ملخص: في كثير من الأحيان في أوقات الأزمات يلجأ القادة إلى اتباع نهج التحكم والسيطرة، وذلك بالتركيز على وضع أهداف وقواعد صارمة للحفاظ على استمرارية العمليات في مؤسساتهم. ولكن ينبغي لهم بدلاً من ذلك التعريف بأهداف مؤسساتهم. ولا ينبغي فرض ذلك من القمة إلى القاعدة؛ فمن خلال الأمثلة المستقاة من "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" والشركات الخاصة والمؤسسات غير الربحية، يمكننا أن نرى أن أفضل القادة يبنون الشعور بالمعنى في مؤسساتهم بالتنسيق والتعاون مع جميع المتأثرين بها، أي الموظفين والعملاء والمرضى والشركات المجاورة والقادة.
نشعر في أوقات الأزمات أن احتمالية الفشل كبيرة، ما يدفع القادة في الغالب إلى اتباع نهج التحكم والسيطرة؛ وذلك بوضع جداول زمنية أكثر صرامة وميزانيات محدودة وأهداف ووعود مبالغ فيها. ويَكثُر استخدام الاستعارات العسكرية. ولكن خلال الأزمات التي يشوبها الغموض الشديد، يُعد بناء شعور قوي ومشترك بالمعنى والغاية أكثر أهمية من إظهار الثقة بكلمات منمقة. ولكن لا يمكن للقادة فرض ذلك من الأعلى. إذ يتمثل دورهم في أن يصبحوا نشطاء يدعون الأشخاص، بما في ذلك الموظفين والموردين والعملاء والأفراد في المجتمعات المحلية التي تخدمها الشركة، لاستكشاف هذا المعنى وتحديده معاً.
لتحقيق النجاح، سواء في أوقات الرخاء أو الشدة، يجب أن يتمكن قادة المؤسسات من الإجابة عن هذا السؤال: "ما هي مهمتنا؟". وفي الأوقات المتقلبة يصبح التركيز على هذا السؤال أكثر إلحاحاً، فغالباً ما تكون هناك حاجة إلى تغيير نشاط المؤسسة. فبين عشية وضحاها قد يصبح من غير الممكن تحقيق الفائدة التي كانت مرجوة سابقاً؛ انظر إلى حال مالكي شركات السياحة ودور السينما والصالات الرياضية اليوم. في هذا السياق، لن يكون اتباع أساليب العمل المعتادة، حتى وإن كانت أفضل، بمثابة استجابة كافية. وبدلاً من ذلك، يتعين على القادة تحويل أهدافهم من الإبقاء على الوضع الراهن إلى بناء مستقبل متخيل حديثاً. إذ إن من الصعب على القادة القيام بالأمرين في وقت واحد. فقد قال لي أحد المسؤولين التنفيذيين بشركة استشارات عالمية مؤخراً: "أحاول ألا أنغمس بشدة في اتباع النُهج العملية".
من أين يمكن أن يستمد القادة شعورهم بالهدف؟
تعتمد الثقافات القائمة على نهج التحكم والسيطرة على الرئيس التنفيذي لبنائها، مع ما يكمن في ذلك من خطر يتمثل في احتمالية افتقارها إلى كل من الشرعية والتأثير. على سبيل المثال، قال قائد في بنك بريطاني لفريقه: "على الرغم من الجائحة التي نواجهها في الوقت الحالي، فإن الشيء الوحيد الذي يمكننا فعله هو أن نجعل كل عميل يشعر بالأمان المالي". وعلى الرغم من إيمانهم بأن هذا الهدف نبيل، فإنهم كانوا يعلمون أيضاً أنه من المستحيل تحقيقه. ولذلك ينبغي السماح للمعنى أو الهدف بالظهور وليس فرضه.
حاولت "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" (إن آتش إس) (National Health Service) بالمملكة المتحدة اتباع كلا النهجين، فرض الشعور بالمعنى والسماح له بالظهور، في أماكن مختلفة في أثناء ذروة أزمة "كوفيد-19".
تولى الرؤساء التنفيذيون للرعاية الصحية المسؤولية في بعض المناطق وسارعوا إلى اتباع أساليبهم الجديدة بحماس، لاعتقادهم أن حالات الطوارئ تتطلب القيادة بنهج التحكم والسيطرة. فأعطوا للأشخاص الأوامر وحاولوا تصميم نُظم جديدة بمفردهم دون مساعدة ووضعوا أنفسهم في مركز عملية صناعة القرار. وقد أدى ذلك إلى إبطاء كل شيء. ومع رفض الأشخاص لهم على نطاق واسع بوصفهم مغتصبين للسلطة، تراجَع معظمهم في نهاية المطاف، لشعورهم بالانكسار بسبب عجزهم عن إدارة حجم الطلبات وتعقيدها.
ولكن في مناطق أخرى، أدت هذه الطلبات المحددة على الخدمة إلى انهيار التسلسل الهرمي الكبير والمتشعب للرعاية الصحية ليتحول إلى كيان واحد، ما أدى بدوره إلى خلق مستويات من التعاون والتآزر على جميع المستويات وفيما بين الخدمات الأخرى (الإسعاف والإطفاء والإنقاذ والرعاية الاجتماعية) بسهولة وسرعة لم يكن بمقدور المدراء سابقاً سوى أن يحلموا بهما. وبذلك لم يفرض أي مدير الشعور بالهدف ولكن علِم الجميع ما عليهم فعله: القيام بكل ما يلزم للمرضى، أياً كان ما يتطلبه ذلك. وعندما لم يعد "مصير المدراء هو محاولة تحقيق الأهداف ثم الفشل في ذلك، استطعنا القيام بكل ما يلزم للمرضى بسهولة لا تُصدَّق"، كما قال أحد الأطباء. يتمثل التحدي الذي سيواجهه قادة هيئة الخدمات الصحية الوطنية للمضي قدماً في الكفاح من أجل الحرية والموارد المطلوبة للحفاظ على هذا التركيز.
قادة الشركات الأكثر إبداعاً
توخياً للنزاهة الحقيقية، يجب أن ينبع شعور المؤسسة بالهدف من بيئة العمل التي تحتضنها، ما يعني مراعاة التنوع الكامل فيما يتعلق بالموظفين والعملاء والشركات المجاورة والشركاء والقادة الذين تأثروا بعملها، وإلا ستفتقر إلى السلطة والتأثير على حد سواء. وقد أدرك قادة الشركات الأكثر إبداعاً هذا الأمر خلال أزمة "كوفيد-19".
لنأخذ على سبيل المثال الرئيسة التنفيذية لوكالة متخصصة في الملكية الفكرية، فقد انتقلت إلى أداء دور الناشط بمجرد التغلب على الصعوبات اللوجستية المتعلقة بالعمل من المنزل. وقد رأت أن العالم قد تغير تماماً؛ ففي المجتمع الذي تخدمه الوكالة، كان الجميع يعانون. ولكي تظل أعمالها تحقق الفائدة المرجوة، ينبغي أن يُنظر إليها على أنها مصدر أمل واقعي.
كان هذا حدسها ولكنها لم تثق به بشكل أعمى. وبدلاً من ذلك، دعت مجموعات أصحاب المصلحة، بما في ذلك الموردين والموظفين والعملاء والشركاء، وسألتهم عما يحتاجون إليه من الشركة وما يتوقعونه منها في الوقت الحالي. وكان على رأس أولوياتها اكتشاف كيف يمكن للشركة أن تدعم مجتمعها وتمكّنه على نحو أفضل، مع التركيز على تحقيق آماله وأحلامه الكبيرة. وبالتالي تضاعف عدد الأفكار. وأتاحت التقنيات الجديدة تسريع عملية إنفاذ حقوق المؤلف. ووعدت تحالفات استراتيجية جديدة بمنح المؤسسة المزيد من النفوذ والتأثير. أصبح لدى فريق تطوير الأعمال وفرة من الأفكار حول المنتجات والخدمات الجديدة التي نادراً ما كان يتم التطرق إليها من قبل. واكتسب الهدف مزيداً من الشرعية لمساهمة الجميع في تحقيقه. وبدلاً من التمسك بخطة قديمة، ساعدت فرصة النمو في الحجم والنطاق والتأثير على تحفيز كل من العملاء والموظفين.
بدعوة أصحاب المصلحة والاستماع إليهم يمكن تحطيم قيود الوضع الراهن. في عام 1982، أسس لاري كريمر منظمة "الأزمات الصحية" (Health Crisis) لتوعية المجتمع بشأن مرض جديد غامض يودي بحياة أعضائه، ولكن سرعان ما أصبحت إدارة هذه المنظمة بيروقراطية وقائمة على التسلسل الهرمي، فقد كانت منشغلة بكفالة بقائها. ولذلك استقال كريمر، المعروف بأنه شخص عديم الصبر، من المنظمة وأسس منظمة "أكت أب" (ACT UP) التي كانت تركز على المستقبل بشكل كامل؛ فقد تمثل هدفها في علاج مرض الإيدز. وقد كانت هذه المنظمة ديمقراطية ("للغاية"، كما قال كريمر)؛ إذ دعت مجموعة منتقاة من الأشخاص الذين سمح شغفهم ومجالات خبرتهم المختلفة بظهور الاستراتيجيات بشكل طبيعي ومتناغم. كان أعضاء المجموعة عشوائيين وعنيدين في كثير من الأحيان، ولذلك فإن فكرة وجود قائد من الأساس كانت مثيرة للنزاع. ولكن كريمر صمم لنفسه دوراً يركز فيه على منع أي شخص من أن يصبح متقاعساً أو متراخياً، مع وضع سيناريوهات لشكل النجاح والفشل على حد سواء. وعندما بدأت العلاجات في الظهور، لم ينسب الفضل لنفسه.
قال بيتر دراكر ذات مرة: "لا يمكن أن توجد شركات أعمال تتمتع بالعافية في مجتمع مريض". إذ تعتمد كفاءة أي عمل تجاري على سلامة المجتمع وعافيته بشكل أساسي، أو على الجزء الذي يخدمه هذا العمل. واليوم، مع استمرار أزمة "كوفيد-19" بالتوازي مع أزمة اقتصادية وأزمة انعدام المساواة وأزمة التغيرات المناخية، سيصبح الدور الذي يؤديه القائد بوصفه ناشطاً أكثر أهمية. بالتأكيد ستختلف طبيعة وظيفة القادة، ولكن سيظل هدفهم كما هو: التغلب على الشعور بعدم الأهمية أو القيمة من خلال دعوة الأصوات المركزية والهامشية على حد سواء في المجتمعات التي يخدمونها والاستماع إليها، ما ينمي طموحات تفوق ضمان بقاء الأعمال واستمرارها.