشركة، بغضّ النظر عن ألقابهم، بالشعور بالارتياح لفكرة أن يبعثوا لي برسالة إلكترونية أو أن يطرقوا بابي في أي وقت من الأوقات ليلفتوا انتباهي إلى أمر معيّن”.

امنحوا الإذن بنقل الأخبار السلبية. عندما كانت بيني بريتزكير، التي شغلت منصب وزيرة التجارة الأميركية بين العامين 2013 و2017 تجتمع للمرة الأولى مع المرشحين لشغل وظيفة ما، كانت تخوض معهم حواراً صريحاً بخصوص أخطار عدم طرح المشكلات عليها. تقول بريتزكير: “كنت أخبرهم أنهم إذا ما أرادوا أن يُطردوا من عملهم، فإنهم يجب أن يفعلوا ما يلي: أولاً أن يكذبوا أو أن يغشوا أو أن يسرقوا. والشيء الآخر الذي يمكن أن يؤدي إلى طردهم من عملهم هو أنه إذا كانت لديهم مشكلة وأبقوها طي الكتمان بينهم وبين أنفسهم. في غالب الأحيان، لا يرسم لك الموظفون الصورة الكاملة لأنهم لا يريدون أن يخبروك بالأشياء التي لا ترغب بسماعها. وهذا أمر يقلقني جداً. يجب أن تمنحهم الإذن بنقل الأخبار السلبية إليك”.

أنشئوا نظاماً للإنذار المبكر. يطلب الرئيس التنفيذي لشركة “أيرا تكنولوجيز” (Aira Technologies) آناند تشاندراسيخير من أعضاء فريقه اتباع قاعدة بسيطة: إذا كانت لديكم أخبار سيئة، ابعثوا لي برسالة نصية قصيرة؛ وإذا كانت لديكم أخبار سارة أبلغوني بها شخصياً. يقول تشاندراسيخير: “تفرض علينا طبيعتنا البشرية ألا نزف إلى الآخرين إلا الأخبار السارة. وإذا ما نجحتم في جعل فريق أو مؤسسة لا يخشون من الأخبار السلبية، سواء من حيث تلقّيها أو نقلها، فإنكم ستكونون قادرين وقتها على بناء نظام للإنذار المبكر. فإذا ما حصلتم على الأخبار السيئة في وقت مبكر، فإنكم ستكونون قادرين على التجاوب في وقت أسرع، وزمن التجاوب ذاك ثمين”.

غالباً ما يأسر التنفيذيون أنفسهم في فقاعات المعلومات، وهذا الأمر ناجم عن ثقتهم المفرطة بأنفسهم وأفكارهم التي عفا عليها الزمن عن القيادة.

إذا أردتم تشجيع الموظفين على اتباع منهجية حل المشاكل، احتفوا بالتقدم المحرز. عندما يجتمع باول كينوارد العضو المنتدب في شركة “بريتيش شوغار” (British Sugar) مع مجموعات الموظفين، فإنه يسألهم أحياناً عن الأشياء التي أنجزوها خلال السنوات الخمس السابقة وكانوا فخورين بها للغاية. يقول كينوارد: “يخبرونني بهذه الأشياء فأقول لهم بعدها: “الآن تخيلوا أننا معاً بعد خمس سنوات من الآن. ما الذي نحن فخورون به الآن؟ ما الذي ترغبون أن تكونوا قد حققتموه أو ترغبون أن تروا الشركة وقد تمكنت من تغييره؟””. يعتقد كينوارد أن هذه الأسئلة تسهّل على الناس الحديث بإيجابية عن مشكلة يرونها اليوم. “هي مقاربة بسيطة، لكنها ذكية: اسأل الموظفين أولاً عن الأشياء التي يشعرون بالفخر لأنهم تمكنوا من تحقيقها. إذا لم تتأمل في حقيقة أننا قادرون على تغيير الأشياء، فإن الموظفين يستسلمون قبل أن يبدأوا حتى. وفي واقع الأمر، معظم المؤسسات غيّرت الكثير من الأمور. كل ما عليك فعله هو مساعدة الموظفين على إدراك ذلك”.

اصغوا دون إطلاق أحكام أو تصورات مسبقة. يقول جويل بيترسون رئيس مجلس الإدارة السابق في شركة الطيران “جيت بلو إيرويز” (JetBlue Airways)، ومؤسس شركة الاستثمارات “بيترسون بارتنرز” (Peterson Partners) إن كبار التنفيذيين قد يواجهون تحدياً في المحافظة على حالة الحضور الذهني الكامل في الاجتماعات بينما هناك 10 أشياء تدور في أذهانهم في أي لحظة من اللحظات. لكن هذا الانضباط ضروري إذا ما كانوا يريدون استمالة الموظفين، على حد رأيه، وهو يستدعي منكم الإصغاء لكي تفهموا ما يقال دون إطلاق أحكام. يقول بيترسون: “ليس بمقدورك أن تحمل أفكاراً مسبقة. لأنه إذا كانت لديك أحكام وتصورات مسبقة وأنت تصغي إلى شخص معيّن، فإن ما تفعله عملياً هو صياغة ردك وليس استيعاب ما يقوله الشخص الآخر. يجب أن تكون منسجماً مع ذاتك حقاً. وإذا كانت لديك دوافع للاستعراض أو تحتاج إلى أن يصغي الناس إليك، فإن ذلك سيطغى على عملية الإصغاء”. بوسع القادة أن يساعدوا أنفسهم على تجنّب الوقوع في شرك ذلك الخطر من خلال تذكير أنفسهم بسؤال بسيط كلما كانوا يصغون: “لماذا أتحدّث؟”.

اسعوا إلى طلب آراء الموظفين. لا يكفي التشديد فقط على أن الموظفين يجب أن يقولوا ما يدور بخلدهم. بل يجب عليكم أيضاً أن تستثمروا الوقت والجهد في التنقل بين المكاتب وزيارة المعامل والمتاجر وعقد الجلسات الحوارية العامة والالتقاء بمجموعات أصغر من أقسام ومراتب وظيفية متنوعة. (وحتى نهاية الجائحة، فإن معظم عمليات التواصل التي من هذا النوع يجب أن تنجز افتراضياً وعبر الإنترنت بطبيعة الحال). قد تستهلك هذه الخطوة الكثير من الوقت، لكنها جزء أساسي من وظيفتك كقائد. فإذا ما اكتفيت بالجلوس في برجك العاجي، فإن الفجوة بين تصوراتك والواقع الفعلي الموجود داخل شركتك ستزداد – وهذا الشيء يمكن أن يُبطئ الزخم وأن يدفع كبار أصحاب المواهب إلى ترك المؤسسة.

تُعتبرُ الاجتماعات وجلسات الأسئلة والأجوبة مع مجموعات واسعة من الموظفين مفيدة لتذكير الموظفين باستراتيجيتكم ولإزالة اللبس وتصويب التصورات الخاطئة. غير أن بوسع القادة أيضاً استعمال هذه الجلسات لالتقاط الإشارات التي تدل على المشاكل والفرص الناشئة، ومن ثم طرح الأسئلة المناسبة لتشجيع الموظفين على قول كل ما يدور في أذهانهم.

الإصغاء هو ممارسة متعددة الأبعاد ويجب على القادة أن يُصغوا بإمعان شديد وبطريقة منهجية بحيث يتطور لديهم تدريجياً فهم دقيق لطبيعة مؤسساتهم.

منظومة الإصغاء

أحد العناصر الأساسية التي تساعدك كقائد على إجادة الإصغاء أكثر هو إنشاء “منظومة للإصغاء” تحيط بها نفسك. هذا بالضبط ما فعله كيفين خلال سنواته اللاحقة في “آمجين”. فقد كان يحصل على تقرير فصلي من فريقه بخصوص الأخبار المهمة المتعلقة بالمنافسين، بحيث يستطيع تعلّم العبر والدروس من التحديات التي كانوا يواجهونها؛ ثم كان يطرح أسئلة بخصوص قدرة “آمجين” على مواجهة هذه التحديات. وقد وسّع شبكته من المصادر داخل الشركة وضم إليها مسؤول قسم العلاقات مع الجهة الناظمة الأساسية التي تخضع لها في “آمجين” ألا وهي هيئة الغذاء والدواء الأميركية. وبالنسبة للاجتماعات التي كان يعقدها مع ذلك الشخص، فقد وضع مجموعة من الأسئلة المنظمة: “هل نحن نفي بالتزاماتنا؟” “هل هناك أي شخص في هيئة الغذاء والدواء لديه فكرة سيئة عنّا؟” “ما هي المناسبة الأساسية التالية لهيئة الغذاء والدواء؟” “هل هناك شيء آخر تود إخباري به؟” كان كيفين يعقد اجتماعات منتظمة مع نائب الرئيس المسؤول عن الامتثال لضمان ألا يتحدث مندوبو المبيعات في “آمجين” مع الأطباء إلا عن التأثيرات الطبية لعقاقير “آمجين”، وليس عما تعنيه بالنسبة لمداخيلهم. وقد طوّر علاقاته مع مدراء المصانع وكان يزورهم كثيراً. كما رافق مندوبي المبيعات في رحلاتهم حيث كان يسألهم بين الزيارات عن أي أمور تشغل بالهم أو تشكل مصدر قلق بالنسبة لهم.

ضمن كل الخطوات التي اتخذها كيفين لكي يصغي، كان يتأكد من التركيز على الإشارات الدالة على الفرص إضافة إلى المخاطر. فعلى سبيل المثال، بعد أن خرجت “آمجين” من الأزمة الأوروبية وكانت تحقق نمواً قوياً مرة أخرى، لم يكن سهمها يتحرك، ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى أن قطاع الأدوية الحيوية لم يكن أثيراً على قلوب المستثمرين. وقد كان قادة “آمجين” وكبار المساهمين فيها يؤمنون أن قيمة السهم كانت أدنى بكثير من قيمته العادلة.

في أحد الحوارات الطويلة، طرح أحد كبار المساهمين سؤالاً على كيفين عن سبب قلة ديون الكثير من الشركات العاملة في هذا القطاع. ربما كان من السهل على كيفين تجاهل ذلك السؤال، لأن الحكمة التقليدية كانت تقول إن الشركات بحاجة إلى ميزانية عمومية قوية قادرة على تحمل الصدمات الناجمة عن انتهاء صلاحية براءات اختراع الأدوية أو الأزمات المشابهة للأزمة التي كانت “آمجين” قد عاشتها للتو. لكن كيفين عوضاً عن ذلك أصغى إلى ما قيل، ودفعه الكلام الذي سمعه إلى إجراء بعض الحسابات الأولية والسريعة لاحقاً لتحديد تكاليف اقتراض المال واستعماله لإعادة شراء قسم كبير من أسهم الشركة. فقد كانت معدلات الفائدة منخفضة، وهو توصّل إلى أن الشركة سيظل لديها الكثير من القروش البيضاء للأيام السوداء. يقول كيفين: “كانت إشارة غير متوقعة وكل ما احتجته هو أن أكون منفتحاً على استقبالها ومستعداً للمجازفة قليلاً لإجراء المطلوب”.

لكنه تحرك. فقد دفع “آمجين” إلى إعادة شراء معظم أسهم الشركة بسعر 60 دولاراً للسهم الواحد، وقد تضاعفت قيمة السهم أكثر من أربع مرّات منذئذ. ليست عمليات إعادة شراء الأسهم هي البلسم الشافي بطبيعة الحال؛ فهي في غالب الأحيان لا تفعل شيئاً أكثر من استنزاف الاحتياطيات النقدية لإحداث قفزات قصيرة الأجل في سهم الشركة. ولكن في هذه الحالة، تبيّن أن إعادة شراء السهم هي الخطوة الصائبة في الوقت الصائب. وفي نهاية المطاف سارت شركات أدوية عديدة على خطا “آمجين”.

اتخذ كيفين خطوات أخرى لبناء منظومة الإصغاء الخاصة به. فقد طلب من بريان ماكنامي، مدير الموارد البشرية لديه وقتها، إجراء استطلاع منتظم لآراء فريق القيادة ليتعرّف منهم على رأيهم بأدائه. وقد شملت قائمة الأسئلة التي أراد أن تُطرح ما يلي: “ما الذي أفعله الآن وتريدني أن أواصل فعله؟” و”ما هي الأشياء التي يجب إما أن أتوقف عن فعلها أو أن أُدخِل عليها تعديلاً كبيراً؟” و”ما هي الأشياء التي يجب أن أبدأ بفعلها أو أن أزيد من فعلي لها؟” و”هل هناك أي شيء آخر تود أن تخبرني به؟” وتشجيعاً على أكبر قدر من الصراحة، يأخذ ماكنامي جميع الإجابات ويضعها ضمن تقرير يُقدّم إلى كيفين الذي يعرضها بدوره على مجلس الإدارة ليناقشها المجلس وحده. (كان أصدقاء كيفين من الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أن هذه الفكرة ضرب من الجنون).

إضافة إلى ما سبق، شمل الاستطلاع السنوي لآراء جميع موظفي “آمجين” السؤال التالي: “ما رأيكم بالعمل الذي يؤديه كيفين؟”. استقطب ذلك السؤال مئات الردود التي كان كيفين يقرؤها ليلاً وقد أحاط نفسه بمشروب ساخن مهدئ للأعصاب يسمح له بقبول الآراء التقويمية الفجة أحياناً. عرف كيفين من هذه الملاحظات أن العديد من الموظفين يرون فيه قائداً بعيداً عن مرؤوسيه، لذلك بدأ يُمضي وقتاً أطول خارج مكتبه، ليدردش مع زملائه في الأروقة وفي الكافيتريا، كما عقد المزيد من الاجتماعات المفتوحة مع الموظفين. يقول كيفين: “لا يقتصر إنشاء أنظمة للأصغاء على قبول ما يتناهى إليك عفو الخاطر. بل يجب عليك تأسيس البنى التي تدع الموظفين يعرفون أنك تريد الإصغاء إلى ما لديهم ليقولوه”. هذا يعني أن تثبت للموظفين أنك تصغي إليهم – وقد عزم كيفين على فعل ذلك. فبعد اجتماع أو نقاش مهم مع مجلس إدارة “آمجين”، على سبيل المثال، كان غالباً ما يكتب ملخصاً لما نوقش، يقر فيه بما سمعه من مجلس الإدارة، ويحدد الخطوات التالية التي كان يعتزم اتخاذها. كان يرسل هذه الوثيقة إلى جميع أعضاء مجلس الإدارة لتكون إثباتاً على أنه قد أصغى إليهم، واحترم ما قالوه له وفهمه، وأن لديه خطة عمل واضحة استجابة لذلك. توصّل كيفين إلى أن هذه الممارسة مفيدة في علاقته مع مجلس الإدارة. يقول كيفين حول هذه النقطة: “لن يكون بوسعهم بعد ذلك الزعم أنني لم أصغِ إليهم. كما أن ذلك يسمح لك بتحديد ما حصل فعلياً وستكون واضحاً بخصوص الخطوات التالية، ما يعطيهم الفرصة للاختلاف في الرأي أو توضيح آرائهم”.

كما غيّر كيفين أيضاً من طريقة إصغائه، محاولاً أن يكون أكثر حضوراً وانتباهاً إلى لغة جسده مما كان عليه قبل أزمة “إيبوجين”. يقول كيفين: “صرت أبطأ، ومنحت الوقت للإصغاء”. وفي إطار هذه الجهود، صمّم مكتبه بحيث يبدو كما لو أنه غرفة معيشة في منزل. وفي الاجتماعات الفردية كان دائماً يجلس في كرسي بعيداً عن مكتبه. يقول كيفين: “أردت إيجاد بيئة تسمح لمرؤوسي المباشرين أن يثقوا بي وأن ينقلوا إليّ الأخبار السيئة دون أن يُعاقَبوا. يجب أن تعامل مرؤوسيك المباشرين على أنهم شركاء وليس كتابعين. الشركاء يستطيعون الحديث عن المسائل الصعبة معاً وأن يتوصلوا إلى أفضل استجابة مبنية على التعاون. كنت أخوض نقاشات دورية معهم وأسألهم “ما الذي يجري؟” لم أكن مندفعاً، بل كنت أتبنى مقاربة المستشار والمرشد، وليس نبرة القاضي”.

مهارات الإصغاء هي ممارسات متعددة الأبعاد وتتطلب الالتزام والانتباه الدائم، وليس بمقدور القادة البقاء في مناصبهم أو النجاح في عملهم إلا بعد أن يتعلموا هذا الدرس الجوهري. ولكن حتى عندما يُصغون، فإنهم بحاجة إلى أن يتذكروا أنه ليس بمقدورهم أخذ الإشارات الجيدة أو السيئة التي يلتقطونها بظاهرها فقط. بل يجب أن يُصغوا بإمعان شديد وبطريقة منهجية بحيث يتطور لديهم تدريجياً فهم غني ودقيق لطبيعة مؤسساتهم، وديناميكياتها المعقدة، وشعور العاملين فيها. كما يقول كيفين: “إذا كنت تكتفي بالتجول ورؤية مجموعة من الوجوه الباسمة وتقول لنفسك إن الجميع سعداء على ما يبدو، فإنك بذلك لا تصغي”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .