يُعتبر إطلاق شركة جديدة سيفاً ذا حدين، سواء كانت شركة ناشئة تختص بالتكنولوجيا، أو شركة أعمال صغيرة، أو حتى مبادرة داخل شركة كبيرة. فوفقاً للصيغة القائمة منذ عقود سوف تكتب أولاً خطة المشروع، لتطرحها ثانياً على المستثمرين، ثم تجمع أعضاء فريقك، لتقدم المنتج، وأخيراً الشروع في البيع بأقصى إمكاناتك. من المحتمل في حلقة ما من سلسلة الأحداث هذه أن تواجه نكسة كارثية. فالحظوظ ليست في صالحك: كما يُظهر بحث جديد أجراه شيخار غوش في كلية "هارفارد لإدارة الأعمال"، أن 75% من الشركات الناشئة تواجه الإخفاق.
لكن، برَزتْ مؤخراً قوة تعويضية من شأنها تقليل خطورة عملية إطلاق الشركة، وهي منهج اسمه "الشركة الناشئة المرنة"، والذي يتفوق فيه التجريب على التخطيط المفصّل، وتعليقات العملاء على اتباع الحدس، والتصميم التكراري على الطريقة التقليدية في تطوير مبدأ "التصميم الكبير في المقدمة". وعلى الرغم من حداثة هذا المنهج وبروزه منذ بضع سنين فقط، سرعان ما غرست المفاهيم التي يشملها، مثل "النموذج المبدئي للمنتج" و"التحوير"، جذورها في عالم الشركات الناشئة، لتبدأ كليات إدارة الأعمال في تبني هذه المناهج وتدريسها.
لم يُصبح هذا الحراك في إطلاق الشركات الناشئة من التيارات السائدة بالكامل، ولم نستشعر أثره الكامل بعد. ففي كثير من الحالات لا تزال حركة بيانته كما كانت قبل خمس سنوات، ليشتمل بشكل رئيس على الكلمات الرنانة التي لم تُفهم على نطاق واسع، فقد بدأت الشركات التي تأثرت به في فهم مبادئه حديثاً. لكن مع انتشار ممارساته، بدأتْ بقلب الحكمة التقليدية حول ريادة الأعمال رأساً على عقب. فبدأت مشاريع جديدة من شتى الأنواع في محاولة تحسين حظوظها في النجاح من خلال اتباع مبادئه في الفشل السريع والتعلم المستمر. وعلى الرغم من هذا الاسم الذي أطلقناه على المنهج، فقد يكون أكبر مكاسبه هو في الشركات الكبرى التي اعتنقته.
سوف أعرض في هذه المقالة مراجعة مختصرة لتقنيات الشركات الناشئة وكيفية تطويرها. والأهم من ذلك، سوف أشرح، وباستحضار الأعمال التجارية الرائجة، كيفية تطبيقها في مشروع اقتصادي جديد.
مغالطة خطة العمل المثالية
وفقاً للحكمة التقليدية، فإن أول ما ينبغي على كل مؤسس فعله هو وضع خطة عمل، عبارة عن وثيقة ثابتة تصف حجم فرصة ما، والمشكلة المراد حلها، والحل الذي سوف يوفره هذا المشروع الجديد. وتتضمن عادةً التنبؤ لخمس سنوات مقبلة بمقدار الإيرادات والأرباح والتدفق النقدي. تُعتبر خطة العمل في الأساس ممارسة بحثية مكتوبة في مكتب منعزل. وذلك قبل أن يبدأ رائد الأعمال حتى في بناء المنتج. والافتراض السائد أنه من الممكن معرفة معظم المجاهيل في مشروع ما مسبقاً، أي قبل أن تبدأ بجمع الأموال وتنفيذ الفكرة على أرض الواقع.
وحالما يجمع رائد الأعمال الذي يمتلك خطة عمل مقنعة الأموال من المستثمرين، يبدأ في تطوير المنتج بطريقة ضيقة الأفق. ويكرس المطورون آلافاً من ساعات العمل في تجهيز المنتج لإطلاقه، باستخدام القليل من آراء العملاء، هذا إن وجِدتْ. فلا يحصلون على ردود فعل حقيقية إلا بعد بناء المنتج وإطلاقه في السوق، وذلك عند شروع فريق المبيعات في محاولات البيع. وفي كثير من الأحيان، بعد شهور أو حتى سنوات من التطوير، يدرك رواد الأعمال، وبالطريقة الصعبة، عدم حاجة العملاء أو رغبتهم في معظم ميزات ذلك المنتج.
بعد عقود من مراقبة آلاف الشركات الناشئة التي تتبع هذا النظام التقليدي، تعلمنا اليوم ثلاثة أشياء على الأقل:
- نادراً ما تنجو خطط العمل عند أول احتكاك لها مع العملاء. وكما قال الملاكم مايك تايسن ذات مرة عن استراتيجيات خصومه قبل النزال "الكل لديه خطة، إلى أن يتلقى لكمة في الفم".
- لا أحد يحتاج إلى خطة مدتها خمس سنوات للتنبؤ بالمجهول باستثناء أصحاب المشاريع الرأسمالية والاتحاد السوفيتي السابق. هذه الخطط عادة ما تكون خيالية، والتفكير بها هو دائماً مضيعة للوقت.
- الشركات الناشئة ليست نسخاً مصغرة عن الشركات الكبرى، ولا تنتشر باتساق وفقاً لخطط متقنة؛ فالشركات الناشئة التي تنجح في النهاية هي التي تعبر من فشل إلى آخر، وتتكيف أثناء رحلتها، وتحسن أفكارها الأولية أثناء تلقيها الملاحظات من العملاء.
كيف ترسم مخططاً لفرضياتك
إعداد مخطط لنموذج العمل يتيح لك رؤية الركائز الأساسية التسعة لعملك التجاري جميعها في صفحة واحدة؛ حيث إن كل عنصر في نموذج العمل يضم مجموعة من الفرضيات التي تحتاج إلى اختبارها.
المصدر: www.businessmodelgeneration.com/canvas. صاغ مفهوم المخطط كل من ألكسندر أوسترولدر وإيف بينيور.
أحد الاختلافات الجوهرية هو أنه وبينما تُنفّذ الشركات الحالية نموذج أعمال، تكون الشركات الناشئة في صدد البحث عنه. ويقع هذا التمييز في قلب مبدأ الشركات الناشئة المرنة، فهو يشكل التعريف المرن للشركات الناشئة: مؤسسة مؤقتة مصممة للبحث عن نموذج أعمال قابل للتكرار والتوسع.
يتسم منهج المرونة بثلاثة مبادئ رئيسية:
أولاً، وبدلاً من الانخراط لمدة أشهر في التخطيط والبحث، يقبل رواد الأعمال أنّ كل ما بحوزتهم في اليوم الأول عبارة عن سلسلة من الفرضيات غير المختبرة – أي التخمينات الجيدة بشكل أساسي. ولذا، وبدلاً من كتابة خطة عمل معقدة، يُلخص المؤسسون فرضياتهم في إطار يدعى لوحة نموذج العمل. وهو في جوهره رسم تخطيطي لكيفية إنشاء الشركة قيمة لنفسها ولعملائها. (انظر الشكل: ضع مسودة لفرضياتك).
ثانياً؛ تستخدم الشركات الناشئة مفهوم "الخروج من المبنى" والذي يُطلق عليه تنمية العملاء بغية اختبار فرضياتهم. فيخرجون ويطلبون تعليقات المستخدمين المحتمَلين والمشترين والشركاء بشأن جميع عناصر نموذج العمل، بما في ذلك خصائص المنتج وسعره وقنوات التوزيع، ويبحثون عن استراتيجيات اكتساب عملاء ميسورة التكلفة. وينصَب التركيز هنا على الفطنة والسرعة: إذ تجمع المشروعات الجديدة المنتجات المبدئية، وتستنبط تعليقات العملاء على الفور. بعد ذلك، وباستخدام بيانات العملاء في مراجعة افتراضاتهم، يبدؤون هذه الحلقة من جديد، حيث يختبرون عروض إعادة التصميم ويجرون تعديلات صغيرة (التكرير) أو تعديلات جوهرية (التحوير) للأفكار التي لا تعمل. (انظر الشكل: استمع إلى عملائك).
استمع إلى عملائك
تبحث الشركات الناشئة أثناء عملية تنمية العملاء عن نموذج عمل ينجح معها، وإذا كشفت تعليقات العملاء عن أن فرضياتها المتعلقة بالعمل خاطئة، فإنها إما تراجعها أو "تعود" لوضع فرضيات جديدة. وبمجرد أن يثبت النموذج جدواه، تبدأ الشركة الناشئة في التنفيذ وإعداد تنظيم رسمي. تتصف كل مرحلة من مراحل عملية تنمية العملاء بأنها تكرارية، حيث إنه من المحتمل أن تفشل الشركة الناشئة عدة مرات قبل إيجاد النهج الصحيح.
- يحوِّل المؤسسون أفكار الشركة إلى فرضيات متعلقة بنموذج العمل، ويختبرون الافتراضات حول احتياجات العملاء، ويبنون "منتَج الحد الأدنى" لتجربة حلولهم المقترحة من أجل العملاء.
- تستمر الشركة الناشئة في اختبار جميع الفرضيات الأخرى وتحاول التحقق من مدى اهتمام العملاء من خلال الطلبات المبكرة أو استخدامات المنتج. وإن لم يكن هناك أي اهتمام، يمكن للشركة الناشئة "العودة" لتغيير إحدى الفرضيات أو أكثر من فرضية.
- أصبح المنتَج محسَّناً بما يكفي لبيعه. وبالتالي تبني الشركة الناشئة الطلب، باستخدام فرضياتها المثبتة، من خلال زيادة الإنفاق على التسويق والمبيعات بشكل سريع، وتوسيع نطاق الأعمال.
- ينتقل العمل من طور الشركة الناشئة، مع بحث فريق تنمية العملاء عن إجابات، إلى تكوين إدارات وظيفية تنفِّذ نموذج العمل.
ثالثاً؛ تمارس الشركات الناشئة ما يُطلَق عليه التطوير الرشيق، والذي نشأ بادئ الأمر في صناعة البرمجيات. ويعمل التطوير الرشيق جنباً إلى جنب مع تنمية العملاء. فعلى خلاف دورة تطوير المنتجات التقليدية على مدار العام، والتي تفترض مسبقاً معرفة مشاكل العملاء ومتطلبات المنتج، يُقصي التطوير الرشيق هدر الوقت والموارد عن طريق تطوير المنتج بشكل تكراري وتدريجي. وهي العملية التي تصنع بها الشركات الناشئة منتجاتها المبدئية التي تختبرها. (انظر الشكل: التطوير المتجاوب السريع).
عندما بدأ خورخي هيرود ولي ريدن بتأسيس شركة "بلو ريفر تكنولوجي" (Blue River Technology)، كانوا طلاباً معي في جامعة "ستانفورد" (Stanford). كانت لديهم رؤية لتصنيع جزازات العشب الآلية للمناطق التجارية. وبعد التحدث إلى أكثر من 100 عميل خلال 10 أسابيع، أدركوا أن العميل الأولي المستهدف – ملاعب الغولف – لم يُقدّر حلهم. فبدأوا بالتحدث إلى المزارعين ليجدوا طلباً هائلاً على طريقة آلية في التخلص من الأعشاب الضارة دون استخدام المواد الكيميائية. ليحوز تحقيق هذا الطلب تركيزهم في صناعة المنتج الجديد، وخلال 10 أسابيع صنعتْ شركة "بلو ريفر" النموذج الأولي واختبرته. وبعد تسعة أشهر تحصلت هذه الشركة الناشئة على تمويل استثماري تجاوز 3 ملايين دولار. فقد كانت توقعات الفريق أن يكون المنتج التجاري جاهزاً بعد تسعة أشهر من ذلك التاريخ.
التطوير السريع المستجيب للاحتياجات
على عكس التطوير التقليدي للمنتجات، حيث تحدث كل مرحلة بترتيب خطي وتستمر لأشهر، تبني عمليات التطوير الرشيق المنتجات على مراحل قصيرة ومتكررة. وتُنتج الشركة الناشئة "منتَج الحد الأدنى" الذي يحتوي على المميزات الأساسية فقط، وتجمع تعليقات وملاحظات حوله من العملاء، ثم تبدأ من جديد بمنتَج حد أدنى منقَّح.
وضعية التخفّي في تقليص الشهرة
بدأتْ مناهج المرونة في تغيير لغة الشركات الناشئة التي يصفون بها أعمالهم؛ فخلال ثورة الإنترنت عملتْ الشركات الناشئة غالباً في "وضع التخفي" (وذلك لتجنب تنبيه المنافسين إلى فرصة متاحة في السوق)، ولم يعرضوا النماذج الأولية على العملاء سوى أثناء الاختبارات "التجريبية" المنظمة للغاية. إلا أنّ منهجية الشركات الناشئة المرنة تجعل من هذه المفاهيم بالية، فهي على يقين أن مراجعات العملاء في معظم الصناعات لها من الأهمية ما يفوق السرية، وأن التعليقات المتواصلة تعطي نتائج أفضل من كشف المنتجات المتواتر.
هذان المبدآن هما ما تبلور أمامي خلال حياتي المهنية كرائد أعمال. (وقد شاركتُ مع ثماني شركات ناشئة للتكنولوجيا الفائقة، سواء مؤسساً أو من الموظفين الأوائل). وعندما انتقلت إلى التدريس، قبل عقد من الزمن، توصلت إلى صيغة تنمية العملاء التي وضحتها مسبقاً. وبحلول عام 2003 كنتُ أوجز هذه العملية في فصل دراسي في "كلية هاس للأعمال" (Haas) في "جامعة بيركلي في كاليفورنيا" (University of California at Berkeley).
عام 2004، استثمرتُ في شركة ناشئة مؤسسوها إريك ريس وويل هارفي، وكشرط لهذا الاستثمار، ألحيت عليهم في حضور هذا الفصل الدراسي. فأدرك إريك سريعاً وجوب استبدال منهجية تطوير المخطط الانحداري، وتقاليد الصناعة التكنولوجية، ومبدأ تطوير المنتج الخطي، بالتقنيات الرشيقة التكرارية. كما أنه وجد تشابهاً بين بروز مجموعة المبادئ في هذه الشركات الناشئة وبين نظام الإنتاج في شركة "تويوتا"، والذي يُعرف الآن "بالتصنيع المرن". فأطلق إريك على هذا المزيج من تنمية العملاء والممارسات الرشيقة لقب "الشركات الناشئة المرنة".
اشتهرت هذه الأدوات والتقنيات بفضل سلسلة من الكتب الناجحة. فقد ألّفتُ في عام 2003، كتاب "الخطوات الأربعة نحو الإدراك" (The Four Steps to the Epiphany)، موضحاً فيه لأول مرة أن الشركات الناشئة ليست نسخاً مصغرة عن الشركات الكبيرة وواضعاً عملية تنمية العملاء بالشكل المفصل. وفي عام 2010، أعطى كل من ألكسندر أوسترولدر وإيف بينيور رواد الأعمال الإطار المعياري للوحة نموذج الأعمال في كتاب "جيل نماذج الأعمال" (Business Model Generation)، وفي عام 2010 نشر إريك مراجعة عامة لمبدأ الشركات الناشئة المرنة. وفي عام 2012 لخصنا أنا وبوب دورف ما تعلمناه بشأن التقنيات المرنة في كتيب تدريجي أطلقنا عليه "دليل مالكي الشركات الناشئة" (The Startup Owner’s Manual).
ويُدرَّس الآن منهج الشركات الناشئة المرنة في أكثر من 25 جامعة، وعبر دورات تدريبية رائجة على الإنترنت في موقع "يو دي أكادمي" (Udacity.com). إضافة إلى أنك ستجد في كل مدينة حول العالم تقريباً، مؤسسات مثل "ستارت أب ويك إند" (Startup Weekend) تقدّم هذا المنهج المرن إلى مئاتٍ من رواد الأعمال المحتملين في وقت واحد. إذ يُمكن في مثل هذه التجمعات في غرفة مليئة بالفرق الناشئة أن يتبادلوا نصف دزينة من أفكار المنتجات المحتملة في غضون ساعات. وعلى الرغم من أن الأمر يبدو مذهلاً بالنسبة للأشخاص الذين لم يسبق لهم المشاركة، إلا أنه في هذه المناسبات تتشكل أعمال تجارية في مساء يوم جمعة مثلاً لتدر الإيرادات الفعلية بحلول ظهر يوم الأحد.
خلق اقتصاد ريادي قائم على الابتكار
بينما يزعم بعض المؤيدين أن اتباع النهج المرن يُمكن أن يجعل الشركات الناشئة الفردية أكثر نجاحاً، أعتقد شخصياً أن هذا الادعاء مبالغ فيه؛ فالنجاح يعتمد على العديد من العوامل التي تتجاوز ضمانات أي منهج في أن تحظى الشركة الناشئة بالنصر. ولكن اعتماداً على ما رأيته في المئات من الشركات الناشئة، وفي البرامج التي تُدرّس مبادئ منهج المرونة، وفي الشركات الحالية التي تمارس تلك المبادئ، أستطيع الإدلاء بادعاء أكثر أهمية: إن استخدام منهج المرونة عبر مجموعة من الشركات الناشئة من شأنه أن يقلل الإخفاقات مقارنة بنتائج اتباع الطرق التقليدية.
فانخفاض معدل إخفاقات الشركة الناشئة قد يحمل نتائج اقتصادية كبيرة. تقوم اليوم قوى الفساد والعولمة والتنظيمات الإدارية بتقويض اقتصاديات جميع البلدان، وتتساقط الوظائف بسرعة من الاقتصادات القائمة، وقد لا يعود معظمها مطلقاً. والآن يتوجب على نمو العمالة في القرن الحادي والعشرين أن ينبثق من المشاريع الجديدة، ولذا تصب مصلحتنا جميعاً في تعزيز بيئة تساعدهم على النجاح والنمو وتوظيف المزيد من العاملين. لم يكن يوماً خلق اقتصاد ابتكاري مدفوع بالتوسع السريع للشركات الناشئة واجباً جوهرياً أكثر من الآن.
كان نمو عدد الشركات الناشئة في الماضي مقيداً بخمسة عوامل إضافة إلى معدّل الفشل:
ما الذي تفعله الشركات الناشئة الرشيقة بطريقة مختلفة؟
لا يبدأ مؤسسو الشركات الناشئة الرشيقة بوضع خطة عمل، بل يبدؤون بالبحث عن نموذج عمل. ولا يركزون على التنفيذ إلا بعد إجراء جولات سريعة من التجريب والحصول على الملاحظات والتعليقات للتوصل إلى نموذج ناجح.
- ارتفاع تكلفة الحصول على العميل الأول، والتكلفة الأعلى عند الحصول على المنتج الخاطئ.
- حلقات التطوير التكنولوجية الطويلة.
- العدد المحدود من الأشخاص ذوي القابلية للمخاطر الكامنة في تأسيس شركة ناشئة، أو العمل فيها.
- بنية الاستثمار الصناعي للمشاريع، لأنه من الضروري لعدد من الشركات أن تستثمر مبالغ طائلة في مجموعة من الشركات الناشئة لتحصل على فرصة في تحقيق عوائد كبيرة.
- تركيز الخبرة الحقيقة على كيفية بناء الشركات الناشئة، والتي نجدها في الولايات المتحدة في حوزة السواحل الشرقية والغربية. (وتعد هذه مشكلة أقل خطورة في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، ولكن في الكثير من المناطق في العالم هنالك مناطق جغرافية ساخنة لإقامة المشاريع).
يُقلص منهج المرونة من قيود أول عائقين عبر مساعدة المشاريع الجديدة في إطلاق منتجات يرغب بها العملاء حقاً، بسرعة أكبر وتكلفة أقل من الطرق التقليدية. ومن قيود العائق الثالث من خلال تقليص المخاطر عند بناء الشركات الناشئة. وقد برز في وقت تغلبتْ فيه بعض الأعمال والتكنولوجيا الرائجة على العوائق في تشكيل الشركات الناشئة. إن المزيج من هذه القوى كلها يُبدل المشهد العام لريادة الأعمال.
والآن، استطاعت البرامج مفتوحة المصدر مثل "جيت هب" (GitHub)، والخدمات السحابية مثل "أمازون ويب سيرفيسيز" (Amazon Web Services) أن تخفض تكلفة تطوير البرامج من ملايين الدولارات إلى بضعة آلاف. ولم تعد الشركات الناشئة المصنعة للعتاد الصلب تحتاج إلى بناء مصانعها الخاصة، فقد أصبح من السهل الوصول إلى الشركات المصنعة في الخارج. وبالفعل أصبح من الشائع جداً رؤية شركات تكنولوجية يافعة تمارس منهجية الشركات الناشئة المرنة وتعرض منتجاتها البرمجية بشكل فوري عبر الشبكة أو عتاد بُني في الصين بعد أسابيع فقط من تصميمه. خذ في الاعتبار شركة "رومينايت" (Roominate)، وهي شركة ناشئة مصمَّمة لبث الإلهام في ثقة الفتيات بأنفسهن، واهتمامهن بالعلم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. حالما انتهى مؤسسوها من اختبار تصميم بيت الدمى ذي الإنارة وتكراره، أرسلوا مواصفاته إلى مصنّع تعاقدوا معه في الصين. وبعد ثلاثة أسابيع وصلت المنتجات الأولى.
ممارسات منهج الشركات الناشئة المرنة ليس حكراً على المشاريع التقنية اليافعة، فالشركات الكبيرة مثل "جي إي ديجيتال" و"إنتويت" بدأت بتطبيقها بالفعل.
هناك اتجاه شائع آخر يقضي بتطبيق اللامركزية في الوصول إلى التمويل. كان رأس مال المشروع من قبل عبارة عن نادٍ صغير للشركات الرسمية المجتمعة بالقرب من وادي السيليكون وبوسطن ونيويورك. أما في نظام ريادة الأعمال اليوم، برزت صناديق استثمار جديدة وممتازة، أصغر من صناديق رؤوس أموال المجازفة التقليدية التي تبلغ مئات الملايين من الدولارات، والتي يمكنها أيضاً الاستثمار في المراحل الأولية. وتوفر مواقع حشد التمويل مثل "كيك ستارتر" طريقة إضافية أكثر ديمقراطية في تمويل الشركات الناشئة.
كما يُعد التوافر الفوري للمعلومات هبة بالنسبة للمشاريع الجديدة اليوم. فقبل انتشار الإنترنت، كان مؤسسو الشركات الجديدة يحصلون على المشورة فقط عند لقاء لشرب القهوة مع مستثمرين أو رواد أعمال خبراء. أما في يومنا، فيتمثل التحدي الأكبر في فرز الكم الهائل من النصائح التي تتلقاها الشركات الناشئة. وتوفر مبادئ منهج المرونة إطاراً يساعدك على تمييز النصائح الجيدة من تلك الرديئة.
صُمّمت تقنيات منهج الشركات الناشئة المرنة بدايةً بهدف إنشاء مشاريع تقنية سريعة النمو. لكنني أعتقد أن تلك المفاهيم صالحة على قدم المساواة في إنشاء أعمال صغيرة في مناطق صغيرة يمكنها أن تصنع عظمة الاقتصاد. وإذا اعتنق عالم الأعمال الصغيرة بأكمله هذه المبادئ، فأكاد أجزم أنها ستزيد من النمو والكفاءة، وستفرض تأثيراً مباشراً وفورياً على الناتج المحلي الإجمالي والعمالة.
هنالك مؤشرات على إمكانية حدوث هذا على أرض الواقع. ففي عام 2011 بدأتْ المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة باستخدام منهج المرونة بهدف تسويق البحوث العلمية الأساسية في برنامج يسمى "فيلق الابتكار". كما تُدرِّس اليوم إحدى عشرة جامعة هذه الطرائق لمئات من الفرق من كبار العلماء الباحثين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
كما بدأتْ برامج ماجستير إدارة الأعمال في تبني هذه التقنيات أيضاً. فقد كانت من قبل تُعلم الطلاب تطبيق مفاهيم الشركات الكبرى، مثل أساليب المحاسبة في تتبع الإيرادات والتدفقات النقدية، والنظريات التنظيمية حول الإدارة، بدلاً من مفاهيم الشركات الناشئة. على الرغم من أن الشركات الناشئة تواجه قضايا مختلفة كلياً عن الكبرى. فبدأت الآن كليات إدارة الأعمال تُدرك أن المشاريع الجديدة تتطلب أدوات إدارية خاصة بها.
وحال تقبل كليات إدارة الأعمال لهذا الاختلاف بين التنفيذ الإداري وبين البحث عن نموذج عمل، بدأت بالتخلي عن خطة العمل باعتبارها القالب التعليمي في تنظيم المشاريع. واستبدلت بالمنافسات على خطة العمل التي كانت تعتبر جزءاً شائعاً في تجربة ماجستير إدارة الأعمال لأكثر من عقد من الزمن، المنافسات في صنع نماذج العمل. (أحدث من قام بهذا التغيير هو كلية إدارة الأعمال في جامعة "هارفارد" عام 2012). وتولت جامعات "ستانفورد" و"هارفارد" و"بيركلي" و"كولومبيا" قيادة هذه الحملة وتبني منهج الشركات الناشئة المرنة. وتدرب الدورة التي أقيمها للمعلمين بعنوان "الإطلاق المرن" أكثر من 250 مدرباً جامعياً سنوياً.
استراتيجية جديدة لشركات القرن الحادي والعشرين
أصبح من الواضح الآن أن ممارسات منهج الشركات الناشئة المرنة لم يعد حكراً على المشاريع التكنولوجية الناشئة.
فقد أمضت الشركات السنوات العشرين الماضية في محاولة زيادة كفاءتها من خلال خفض التكاليف. لكنّ مجرد التركيز ببساطة على تحسين نماذج العمل الحالية لم يعد كافياً؛ فتدرك كل شركة كبرى تقريباً أنها تحتاج أيضاً إلى التعامل مع التهديدات الخارجية المتزايدة باستمرار من خلال الابتكار. ولضمان بقائها ونموها، يتعين على هذه الشركات أن تستمر في اختراع نماذج أعمال جديدة، وهذا التحدي يتطلب مهارات وبنية تنظيمية جديدة بالكامل.
وعلى مر السنين، طور الخبراء الإداريون أمثال كلايتون كريستنسن، وريتا ماكغراث، وفيجاي غوفيندراجان وهنري تشسبرو، وإيان ماكميلان، وأليكسندر أوستروالدر، وإريك فون طريقة التفكير حول كيفية تحسين الشركات الكبيرة لعمليات الابتكار لديها. ومع ذلك، وخلال السنوات الثلاث الماضية، رأينا شركات كبرى، بما فيها "جنرال إلكتريك" (General Electric)، و"كوالكوم" (Qualcomm)، و"إنتويت" (Intuit) قد بدأت في تطبيق منهجية الشركات الناشئة المرنة.
فيستخدم قسم تخزين الطاقة في شركة "جي إي" مثلاً، هذا النهج لتغيير الطريقة التي يبتكر بها. فقد أدرك بريسكوت لوغان المدير العام للقسم في عام 2010 أن البطارية المطورة في وحدة الأعمال لديها القدرة على زعزعة السوق الصناعي. وبدلاً من الاستعداد لبناء مصنع وزيادة معدل الإنتاج وإطلاق العرض الجديد كملحق تقليدي للمنتج (الذي سُمي لاحقاً دوراثون)، طبّق لوغان تقنيات منهج المرونة، فبدأ بالبحث عن نموذج أعمال، والانخراط في اكتشاف العملاء. وقابل هو وفريقه وجهاً لوجه العشرات من الفرص العالمية، بغية اكتشاف التطبيقات والأسواق الجديدة المحتملة. لم تكن تلك الفرص مكالمات تتعلق بالبيع: إذ تخلى أعضاء الفريق عن عرض شرائح برنامج "باوربوينت" (PowerPoint) واستمعوا إلى مشكلات العملاء وخيبات أملهم فيما يتعلق بحالة البطارية. وتعمقوا جداً في فهم كيفية شراء المستهلكين للبطاريات الصناعية، واستخدامهم المتكرر لها، وظروف التشغيل المحيطة. وباستخدام هذه الملاحظات، حققوا قفزة نوعية في مجال التركيز على العملاء، فقد استبعدوا مراكز البيانات، وهي إحدى القطاعات الأولية المستهدفة، ليكتشفوا قطاعاً جديداً، هو قطاع الخدمات. كما أنهم ضيّقوا شريحة العملاء الواسعة من "الاتصالات" لتنحصر في خدمات الهواتف المحمولة في البلدان النامية ذات الشبكات الكهربائية المضعضعة. وفي نهاية المطاف، استثمرت شركة "جي إي" 100 مليون دولار في بناء بطارية عالمية مركز تصنيعها في سكهنكتدي ولاية نيويورك، والذي افتتح عام 2012. ووفقاً للتقارير الصحفية، فإن الطلب على البطاريات الجديدة مرتفع جداً لدرجة أن شركة "جي إي" غرقت في تراكم الطلبات.
كان التركيز في المائة عام الأولى من التعليم الإداري على بناء الاستراتيجيات والأدوات التي تشكل الصيغة التنفيذية والكفاءة بالنسبة للمشاريع القائمة. أما الآن، نمتلك المجموعة الأولى من الأدوات التي تمكننا من البحث عن نماذج أعمال جديدة أثناء إطلاقنا لمشاريع الشركات الناشئة. ويحدث أنها وصلت في الوقت المناسب تماماً لمساعدة الشركات الحالية في التعامل مع الاختلالات المستمرة. سوف تعمل هذه القوى في القرن الحادي والعشرين على إضفاء الشعور بالضغط على الأشخاص بسبب التغيير السريع في شتى أنواع الشركات، سواء الشركات الناشئة أو المشاريع الصغيرة أو المؤسسات أو الحكومية منها. وسيعمل منهج الشركات الناشئة على مساعدتهم في مواجهتها المباشرة، والابتكار السريع، وتحويل الأعمال من الصورة النمطية التي نعرفها.